أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 17 - صـ 782

جلسة 30 من مارس سنة 1966

برياسة السيد المستشار/ أحمد زكي محمد نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: عبد المجيد يوسف الغايش، ومحمد ممتاز نصار، وصبري أحمد فرحات، ومحمد نور الدين عويس.

(105)
الطعن رقم 20 لسنة 34 ق "أحوال شخصية"

(أ، ب) أحوال شخصية. "المسائل الخاصة بالمصريين". "طلاق".
"ردة". اختصاص. "اختصاص نوعي". "اختصاص المحاكم الابتدائية".
( أ ) دعاوى الطلاق والخلع والمبارأة والفرقة بين الزوجين. اختصاص. المادة الثامنة من القانون رقم 462 لسنة 1955.
(ب) فرقة. ردة. حكمها. وجوب الفرقة بين الزوجين بمجرد تحقق سببها. دعوى الفرقة. عدم اعتبارها من منازعات الزواج.
(ج) أحوال شخصية. "الحسبة".
الحسبة. فعل ما يحتسب عند الله. من فروض الكفاية. صدورها عن ولاية شرعية أضفاها الشارع عن كل من أوجبها عليه.
(د) أحوال شخصية. "الحسبة". دعوى. "شروط قبول الدعوى". "دعوى الحسبة".
دعوى الحسبة. عدم تقييدها بشرط الإذن أو التفويض من ولي الأمر.
(هـ) أحوال شخصية. "مسائل الأحوال الشخصية". "القانون الواجب التطبيق". حق. دعوى. "دعوى الأحوال الشخصية". "القانون الواجب التطبيق".
مسائل الأحوال الشخصية. الحق والدعوى به. تطبيق نصوص اللائحة الشرعية وأرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة وما وردت بشأنه قواعد خاصة في قوانينها.
(و) أحوال شخصية. "القانون الواجب التطبيق". قانون. "مسائل الأحوال الشخصية". "القانون الواجب التطبيق".
الشريعة الإسلامية. القانون العام الواجب التطبيق في مسائل الأحوال الشخصية. صدور الأحكام طبقاً لما هو مدون بلائحة ترتيب المحاكم الشرعية ولأرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة أو لما ورد بالقوانين الخاصة. عدم النص في تلك القوانين على قواعد خاصة. وجوب الرجوع إلى أرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة.
1 - طبقاً للمادة الثامنة من القانون رقم 462 لسنة 1955 بإلغاء المحاكم الشرعية أصبحت دعاوى النسب في غير الوقف والطلاق والخلع والمبارأة "والفرقة بين الزوجين بجميع أسبابها" من اختصاص المحاكم الابتدائية بعد أن كانت وفقاً للمادة السادسة من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية من اختصاص المحاكم الجزئية.
2 - الردة - وهي الرجوع عن دين الإسلام - سبب من أسباب الفرقة، ومن أحكامها أنه ليس لمرتد أن يتزوج أصلاً، لا بمسلم ولا بغير مسلم، إذ هي في معنى الموت وبمنزلته والميت لا يكون محلاً للزواج وهي لو اعترضت على الزواج رفعته وإذا قارنته تمنعه من الوجود؛ وفقه الحنفية على أن المرأة إذا ارتدت ثم تزوجت لا ينعقد لها زواج وإذا تزوجت ثم ارتدت انفسخ العقد ووجبت الفرقة بين الزوجين بمجرد تحقق سببها وبنفس الردة وبغير توقف على قضاء القاضي - وإذ كانت دعوى المطعون عليه هي دعوى فرقة سببها ردة الطاعنة الثانية وزواجها بعد ردتها من الطاعن الأول وأنهما يتعاشران معاشرة الأزواج بينما لم ينعقد بينهما زواج، فإنها بذلك تكون من اختصاص المحاكم الابتدائية ولا تعتبر من منازعات الزواج والمواد المتعلقة بالزوجية التي تختص بها المحاكم الجزئية.
