أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 40 - صـ 77

جلسة 5 من يناير سنة 1989

برئاسة السيد المستشار/ درويش عبد المجيد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد عبد المنعم حافظ نائب رئيس المحكمة، د. رفعت عبد المجيد، محمد خيري الجندي وعبد العال السمان.

(19)
الطعن رقم 492 لسنة 56 القضائية

(1) مسئولية "المسئولية التقصيرية: المسئولية الشيئية".
مسئولية حارس الأشياء. م 178 مدني. مناطها.
(2) مسئولية. مرافق عامة.
مسئولية وحدات الحكم المحلي عن حراسة شبكات الإنارة العامة في المدن والقرى. أساسها.
(3) دعوى "سبب الدعوى". تعويض. مسئولية. محكمة الموضوع.
محكمة الموضوع. التزامها بتحديد الأساس القانوني الصحيح للمسئولية في دعوى التعويض. عدم تقيدها بأسانيد المضرور. لا يعد ذلك تغييراً للسبب فيها. علة ذلك.
1 - الحراسة الموجبة للمسئولية طبقاً لنص المادة 178 من القانون المدني - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - إنما تتحقق بسيطرة الشخص الطبيعي أو المعنوي على الشيء سيطرة فعلية في الاستعمال والتوجيه والرقابة لحساب نفسه.
2 - مؤدى نص المادة الثانية من القانون رقم 43 لسنة 1979 - الذي يحكم واقعة الدعوى - بعد تعديلها بالقانون رقم 50 لسنة 1981 والمادة التاسعة عشر من اللائحة التنفيذية لهذا القانون أنه أصبح بصدور القانون رقم 43 لسنة 1979 منوطاً بوحدات الحكم المحلي تولي أعمال إنشاء وصيانة شبكات الإنارة العامة في مختلف المدن والقرى فتكون هذه الوحدات في مدلول حكم المادة 178 من القانون المدني حارسة على هذه الشبكات باعتبارها الجهة ذات الهيمنة والسيطرة الفعلية عليها بما أسند إليها قانوناً مهام إنشائها واستعمالها وصيانتها والرقابة على ما يتصل باستهلاك طاقة الكهرباء، ولا يسوغ انصراف الحراسة إلى الشركة الطاعنة والتي يبين من استقراء القرار رقم 221 لسنة 1978 الصادر من رئيس مجلس الوزراء بتأسيسها أن الغرض من إنشائها هو توزيع وبيع الطاقة الكهربائية للمستهلكين بمحافظات مصر الوسطى فلا يعتبر قيامها بهذا العمل من شأنه أن يخرج شبكات الإنارة العامة من السلطة الفعلية لوحدات الحكم المحلي وفقاً لما استهدفه القانون رقم 43 لسنة 1979 - ولائحته التنفيذية.
3 - المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنه يتعين على محكمة الموضوع في كل حال أن تتقصى من تلقاء نفسها الحكم القانوني الصحيح المنطبق على العلاقة بين طرفي دعوى التعويض، وأن تنزله على الواقعة المطروحة عليها باعتبار أن كل ما تولد به للمضرور من حق في التعويض عما أصابه من ضرر قبل من أضر به أو تسبب فيه إنما هو السبب المباشر المولد للدعوى بالتعويض، مهما كانت طبيعة المسئولية التي استند إليها المضرور في تأييد طلبه، أو النص القانون الذي - اعتمد عليه في ذلك، لأن هذا الاستناد يعتبر من وسائل الدفاع في دعوى التعويض التي يتعين على محكمة الموضوع أن تأخذ منها ما يتفق وطبيعة النزاع المطروح عليها وأن تنزل حكمه على واقعة الدعوى ولا يعد ذلك تغييراً لسبب الدعوى أو موضوعها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضدهما الأول والثانية أقاما الدعوى رقم 256/ 84 مدني المنيا الابتدائية على شركة كهرباء شمال الصعيد - التي يمثلها الطاعن بصفته - وعلى المطعون ضده الثالث وآخرين وطلبا الحكم بإلزامهم متضامنين بأن يؤدوا إليهما مبلغ ستين ألف جنيه، وقالا بياناً لدعواهما أنه بتاريخ 5 من أكتوبر سنة 1983 سقط على ابنهما سلك من