أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 11 - صـ 40

جلسة 12 من يناير سنة 1960

برياسة السيد محمود إبراهيم إسماعيل المستشار، وبحضور السادة: أحمد زكي كامل، والسيد أحمد عفيفي، ومحمود حلمي خاطر، وعادل يونس المستشارين.

(7)
الطعن رقم 1814 لسنة 28 القضائية

(أ، ب) تنظيم. جريمة.
الجريمة الوقتية المتتابعة. جريمة البناء بغير ترخيص. متى تكون كذلك؟
عند توافر وحدة المشروع الإجرامي ووحدة الحق المعتدى عليه وتعاقب الأفعال دون أن يقطع بينها فارق زمني يفصم اتصالها.
دعوى جنائية.
انقضاؤها بالحكم البات. حجية الشيء المحكوم فيه. وحدة موضوع الدعويين آثار صدور الحكم في جريمة وقتية متتابعة.
يمنع من إعادة رفع الدعوى بسبب أي عمل من الأعمال المتكررة السابقة على الحكم - ولو لم تشملها الدعوى. ولكنه لا يحول دون رفع دعوى جديدة عند عودة الجاني بعد الحكم إلى ارتكاب فعل جديد - ولو كان مماثلاً للفعل السابق.
1 - جريمة البناء بغير ترخيص تعتبر جريمة متتابعة الأفعال متى كانت أعمال البناء متعاقبة متوالية، إذ هي حينئذ تقوم على نشاط - وإن اقترف في أزمنة متوالية - إلا أنه يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي واحد، والاعتداء فيه مسلط على حق واحد، وأن تتكرر هذه الأعمال مع تقارب أزمنتها وتعاقبها دون أن يقطع بينها فارق زمني يوحي بانفصام هذا الاتصال الذي يجعل منها وحدة إجرامية في نظر القانون، ومتى تقرر ذلك فإن كل فترة من الفترات الزمنية المشار إليها تستقل بنفسها ويستحق فاعل الجريمة عقوبة تستغرق كل ما تم فيها من أفعال ومتى صدر الحكم عن أي منها يكون جزاءً لكل الأفعال التي وقعت فيها - حتى ولو لم يُكشف أمرها إلا بعد صدور الحكم.
2 - إذا كانت جريمة إقامة البناء بغير ترخيص - التي حُكم من أجلها بعقوبة الغرامة في القضية الأولى - قد ارتكبها المتهم في 4 من سبتمبر سنة 1955 وصدر الحكم فيها بتاريخ 24 من يناير سنة 1956، ثم ثبت أن المتهم عاد يستأنف البناء بعد ذلك فحرر له المحضر المؤرخ أول فبراير سنة 1956 - وهو فعل جديد وليد إرادة إجرامية انبعثت لمناسبة الفعل الإجرامي الجديد - فإنه لا يجوز قانوناً إدماج هذا الفعل فيما سبقه - وإن تحقق التماثل بينهما - فيكون قضاء الحكم المطعون فيه بالإدانة عن الجريمة اللاحقة هو قضاء سليم من ناحية القانون.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: أولاً - أقام بناءً بدون رخصة وثانياً - أقام بروزات بمبنى غير مطابقة للأوضاع المقررة. وطلبت عقابه بالمواد 1 و2 و3 و24 و29 و30 و33 و34 من القانون رقم 656 لسنة 1954 وقرار الشئون البلدية والقروية رقم 767 لسنة 1957. والمحكمة الجزئية قضت حضورياً بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها في قضية أخرى وبراءة المتهم مما أسند إليه بلا مصاريف. فاستأنفت النيابة هذا الحكم والمحكمة الاستئنافية قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام بقبول استئناف النيابة شكلاً وفي الموضوع وبإجماع الآراء بإلغاء الحكم المستأنف وبتغريم المتهم جنيهين عن التهمتين وسداد رسوم الرخصة وإزالة الأعمال المخالفة على نفقته بلا مصاريف. فطعن المتهم في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

.... وحيث إن الطاعن يبني طعنه على ما يقوله من أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه ذلك أن الثابت من الاطلاع على قضية الجنحة 1398 سنة 1955 مركز أبو طشت المضمومة أنها أقيمت ضد الطاعن لبنائه الدور الثاني بغير ترخيص وقضت المحكمة في تلك الدعوى بتغريمه مائة قرش، وفي القضية الحالية كانت التهمة الأولى هي نفس التهمة التي أسندت إليه في القضية الأولى وعوقب عنها ولا يصح قانوناً أن يعاقب المتهم مرتين عن جريمة واحدة، هذا إلى أن المادة الأولى من القانون رقم 259 لسنة 1956 تنص على أنه لا يجوز الحكم بالإزالة في المخالفات التي ارتكبت حتى يوم 9/ 3/ 1955، والتهمة الثانية المسندة إلى الطاعن وقعت قبل التاريخ المشار إليه ومن ثم يكون قضاء المحكمة بالإزالة هو تطبيق خاطئ لحكم القانون.
وحيث إنه يبين من مراجعة الأوراق أن الدعوى العمومية رفعت على الطاعن لأنه في 1/ 2/ 1956 أولاً - أقام بناءً بدون ترخيص وثانياً - أقام بروزات غير مطابقة للأوضاع القانونية، وقضي ابتدائياً بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها وبراءة المتهم مما أسند إليه، فاستأنفت النيابة هذا الحكم وقضت محكمة قنا الابتدائية حضورياً وبإجماع الآراء بتغريم المتهم جنيهين عن التهمتين وسداد رسوم الرخصة وإزالة الأعمال المخالفة على نفقته، وذلك تطبيقاً للمواد 1 و2 و3 و24 و29 و30 و33 و34 من القانون رقم 656 لسنة 1954 وقرار وزارة الشئون البلدية والقروية رقم 767 لسنة 1957، وأسس الحكم المطعون فيه قضاءه على أن إقامة البناء بالدور الثاني (العلوي الأول) بواجهتين وبرج مخالفين للقانون لم تكن موضوع اتهام في القضية المضمومة (1398 جنح سنة 1955 مركز أبو طشت) وإن كانت عن نفس المنزل، وكان الدور الثاني ما يزال البناء جارياً فيه وأن ملاحظ الطرق شهد أمام محكمة أول درجة بأن المحضر موضوع الاتهام الأخير هو عن واقعة تخالف الواقعة موضوع الاتهام في الدعوى المضمومة، وأن واقعة الاتهام الحالية لاحقة في تاريخها للواقعة السابقة وانتهى الحكم إلى أن قضاء محكمة أول درجة بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها في غير محله وقضى بإدانة الطاعن في التهمتين المسندتين إليه، لما كان ذلك وكان يبين من الاطلاع على المفردات التي أمرت هذه المحكمة بضمها تحقيقاً للطعن أن قضية الجنحة 1398 سنة 1955 مركز أبو طشت تناولت اتهام الطاعن بأنه في 4 من سبتمبر سنة 1955 أقام البناء المبين بالمحضر بغير ترخيص وطلبت النيابة عقابه بالمواد 1 و9 و3 و33 من القانون رقم 656 لسنة 1954 في شأن تنظيم المباني، وقد بوشر التحقيق في تلك القضية بناءً على مذكرة مؤرخة 3/ 9/ 1955 قدمها ملاحظ الطرق بأنه في أثناء مروره وجد المتهم (الطاعن) يجري بناء الدور الثاني بمنزله، ولما كان يبين كذلك من الاطلاع على مفردات الجنحة 198 لسنة 1956 مركز أبو طشت الحالية أن مهندس التنظيم حرر في 1/ 2/ 1956 محضراً أثبت فيه مشاهدته المتهم يجري بناء الدور العلوي لمنزله المطل بواجهتين بحرية وشرقية وببروز البرج عن ساقط الواجهة بتسعين سنتيمتراً بدلاً من الطول القانوني وهو ستة عشر سنتيمتراً، لما كان ذلك وكان الحكم في القضية الأولى (1398 لسنة 1955) قد صدر في 24 من يناير سنة 1956 ولم يطعن فيه، لما كان ذلك وكانت جريمة البناء بغير ترخيص هي جريمة متتابعة الأفعال متى كانت أعمال البناء متعاقبة متوالية إذ هي حينئذ تقوم على نشاط وإن اقترف في أزمنة متوالية إلا أنه يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي واحد، والاعتداء فيه مسلط على حق واحد، وأن تتكرر هذه الأعمال مع تقارب أزمنتها وتعاقبها دون أن يقطع بينها فارق زمني يوحي بانفصام هذا الاتصال الذي يجعل منها وحدة إجرامية في نظر القانون، ومتى تقرر ذلك فإن كل فترة من الفترات الزمنية المشار إليها تستقل بنفسها ويستحق فاعل الجريمة عقوبة تستغرق كل ما تم فيها من أفعال ومتى صدر الحكم عن أي منها يكون جزاء لكل الأفعال التي وقعت فيها حتى ولو لم يتكشف أمرها إلا بعد صدور الحكم، ولما كانت الجريمة التي حكم من أجلها بعقوبة الغرامة في القضية الأولى قد ارتكبها الطاعن في 4 من سبتمبر سنة 1955 وصدر الحكم في 24 من يناير سنة 1956، ثم ثبت أن المتهم (الطاعن) عاد يستأنف البناء بعد ذلك فحرر له المحضر المؤرخ أول فبراير سنة 1956 وهو فعل جديد وليد إرادة إجرامية انبعثت لمناسبة الفعل الإجرامي الجديد، فإنه لا يجوز قانوناً إدماج هذا الفعل فيما سبقه وإن تحقق التماثل بينهما، ومن ثم يكون قضاء الحكم المطعون فيه بالإدانة عن الجريمة اللاحقة، هو قضاء سليم من ناحية القانون، لما كان ذلك وكان القانون رقم 32 لسنة 1958 قد نص على أنه لا يجوز الحكم بإزالة أو بتصحيح أو هدم الأعمال المخالفة لأحكام القوانين رقم 51 لسنة 1940 ورقم 93 لسنة 1948 (الذي ألغاه القانون رقم 656 لسنة 1954 وحل محله) ورقم 52 لسنة 1940 خلال الفترة من تاريخ العمل بكل من هذه القوانين حتى 20 من يونيه سنة 1956، لما كان ذلك، وكانت الجريمة المنسوبة إلى الطاعن قد وقعت في خلال فترة التسامح التي تضمنها القانون رقم 32 المذكور، فإن الحكم بالإزالة يكون مخالفاً لمقتضى القانون ويتعين لذلك نقض الحكم نقضاً جزئياً فيما يختص بعقوبة الإزالة وتصحيحه بإلغاء هذه العقوبة ورفض ما عدا ذلك من أوجه الطعن.