3 - الحسبة هي فعل ما يحتسب عند الله وفي اصطلاح الفقهاء هي أمر بمعروف إذا ظهر تركه ونهي عن منكر إذا ظهر فعله، وهي من فروض الكفاية وتصدر عن ولاية شرعية أصلية - أو مستمدة - أضفاها الشارع على كل من أوجبها عليه وطلب منه القيام بها وذلك بالتقدم إلى القاضي بالدعوى والشهادة لديه أو باستعداء إلى المحتسب أو والي المظالم. ودعوى الحسبة تكون فيما هو حق الله أو فيما كان حق الله فيه غالباً كالدعوى بإثبات الطلاق البائن وبالتفريق بين زوجين زواجهما فاسد.
4 - جمهور الفقهاء على عدم تقييد دعوى الحسبة بشرط الإذن أو التفويض من ولي الأمر.
5 - الحق والدعوى به في مسائل الأحوال الشخصية التي كانت من اختصاص المحاكم الشرعية تحكمه نصوص اللائحة الشرعية وأرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة وما وردت بشأنه قواعد خاصة في قوانينها.
6 - الشريعة الإسلامية هي القانون العام الواجب التطبيق في مسائل الأحوال الشخصية وعملاً بالمادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية تصدر الأحكام فيها طبقاً لما هو مدون بهذه اللائحة ولأرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة وذلك فيما عدا الأحوال التي وردت بشأنها قوانين خاصة للمحاكم الشرعية - ومنها قانون الوصية وقانون المواريث - تضمنت قواعد مخالفة للراجح من هذه الأقوال فتصدر الأحكام فيها طبقاً لتلك القواعد، ومؤدى ذلك أنه ما لم تنص تلك القوانين على قواعد خاصة تعين الرجوع إلى أرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة وهو ما لا يجوز معه - وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض - القول بأن سكوت القانون أو خلوه من النص على حكم في مسألة من هذه المسائل إنما أراد به المشرع أن يخالف نصاً في القرآن أو السنة الصحيحة أو حكماً اتفق عليه فقهاء المسلمين - وإذ كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر وطبق أحكام الردة على زواج الطاعنة الثانية بعد ردتها وقضى ببطلانه وأمر بالتفريق بينها وبين الطاعن الأول محافظة على حقوق الله وصيانة لها من العبث وهي أمور لا تتصل "بحرية العقيدة" ولكن بما رتبه الفقهاء عليها من آثار، فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن فهمي أحمد البنا المطعون عليه أقام الدعوى رقم 64 سنة 1958 المنصورة الابتدائية للأحوال الشخصية ضد أنطون فهمي أنطون وبدور عبده صالح الطاعنين بطلب الحكم ببطلان عقد زواجهما والتفريق بينهما مع إلزامهما بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وقال شرحاً لدعواه إن المدعى عليهما يتعاشران معاشرة الأزواج مع أن الأول مسيحي والثانية كانت مسلمة وارتدت عن الإسلام بمقتضى المحضر المؤرخ 17/ 11/ 1951 والمودع بمطرانية المنوفية للأقباط الأرثوذكس. وبتاريخ 25/ 11/ 1951 قام القمص حنا مرقص كاهن الكنيسة المرقصية بالقاهرة بعقد زواجها بالمدعى عليه الأول باعتبارها قبطية أرثوذكسية ولما كان زواج المرتدة لا ينعقد شرعاً ويجب التفريق بينها وبين زوجها مسلماً كان أو غير مسلم بدعوى حسبة وابتغاء وجه الله ولم يمثلا لطلب التفريق فقد انتهى إلى طلب الحكم ببطلان هذا الزواج وأمرهما بأن يفترقا أمراً مشمولاً بالنفاذ - ودفع المدعى عليه الأول بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وبعدم سماعها لأن المدعي ليس خصماً شرعياً لأحد من المدعى عليهما ولا تربطه بهما صلة أبوة أو بنوة أو قرابة ولم يأذن بالخصومة فيها وفي الموضوع طلب رفضها. وبتاريخ 2/ 3/ 1959 حكمت المحكمة حضورياً للمدعى عليه الأول وغيابياً للمدعى عليها الثانية: (أولاً) برفض الدفع بعدم سماع الدعوى وبسماعها. (ثانياً) برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وباختصاصها. (ثالثاً) بإبطال عقد الزواج الحاصل بين المدعى عليه الأول والمدعى عليها الثانية