أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 40 - صـ 94

جلسة 8 من يناير سنة 1989

برئاسة السيد المستشار/ سعيد صقر نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد فؤاد شرباش نائب رئيس المحكمة، عبد النبي خمخم، محمد عبد البر حسين وحسام الدين الحناوي.

(22)
الطعن رقم 53 لسنة 52 القضائية

(1) إيجار "إيجار الأماكن".
التأجير من الباطن - ماهيته - وجوب أن يكون لقاء جعل متفق عليه.
(2 - 3) إيجار الأماكن "أسباب الإخلاء: الإضرار بسلامة المبنى". قانون "القانون الواجب التطبيق". نظام عام.
(2) صدور تشريع لاحق يستحدث حكماً جديداً يتعلق بذاتية القاعدة الموضوعية الآمرة المتعلقة بالنظام العام، سريانه بأثر فوري على المراكز التي لم تستقر نهائياً وقت نفاذه.
(3) وجوب ثبوت الإضرار بسلامة المبنى كسبب لإخلاء المستأجر. م 18/ د ق 136 لسنة 1981. قاعدة تتعلق بالنظام العام، سريانها بأثر فوري مباشر على المراكز القانونية التي لم تستقر بحكم نهائي.
(4) إيجار "إيجار الأماكن" "الأماكن التي تشغل بسبب العمل".
استثناء الأماكن التي تشغل بسبب العمل من تطبيق أحكام الباب الأول من القانون 49 لسنة 1977 م 2 منه - اقتصاره على العلاقة بين رب العمل والمرخص له في شغل المكان - عدم امتداده إلى العلاقة بين المالك المؤجر ورب العمل.
(5) حكم "حجية الحكم".
حجية الحكم اقتصارها على ما فصل فيه بين الخصوم بصفة صريحة أو ضمنية سواء في المنطوق أو في الأسباب المرتبطة به.
(6) إثبات "العدول عن إجراء الإثبات".
لمحكمة الموضوع العدول عما أمرت به عن إجراءات الإثبات. إذا ما ثبت أنه غير منتج.
1 - يقصد بالتأجير من الباطن تأجير المستأجر لحقه في الانتفاع بالعين المؤجرة إليه إلى آخر لقاء جعل ينفق عليه بينهما ويستوي أن يكون التأجير من الباطن وارداً على العين المؤجرة كلها أو بعضها فإذا انعدم وجود مثل هذا الاتفاق بين المستأجر الأصلي ومن أشركه معه أو أحله في الانتفاع بالعين المؤجرة انتفى التأجير من الباطن، وكان الواقع في الدعوى أن الشركة المطعون ضدها الأولى استأجرت العين محل النزاع من الطاعن لتكون سكناً لمدير محلجها باعتباره أحد العاملين بها فإن استمرار إقامة الأخير بالعين المؤجرة بعد ترقيته ونقله إلى عمل آخر بذات الشركة لا يعتبر من حالات تخلي المستأجر عن حقه في الانتفاع بالعين المؤجرة إلى آخر ما دام أن المقيم بها "المطعون ضده الثاني" ما زال يعمل بالشركة المستأجرة ويدخل في اختصاص وظيفته الجديدة الإشراف على محالج الشركة المختلفة ومنها محلجها بالزقازيق بما تكون معه العين المؤجرة مازالت تشغلها الشركة المستأجرة ومن ثم يضحي النعي على غير أساس.
2 - المقرر في قوانين إيجار الأماكن أن الأحكام الخاصة بتحديد الأجرة والامتداد القانوني وتطبيق أسباب الإخلاء هي قواعد آمره ومتعلقة بالنظام العام ومن ثم فإنها تسري بأثر فوري على جميع المراكز والوقائع القائمة والتي لم تستقر نهائياً وقت نفاذها ولو كانت ناشئة قبل تاريخ العمل بها مما مؤداه أنه إذا صدر قانون لاحق يتضمن تعديلاً في تشريعات إيجار الأماكن من شأنه استحداث حكم جديد متعلق بذاتية تلك القواعد الموضوعية الآمرة سواء بالإلغاء أو بالتغيير إضافة أو حذفاً فإن هذا التعديل يأخذ بدوره حكم القاعدة الآمرة من حيث سريانه بأثر فوري مباشر على المراكز والوقائع القائمة وقت نفاذه.
3 - إذا كان القانون رقم 136 لسنة 1981 قد استحدث بالمادة 18 منه حكماً عدل بموجبه سبب الإخلاء والذي كان مقرراً بنص المادة 31/ ج من القانون 49 لسنة 1977 بأن جعله قاصراً على حالة الإضرار بسلامة المبنى بعد أن كان الإضرار بالمؤجر - وهو أعم وأشمل - هو مناط الإخلاء في مجال تطبيق تلك الحالة - وكان ما استحداثه القانون رقم 136 لسنة 81 من تعديل في سبب الإخلاء يتصل بقاعدة موضوعية آمرة ومتعلقة بالنظام العام ومن ثم فإنها تسري بأثر فوري مباشر على المراكز القانونية القائمة والتي لم تستقر بحكم نهائي وقت العمل به ولو كانت قد نشأت في ظل القانون السابق.
4 - النص في المادة 2 من القانون 49 لسنة 1977 عن أن "لا تسري أحكام هذا الباب "الأول" على ( أ ) المساكن الملحقة بالمرافق والمنشآت وغيرها من المساكن التي تشغل بسبب العمل إنما يحكم العلاقة بين رب العمل - سواء كان مالكاً للمكان المؤجر أو مستأجر له - وبين المرخص له في شغل هذا المكان من عماله بسبب رابطة العمل. أما العلاقة بين المالك المؤجر وبين رب العمل في حالة استئجار الأخير للمكان فإنها تخضع لأحكام أخرى في ذلك القانون.
5 - المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه لا حجية لحكم إلا فيما يكون قد فصل فيه بين الخصوم بصفة صريحة ضمنيه سواء في المنطوق أو في الأسباب التي لا يقوم المنطوق بدونها.
6 - أجاز المشرع للمحكمة - أن تعدل عما أمرت به من إجراءات الإثبات وأن تصرف النظر عن تنفيذه إذا ما تبينت أنه أضحى غير لازم أو غير منتج.


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 3769 لسنة 1978 أمام محكمة الزقازيق الابتدائية على المطعون ضدهما الحكم بإخلاء الشقة المبينة بالصحيفة وتسليمها له، وقال بياناً لها، أنه بموجب عقد مؤرخ 1/ 8/ 1973 استأجرت الشركة المطعون ضدها الأولى العين محل النزاع لسكنى مدير محلجها بالزقازيق إلا أنه رغم نقله إلى جهة أخرى وصرفها بدل سكن نقدي له ظل مقيماً بها فأقام الدعوى بطلباته سالفة البيان. حكمت المحكمة برفض الدعوى استئناف الطاعن هذا الحكم أمام محكمة استئناف المنصورة "مأمورية الزقازيق" برقم 66 لسنة 23 قضائية ندبت المحكمة خبيراً ثم قضت بتاريخ 8/ 11/ 1981 بتأييد الحكم المستأنف طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة رأت فيها رفض الطعن، وعرض الطعن على المحكمة - في غرفة مشورة - فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أُقيم على أربعة أسباب ينعى الطاعن بأولها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، وفي بيان ذلك يقول إن الشركة المطعون ضدها الأولى لم تقم بإخلاء المطعون ضده الثاني من العين محل النزاع التي استأجرتها لسكناه بصفته مديراً لمحلجها بالزقازيق بعد نقله منها مما يعد تأجيراً لها من الباطن إلا أن الحكم المطعون فيه ذهب إلى أن المطعون ضده الثاني يشغل العين محل النزاع باعتباره لا زال يعمل مديراً بتلك الشركة وذلك من الحكم تقرير غير سائغ وتكييف للعلاقة غير صحيح.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أنه لما كان يقصد بالتأجير من الباطن تأجير المستأجر لحقه في الانتفاع بالعين المؤجرة إليه إلى آخر لقاء جعل يتفق عليه بينهما ويستوي أن يكون التأجير من الباطن وارداً على العين المؤجرة كلها أو بعضها فإذا انعدم وجود مثل هذا الاتفاق بين المستأجر الأصلي ومن أشركه معه أو أحله في الانتفاع بالعين المؤجرة انتفى التأجير من الباطن، وكان الواقع في الدعوى أن الشركة المطعون ضدها الأولى استأجرت العين محل النزاع من الطاعن لتكون سكناً لمدير محلجها باعتباره أحد العاملين بها فإن استمرار إقامة الأخير بالعين المؤجرة بعد ترقيته ونقله إلى عمل آخر بذات الشركة لا يعتبر من حالات تخلي المستأجر عن حقه في الانتفاع بالعين المؤجرة إلى آخر ما دام أن المقيم بها "المطعون ضده الثاني" ما زال يعمل بالشركة المستأجرة ويدخل في اختصاص وظيفته الجديدة الإشراف على محالج الشركة المختلفة ومنها محلجها بالزقازيق بما تكون معه العين المؤجرة ما زالت تشغلها الشركة المستأجرة، ومن ثم يضحى النعي على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، وفي بيان ذلك يقول أن الشركة المطعون ضدها الأولى خالفت شروط عقد الإيجار بأن تركت المطعون ضده الثاني يقيم في العين المؤجرة رغم ترقيته ونقله إلى وظيفة أخرى حال أنها استأجرت العين محل النزاع لسكنى مدير محلجها بالزقازيق مما يعد تغييراً لاستعمالها يضر بالمؤجر. إلا أن الحكم لم يعتبر ذلك تغييراً لاستعمال العين المؤجرة من شأنه أن يترتب عليه ضرر به.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر والمعمول به اعتباراً من 31/ 7/ 1981 - قد أدرك الدعوى قبل صدور الحكم المطعون فيه، وكانت المادة 18 منه تنص على أنه لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان ولو انتهت المدة المتفق عليها في العقد إلا لأحد الأسباب الآتية...... (د) إذا ثبت بحكم قضائي نهائي أن المستأجر استعمل المكان المؤجر أو سمح باستعماله بطريقة.... أو ضارة بسلامة المبنى..." وكان المقرر في قوانين إيجار الأماكن أن الأحكام الخاصة بتحديد الأجرة والامتداد القانوني وتعيين أسباب الإخلاء هي قواعد آمرة ومتعلقة بالنظام العام ومن ثم فإنها تسري بأثر فوري على جميع المراكز والوقائع القائمة والتي لم تستقر نهائياً وقت نفاذها ولو كانت ناشئة قبل تاريخ العمل بها مما مؤداه أنه إذا صدر قانون لاحق يتضمن تعديلاً في تشريعات إيجار الأماكن من شأنه استحداث حكم جديد متعلق بذاتية تلك القواعد الموضوعية الآمرة سواء بالإلغاء أو بالتغيير إضافة أو حذفاً فإن هذا التعديل يأخذ بدوره حكم القاعدة الآمرة من حيث سريانه بأثر فوري مباشر على المراكز والوقائع القائمة وقت نفاذه. وإذ كان القانون رقم 136 لسنة 1981 قد استحدث بالمادة 18 منه حكماً عدل بموجبه سبب الإخلاء الذي كان مقرراً بنص المادة 31/ ج من القانون رقم 49 لسنة 1977 بأن جعله قاصراً على حالة الإضرار بسلامة المبنى بعد أن كان الإضرار بالمؤجر - وهو أعم وأشمل - هو مناط الإخلاء في مجال تطبيق تلك الحالة، وكان ما استحدثه القانون رقم 136 لسنة 1981 من تعديل في سبب الإخلاء يتصل بقاعدة موضوعية آمرة ومتعلقة بالنظام العام ومن ثم فإنها تسري بأثر فوري مباشر على المراكز القانونية القائمة والتي لم تستقر بحكم نهائي وقت العمل به ولو كانت قد نشأت في ظل القانون السابق - لما كان ذلك وكان الطاعن لا يذهب في سبب الطعن إلى أن تغيير استعمال العين على فرض حصوله قد ألحق ضرراً بالعين المؤجرة، فإن نعيه بحصول أضرار لحقت به كمؤجر من جراء ذلك التغيير - أياً كان وجه الرأي فيه يكون غير منتج.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول أنه تمسك في دفاعه بأن الشركة المطعون ضدها الأولى تملك إخلاء المطعون ضده الثاني من العين المؤجرة لها باعتبار أن شغل الأخير لها كان بسبب العمل إلا أنها تقاعست عن ذلك مما يعتبر مخالفة منها لشروط عقد الإيجار وتنازلاً منها عن هذا العقد دون إذن منه وهو ما يخوله رفع دعوى الإخلاء إلا أن الحكم ذهب إلى أن مالك العين المؤجرة لا يجوز له أن يحل إرادته محل الشركة المطعون ضدها في طلب الإخلاء حال أن حقه في ذلك يستمده من نصوص القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن دفاع الطاعن أمام محكمة الاستئناف قد قام في جانب منه على أن حقه في إنهاء عقد الإيجار محل التداعي إنما يستند أيضاً إلى نص المادة 2 من القانون رقم 49 لسنة 1977 الذي ينطبق على المساكن المملوكة أو المؤجرة للشركة المطعون ضدها الأولى طالما أنها تعتبر مؤجرة بسبب العمل، وكان النص في هذه المادة على أن "لا تسري أحكام هذا الباب على: ( أ ) المساكن الملحقة بالمرافق والمنشآت وغيرها من المساكن التي تشغل بسبب العمل" إنما يحكم العلاقة بين رب العمل - سواء كان مالكاً للمكان المؤجر أو مستأجراً له - وبين المرخص له في شغل هذا المكان من عماله بسبب رابطة العمل، أما العلاقة بين المالك المؤجر وبين رب العمل في حالة استئجار الأخير للمكان فإنها تخضع للأحكام الأخرى في ذلك القانون، وكان الحكم المطعون فيه في معرض رده على دفاع الطاعن سالف الذكر قد قرر أنه لا يجوز له التحدي بحكم المادة (2) من القانون سالف الذكر لتعلق هذا النص بكون السكنى مردها إلى رابطة العمل ومن ثم فلا حق للطاعن في طلب الإخلاء استناداً لنص هذه المادة ولا يجوز له قانوناً أن يعمل إرادته محل الشركة المطعون ضدها الأولى في طلب الإخلاء استناداً إلى ذلك السبب، وكان هذا الذي قرره الحكم يتفق وصحيح القانون فإن النعي عليه بما جاء في سبب الطعن يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الرابع على الحكم المطعون فيه مخالفة الثابت بالأوراق، وفي بيان ذلك يقول أن الحكم الصادر بندب خبير في الدعوى من محكمة الاستئناف بتاريخ 7/ 2/ 1981 تضمن قضاء قطعياً بتقريره أن عقد إيجار العين محل النزاع حرر بقصد إسكان مدير محلج الشركة المطعون ضدها الأولى وأن محور النزاع هو انتهاء العلاقة الإيجارية بانتهاء الغرض من التأجير إلا أن الحكم المطعون فيه تخلى عن هذا القضاء على قوله بأن ذلك تقريرات عامة لا تتضمن قضاء قطعياً مخالفاً بذلك الثابت بالأوراق.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أنه لما كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه لا حجية لحكم إلا فيما يكون قد فصل فيه بين الخصوم بصفة صريحة أو ضمنية سواء في المنطوق أو في الأسباب التي لا يقوم المنطوق بدونها، وكان المشرع قد أجاز للمحكمة أن تعدل عما أمرت به من إجراءات الإثبات وأن تصرف النظر عن تنفيذه إذا ما تبينت أنه أضحى غير لازم أو غير منتج، وكان الثابت من مدونات الحكم الصادر بتاريخ 7/ 2/ 1981 أنه لم يفصل في أسبابه أو منطوقه بقضاء صريح أو ضمني في شأن شروط العقد موضوع التداعي ولم يحسم الخلاف في شأنها بين الخصوم ومن ثم فلا حجية لهذا القضاء تلتزم بها المحكمة عند الفصل في موضوع الدعوى فإن النعي يكون على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.