أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 17 - صـ 899

جلسة 21 من إبريل سنة 1966

برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: إبراهيم الجافي، ومحمد صادق الرشيدي، وإبراهيم علام، وسليم راشد أبو زيد.

(123)
الطعن رقم 281 لسنة 32 القضائية

( أ ) دعوى. "دعوى صحة ونفاذ العقد". "دعوى بطلان العقد". عقد. بطلان. بيع. إثبات. "حجية الأمر المقضي".
دعوى صحة ونفاذ عقد البيع تستلزم أن يكون من شأن البيع موضوع التعاقد نقل الملكية حتى إذا ما سجل الحكم قام تسجيله مقام تسجيل العقد في نقلها. مقتضى ذلك أن يفصل القاضي في أمر صحة البيع واستيفائه للشروط اللازمة لانعقاده وصحته وفي أمر امتناع البائع عن تنفيذ التزاماته. اتساع الدعوى لبحث كل أسباب بطلان العقد. عدم إبداء الخصم سبب من هذه الأسباب كان استطاعته إبداؤه في الدعوى. الحكم بصحة ونفاذ العقد مانع من رفع دعوى جديدة ببطلان العقد في استناداً إلى هذا السبب.
دعوى بطلان العقد لسبب من أسباب البطلان. اقتصار وظيفة المحكمة فيها على بحث هذا السبب وحده. قضاؤها بالرفض لا يتعدى ذلك إلى القضاء بصحة العقد ولا يمنع من رفع دعوى جديدة بطلب بطلان ذات العقد لسبب آخر من أسباب البطلان.
(ب) قوة الأمر المقضي. دعوى. "عدم جواز نظر الدعوى". "دعوى صحة العقد". إثبات. "القرائن".
الحكم بصحة ونفاذ العقد نهائياً يحوز قوة الأمر المقضي في شأن صحة هذا العقد. مانع للخصوم أو خلفهم من التنازع في هذه المسألة في دعوى أخرى بطلب بطلانه. طلب صحة العقد وطلب بطلانه وجهان متقابلان لشيء واحد.
(ج) قوة الأمر المقضي. إثبات. "القرائن". دعوى. "دعوى صحة العقد".
للقضاء النهائي قوة الأمر المقضي فيما فصل فيه بصفة صريحة أو بصفة ضمنية حتمية. اكتسابه قوة الأمر المقضي مانع للخصوم من العودة للمناقشة في المسألة التي فصل فيها بأي دعوى تالية ولو بأدلة قانونية أو واقعية لم يسبق إثارتها في الدعوى الأولى أو أثيرت ولم يبحثها الحكم الصادر فيها.
(د) قوة الأمر المقضي. إثبات. "الإثبات بالقرائن". دعوى. "دعوى صحة العقد". بطلان. عقد.
إبرام عقد البيع الصادر من المحجور عليه قبل صدور قرار الحجر عليه للعته. هذا القرار لا يصلح بذاته سنداً لطلب بطلان ذلك العقد. بطلانه على أساس شيوع حالة العته وقت العقد أو علم الطرف الآخر بها. عدم إبداء طلب البطلان بسبب العته المدعى وجوده وقت العقد في الدعوى المرفوعة بصحة العقد ثم الحكم نهائياً بصحة ذلك. صدور قرار الحجر بعد ذلك لا يعتبر سبباً طرأ بعد الحكم يحول دون التمسك بقوة الأمر المقضي.
(هـ) دعوى. "عدم جواز نظر الدعوى". نقض. "المسائل الواقعية". محكمة الموضوع.
استخلاص النزول عن الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها أو عدم النزول عنه. من الأمور الواقعية التي تستقل بها محكمة الموضوع.
1 - الدعوى بصحة ونفاذ العقد تستلزم أن يكون من شأن البيع موضوع التعاقد نقل الملكية حتى إذا ما سجل الحكم قام مقام العقد المسجل في نقل الملكية وهذا يقتضي أن يفصل القاضي في أمر صحة البيع ويتحقق من استيفائه للشروط اللازمة لانعقاده وصحته ثم يفصل في أمر امتناع البائع عن تنفيذ التزاماته ومن ثم فإن تلك الدعوى تتسع لأن يثار فيها كل أسباب بطلان العقد إذ من شأن هذا البطلان لو صح أن يحول دون الحكم بصحة العقد وعلى ذلك فإنه إذا فات الخصم إبداء سبب من هذه الأسباب كان في استطاعته إبداؤه في تلك الدعوى ثم حكم بصحة العقد ونفاذه فإن هذا الحكم يكون مانعاً لهذا الخصم من رفع دعوى جديدة ببطلان العقد استناداً إلى هذا السبب. ولا يصح قياس هذه الحالة على صورة رفع دعوى بطلب بطلان عقد لسبب من أسباب البطلان إذ في هذه الصورة تنحصر وظيفة المحكمة في بحث هذا السبب وحده فترفضه أو تقبله وهي حين تنتهي إلى رفضه يقتصر قضاؤها على هذا الرفض ولا يتعدى ذلك إلى القضاء بصحة العقد ومن ثم فإن حكمها برفض هذا السبب لا يمنع الخصوم من رفع دعوى جديدة بطلب بطلان ذات العقد لسبب آخر من أسباب البطلان أما في دعوى صحة ونفاذ العقد فالأمر مختلف إذ المحكمة لا تقف عند رفض أسباب البطلان التي توجه إلى العقد بل إنها تجاوز ذلك إلى البحث في صحة العقد ولا تقضي بصحته ونفاذه إلا إذا تحقق لها من الأوراق المقدمة إليها أن التصرف الذي يتناوله العقد صحيح ونافذ.
2 - متى حكم بصحة ونفاذ العقد وأصبح الحكم نهائياً فإنه يحوز قوة الأمر المقضي في شأن صحة هذا العقد ويمنع الخصوم أنفسهم أو خلفهم من التنازع في هذه المسألة في دعوى أخرى بطلب بطلانه ولا يغير من ذلك اختلاف الطلبات في الدعويين ذلك أن طلب صحة العقد وطلب بطلانه وجهان متقابلان لشيء واحد والقضاء بصحة العقد يتضمن حتماً القضاء بأنه غير باطل.
3 - للقضاء النهائي قوة الأمر المقضي فيما يكون قد فصل فيه بين الخصوم - بصفة صريحة أو بصفة ضمنية حتمية، ومتى حاز الحكم هذه القوة فإنه يمنع الخصوم في الدعوى التي صدر فيها من العودة إلى المناقشة في المسألة التي فصل فيها بأي دعوى تالية يثار فيها هذا النزاع ولو بأدلة قانونية أو واقعية لم يسبق إثارتها في الدعوى الأولى أو أثيرت ولم يبحثها الحكم الصادر فيها.
4 - إذا كان عقد البيع الصادر من المحجور عليه قد أبرم قبل صدور قرار الحجر عليه للعته فإن هذا القرار لا يصلح بذاته سنداً لطلب بطلان ذلك العقد طبقاً للمادة 114 من القانون المدني وإنما يكون طلب بطلانه لعته البائع على أساس شيوع هذه الحالة وقت العقد أو علم الطرف الآخر بها. ومتى كان عته البائع مدعي بوجوده وقت العقد فلم يكن هناك ما يحول دون إبداء طلب البطلان بسبب العته في الدعوى المرفوعة بصحة ونفاذ العقد فإن لم يبد هذا الطلب وصدر الحكم نهائياً بصحة ونفاذ العقد فإن صدور قرار الحجر على البائع بعد صدور الحكم في تلك الدعوى لا يعتبر سبباً طرأ بعد هذا الحكم يحول دون التمسك بقوة الأمر المقضى به التي حازها الحكم في شأن صحة العقد.
5 - استخلاص النزول عن الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها أو عدم النزول عنه هو من الأمور الواقعية التي يستقل بها قاضي الموضوع.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المرحوم إلياس جورج غالي مورث الطاعن والمطعون ضدها الأولى أقام الدعوى رقم 2355 سنة 1954 مدني كلي القاهرة على المطعون ضدها الأولى طالباً الحكم بإبطال عقد البيع الابتدائي المؤرخ 3 مايو، 5 يونيه سنة 1953 والمتضمن بيعه لها النصف على الشيوع في أرض زراعية مساحتها 1 ف و21 ط و20 س موضحة بصحيفة الدعوى والتأشير بذلك على هامش تسجيل الحكم رقم 4785 سنة 1953 كلي القاهرة الصادر بتاريخ 25 من إبريل سنة 1954 بصحة ونفاذ ذلك العقد ومحو كافة التسجيلات المترتبة على الحكم المذكور وقال شرحاً للدعوى إن ذلك العقد قد صدر منه إلى ابنة المطعون ضدها الأولى بطريق الاستغلال وهو عيب يلحق الرضا وأنه يحق له لذلك طلب إبطال العقد بالاستناد إلى نص المادة 129 من القانون المدني وأثناء سير هذه الدعوى أقام الأب "يوسف جبران" بوصفه قيماً على إلياس جورج غالي بعد توقيع الحجر عليه للعته، الدعوى رقم 4069 سنة 1955 مدني كلي القاهرة طالباً إبطال العقد سالف الذكر لصدوره من المحجور عليه وهو في حالة عته بين وقد أمرت محكمة الدرجة الأولى بضم الدعويين ليصدر فيهما حكم واحد ولما توفى إلياس جورج غالي حل محله في الدعويين ولده الطاعن ودفعت المطعون ضدها الأولى بعدم جواز نظر الدعويين لسبق الفصل في موضوعهما في الدعوى رقم 4785 سنة 1953 كلي القاهرة التي كانت قد رفعتها ضد المرحوم إلياس جورج غالي بطلب صحة ونفاذ ذلك العقد والتي قضي فيها بتاريخ 25 من إبريل سنة 1954 برفض الادعاء بتزوير العقد المذكور وبصحته ونفاذه - وفي 13 من يناير سنة 1960 قضت المحكمة الابتدائية برفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى وببطلان عقد البيع المؤرخ 3 من مايو و5 يونيه سنة 1953 الصادر من مورث الطاعن إلى المطعون ضدها الأولى ببيع قطعة الأرض الموضحة بصحيفة الدعويين وبمحو القيود والتسجيلات المرتبة من المطعون ضدها الأولى على العقار المشار إليه ابتداء من 22 من أكتوبر سنة 1955. فاستأنفت المطعون ضدها الأولى هذا الحكم بالاستئناف رقم 557 سنة 77 ق أمام محكمة استئناف القاهرة وفي أول مايو سنة 1962 قضت تلك المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم جواز نظر الدعويين رقمي 2355 سنة 1954، 4069 سنة 1955 كلي القاهرة لسبق الفصل في موضوعهما في الدعوى رقم 4785 سنة 1953 كلي القاهرة - وفي 30 مايو سنة 1962 طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه وبالجلسة المحددة لنظره تمسكت النيابة برأيها السابق.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه بالسبب الأول الخطأ في القانون والقصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول إن هذا الحكم أقام قضاءه بعدم جواز نظر الدعوى على أنه سبق الفصل في موضوعها بالحكم الصادر في الدعوى رقم 4785 سنة 1953 والذي قضى بصحة ونفاذ عقد البيع المطلوب الحكم ببطلانه في الدعوى الراهنة وأن الحكم في تلك الدعوى يمنع الطاعن من إعادة طرح النزاع في شأن انعقاد العقد ونفاذه وشروط صحته بما في ذلك أهلية عاقديه وأن السبب في الدعويين متحد لأنه هو التصرف ذاته وأن سكوت الطاعن عن إبداء كل ما لديه من دفاع ودفوع في تلك الدعوى يمنعه بعد صدور الحكم فيها من التمسك في دعوى جديدة بما سكت عن إبدائه في الدعوى الأولى ويرى الطاعن أن هذا من الحكم خطأ في القانون إذ يشترط لإعمال حجية الشيء المحكوم فيه أن تتحد المسألة المعروضة في الدعويين محلاً وسبباً وأن يكون الطرفان قد تناقشا فيها وتناولتها المحكمة بالبحث في الدعوى الأولى واستقرت حقيقتها بينهما وإذ كان الثابت أن مورث الطاعن اقتصر في رفع الدعوى الأولى الخاصة بصحة التعاقد على الادعاء بتزوير العقد وهو سبب مختلف عن السبب في الدعوى الحالية وهو بطلان العقد للعته البين كما أن الموضوع في الدعويين مختلف إذ هو في الدعوى الأولى تزوير العقد وفي الثانية بطلانه لتخلف شرط من شروط صحته. وليس في القانون ما يلزم الخصم بأن يتمسك في وقت واحد بكل ما لديه من دفوع بل له أن يرفع دعوى جديدة بما أغفله من دفوع في الدعوى الأولى فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بعدم جواز نظر الدعوى بحجة سبق الفصل في موضوعها بالحكم الصادر في الدعوى رقم 4785 سنة 1953 بصحة ونفاذ العقد يكون مخالفاً للقانون كما أنه إذ أغفل ما تمسك به الطاعن من أن قرار الحجر الذي تقوم عليه دعوى البطلان الحالية لم يصدر إلا في سنة 1955 أي بعد صدور الحكم بصحة ونفاذ العقد في الدعوى الأولى مما كان يستحيل عليه معه أن يستند إلى هذا القرار في تلك الدعوى يكون معيباً بالقصور.
