مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الحادية والعشرون - (من أول أكتوبر سنة 1975 إلى أخر سبتمبر سنة 1976) - صـ 7

(3)
جلسة 20 من ديسمبر 1975

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ أحمد ثابت عويضة نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة: محمد صلاح الدين السعيد، عباس فهمي بدر، محمود طلعت الغزالي، جمال الدين إبراهيم وريده - المستشارين.

القضية رقم 595 لسنة 17 القضائية

دعوى - اختصاص - إحالة.
المادة 110 من قانون المرافعات المدنية والتجارية توجب على المحكمة إذا قضت بعدم اختصاصها أن تأمر بإحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة وتلتزم المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها أي بالفصل في موضوعها ولو كان عدم الاختصاص متعلقاً بالولاية - يمتنع على المحكمة التي تحال إليها الدعوى بعد الحكم بعدم الاختصاص من المحكمة المحيلة أن تعاود البحث في موضوع الاختصاص أياً كانت طبيعة المنازعة ومدى علاقة الحكم الصادر فيها بعدم الاختصاص أو الأسباب التي بني عليها حتى ولو كان عدم الاختصاص متعلقاً بالوظيفة - أساس ذلك أن المشرع قدر أن الاعتبارات التي اقتضت الأخذ بهذه القاعدة تسمو على ما يتطلبه التنظيم القضائي عادة من عدم تسليط قضاء محكمة على قضاء محكمة أخرى.
ومن حيث إنه بجلسة 13 من مايو 1970 قضت محكمة القاهرة الابتدائية بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وأمرت بإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري المختصة بنظرها، إلا أن المحكمة الأخيرة أصدرت بجلستها المنعقدة في 26 من مايو 1971 حكمها بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالفصل في الدعوى وبإحالتها بحالتها إلى المحكمة العليا للاختصاص، وأقامت قضاءها على أنه لما كان المدعي من العاملين بإحدى شركات القطاع العام فإنه لا يصدق عليه وصف الموظف العام وينحسر عنه اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر طعنه في القرار الصادر في شأنه على ما تناولته على سبيل الحصر والتحديد المادة 8 من قانون تنظيم مجلس الدولة رقم 55 لسنة 1959 وبالتالي فإنه لا اختصاص للقضاء الإداري بنظر الدعوى، ومن جهة أخرى فان إحالة الدعوى من محكمة القاهرة الابتدائية بعد حكمها بعدم الاختصاص لا يلزم محكمة القضاء الإداري - وهي غير مختصة ولائياً بنظرها - بالفصل فيها لأن معنى ذلك أن تسلب المحكمة المحلية من اختصاصها لتفرض على محكمة سواها اختصاصاً دخيلاً عليها، وأنه يترتب على التسليم بهذا النظر أن يتوزع الاختصاص بين المحاكم لا بقانون كما هو الأصل وإنما بمجرد حكم قضائي وفي هذا ما فيه من خروج على مبدأ الفصل بين السلطات وهو مبدأ دستوري فضلاً عما يؤدي إليه من تضارب بين أحكام المحكمة الواحدة حين تقضي حيناً بعدم اختصاصها بالنسبة إلى الدعاوى التي ترفع إليها مباشرة وحيناً باختصاصها بالنسبة إلى الدعاوى المماثلة التي قد تحال إليها، الأمر الذي لا مناص معه - فيما ذهب الحكم المطعون فيه - من اعتبار أن المقصود من الحكم الوارد في المادة 110 مرافعات والذي يلزم المحكمة إذا قضت بعدم اختصاصها أن تأمر بإحالة الدعوى بحالتها إلى المحكمة المختصة كما تلزم المحكمة المحال إليها بنظرها أن المقصود به إلزام المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها دون الفصل فيها ورتبت المحكمة على ذلك أنه يتعين على المحكمة التي أحيلت إليها الدعوى من محكمة أخرى طبقاً للمادة 110 المشار إليها أن تقضي في حالة تبين عدم اختصاصها الولائي بعدم اختصاصها هي الأخرى وأن تحيل الدعوى إلى المحكمة العليا التي عقد لها الاختصاص بالفصل في التنازع السلبي بموجب القانون رقم 81 لسنة 1969.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه وإن أصاب الحق فيما قضى به من عدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالفصل في الدعوى تأسيساً على أن الالتزام الوارد بالمادة 110 مرافعات إنما ينصرف إلى التزام المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها دون التزامها بالفصل فيها إلا أن الحكم خالف القانون فيما انتهى إليه من إحالة الدعوى إلى المحكمة العليا لأن الإحالة بموجب هذا النص لا تجوز إلا إلى محكمة مختصة أصلاً بنظر النزاع موضوعاً، كذلك فإن المشرع حدد القواعد والإجراءات التي يلتزم أصحاب الشأن بإتباعها في مسائل تنازع الاختصاص ورفعها إلى المحكمة العليا خارج نطاق قانون المرافعات المدنية والتجارية، ومن ثم فلا تسري أحكام هذا القانون ومنها الحكم الوارد في المادة 110 على هذه المسائل.
ومن حيث إنه ولئن اقتصر الطعن في الحكم على الشق الخاص بإحالة الدعوى إلى المحكمة العليا دون الشق الخاص بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، إلا أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الطعن من هيئة مفوضي الدولة أمام المحكمة الإدارية العليا يفتح الباب أمامها لتزن الحكم المطعون فيه بميزان القانون وزناً مناطه استظهار ما إذا كانت قد قامت به حالة من الحالات التي تعيبه مما نص عليه في قانون مجلس الدولة فتلغيه ثم تنزل حكم القانون على المنازعة دون التقيد بطلبات الهيئة أو الأسباب التي تبديها، وذلك نزولاً على سيادة القانون في روابط القانون العام، أم إنه لم تقم به أية حالة من تلك الحالات وكان صائباً في قضائه فتبقى عليه وترفض الطعن، وينبني على ذلك أنه متى كانت هيئة مفوضي الدولة قد قصرت طعنها على الشق الثاني من الحكم المتعلق بالإحالة إلى المحكمة العليا دون الشق الأول المتعلق بالاختصاص، وكان الشقان مرتبطين أحدهما بالآخر ارتباطاً جوهرياً، فإنه لا مندوحة من اعتبار الطعن في الشق الثاني مثيراً للطعن في الشق الأول.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق لها أن قضت بأن المادة 110 من قانون المرافعات المدنية والتجارية توجب على المحكمة إذا قضت بعدم اختصاصها أن تأمر بإحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة وتلتزم المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها - أي بالفصل في موضوعها ولو كان عدم الاختصاص متعلقاً بالولاية، وأن المشرع إنما استهدف من إيراد حكم هذا النص حسم المنازعات ووضع حد لها حتى لا تتقاذفها أحكام عدم الاختصاص من محكمة لأخرى وفى ذلك ما فيه من مضيعة لوقت القضاء ومجلبة لتناقض أحكامه.. وأنه إزاء صراحة نص المادة 110 من قانون المرافعات وإطلاقه فقد بات ممتنعاً على المحكمة التي تحال إليها الدعوى بعد الحكم بعدم الاختصاص من المحكمة المحلية أن تعاود البحث في موضوع الاختصاص أياً كانت طبيعة المنازعة ومدى سلامة الحكم الصادر فيها بعدم الاختصاص والأسباب التي بني عليها حتى ولو كان عدم الاختصاص متعلقاً بالوظيفة، إذ قدر المشرع أن الاعتبارات التي اقتضت الأخذ بهذه القاعدة تسمو على ما يتطلبه التنظيم القضائي عادة من عدم تسليط قضاء محكمة على قضاء محكمة أخرى، وبمراعاة أن إلزام المحكمة المحال إليها الدعوة بالفصل فيها طبقاً للمادة 110 المشار إليها لا يخل بحق المدعي في الطعن في الحكم الصادر بعدم الاختصاص والإحالة بطريق الطعن المناسب، فإذا فوت المدعي على نفسه الطعن فيه في الميعاد فإن الحكم يحوز حجية الشيء المقضي ولا يعود بالإمكان إثارة عدم اختصاص المحكمة المحال إليها الدعوى.
ومن حيث إنه لما تقدم فإن الحكم المطعون فيه يكون قد جانب الصواب فيما قضى به من عدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى بعد أن أحيلت الدعوى من محكمة القاهرة الابتدائية التي قضت بعدم اختصاصها ولم يطعن في حكمها في الميعاد وبذلك تكون إحالة الدعوى من محكمة القضاء الإداري إلى المحكمة العليا - بغض النظر عن مدى سلامة هذه الإحالة - غير ذات الموضوع.. وإذ أخطأ الحكم المطعون فيه في تطبيق القانون وتأويله على الوجه المتقدم فإنه يتعين إلغاؤه والقضاء باختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر الدعوى وإعادتها إليها للفصل في موضوعها.