بتاريخ 25 نوفمبر سنة 1951 والتفريق بينهما وشملت الحكم بالنفاذ. واستأنف المدعى عليهما هذا الحكم أمام محكمة استئناف المنصورة طالبين إلغاءه والحكم برفض الدعوى وقيد استئنافهما برقم 7 سنة 1959. وبتاريخ 7/ 4/ 1960 حكمت المحكمة حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وألزمت المستأنفين بالمصاريف وخمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة - وطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض وقيد هذا الطعن برقم 21 سنة 30 قضائية. وبتاريخ 17/ 10/ 1962 نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه وأحالت القضية على محكمة استئناف المنصورة وجدد المستأنفان السير فيه. وبتاريخ 25/ 3/ 1964 حكمت المحكمة حضورياً: (أولاً) ببطلان الحكم المستأنف. (ثانياً) برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة الابتدائية بنظر الدعوى وباختصاصها والدفع بعدم سماع الدعوى وبسماعها. (ثالثاً) ببطلان الزواج المبرم بين المستأنف الأول والمستأنفة الثانية بتاريخ 25/ 11/ 1951 واعتباره كأن لم يكن والتفريق بينهما وشمول الحكم بالنفاذ مع إلزامهما بالمصروفات عن الدرجتين وثلاثمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة.
وطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض للأسباب المبينة بالتقرير وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون وقررت إحالته على هذه الدائرة حيث أصر الطاعنان على طلب نقض الحكم وطلب المطعون عليه رفض الطعن وقدمت النيابة العامة مذكرة أحالت فيها على مذكرتها الأولى وطلبت رفض الطعن.
وحيث إن حاصل السبب الأول أن الحكم المطعون فيه قضى برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة الابتدائية بنظر الدعوى استناداً إلى ما نصت عليه المادة الثامنة من القانون رقم 462 لسنة 1955 من أن دعوى النسب في غير الوقف والطلاق والخلع والمبارأة والفرقة بين الزوجين بجميع أسبابها والمشار إليها في المادة السادسة من اللائحة الشرعية تكون دائماً من اختصاص المحاكم الابتدائية، وقد وردت عبارة هذه المادة عامة دون قيد أو تخصيص وهي تدل على أن ما كان من اختصاص المحكمة الجزئية أصبح من اختصاص المحكمة الابتدائية فيما يتعلق بالطلاق والخلع والمبارأة والفرقة بين الزوجين بجميع أسبابها. وهذا النظر غير سديد إذ بمقارنة نصوص لائحة ترتيب المحاكم الشرعية والقانون رقم 462 لسنة 1955 يتضح بجلاء أن الاختصاص بنظر دعوى الفرقة لبطلان الزواج يكون للمحكمة الجزئية لا للمحكمة الابتدائية وفقاً للمادة السادسة من اللائحة الشرعية وقد نصت على اختصاص المحكمة الجزئية بنظر مواد معينة منها "الزواج والمواد المتعلقة بالزوجية غير ما سبق" كما نصت على اختصاصها بالنظر ابتدائياً في دعاوى الطلاق والخلع والمبارأة والفرقة بين الزوجين بجميع أسبابها، وأصبحت الآن وبمقتضى المادة الثامنة من القانون رقم 462 لسنة 1955 ومن تاريخ العمل به من اختصاص المحاكم الابتدائية ومؤدى ذلك أن تختص المحاكم الابتدائية بنظر دعوى الفرقة بين زوجين انعقد بينهما زواج صحيح ثم قام لديهما سبب من أسباب الفرقة للشقاق أو الضرر أما حيث يدور النزاع على صحة العقد أو بطلانه ووجوده أو انعدامه فإن الاختصاص بالنظر فيه يكون للمحكمة الجزئية باعتباره من مسائل "الزواج والمواد المتعلقة بالزوجية" والنزاع في الدعوى يدور حول فسخ زواج الطاعنين لوقوعه باطلاً شرعاً وهي على هذه الصورة لا تعتبر من دعاوى الفرقة بين زوجين انعقد بينهما زواج صحيح ثم قام به سبب من أسباب التفريق التي تختص بها المحاكم الابتدائية بل تعتبر من دعاوى الزواج التي نصت اللائحة على أن تختص بها المحاكم الجزئية وهو اختصاص من النظام العام تقضي فيه المحكمة من تلقاء نفسها ولا يمنع من ذلك عدم تمسك الطاعنين به أمام محكمة الاستئناف.