وحيث إنه يبين من الوقائع المتقدم ذكرها أن المطعون ضدها الأولى سبق أن أقامت الدعوى رقم 4785 سنة 1953 مدني كلي القاهرة ضد مورث الطاعن المرحوم إلياس غالي بطلب الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع الصادر منه إليها والمؤرخ في 3 من مايو و5 من يونيه سنة 1953 وادعى المورث المذكور بتزوير العقد وفي 28 من فبراير سنة 1954 قضت المحكمة برفض الادعاء بالتزوير ثم قضت في 25 من إبريل سنة 1954 حضورياً بصحة ونفاذ هذا العقد - وبعد ذلك رفع مورث الطاعن الدعوى رقم 2335 سنة 1954 مدني كلي القاهرة على المطعون ضدها الأولى طالباً الحكم بإبطال العقد ذاته بحجة صدوره منه إليها بطريق الاستغلال - كما أقام الأب يوسف جبران بوصفه قيماً على محجوره إلياس غالي، بعد توقيع الحجر عليه للعته - الدعوى 4099 سنة 1955 مدني كلي القاهرة، على المطعون ضدها الأولى طالباً إبطال ذات العقد لصدوره من المحجور عليه وهو في حالة عته بين وبعد أن توفى المحجور عليه حل ولده الطاعن محله في الدعويين وقد دفعت المطعون ضدها الأولى بعدم جواز نظر الدعويين لسبق الفصل فيهما في الدعوى الأولى رقم 4785 سنة 1953 مدني كلي القاهرة، ولما كان الحكم الصادر في الدعوى الأولى رقم 4785 سنة 1953 لم يقتصر على القضاء برفض الادعاء بتزوير العقد بل قضى أيضاً بصحة العقد ونفاذه وكانت الدعوى بصحة ونفاذ العقد تستلزم أن يكون من شأن البيع موضوع التعاقد نقل الملكية حتى إذا ما سجل الحكم قام مقام العقد المسجل في نقل الملكية - وهذا يقتضي أن يفصل القاضي في أمر صحة البيع ويتحقق من استيفائه للشروط اللازمة لانعقاد وصحته ثم يفصل في أمر امتناع البائع عن تنفيذ التزاماته ومن ثم فإن تلك الدعوى تتسع لأن يثار فيها كل أسباب بطلان العقد إذ من شأن هذا البطلان لو صح أن يحول دون الحكم بصحة العقد ولا يصح قياس هذه الحالة على صورة رفع دعوى بطلب بطلان عقد لسبب من أسباب البطلان إذ في هذه الصورة تنحصر وظيفة المحكمة في بحث هذا السبب وحده فترفضه أو تقبله وهي حين تنتهي إلى رفضه يقتصر قضاؤها على هذا الرفض ولا يتعدى ذلك إلى القضاء بصحة العقد ومن ثم فإن حكمها برفض هذا السبب لا يمنع الخصوم من رفع دعوى جديدة بطلب بطلان ذات العقد لسبب آخر من أسباب البطلان أما في دعوى صحة ونفاذ العقد فالأمر مختلف إذ المحكمة لا تقف عند رفض أسباب البطلان التي توجه إلى العقد بل إنها تجاوز ذلك إلى البحث في صحة العقد ولا تقضي بصحته ونفاذه إلا إذا تحقق لها من الأوراق المقدمة إليها أن التصرف الذي يتناوله العقد صحيح ونافذ وإذ كانت هذه الدعوى كما سبق القول تتسع لإثارة جميع أسباب البطلان التي توجه إلى التصرف فإنه إذا فات الخصم إبداء سبب من هذه الأسباب كان في استطاعته إبداؤه في تلك الدعوى ثم حكم بصحة العقد ونفاذه فإن هذا الحكم يكون مانعاً لهذا الخصم من رفع دعوى جديدة ببطلان العقد استناداً إلى هذا السبب - لما كان ذلك، فإن الحكم السابق الصادر في الدعوى رقم 4785 سنة 1953 كلي القاهرة بصحة ونفاذ العقد المبرم بين مورث الطاعن والمطعون ضدها الأولى وقد أصبح نهائياً فإنه يحوز قوة الأمر المقضي في شأن صحة هذا العقد ويمنع الخصوم أنفسهم أو خلفهم من التنازع في هذه المسألة بالدعوى الراهنة ولا يغير من ذلك اختلاف الطلبات في الدعويين وكونها في الدعوى الأولى صحة العقد ونفاذه بينما هي في الثانية بطلانه ذلك أن طلب صحة العقد وطلب بطلانه وجهات متقابلان لشيء واحد والقضاء بصحة العقد يتضمن حتماً القضاء بأنه غير باطل ومن المقرر أن للقضاء النهائي قوة الأمر المقضي فيما يكون قد فصل فيه بين الخصوم بصفة صريحة أو بصفة ضمنية حتمية ومتى حاز الحكم هذه القوة فإنه يمنع الخصوم في الدعوى التي صدر فيها من العودة إلى المناقشة في المسألة التي فصل فيها بأي دعوى تالية يثار فيها هذا النزاع ولو بأدلة قانونية أو واقعية لم يسبق إثارتها في الدعوى الأولى أو أثيرت ولم يبحثها الحكم الصادر فيها ولما كان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر فإنه لا يكون مخالفاً للقانون. أما ما يثيره الطاعن من أن قرار الحجر الصادر في سنة 1955 بعد صدور الحكم بصحة ونفاذ العقد يعتبر سبباً طارئاً يحول دون التمسك بقوة الأمر المقضي فغير صحيح ذلك أنه علاوة على أن القرار الصادر بتوقيع الحجر للعته غير منشئ لهذه الحالة بل هو كاشف عنها فإن العقد محل النزاع وقد أبرم قبل صدور قرار الحجر فإن هذا القرار لا يصلح بذاته سنداً لطلب إبطال ذلك العقد طبقاً للمادة 114 من القانون المدني وإنما يجوز طلب إبطاله لعته البائع على أساس شيوع هذه الحالة وقت العقد أو علم الطرف الآخر بها وما دام عته البائع مدعي بوجوده وقت العقد فلم يكن ثمة ما يحول دون إبداء مورث الطاعنة لهذا الطلب في الدعوى الأولى الخاصة بصحة ونفاذ العقد إذ كانت تتسع لإثارته على ما سلف القول ومن ثم فلا يعتبر صدور قرار الحجر على البائع بعد صدور الحكم في تلك الدعوى سبباً طرأ بعد هذا الحكم يحول دون التمسك بقوة الأمر المقضى به التي حازها هذا الحكم في شأن صحة العقد.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه بالسبب الثاني القصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول إنه تمسك أمام محكمة الاستئناف بأن المطعون ضدها الأولى نزلت عن الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها إذ اقتصرت على إبدائه بجلسة 7 يونيه سنة 1954 وظلت بعد ذلك طوال ست سنوات تناقش موضوع الدعوى وتطلب رفضها لا عدم جواز نظرها مما يدل دلالة واضحة على نزولها الضمني عن التمسك بهذا الدفع ولكن الحكم المطعون فيه أطرح هذا الدفاع مكتفياً في الرد عليه بالقول بأنه لم يصدر من المطعون ضدها ما يدل على تنازلها عن التمسك بهذا الدفع صراحة أو ضمناً وهو رد قاصر يعيب الحكم.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه جاء به في هذا الخصوص ما نصه "ولما كان الثابت أن المستأنفة (المطعون ضدها الأولى) دفعت أمام محكمة الدرجة الأولى بعدم جواز نظر الدعويين لسبق الفصل في موضوعهما بالدعوى رقم 4785 سنة 1953 كلي القاهرة ولما كان الموضوع في الدعويين المنضمتين فقد سبق أن قضى فيه الحكم في الدعوى رقم 4785 سنة 1953 إذ أنه يدور حول صحة ونفاذ العقد. لما كان ذلك كله، ولم يكن قد صدر من المستأنفة ما يدل على نزولها عن التمسك بهذا الدفع أمام محكمة الدرجة الأولى صراحة أو ضمناً" وهذا الذي أورده الحكم المطعون فيه كاف في الرد على دفاع الطاعن آنف الذكر ويفيد أن محكمة الموضوع لم تجد فيما ساقه للتدليل على نزول المطعون ضدهما عن التمسك بالدفع الذي أبدته بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها ما يقنعها بحصول هذا النزول. ولما كان استخلاص نزول الطاعنة أو عدم نزولها عن الدفع الذي أبدته هو من الأمور الواقعية التي يستقل بها قاضي الموضوع وكانت الأسباب التي استند إليها الحكم المطعون فيه في نفي نزول المطعون ضدها عن الدفع سائغة ومن شأنها أن تؤدي إلى ما انتهى إليه الحكم فإن النعي عليه بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إنه لذلك يتعين رفض الطعن.