أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 40 - صـ 132

جلسة 15 من يناير سنة 1989

برئاسة السيد المستشار/ جرجس اسحق نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ محمد فتحي الجمهودي نائب رئيس المحكمة، عبد الحميد الشافعي، السيد السنباطي وإبراهيم الطويله.

(30)
الطعن رقم 183 لسنة 55 القضائية

(1) مسئولية "المساءلة عن استعمال حقي التقاضي والدفاع".
حق الالتجاء للقضاء عدم جواز الانحراف به ابتغاء مضارة الغير مخالفة ذلك. إساءة لاستعمال الحق تستوجب التعويض.
(2) محكمة الموضوع "تقدير الدليل". مسئولية "المسئولية التقصيرية: ركن الخطأ".
استخلاص الخطأ الموجب للمسئولية وعلاقة السببية بينه وبين الضرر. سلطة تقديرية لمحكمة الموضوع – ما دام هذا الاستخلاص سائغاً.
(3) مسئولية "المساءلة عن استعمال حقي التقاضي والدفاع". تعويض.
تحديد المشرع إجراءات خاصة للقضاة للتقرير بعدم صلاحيتهم وردهم وتنحيتهم المواد 146 - 165 مرافعات. عدم خروج ذلك عن القاعدة العامة لمساءلة المنحرف عن استعمال حق التقاضي. حق القاضي الذي تقرر رده أن يلجأ للقضاء للحكم له على طالب الرد بالتعويض.
مثال بشأن الانحراف في استعمال حق التقاضي ابتغاء مضارة المدعي يتوافر به الخطأ التقصيري.
(4) حكم "تسبيب الحكم". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل" "إثبات" "الإحالة إلى التحقيق".
عدم التزام المحكمة بتعقب كل حجة للخصوم متى أقامت الحقيقة التي استخلصتها على ما يقيمها. قيام هذه الحقيقة فيه الرد الضمني المسقط لكل حجة تخالفها. إغفالها طلب الإحالة إلى التحقيق. جائز. متى رأت من ظروف الدعوى ما يكفي لتكون عقيدتها.
1 - المقرر في قضاء هذه المحكمة أن حق الالتجاء إلى القضاء وإن كان من الحقوق العامة التي تثبت للكافة إلا أنه لا يسوغ لمن يباشر هذا الحق الانحراف به عما شرع له واستعماله استعمالاً كيدياً ابتغاء مضارة الغير وإلا حقت مساءلته عن تعويض الأضرار التي تلحق الغير بسبب إساءة استعمال هذا الحق.
2 - استخلاص الخطأ الموجب للمسئولية وعلاقة السببية بينه وبين الضرر هو مما يدخل في حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع ما دام هذا الاستخلاص سائغاً ومستمداً من عناصر تؤدي إليه من وقائع الدعوى.
3 - إذ كان المشرع قد خص القضاء بإجراءات حددها التقرير بعدم صلاحيتهم وردهم وتنحيتهم ضمنها المواد من 146 - 165 من قانون المرافعات فإنه لم يخرج بذلك عن القاعدة العامة التي استنها لمساءلة من انحرف عن استعمال حق التقاضي على النحو السالف بيانه وهو ما أشار إليه حين نص في المادة 165 من ذات القانون على أنه "إذا رفع القاضي دعوى تعويض على طالب الرد أو قدم ضده بلاغاً لجهة الاختصاص زالت صلاحيته للحكم في الدعوى وتعين عليه أن يتنحى عن نظرها" مؤكداً بذلك حق القاضي الذي تقرر برده في أن يلجأ إلى القضاء للحكم له على طالب الرد بالتعويض" لما كان ذلك وكان البين من الحكم المستأنف المؤيد لأسبابه من الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه بإلزام الطاعنة بالتعويض المحكوم به على قوله أن "....... الثابت للمحكمة من مطالعة سائر أوراق الدعوى وعلى الأخص الحكم الصادر في طلب الرد الرقيم...... والقاضي برفض طلب الرد المقدم من المدعى عليها الطاعنة في الدعوى المطروحة أنه تضمن في حيثياته أن الأسباب التي بنت عليها طالبة الرد طلبها ليست من الأسباب الواردة بنص المادة 148 مرافعات وتقيداً لقوة الأمر المقضي للحكم المذكور وأخذاً بما ثبت للمحكمة من باقي أوراق الدعوى فإنه يكون من الثابت لدى المحكمة أن المدعى عليها وهي تباشر حقها في طلب رد المدعي قد انحرفت عن السلوك المألوف للشخص العادي وانحرفت بهذا الحق عما وضع له واستعملته استعمالاً كيدياً ابتغاء مضارة المدعي الأمر الذي يتوافر به الخطأ التقصيري في حقها وتسأل منعه عما أصاب المدعي من أضرار مترتبة على هذا الخطأ........ وأي ضرر أقسى وأمر على نفس القاضي....... أن تجعل المدعى عليها نزاهته وحيدته محل الشك من الخصوم وسمعته مضغة في الأفواه......." وكان ما استند إليه هذا الحكم في إثبات الخطأ في جانب الطاعنة وعلاقة السببية بينه وبين الضرر الذي أصاب المطعون عليه سائغاً كافياً لحمل قضائه في هذا الخصوص ويؤدي إلى ما انتهى إليه من مساءلة الطاعنة عما أصاب المطعون عليه من جراء هذا الخطأ.