وحيث إن هذا النعي في غير محله ذلك أنه وفقاً للمادة الثامنة من القانون رقم 462 لسنة 1955 بإلغاء المحاكم الشرعية أصبحت دعاوى النسب في غير الوقف والطلاق والخلع والمبارأة "والفرقة بين الزوجين بجميع أسبابها" من اختصاص المحاكم الابتدائية بعد أن كانت وفقاً للمادة السادسة من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية من اختصاص المحاكم الجزئية، وإذ كانت الردة وهي الرجوع عن دين الإسلام سبباً من أسباب الفرقة ومن أحكامها أنه ليس لمرتد أن يتزوج أصلاً لا بمسلم ولا بغير مسلم إذ هي في معنى الموت وبمنزلته والميت لا يكون محلاً للزواج وأنها "لو اعترضت على الزواج رفعته وإذا قارنته تمنعه من الوجود" وفقه الحنفية على أن المرأة إذا ارتدت ثم تزوجت لا ينعقد لها زواج وإذا تزوجت ثم ارتدت انفسخ العقد ووجبت الفرقة بين الزوجين بمجرد تحقق سببها وبنفس الردة وبغير توقف على قضاء القاضي - إذ كان ذلك، وكانت دعوى المطعون عليه هي دعوى فرقة سببها ردة الطاعنة الثانية وزواجها بعد ردتها من الطاعن الأول وأنهما يتعاشران معاشرة الأزواج بينما لم ينعقد بينهما زواج وهي بذلك تكون من اختصاص المحاكم الابتدائية ولا تعتبر من منازعات "الزواج والمواد المتعلقة بالزوجية" التي تختص بها المحاكم الجزئية - إذ كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر وجرى في قضائه على أن "الدفع الذي أبداه المستأنفان بعدم اختصاص المحكمة الابتدائية نوعياً بنظر الدعوى مردود عليه بما تقضي به المادة الثامنة من القانون رقم 462 لسنة 1955 التي تنص صراحة على أن دعوى النسب في غير الوقف والطلاق والخلع والمبارأة والفرقة بين الزوجين بجميع أسبابها والمشار إليها في المادة السادسة من القانون رقم 78 لسنة 1931 فإنها تكون دائماً من اختصاص المحكمة الابتدائية وقد جاءت عبارة هذا النص مطلقة دون تخصيص أو قيد" فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه.