أسلاك أعمدة الكهرباء المخصصة للإنارة العامة فصعقه وأدى إلى موته، وقد أجري تحقيق عن الحادث في المحضر رقم 659 سنة 1983 عوارض المنيا، وإذ حاق بهما ضرر أدبي نتيجة وفاة ولدهما كما انتقل إليهما إرثا عنه الحق في التعويض عما أصابه من ضرر وكان المدعى عليهم هم أصحاب السيطرة على الأسلاك الكهربائية التي أحدث إحداها الضرر فإن مسئوليتهم عن التعويض تكون متحققة وفقاً لنص المادة 178 من القانون المدني ولذا فقد أقاما الدعوى ليحكم بطلباتهما. وبتاريخ 10 من يناير 1985 قضت المحكمة بإلزام المطعون ضده الثالث بأن يدفع للمطعون ضدهما الأولين مبلغ ثلاثة آلاف جنيه، استأنف هذان الأخيران هذا الحكم لدى محكمة استئناف بني سويف "مأمورية المنيا" بالاستئناف رقم 117 سنة 21 قضائية طالبين تعديله والقضاء لهما بطلباتهما الواردة بالصحيفة، كما استأنفه المطعون ضده الثالث لدى ذات المحكمة بالاستئناف رقم 124 سنة 21 قضائية طالباً إلغاء الحكم المستأنف والقضاء بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة أو رفضها وبعد أن ضمت المحكمة الاستئناف الثاني إلى الاستئناف الأول حكمت بتاريخ 17 من ديسمبر سنة 1985 بإلغاء الحكم المستأنف وبإلزام الطاعن بأن يدفع للمطعون ضدهما الأولين مبلغ أربعة آلاف جنيه تعويضاً موروثاً يوزع بينهما حسب الفريضة الشرعية ومبلغ أربعة آلاف جنيه تعويضاً عن الضرر الأدبي يوزع بالسوية بينهما، طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وأودعت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، وإذ عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن في السببين الأول والثاني من أسباب الطعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول أنه تمسك في دفاعه أمام محكمة الاستئناف بأن الحادث محل المطالبة بالتعويض وقع في الخامس من أكتوبر سنة 1983 في وقت تولت فيه المحافظات والوحدات المحلية مسئولية إنشاء وصيانة شبكات الإنارة العامة بمقتضى نص المادة 19 من لائحة قانون نظام الحكم المحلي رقم 43 لسنة 1979 مما تعتبر معه الوحدات هي الحارسة على أسلاك كهرباء الإنارة العامة وتتحقق مسئوليتها عما يحدث من ضرر بسببها، غير أن الحكم المطعون فيه أطرح دفاعه وأسس قضاءه على اعتبار الشركة التي يمثلها هي المتولية الحراسة ومسئولة عن التعويض الأمر الذي يعيب الحكم بما يستوجب نقضه. وحيث إن هذا النعي سديد ذلك بأن الحراسة الموجبة للمسئولية طبقاً لنص المادة 178 من القانون المدني - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - إنما تتحقق بسيطرة الشخص الطبيعي أو المعنوي على الشيء سيطرة فعلية في الاستعمال والتوجيه والرقابة لحساب نفسه، وإذ كان الشارع قد أصدر قانون نظام الحكم المحلي رقم 43 لسنة 1979 - الذي يحكم واقعة الدعوى - فأورد المادة الثانية - بعد تعديلها بالقانون رقم 50 لسنة 1981 النص على أن "تتولى وحدات الحكم المحلي في حدود السياسة العامة والخطة العامة للدولة إنشاء وإدارة جميع المرافق العامة الواقعة في دائرتها كما تتولى هذه الوحدات كل في نطاق اختصاصها جميع الاختصاصات التي تتولاها الوزارات بمقتضى القوانين واللوائح المعمول بها، وذلك فيما عدا المرافق القومية، وذات الطبيعة الخاصة التي يصدر بها قرار من رئيس الجمهورية وتحدد اللائحة التنفيذية المرافق التي تتولى المحافظات إنشاءها وإدارتها والمرافق التي تتولى إنشاءها وإدارتها الوحدات الأخرى للحكم المحلي......." ثم جاء بالمادة التاسعة عشر من اللائحة التنفيذية لهذا القانون الصادر بها قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 707 سنة 1979 النص على أن "تتولى الوحدات المحلية كل في دائرة اختصاصه وفي حدود السياسة العامة في مجال الطاقة الكهربائية الأمور الآتية:
المحافظات 1 - الموافقة على خطط مشروعات توزيع الكهرباء بالمحافظة 2 - اعتماد برامج إنارة القرى 3 - الإشراف على فروع توزيع الكهرباء............ الوحدات المحلية الأخرى: -
1 - الموافقة على خطط توزيع الطاقة الكهربائية 2 - الموافقة على خطة إنشاء وصيانة منشآت توزيع الطاقة الكهربائية 3 - إنشاء وصيانة شبكات الإنارة العامة والعمل على مدها إلى مختلف المناطق 4 - إحكام الرقابة على تحصيل قيمة استهلاك الكهرباء والتأكد من قانونية وسلامة التركيبات". ومؤدى ذلك أنه أصبح بصدور القانون رقم 43 لسنة 1979 منوطاً بوحدات الحكم المحلي تولي أعمال إنشاء وصيانة شبكات الإنارة العامة في مختلف المدن والقرى فتكون هي في مدلول حكم المادة 178 من القانون المدني حارسة على هذه الشبكات باعتبارها الجهة ذات الهيمنة والسيطرة الفعلية عليها بما أسند إليها قانوناً مهام إنشائها واستعمالها وصيانتها والرقابة على ما يتصل باستهلاك طاقة الكهرباء، ولا يسوغ انصراف الحراسة إلى الشركة الطاعنة "شركة توزيع كهرباء مصر الوسطى" والتي يبين من استقراء القرار رقم 221 لسنة 1978 الصادر من رئيس مجلس الوزراء بتأسيسها أن الغرض من إنشائها هو توزيع وبيع الطاقة الكهربائية للمستهلكين بمحافظات مصر الوسطى فلا يعتبر قيامها بهذا العمل من شأنه أن يخرج شبكات الإنارة العامة من السلطة الفعلية لوحدات الحكم المحلي وفقاً لما استهدفه القانون رقم 43 لسنة 1979 ولائحة التنفيذية، لما كان ذلك وكان الثابت بالأوراق أن الحادث الذي نشأ عنه الضرر محل المطالبة بالتعويض نتج عن سقوط سلك كهربائي ممتد بين عامودين من أعمدة الإنارة العامة ببلدة الحواصل محافظة المنيا وذلك في يوم الخامس من أكتوبر سنة 1983 - أي في ظل سريان أحكام القانون آنف الذكر - فإن وحدة الحكم المحلي تعتبر هي المتولية حراسة ذلك الشيء محدث الضرر وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فقضى بأن الحراسة الموجبة للمسئولية هي للشركة التي يمثلها الطاعن وألزمها بأداء التعويض فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يوجب نقضه دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.
وحيث إنه وإن كانت مسئولية الشركة الطاعنة عن حراسة الشبكة الكهربائية التي سببت الحادث قد انتفت على نحو ما تقدم إلا أن موضوع النزاع غير صالح للفصل فيه ذلك بأنه لما كان من المقرر أنه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - يتعين على محكمة الموضوع في كل حال أن تتقصى من تلقاء نفسها الحكم القانوني الصحيح المنطبق على العلاقة بين طرفي دعوى التعويض وأن تنزله على الواقعة المطروحة عليها، باعتبار أن كل ما تولد به للمضرور من حق في التعويض عما أصابه من ضرر قبل من أضر به أو تسبب فيه إنما هو السبب المباشر المولد للدعوى بالتعويض، مهما كانت طبيعة المسئولية التي استند إليها المضرور في تأييد طلبه، أو النص القانوني الذي اعتمد عليه في ذلك، لأن هذا الاستناد يعتبر من وسائل الدفاع في دعوى التعويض التي يتعين على محكمة الموضوع أن تأخذ منها ما يتفق وطبيعة النزاع المطروح عليها وأن تنزل حكمه على واقعة الدعوى، ولا يعد ذلك تغييراً لسبب الدعوى أو موضوعها، مما يوجب أن يكون مع النقض الإحالة.