أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 11 - صـ 70

جلسة 18 من يناير سنة 1960

برياسة السيد محمود إبراهيم إسماعيل المستشار، وبحضور السادة: فهيم يسى جندي ، السيد أحمد عفيفي، وعباس حلمي سلطان, ورشاد القدسي المستشارين.

(12)
الطعن رقم 1381 لسنة 29 القضائية [(1)]

(أ، ب) تحقيق. إثبات. حكم.
التفتيش باعتباره عملاً إجرائياً. الفارق بينه وبين البحث والتنقيب.
تغايرهما في المعنى وائتلافهما على النتيجة المستمدة من كل منهما.
أصل الاستدلال في المواد الجنائية.
حرية القاضي الجنائي في تكوين عقيدته من الأدلة المطروحة عليه إلا إذا قيده القانون بدليل معين.
ضوابط التدليل. تولد الدليل عن إجراء صحيح.
صحة الاستدلال بالدليل المستمد من تفتيش أجراه شخص برضاء المتهم بعد علمه بأن مجريه لا يتصف بصفة مأمور الضبط القضائي.
1 - تفتيش المنازل أو الأشخاص هو بحسب الأصل إجراء من إجراءات التحقيق لا تأمر به إلا سلطة من سلطاته لمناسبة جريمة - جناية أو جنحة - ترى أنها وقعت وصحت نسبتها إلى شخص معين وأن هناك من الدلائل ما يكفي للتعرض لحرية المتهم الشخصية أو لحرمة مسكنه - ذلك هو حكم التفتيش الذي نظم القانون قواعده وضبط حالاته وجعل لرجال الضبط القضائي ولمن خولهم سلطة التحقيق حق مباشرته في حدود القانون، والتفتيش بهذا المعنى القانوني هو بطبيعة الحال غير التفتيش الذي يجريه الأفراد على من تلحقه شبهة الاتهام بحيازة شيء حيازة إجرامية غير مشروعة، فهو ليس تفتيشاً يتنزل منزلة التفتيش الذي خاطب الشارع المحقق بأحكامه وإنما هو نوع من البحث والاستقصاء أو هو نوع من التنقيب عن الأشياء الخاصة بجريمة تحقق وقوعها، وإذا رضي به المتهم كان دليلاً يصح استناد قضاء الاتهام وقضاء الحكم إليه على السواء، فإذا ثبت لمحكمة الموضوع سلامة هذا الإجراء جاز لها أن تأخذ بنتيجة هذا التنقيب كدليل من أدلة الإثبات في الدعوى.
2 - التفتيش بمعناه القانوني والتفتيش بمعناه في اصطلاح اللغة وإن كانا يتغايران تغايراً لا يقتضي صحة التشبيه بينهما إلا أنهما يأتلفان على النتيجة المستمدة من كل منهما فيصح الاستدلال بأيهما في مقام الإثبات، ومتى تقرر ذلك فلا يسوغ إطراح الدليل المستمد من تفتيش يجريه الأفراد لمجرد أنهم ليسوا من رجال الضبط القضائي أو من رجال سلطة التحقيق، ذلك بأن العبرة في المحاكمات الجنائية هي باقتناع القاضي بناءً على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو ببراءته، ولا يصح مطالبة قاضي الموضوع بالأخذ بدليل معين فقد جعل القانون من سلطته أن يأخذ من أي بينة أو قرينة يرتاح إليها دليلاً لحكمه إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه، ومتى اقتنع القاضي من الأدلة التي أوردها بأن المتهم ارتكب الجريمة المرفوعة بها الدعوى وجب عليه أن يدينه ويوقع عليه العقاب، وهذا هو أصل في الاستدلال في المواد الجنائية - فإذا كان الحكم قد أثبت أن المتهم قد وافق على التفتيش على الصورة التي تم بها ورضي به، وكان على علم بأن من أجراه ليس له صفة مأمور الضبط القضائي، فإن القول ببطلان هذا الإجراء وما ترتب عليه لا يكون سديداً - بل هو إجراء صحيح على المعنى الذي سبق بيانه - وإذا كان قد عثر في أثناء هذا البحث الذي رضي به المتهم على الورقة المالية المسروقة فإنه يصح الأخذ في حقه بهذا الدليل من أدلة الإثبات.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه سرق ورقة مالية فئة المائة جنيه لمصلحة الأموال المقررة. وطلبت عقابه بالمادة 317/ 1 من قانون العقوبات، والمحكمة الجزئية قضت غيابياً عملاً بمادة الاتهام بحبس المتهم ثلاثة شهور مع الشغل والنفاذ، فعارض المتهم في هذا الحكم ودفع الحاضر معه ببطلان القبض والتفتيش، والمحكمة الجزئية قضت بتأييد الحكم الغيابي المعارض فيه. استأنف المتهم هذا الحكم والمحكمة الاستئنافية قضت حضورياً بتأييد الحكم المستأنف بلا مصاريف. فطعن الوكيل عن المتهم في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

... حيث إن مبنى الطعن هو الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب - وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن الحكم المطعون فيه رفض الدفع ببطلان التفتيش الذي أجري على شخصه بمقولة "إن التفتيش حصل برضاه واختياره" - في حين أن التفتيش - وقد أجراه أحد الصيارفة من زملاء المجني عليه ممن لا يتمتعون بصفة الضبطية القضائية يعتبر غير موجود وباطلاً من نفسه ولو حصل بالرضاء - هذا فضلاً عن أن الطاعن قد دفع أيضاً بأن التفتيش حصل بغير رضاه وأنه أجري بعد الاعتداء عليه بالضرب ولكن الحكم المطعون فيه لم يعن بتحقيق هذا الدفاع الجوهري الذي من شأنه إن صح أن يغير وجه الرأي في الدعوى.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله: "إن مأمور مركز سمالوط قدم بلاغاً ذكر فيه أنه أثناء توريد فتحي محمد مدني صراف ههيا عهدته اكتشف فقد ورقة مالية فئة المائة جنيه وأنه اتهم صديقه عفيفي نوح عفيفي (الطاعن) في سرقة هذا المبلغ فاتفق باقي الصيارفة الموجودين بالمركز على تفتيشه، وتفتيش المتهم والصراف أحمد سعيد الذي استلم منه العهدة - وقد وافق الثلاثة على هذا التفتيش وقام بعملية التفتيش الصراف محمد حسن الساعي فعثر على الورقة المالية المسروقة في حذاء المتهم". واعتمد الحكم في إدانة الطاعن إلى أقوال فتحي محمد مدني - ومحمد محمد صالح معاون المالية وأحمد محمد سعيد - ثم عرض للدفع ببطلان القبض والتفتيش والتحقيق الذي بني عليهما وقد أسس الطاعن دفعه هذا على ما ذكره من أن القبض والتفتيش قد وقعا من أشخاص ليس لهم صفة في إجرائهما.... عرض الحكم لهذا الدفع وقال رداً عليه "إن المحكمة تستخلص من شهادة الشهود سالفة الذكر والتي تطمئن إليها المحكمة أن التفتيش حصل برضاء المتهم التام إذ أجمع الشهود على أن الصراف محمد حسن الساعي لما عرض على المتهم تفتيشه وافق المتهم على هذا التفتيش ولما انتهى الصراف من تفتيش ملابسه طلب من المتهم تفتيش حذائه فوافق المتهم على ذلك ومدّ له رجله اليمنى فخلع الصراف الحذاء وعثر بداخله على الورقة المالية المسروقة - ويتبين من كل ذلك أن التفتيش حصل برضاء المتهم الطاعن عن طواعية واختيار ومن ثم يكون الدفع المبدى من المتهم يبطلان التفتيش في غير محله - وجدير بالذكر أن ما ذهبت إليه محكمة أول درجة من أن الواقعة في حالة تلبس فإن هذه المحكمة لا تقر محكمة أول درجة فيما ذهبت إليه لأن الشروط التي يتطلبها القانون في حالات التلبس غير متوفرة في الحالة التي نحن بصددها - أما بخصوص ما أثاره المتهم من بطلان القبض فمردود عليه بأنه لم يحصل ثم قبض على المتهم قبل تفتيشه". وحيث إن تفتيش المنازل أو الأشخاص بحسب الأصل هو إجراء من إجراءات التحقيق لا تأمر به إلا سلطة من سلطاته لمناسبة جريمة - جناية أو جنحة ترى أنها وقعت وصحت نسبتها إلى شخص معين وأن هناك من الدلائل ما يكفي للتعرض لحرية المتهم الشخصية أو لحرمة مسكنه - ذلك هو حكم التفتيش الذي نظم القانون قواعده وضبط حالاته وجعل لرجال الضبط القضائي ولمن خولهم سلطة التحقيق حق مباشرته في حدود القانون، والتفتيش بهذا المعنى القانوني هو بطبيعة الحال غير التفتيش الذي يجريه الأفراد على من تلحقه شبهة الاتهام بحيازة شيء حيازة إجرامية غير مشروعة، فهو ليس تفتيشاً يتنزل منزلة التفتيش الذي خاطب الشارع المحقق بأحكامه وإنما هو نوع من البحث والاستقصاء أو هو نوع من التنقيب عن الأشياء الخاصة بجريمة تحقق وقوعها، وإذا رضي به المتهم كان دليلاً يصح استناد قضاء الاتهام وقضاء الحكم إليه على السواء، فإذا ثبت لمحكمة الموضوع سلامة هذا الإجراء جاز لها أن تأخذ بنتيجة هذا التنقيب كدليل من أدلة الإثبات في الدعوى، فالتفتيش بمعناه القانوني والتفتيش بمعناه في اصطلاح اللغة وإن كانا يتغايران تغايراً لا يقتضي صحة التشبيه بينهما إلا أنهما يأتلفان على النتيجة المستمدة من كل منهما فيصح الاستدلال بأيهما في مقام الإثبات، ومتى تقرر ذلك فلا يسوغ إطراح الدليل المستمد من تفتيش يجريه الأفراد لمجرد أنهم ليسوا من رجال الضبط القضائي أو من رجال سلطة التحقيق، ذلك بأن العبرة في المحاكمات الجنائية هي باقتناع القاضي بناءً على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو ببراءته، ولا يصح مطالبة قاضي الموضوع بالأخذ بدليل معين - فقد جعل القانون من سلطته أن يأخذ من أي بينة أو قرينة يرتاح إليها دليلاًً لحكمة إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه، ومتى اقتنع القاضي من الأدلة التي أوردها بأن المتهم ارتكب الجريمة المرفوعة بها الدعوى وجب عليه أن يدينه ويوقع عليه العقاب، هذا هو أصل في الاستدلال في المواد الجنائية - وعلى ذلك متى كان الحكم قد أثبت أن المتهم قد وافق على التفتيش على الصورة التي تم بها ورضي به وكان على علم بأن من يجريه ليس له صفة مأمور الضبط القضائي، فإن القول ببطلان هذا الإجراء وما ترتب عليه لا يكون سديداً بل هو إجراء صحيح على المعنى الذي سبق بيانه وإذا كان قد عثر في أثناء هذا البحث الذي رضي به المتهم على الورقة المالية المسروقة فإنه يصح الأخذ في حقه بهذا الدليل من أدلة الإثبات وهو ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعن الذي ادعى فيه أن تفتيشه قد وقع بعد اعتداء عليه بالضرب في قوله "وقد جاء الكشف الطبي الموقع على المتهم مكذباً له نافياً وقوع أي اعتداء عليه" وهو كاف لتنفيذ هذا الدفاع. لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.


[(1)] المبدأ ذاته في الطعن 1543 لسنة 29 ق (جلسة 29/ 2/ 1960)