وحيث إن حاصل السبب الثاني أن الطاعنين دفعا بعدم سماع الدعوى لانعدام المصلحة فيها ولعدم استئذان وزارة العدل في رفعها وقضى الحكم المطعون فيه برفض هذا الدفع مستنداً في ذلك إلى أن الدعوى مرفوعة حسبة وبحق من حقوق الله ويجوز لأي فرد رفعها إزالة للمنكر ومنعاً للضرر والمصلحة مفترضة في رفعها ولا يمنع من سماعها تعليمات وزارة العدل بضرورة استئذانها في رفعها، وهذا من الحكم خطأ ومخالفة للقانون، إذ لو صح أن المحاكم الشرعية كانت تسمع دعاوى الحسبة وفقاً للأحكام الشرعية إلا أن هذه المحاكم ألغيت وأصبحت المحاكم الوطنية هي المختصة بالنظر في منازعات الأحوال الشخصية وهي تنظرها وفقاً لأحكام قانون المرافعات فيما عدا الأحوال التي وردت بشأنها قواعد خاصة في لائحة ترتيب المحاكم الشرعية ودعوى المطعون عليه يحكمها قانون المرافعات وقد نص في المادة الرابعة منه على أنه "لا يقبل أي طلب أو دفع لا يكون لصاحبه فيه مصلحة قائمة يقرها القانون" وهي واجبة التطبيق على جميع الدعاوى التي كانت من اختصاص المحاكم الشرعية وأصبحت من اختصاص المحاكم الوطنية وهذه المحاكم لا تعرف دعوى الحسبة وليس في نصوص اللائحة الشرعية ما يشير إلى جواز رفعها وما نص عليه في المادة 28 من أن "الإذن بالخصومة في غير الأوقاف بجميع مقتضياته من اختصاص رؤساء المحاكم والقضاة الجزئيين" يتعين تحديد مداه على ضوء المادة 4 من قانون المرافعات وقد رفع المطعون عليه الدعوى دون استصدار هذا الإذن - ومن جهة أخرى فالمقصود من دعوى الحسبة هو رفع المنكر لا التشهير بالغير والانتقام والثابت من الأوراق أن المطعون عليه أقام ضد الطاعنين دعوى طرد أمام دائرة الإيجارات بمحكمة المنصورة لبطلان زواجهما وحكم برفضها لأن زواجهما صحيح ويحميه دستور الدولة ثم عاد وبقصد إعادة النظر في هذا الحكم فأقام الدعوى الحالية أمام دائرة الأحوال الشخصية وهو لا يبغي منها إلا الكيد وحملهما على إخلاء الشقة التي يسكنانها بمنزله ومثله لا يقال إنه يرفع دعواه حسبة وابتغاء وجه الله ولمثل دعواه صدر منشور وزارة العدل رقم 35 في 3/ 12/ 1918 بوجوب إحالة إعلانات هذا النوع من الدعاوى إلى الوزارة لتأمر بالسير فيها.
وحيث إن هذا النعي مردود (أولاً) بما سبق من أن المرأة إذا ارتدت ثم تزوجت لا ينعقد لها زواج ووجبت الفرقة بين الزوجين بمجرد تحقق سببها وبنفس الردة ولا تتوقف على قضاء القاضي، ومردود (ثانياً) بأن الحسبة هي فعل ما يحتسب عند الله وفي اصطلاح الفقهاء أمر بمعروف إذا ظهر تركه ونهي عن منكر إذا ظهر فعله وهي من فروض الكفاية وتصدر عن ولاية شرعية أصلية - أو مستمدة - أضفاها الشارع على كل من أوجبها عليه وطلب منه القيام بها وذلك بالتقدم إلى القاضي بالدعوى والشهادة لديه أو باستعداء إلى المحتسب أو وإلى المظالم "تبليغ النيابة العامة" ودعوى الحسبة تكون فيما هو حق الله أو فيما كان حق الله فيه غالباً كالدعوى بإثبات الطلاق البائن وبالتفريق بين زوجين زواجهما فاسد وجمهور الفقهاء على عدم تقييدها بشرط الإذن أو التفويض من ولي الأمر، مردود (ثالثاً) بأن الحق والدعوى به في مسائل الأحوال الشخصية التي كانت من اختصاص المحاكم الشرعية تحكمه نصوص اللائحة الشرعية وأرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة وما وردت بشأنه قواعد خاصة في قوانينها.