4 - إذ أقامت المحكمة الحقيقة التي استخلصتها على ما يقيمها فإنها لا تكون بعد ملزمة بمناقشة الوقائع التي نسبتها الطاعنة للمطعون عليه أو أن تتعقب كل حجة وترد عليها. استقلالاً لأن قيام هذه الحقيقة فيه الرد الضمني المسقط لكل حجة تخالفها. ولا على المحكمة إذ التفتت عن طلب الإحالة إلى التحقيق لعدم لزومه بعد أن رأت من ظروف الدعوى ما يكفي لتكوين عقيدتها. ويكون النعي برمته مقاماً على غير أساس.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 5053 سنة 1981 مدني جنوب القاهرة الابتدائية بطلب الحكم بإلزام الطاعنة أن تدفع له مبلغ 10000 جنيه وقال بياناً لذلك أن الطاعنة أقامت ضده الدعوى رقم 6109 سنة 1980 بطلب الحكم برده عن نظر الدعوى رقم 76 سنة 1978 أحوال شخصية وذلك إبان عمله رئيساً للمحكمة بمحكمة جنوب القاهرة الابتدائية ناسبة إليه أنه أهان شهودها أثناء التحقيق الذي أجراه في تلك الدعوى رغم انتداب السيد عضو يمين الدائرة لمباشرة التحقيق فيها وعدل في أقوال شهود خصومها لصالح دعواهم ضدها وامتنع عن إثبات أسئلة وجهها محاميها، كما وجه عبارات سباب إلى المحامين الذين يمثلونها فانسحبوا من الحضور في الدعوى، وقد قضى في دعوى الرد وأصبح الحكم نهائياً، ولما كان ادعاء الطاعنة عليه بما ضمنته دعوى الرد قد سبب له ضرراً أدبياً يستحق عنه التعويض المطالب به فقد أقام الدعوى. بتاريخ 18/ 2/ 1982 حكمت المحكمة بعدم اختصاصها كلياً بنظر الدعوى وإحالتها إلى محكمة شمال القاهرة الابتدائية حيث قيدت بجداولها برقم 2984 سنة 1982 مدني، وبتاريخ 30/ 11/ 1982 حكمت المحكمة بإلزام الطاعنة أن تدفع للمطعون عليه مبلغ 5000 جنيه. استأنف المطعون عليه هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 7033 سنة 99 ق كما استأنفته الطاعنة بالاستئناف رقم 265 سنة 100 ق. وبعد أن ضمت المحكمة الاستئنافين حكمت بتاريخ 21/ 11/ 1984 بتأييد الحكم المستأنف طعنت الطاعنة في الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وعرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أُقيم على أربعة أسباب تنعى بها الطاعنة على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع وفي بيان ذلك تقول إنها طلبت من محكمة الموضوع تحقيق الوقائع التي نسبتها إلى المطعون عليه في دعوى الرد ومنها ارتكاب تزوير في محضر جلسة التحقيق بإثبات أن القاضي الذي يباشر التحقيق هو عضو اليمين في حين أن المطعون عليه هو الذي كان يباشره فعلاً خاصة وأن المحكمة التي نظرت دعوى الرد لم تحقق تلك الوقائع، غير أن الحكم المطعون فيه لم يعرض لدفاعها في هذا الشأن والتفت عن طلبها إحالة الدعوى إلى التحقيق وقضي بإلزامها بالتعويض رغم أن المادة 159 من قانون المرافعات لم تنص على الحكم بالتعويض في حالة الإخفاق في دعوى الرد واقتصرت على الحكم بالغرامة.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن حق الالتجاء إلى القضاء وإن كان من الحقوق العامة التي ثبت للكافة إلا أنه لا يسوغ لمن يباشر هذا الحق الانحراف به عما شرع له واستعماله استعمالاً كيدياً ابتغاء مضارة الغير وإلا حقت مساءلته عن تعويض الأضرار التي تلحق الغير بسبب إساءة استعمال هذا الحق وأن استخلاص الخطأ الموجب للمسئولية وعلاقة السببية بينه وبين الضرر هو مما يدخل في حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع ما دام هذا الاستخلاص سائغاً ومستمداً من عناصر تؤدي إليه من وقائع الدعوى، وإذا كان المشرع قد خص القضاة بإجراءات حددها للتقرير بعدم صلاحيتهم وردهم وتنحيهم ضمنها المواد من 146 - 165 من قانون المرافعات، فإنه لم يخرج بذلك عن القاعدة العامة التي استنها لمساءلة من انحرف عن استعمال حق التقاضي على النحو السالف بيانه وهو ما أشار إليه حين نص في المادة 165 من ذات القانون على أنه "إذا رفع القاضي دعوى تعويض على طالب الرد أو قدم ضده بلاغاً لجهة الاختصاص زالت صلاحيته للحكم في الدعوى وتعين عليه أن يتنحى عن نظرها مؤكداً بذلك حق القاضي الذي تقرر برده في أن يلجأ إلى القضاء للحكم له على طالب الرد بالتعويض" لما كان ذلك وكان البين من الحكم المستأنف المؤيد لأسبابه من الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه بإلزام الطاعنة بالتعويض المحكوم به على قوله أن "...... الثابت للمحكمة من مطالعة سائر أوراق الدعوى وعلى الأخص الحكم الصادر في طلب الرد الرقيم 6109/ 1980 مدني كلي جنوب القاهرة والقاضي برفض طلب الرد المقدم من المدعى عليها - الطاعنة - في الدعوى المطروحة أنه تضمن في حيثياته أن الأسباب التي بنت عليها طالبة الرد طلبها ليست من الأسباب الواردة بنص المادة 148 مرافعات...... وتقيداً بقوة الأمر المقضي للحكم المذكور وأخذاً بما ثبت للمحكمة من باقي أوراق الدعوى فإنه يكون من الثابت لدى المحكمة أن المدعى عليها وهي تباشر حقها في طلب رد المدعي قد انحرفت عن السلوك المألوف للشخص العادي وانحرفت بهذا الحق عما وضع له واستعملته استعمالاً كيدياً ابتغاء مضارة المدعي الأمر الذي يتوافر به الخطأ التقصيري في حقها وتسأل معه عما أصاب المدعي من أضرار مترتبة على هذا الخطأ..... وأي ضرر أقسى وأمر على نفس القاضي..... أن تجعل المدعى عليها نزاهته وحيدته محل شك من الخصوم وسمعته مضغة في الأفواه........" وكان ما استند إليه هذا الحكم في إثبات الخطأ في جانب الطاعنة وعلاقة السببية بينه وبين الضرر الذي أصاب المطعون عليه سائغاً وكافياً لحمل قضائه في هذا الخصوص ويؤدي إلى ما انتهى إليه من مساءلة الطاعنة عما أصاب المطعون عليه من جراء هذا الخطأ، وإذ أقامت المحكمة الحقيقة التي استخلصتها على ما يقيمها فإنها لا تكون بعد ملزمة بمناقشة الوقائع التي نسبتها الطاعنة للمطعون عليه أو أن تتعقب كل حجة وترد عليها استقلالاً لأن قيام هذه الحقيقة فيه الرد الضمني المسقط لكل حجة تخالفها، ولا عليها إذ التفتت عن طلب الإحالة إلى التحقيق لعدم لزومه بعد أن رأت من ظروف الدعوى ما يكفي لتكوين عقيدتها ويكون النعي برمته مقاماً على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.