أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 11 - صـ 95

جلسة 19 من يناير سنة 1960

برياسة السيد محمود إبراهيم إسماعيل المستشار، وبحضور السادة: فهيم يسى جندي، والسيد أحمد عفيفي، وعباس حلمي سلطان، ورشاد القدسي المستشارين.

(17)
الطعن رقم 1377 لسنة 29 القضائية

نصب.
عناصر الواقعة الإجرامية. أغراض الطرق الاحتيالية.
إحداث الأمل بتسديد المبلغ الذي أخذ بطريق الاحتيال. مثال في مصارفة.
نقض.
الحكم في موضوع الطعن. النقض لمخالفة القانون الموضوعي.
متى يتعين أن يكون مع النقض الإحالة؟
إذا كانت الواقعة التي أثبتها الحكم في حق المتهم هي أنه تظاهر بالشراء جدياً من المجني عليها وساومها على البيع ووصل إلى تحديد ثمن معين، ثم استعان على تأييد هذه المزاعم المكذوبة بإعطائها ورقة ذات عشرة جنيهات وكلفها بصرفها ثم عاد إليها وطلب منها الورقة بحجة صرفها بنفسه فانخدعت المجني عليها وسلمته الورقة - وهي تملك فيها جنيهين - فأخذها وهرب بها، فإن هذه الوقائع إذا ثبتت في حق المتهم وصحت نسبتها إليه تكون قانوناً جريمة النصب المنصوص عليها في المادة 336 من قانون العقوبات، ويكون قضاء المحكمة الاستئنافية ببراءة المتهم منطوياً على خطأ في تطبيق القانون وفي تأويله مما يستوجب نقض الحكم، ولما كان هذا الوصف لم يوجه إلى المتهم ولم يتسن للدفاع أن يتناوله في مرافعته، فإن محكمة النقض لا تستطيع تصحيح هذا الخطأ مما يتعين معه أن يكون مع النقض الإحالة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه سرق جنيهين لوهيبه محمود الدسوقي، وطلبت عقابه بالمادة 318 من قانون العقوبات، والمحكمة الجزئية قضت حضورياً عملاً بمادة الاتهام بحبس المتهم شهرين مع الشغل والنفاذ، استأنف المتهم هذا الحكم والمحكمة الاستئنافية قضت فيه حضورياً بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهم من التهمة المسندة إليه، فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون على الواقعة التي صار إثباتها في الحكم، وفي ذلك تقول إن المجني عليها كانت تعرض أرانب للبيع فتقدم إليها المتهم (المطعون ضده) - متظاهراً بشرائها واتفق معها فعلاً على الثمن وقدره 55 قرشاً وعرض عليها ورقة مالية من فئة العشرة جنيهات طالباً منها صرفها وإعطاءه الباقي فأظهرت له عدم وجود نقود صغيرة معها خلاف ورقتين من فئة المائة قرش فسلمها الورقة ذات العشرة جنيهات وأخذ منها الجنيهين بحجة قضاء بعض مصالحه وكلفها هي بصرف الورقة ذات العشرة جنيهات حتى يعود وبعد فترة لحق بها واسترد منها الورقة بعد أن أفهمها أنه سيقوم هو بصرفها وكلفها بالانتظار بجوار الأرانب حتى يعود إليها، وهرب بالورقة ذات العشرة جنيهات وبالجنيهين اللذين استلمهما منها، وتقول النيابة إن التسليم هنا كان اضطرارياً - ولا يتنافى مع بقاء الحيازة للمجني عليها - هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن من حق المحكمة أن تعطي الوقائع وصفها القانوني الصحيح، فإن كانت الواقعة في نظرها لا تكون السرقة، فهي بلا شك تكون جريمة نصب منطبقة على المادة 336 عقوبات، وكان يتعين عليها أن تدينه عن الواقعة بوصفها الحقيقي.
وحيث إن واقعة الحال أن النيابة العامة رفعت الدعوى ضد سعيد خليل شيخون لأنه في يوم 28/ 12/ 1957 بدائرة بندر دمنهور - سرق جنيهين لوهيبة محمود دسوقي، وطلبت عقابه بالمادة 318 من قانون العقوبات. فقضت محكمة أول درجة بإدانته - أخذاً بوصف النيابة - فاستأنف المتهم الحكم، فقضت محكمة ثاني درجة بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المطعون ضده، وبينت واقعة الدعوى والأسباب التي استندت إليها في حكمها في قولها "إنه بينما كانت المجني عليها وهيبه محمود دسوقي تجلس بالطريق وتعرض زوجاً من الأرانب للبيع، حضر إليها شخص لا تعرفه وصفته بأنه طويل القامة وأسمر اللون ورأسه مصاب بالصلع ويرتدي حلة لونها بني وطلب منها شراء السلعة التي تعرضها للبيع بمبلغ 55 قرشاً، وقدم لها ورقة من فئة العشرة جنيهات وطلب منها أن ترد له الباقي فأبلغته أن ليس لديها خلاف مبلغ 2 جنيه فطلب منها أن تسلمهما إليه ففعلت ذلك وسلمها ورقة البنكنوت ذات العشرة جنيهات لكي تقوم بصرفها، ثم استرد منها الورقة ذات العشرة جنيهات لكي يقوم هو بصرفها وكلفها بإحضار الأرانب التي اشتراها منها فنفذت رغبته، ولما عادت ومعها الأرانب لم تجد هذا الشخص، وتحرى ضابط مباحث بندر دمنهور عن هذا الحادث فعلم من التحريات بأن المتهم هو الذي ارتكب الحادث" ثم قالت "إن التسليم يمنع من توافر ركن الاختلاس سواء كان تسليماً حراً أو كان قد بني على خطأ أو كان مشوباً بالغش، وذلك لأن تسليم الشيء يتنافى وفكرة نزع حيازته، ويشترط لكي يحدث التسليم أثره أي يمنع من قيام الاختلاس أن يكون حاصلاً من مالك الشيء أو حائزه - أو أي شخص له صفة على الشيء المسلم. وحيث إن الثابت من التحقيقات أن المجني عليها هي التي سلمت إلى المتهم مبلغ الجنيهين، ولما كان التسليم يمنع الاختلاس، ومن ثم تكون التهمة لا سند لها وبالتالي يكون الحكم المستأنف في غير محله ويتعين القضاء بالإلغاء وبراءة المتهم".
وحيث وإن كان صحيحاً أن المجني عليها سلمت الطاعن مبلغ الجنيهين اللذين كانا معها ليتصرف فيهما المطعون ضده في قضاء مصالحه اعتماداً على أن الورقة ذات العشرة جنيهات في يدها ثم عادت وسلمته الورقة ذات العشرة جنيهات بعد أن أوهمها أنه سيتولى صرفها بنفسه ثم يعود إليها ليدفع لها الجنيهين وثمن الأرانب وسمحت له بالابتعاد عنها فترة من الزمن - بما يكفي للصرف وعادت هي إلى مكان الأرانب ريثما يعودون متابعته أو رعايتها له بحواسها - فإن التسليم هنا ينقل الحيازة، ولا يتصور معه في حق المتهم وقوع الاختلاس بمعنى السرقة كما ذهب إلى ذلك الحكم المطعون فيه بحق. لما كان ذلك، وكان التطبيق القانوني إنما يقوم على أساس الواقعة التي ثبتت أمام المحكمة لا على أساس الوصف الذي تصفه بها النيابة، وكان على قاضي الموضوع أن يبحث الوقائع المطروحة أمامه من جميع نواحيها وأن يقضي فيما يثبت لديه منها ولو كان هذا الثابت يستلزم وصف التهمة بوصف آخر غير ما أعطى لها في صيغة الاتهام أو تطبيق مادة قانونية أخرى خلاف المادة التي طلب الاتهام معاقبة المتهم بموجبها، فليس له إذن أن يقضي بالبراءة في دعوى قدمت له بوصف معين إلا بعد التحقق من أنها لا تقع تحت أي وصف قانوني من أوصاف الجرائم المستوجبة للعقاب، وليس عليها في ذلك إلا مراعاة الضمانات التي نصت عليها المادة 308 من قانون الإجراءات الجنائية. لما كان ذلك، وكانت الواقعة التي أثبتها الحكم في حق المطعون ضده هي أنه تظاهر بالشراء جدياً من المجني عليها وساومها على البيع ووصل معها إلى تحديد ثمن معين، ثم استعان على تأييد هذه المزاعم المكذوبة بإعطائها الورقة ذات العشرة جنيهات وكلفها بصرفها، ثم عاد إليها وطلب منها الورقة بحجة صرفها بنفسه فانخدعت المجني عليها وسلمته الورقة وهي تملك فيها جنيهين، فأخذها وهرب بها، وهذه الوقائع إذا ثبتت في حق المطعون ضده وصحت نسبتها إليه تكون قانوناً جريمة النصب المنصوص عليها في المادة 336 من قانون العقوبات، ويكون قضاء المحكمة الاستئنافية ببراءة المطعون ضده منطوياً على خطأ في تطبيق القانون وفي تأويله مما يستوجب نقض الحكم، ولما كان هذا الوصف لم يوجه إلى المتهم ولم يتسن للدفاع أن يتناوله في مرافعته، فإن هذه المحكمة لا تستطيع تصحيح هذا الخطأ مما يتعين معه نقض الحكم وإحالة القضية للفصل فيها مجدداً من دائرة استئنافية أخرى.