وحيث إن حاصل السبب الثالث أن الحكم المطعون فيه قضى بالتفريق بين الطاعنين وببطلان عقد زواجهما وطبق في شأنهما أحكام الشريعة الإسلامية مستنداً في ذلك إلى أنها واجبة التطبيق ولا يوجد في القوانين الوضعية ما يتعارض مع أحكامها وهو نظر غير سديد لأن أحكام الشريعة الإسلامية إنما تطبق حيث لا تصطدم بشريعة أخرى أولى منها بالتطبيق وهي شريعة الأقباط الأرثوذكس التي عقد زواج الطاعنين طبقاً لأحكامها بعد أن اعتنقت المطعون عليها الثانية تلك الشريعة وصدر قرار مجلس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بقبولها وأصبحت تؤدي طقوس وتعاليم تلك الكنيسة وبهذا يكون الطاعنان مسيحيين وتطبق عليهما تلك الشريعة التي تنظم أحوالهما الشخصية طالما أنها لا تصطدم مع النظام العام في الدولة ولم يقل أحد أن اعتناق المسيحية فيه إخلال بالنظام العام ولا يجوز تطبيق أحكام شريعة أخرى باعتبار ما كان من أمر هذه السيدة وما آل إليه أمرها - وغني عن البيان أن الشريعة الإسلامية إنما تطبق في حالة اختلاف الطائفة أو الملة - والطاعنان ينتميان لملة واحدة وطائفة واحدة هي طائفة الأقباط الأرثوذكس ومن ثم فإن شريعة هذه الطائفة تكون هي الواجبة التطبيق ومن جهة أخرى فإن هذا النظر من الحكم يتعارض مع المادة 12 من الدستور التي تنص على حرية العقيدة والفكر وحرية الأديان بالنسبة لجميع المواطنين مسلمين وغير مسلمين ومن مقتضى هذه الحريات أن يترك للشخص كامل الحرية في اختيار الدين الذي يرتاح إليه ويتعين على القضاء الوقوف عند بحث توافر المظاهر الخارجية الرسمية لاعتناق الدين الجديد، وجرى قضاء محاكم الأحوال الشخصية على عدم تطبيق أحكام الردة في الشريعة الإسلامية طالما أنه لم يصدر قانون ينظمها وطالما أن أحكام الدستور قد كفلت حرية الاعتقاد بكافة ما يترتب عليها من أوضاع سواء تعلقت بإرث أو زواج أو بغيرهما وهو ذات النظر الذي انتهى إليه مجلس الدولة بصدد زواج البهائيين وقد أفتى باختصاص الموثق بعقد زواجهم مستنداً إلى المادة 12 من الدستور وما تنص عليه من أن حرية الاعتقاد مطلقة وأن لكل إنسان حرية تكوين عقيدته الدينية أياً كانت هذه العقيدة ومن باب أولي يجب أن يباح زواج المسيحية التي ارتدت عن دين الإسلام ودخلت في دين آخر تقره الدولة وهو الدين المسيحي، هذا ولقد كانت المادة 6 من مشروع قانون المواريث رقم 77 لسنة 1943 تتضمن النص على منع إرث المرتد من غيره واعترضت لجنة الشئون التشريعية بمجلس النواب على هذا النص وانتهى الأمر بحذفه ووعد وزير العدل بإعداد مشروع خاص بأحكام الردة وإلى الآن لم يصدر قانون في تنظيم هذه الأحكام ومن ثم فلا مناص من التزام أحكام الدستور، وإذ طبق الحكم المطعون فيه أحكام الشريعة في زواج المرتدة فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه.
وحيث إن هذا النعي في غير محله ذلك أن الشريعة الإسلامية هي القانون العام الواجب التطبيق في مسائل الأحوال الشخصية وعملاً بالمادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية تصدر الأحكام فيها طبقاً لما هو مدون بهذه اللائحة ولأرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة وذلك فيما عدا الأحوال التي وردت بشأنها قوانين خاصة للمحاكم الشرعية - ومنها قانون الوصية وقانون المواريث - تضمنت قواعد مخالفة للراجح من هذه الأقوال فتصدر الأحكام فيها طبقاً لتلك القواعد ومؤدى ذلك أنه ما لم تنص تلك القوانين على قواعد خاصة تعين الرجوع إلى أرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة وهو ما لا يجوز معه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - القول بأن سكوت القانون أو خلوه من النص على حكم في مسألة من هذه المسائل إنما أراد به المشرع أن يخالف نصاً في القرآن أو السنة الصحيحة أو حكماً اتفق عليه فقهاء المسلمين - وإذ كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر وطبق أحكام الردة على زواج الطاعنة الثانية بعد ردتها وهو في فقه الحنفية زواج لا ينعقد وقضى ببطلانه وأمر بالتفريق بينها وبين الطاعن الأول محافظة على حقوق الله وصيانة لها من العبث وهي لا تتصل بحرية العقيدة ولكن بما رتبه الفقهاء عليها من آثار - فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه.