أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 11 - صـ 112

جلسة أول فبراير سنة 1960

برياسة السيد محمود إبراهيم إسماعيل المستشار، وبحضور السادة: فهيم يسى جندي، ومحمود حلمي خاطر، وعباس حلمي سلطان، ورشاد القدسي.

(22)
الطعن 1460 لسنة 29 القضائية

( أ ) إثبات. قرائن موضوعية. اشتراك. تعدد المساهمين في الجريمة بطريقة أصلية.
جواز الاستدلال على ظاهرة المساهمة الجنائية بالقرائن. تدليل سائغ. مثال.
(ب) مسئولية جنائية. القصد المشدد. ماهيته.
اشتراك. التمييز بين الفاعل والشريك. المساهمة الأصلية في الجريمة بطريق الاتفاق. متى تتوافر؟ مثال في ضرب أفضى إلى موت. انتفاء التعارض بين نفي ظرف سبق الإصرار في حق المتهمين وبين ثبوت اتفاقهم على الاعتداء على المجني عليه.
1 - الاشتراك بطريق الاتفاق كما هو معرف به في القانون هو اتحاد نية أطرافه على ارتكاب الفعل المتفق عليه، ويتم غالباً دون مظاهر خارجية أو أعمال مادية محسوسة يمكن الاستدلال عليها، وإذ كان القاضي الجنائي مطلق الحرية في تكوين عقيدته من واقع الدعوى فإن له إذا لم يقم على الاشتراك دليل مباشر من اعتراف أو شهادة شهود أو ما أشبه أن يستدل عليه بطريق الاستنتاج من القرائن التي تقوم لديه ما دام هذا الاستدلال سائغاً وله من ظروف الدعوى ما يبرره - فإذا تحدث الحكم عن اتفاق المتهمين على مقارفة الجريمة بقوله: "... إن عدم توافر ظروف سبق الإصرار لا ينفي أن المتهمين قد اتفقوا فيما بينهم وبعد علمهم بما وقع من تعد على والد الأولين وعم الثالث - اتفقوا على ضرب المجني عليه وتوجهوا حاملين العصي من مساكن العزبة إلى حيث يوجد المجني عليه... يدل على ذلك تسلسل الحوادث... وما قرره الشاهدان من أنهما رأيا المتهمين وهم مقبلون معاً من جهة مساكن العزبة حاملين العصي وانهالوا في وقت واحد على رأس المجني عليه ضرباً بالعصي وبغير أن يجد سبب مباشر يدعو إلى هذا الضرب، الأمر الذي يفيد حتماً أن المتهمين الثلاثة لم يقبلوا من مساكن العزبة إلى حيث كان يوجد المجني عليه... إلا بعد أن اتفقوا على ضربه انتقاماً لضرب والد المتهمين الأولين وعم ثالثهم وحملوا عصيهم واتجهوا إلى مكانه وانهالوا على رأسه ضرباً..." فإن ما أورده الحكم في التدليل على اتفاق المتهمين على مقارفة الجريمة سائغ في العقل، ويتوافر به الاشتراك بطريق الاتفاق على ارتكاب الجريمة.
2 - لا تعارض فيما قاله الحكم حين نفى قيام ظرف سبق الإصرار في حق المتهمين - وهو تدبر ارتكاب الجريمة والتفكير فيها تفكيراً هادئاً لا يخالطه اضطراب مشاعر ولا انفعال نفس - وبين ثبوت اتفاق المتهمين على الاعتداء على المجني عليه - فإذا ما أخذت المحكمة المتهمين عن النتيجة التي لحقت بالمجني عليه نتيجة ضربة واحدة بناء على ما اقتنعت به من اتفاقهم على الاعتداء عليه، فلا تثريب عليها في ذلك.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين مع آخرين حُكم ببراءتهما بأنهم: ضربوا الصادق محمد عثمان فأحدثوا به الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية ولم يقصدوا من ذلك قتله ولكن الضرب أفضى إلى موته وكان ذلك مع سبق الإصرار. وطلبت إلى غرفة الاتهام إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالمادة 236/ 1 - 2 من قانون العقوبات فقررت بذلك. وقد ادعى ورثة الصادق محمد عثمان بحق مدني قبل المتهمين متضامنين بمبلغ ألف جنيه بصفة تعويض، ومحكمة الجنايات قضت حضورياً عملاً بمادة الاتهام بمعاقبة الطاعنين بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبإلزامهم أن يدفعوا متضامنين للمدعين بالحق المدني مبلغ خمسمائة جنيه والمصاريف المدنية المناسبة. فطعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

.... وحيث إن محصل الطعن هو أن الحكم المطعون فيه مشوب بالتناقض والقصور في التسبيب والخطأ في تطبيق القانون، ذلك أن الحكم نفى توافر ظرف سبق الإصرار لدى الطاعنين ولكنه قال بعد ذلك "ولو أن ظرف سبق الإصرار غير متوافر إلا أن هذا لا ينفي اتفاق الطاعنين على مقارفة الجريمة" ورتب على ذلك تحميلهم جميعاً نتيجة الضربة التي أودت بحياة المجني عليه، وقد تناقض الحكم فيما ذهب إليه إذ أن انتفاء ظرف سبق الإصرار للثورة النفسية وضيق الوقت - كما قال الحكم - ينفي حتماً أن يقوم بين الطاعنين اتفاق على ارتكاب جريمة معينة والإعداد لها، وكان على المحكمة أن تقيم الدليل على قيام هذا الاتفاق، أما قولها بأنها تستنتجه من قول الشهود إنهم رأوا المتهمين وهم يعتدون بالضرب على المجني عليه ومن تلاحق الاشتباكات ففيه تعسف يعيب منطق الحكم ويحمل الواقعة أكثر مما تحتمل، فقد يكون الاعتداء نتيجة توافق على التعدي لا نتيجة اتفاق سابق على ارتكاب الجريمة، والتوافق لا يسأل فيه عن الضرب المميت أو إحداث العاهة إلا مرتكبه. وما دام أن سبق الإصرار غير متوافر في الدعوى ولم يقم دليل على وجود اتفاق ثابت بين الطاعنين على ارتكاب الجريمة، فإنه كان من المتعين على المحكمة أن تطبق المادة 242 من قانون العقوبات على الطاعنين أخذاً بالقدر المتيقن.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى في قوله "بما أن وقائع الحادث كما استخلصتها المحكمة من مطالعة الأوراق والتحقيقات وسماع الدعوى تحصل في أنه حوالي الساعة الثالثة من مساء يوم 12 أكتوبر سنة 1956 توجه الصباحي تهامي صبره إلى حديقة له بعزبة عثمان بناحية المحمدية مركز منيا القمح، ووجد فيها قنوع سالم اليمني واتهمها بسرقة ثمار البرتقال منها وأرسل في استدعاء ذويها، وحضر أثناء ذلك محمد البرنس غانم ووقف يتحدث معه وعلم محمد الصادق محمد عثمان ابن قنوع بهذا الاتهام فذهب مع أخيه عبد الله الصادق محمد عثمان إلى الحديقة ومعهما عصا وخشي محمد البرنس غانم أن يعتدي الاثنان على الصباحي تهامي صبره فاعترضهما فضرباه وأصاباه وأبلغ عمدة الناحية حوالي الساعة الرابعة مساءً بواقعتي السرقة والضرب، وكان المتهمون الثلاثة الأول - الطاعنون - عبد الهادي محمد غانم، عبد المطلع محمد غانم، عبد الحميد علي غانم - قد علموا بتعدي محمد وعبد الله الصادق محمد عثمان على محمد البرنس غانم والد المتهمين الأول والثاني وعم المتهم الثالث - وثاروا لذلك واعتزموا مقابلة هذا التعدي بمثله وضرب والد المعتدين وهو الصادق محمد عثمان، فلما علم المتهمون الثلاثة الأول بوجوده عند ساقيته خفوا إليه قبل المغرب بنحو ربع ساعة وهم في ثورتهم وانهالوا على رأسه ضرباً بالعصي فأحدثوا بها جروحاً رضية وكسر بعظم القبوة وبالقاعدة وارتجاجاً ونزيفاً بالمخ، الأمر الذي أفضى إلى موت المجني عليه في 21 من أكتوبر سنة 1956" واستند الحكم في إدانة الطاعنين إلى أدلة سائغة استمدها من أقوال شهود الإثبات ومن التقارير الطبية وهي أدلة تؤدي إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد نفى ظرف الإصرار السابق بقوله "وترى المحكمة من ذلك أن هذه الفترة التي مرت بين الحادث الأول الذي استفز المتهمين وأثارهم وبين الحادث الثاني تكاد تكون الوقت اللازم لعلم المتهمين بما وقع من تعد على والد الأولين وعم الثالث ثم بحثهم عن والد المعتدين والذهاب إليه عند الساقية وضربه. وأن المتهمين كانوا في خلال تلك الفترة في حالة ثورة نفسية لا يستطيعون معها التفكير في هدوء وروية الأمر الذي لا يتوافر معه ظرف سبق الإصرار. ثم تحدث الحكم عن اتفاق المتهمين الطاعنين على مقارفة الجريمة بقوله "وبما أن المحكمة ترى مع ذلك أن عدم توافر هذا الظرف، ظرف سبق الإصرار" لا ينفي أن المتهمين قد اتفقوا فيما بينهم وبعد علمهم بما وقع من تعد على والد الأولين وعم الثالث - اتفقوا على ضرب المجني عليه وتوجهوا حاملين العصي من مساكن عزبة عثمان إلى حيث يوجد المجني عليه عند ساقيته الواقعة على حافة مساكن العزبة على ما جاء في المعاينة - يدل على ذلك تسلسل الحوادث على النحو سابق البيان وما قرره الشاهدان عبد الستار أمين عثمان وقنوع عزب سالم من أنهما رأيا المجني عليه عند ساقيته كما رأيا المتهمين وهم مقبلون معاً من جهة مساكن العزبة حاملين العصي وانهالوا في وقت واحد على رأس المجني عليه ضرباً بالعصي وبغير أن يجد سبب مباشر يدعو إلى هذا الضرب، الأمر الذي يفيد حتماً أن المتهمين الثلاثة لم يقبلوا من مساكن العزبة إلى حيث كان يوجد المجني عليه عند الساقية إلا بعد أن اتفقوا على ضربه انتقاماً لضرب والد المتهمين الأولين وعم ثالثهم وحملوا عصيهم واتجهوا إلى مكانه وانهالوا على رأسه ضرباً، وبما أنه يخلص مما تقدم أن المتهمين الثلاثة الأول وإن كانوا في حالة ثورة نفسية تمنع من توافر ظرف سبق الإصرار إلا أنهم قد اتفقوا فيما بينهم على ضرب المجني عليه للأسباب آنفة الذكر وضربوه هم الثلاثة بالعصي على رأسه وبذا يكون كل منهم قد أسهم في الضرب واتفق مع الآخرين عليه ويتعين بالتالي أن يسأل كل منهم عن النتيجة المحتملة التي حدثت نتيجة ضربة واحد منهم وهي التي أحدثت نزيف المخ وكسور الرأس التي سببت وفاة المجني عليه". لما كان ذلك، وكان الاشتراك بطريق الاتفاق كما هو معرف به في القانون هو اتحاد نية أطرافه على ارتكاب الفعل المتفق عليه وأنه يتم غالباً دون مظاهر خارجية أو أعمال مادية محسوسة يمكن الاستدلال عليها وإذ كان للقاضي الجنائي مطلق الحرية في تكوين عقيدته من واقع الدعوى فإن له إذا لم يقم على الاشتراك دليل مباشر من اعتراف أو شهادة شهود أو ما أشبه أن يستدل عليه بطريق الاستنتاج من القرائن التي تقوم لديه ما دام هذا الاستدلال سائغاً وله من ظروف الدعوى ما يبرره. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم في التدليل على اتفاق الطاعنين على مقارفة الجريمة سائغاً في العقل، ويتوفر به الاشتراك بطريق الاتفاق على ارتكاب الجريمة على النحو الذي سلف ذكره، وكان لا تعارض فيما قاله الحكم حين نفى قيام ظرف سبق الإصرار في حق الطاعنين - وهو تدبر ارتكاب الجريمة والتفكير فيها تفكيراً هادئاً لا يخالطه اضطراب مشاعر ولا انفعال نفس - وبين ثبوت اتفاق الطاعنين على الاعتداء على المجني عليه - فإذا ما أخذت المحكمة المتهمين عن النتيجة التي لحقت بالمجني عليه نتيجة ضربة واحدة بناءً على ما اقتنعت به من اتفاقهم على الاعتداء عليه فلا تثريب عليها في ذلك.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاًً.