أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 11 - صـ 134

جلسة 2 من فبراير سنة 1960

برياسة السيد محمود إبراهيم إسماعيل المستشار، وبحضور السادة: فهيم يسى جندي، ومحمود حلمي خاطر، وعباس حلمي سلطان، ورشاد القدسي المستشارين.

(27)
الطعن رقم 1446 لسنة 29 القضائية

استدلال.
قبض. استيقاف. تلبس. مجيئه عن سبيل مشروع. مثال.
إسراع المتهمة بالهرب ومحاولتها التواري عن أنظار رجال البوليس حال مرورهم بمنطقة اشتهر عنها الاتجار بالمخدر يبرر متابعتها باعتبار المتابعة في هذه الصورة من حالات الاستيقاف. تخلي المتهمة عن المنديل وظهور الأوراق التي تحوي المخدر يوفر حالة التلبس بإحرازه المبرر للقبض عليها.
نقض.
أوجهه. الخطأ في تطبيق القانون في مقام الطعن على قرارات غرفة الاتهام بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية.
تقرير خاطئ من الغرفة بشأن اعتبار الواقعة قبضاً باطلاً والحال أنها من صور الاستيقاف.
إذا أثبت القرار في مدوناته أن الضابط ومعه رجلان من البوليس الملكي كانوا يمرون بدائرة القسم في منطقة اشتهرت بالاتجار في المخدرات فأبصروا بالمتهمة تقف في الطريق وتمسك منديلاً في يدها، ولما أن وقع بصرها عليهم أسرعت في الهرب محاولة التواري عن نظر الضابط ومن معه، ولما كانت المتهمة بذلك قد وضعت نفسها موضع الشبهات والريب فمن حق الضابط ومن معه أن يستوقفوها ليتحروا أمرها ويكشفوا عن الوضع الذي وضعت نفسها فيه طواعية واختياراً، ومتابعة الضابط ومن معه لها بعد فرارها على هذه الصورة المريبة إن هو إلا صورة من صور الاستيقاف الذي لا يرقى إلى مرتبة القبض - فإذا تخلت المتهمة طواعية واختياراً وهي تحاول الفرار عن المنديل الذي تضع فيه جانباً من المخدر وألقته على الأرض فانفرط عقده وظهرت الأوراق التي تحوي المخدر، فإن هذا التخلي لا يعد نتيجة لإجراء غير مشروع، بل قام به رجال الشرطة في سبيل أداء واجبهم ولا يقبل من المتهمة التنصل من تبعة إحراز المخدر بمقولة بطلان الاستيقاف، وعثور رجال البوليس على هذه المادة لم يكن نتيجة لقبض أو تفتيش بل هو نتيجة لإلقائها المنديل وما يحويه على الأرض قبل أن يمسك بها أحد، ويعتبر هذا منها تخلياً عن حيازتها بل إسقاطاً لملكيتها فيها، فإذا هم فتحوا الأوراق ووجدوا فيها المخدر فإن المتهمة تكون في حالة تلبس بإحرازه يبيح القبض عليها وتفتيشها، فيكون القرار - فيما ذهب إليه - من اعتبار الواقعة قبضاً - وقبضاً باطلاً لا يصح الاعتماد عليه ولا على شهادة من أجروه - قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله على الواقعة كما صار إثباتها فيه ويتعين إلغاءه وإعادة القضية إلى غرفة الاتهام لإحالتها إلى محكمة الجنايات المختصة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضدها بأنها حازت حشيشاً وأفيوناً في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. وطلبت إلى غرفة الاتهام إحالتها إلى محكمة الجنايات لمعاقبتها بالمواد 1 و2 و33 جـ فقرة أخيرة و35 من المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 1952 والجدول 1، وقررت غرفة الاتهام حضورياً بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية لعدم كفاية الدلائل ومصادرة المضبوطات من المواد المخدرة. فطعنت النيابة العامة في هذا الأمر.... إلخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الطعن هو الخطأ في تطبيق القانون، ذلك أن القرار المطعون فيه اعتبر متابعة رجال البوليس للمطعون ضدها - بقصد استيقافها - صورة من صور القبض، في حين أن المتابعة خطوة سابقة على الاستيقاف - والاستيقاف لا يعتبر قبضاً - متى كان هناك من الأسباب ما يدعو إلى اتخاذ هذا الإجراء - وقد ذهب القرار المطعون فيه - تحت تأثير هذا الخطأ الذي وقع فيه - إلى القول بأن المتهمة لم تلق المنديل بمشتملاته من حشيش وأفيون ولم تقدم الحافظة التي تحتوي على الأفيون إلا مكرهة تحت تأثير الخوف من تفتيشها - في حين أن المتهمة بإلقائها ما معها من مخدر قبل الإمساك بها تعتبر متخلية عن المخدر طواعية واختياراً بما تتوافر معه حالة التلبس التي تجيز لمأمور الضبط القضائي القبض عليها وتفتيشها بغير إذن من سلطة التحقيق.
وحيث إن الدعوى الجنائية رفعت على المطعون ضدها جليلة علي عبد العال - بأنها حازت جواهر مخدرة - حشيشاً وأفيوناً - في غير الأحوال المصرح بها قانوناً فقررت غرفة الاتهام بتاريخ 4 من نوفمبر سنة 1958 بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية لعدم كفاية الدلائل ومصادرة المضبوطات من المواد المخدرة. وقالت في بيان الواقعة "إن الملازم علي زين العابدين عبد الحميد ضابط مباحث بندر الزقازيق أثبت في محضر ضبط الواقعة المؤرخ في 16 يونيه سنة 1958 أنه كان يمر بصحبة المخبرين السعيد رزق يوسف وعبد العزيز شاهين بشارع بحر مويس حوالي الساعة 7.30 ليلة الحادث وشاهد المتهمة تعدو وتدلف إلى متجر حسن إبراهيم يوسف وتلقي فيه بمنديل أبيض اللون وعند ارتطامه بالأرض انفرط عقده وسقطت منه لفافتان من ورق السلوفان الأبيض بداخلها قطع من مادة اشتبه في كونها حشيش وكذا علبة صفيح متوسطة الحجم مستطيلة الشكل بداخلها مادة ذات رائحة نفاذة يشتبه في أن تكون أفيوناً، وقد التقط محتويات المنديل وواجه بها المتهمة فاعترفت بملكية هذه الأشياء وعللت اتجارها فيها بوجود زوجها ونجلها بالسجن بسبب اتجارهما في مثلها، وطلبت منه إطلاق سراحها فاستفسر منها عما إذا كان في ملابسها شيء من الممنوعات وحاولت الإنكار إلا أنه تحت إعادة سؤالها - أخرجت من جيبها الخارجي الأيمن مبلغ 134 قرشاً وحافظة نقود بنية اللون بفتحها وجد بجيبها الداخلي لفافة من الورق الأصفر تحتوي على لفافة أخرى من ورق السلوفان الأبيض بها مادة ذات رائحة نفاذة يشتبه في أن تكون أفيوناً - واعترفت المتهمة أيضاً بملكيتها - وقد أظهر التحليل أن ما ضبط مع المتهمة هو حشيش وأفيون" ثم عرض القرار لواقعة القبض فقال "ومن حيث إن القبض على إنسان ولو لساعات محدودة إجراء خطير ينطوي على الاعتداء على حريته الشخصية يحصل أصلاً في نطاق المواد 40 إلى 43/ 3 من قانون الإجراءات ويجوز أن يقوم به استثناء مأمور الضبط القضائي طبقاً للحدود التي رسمتها المادة 34 من قانون الإجراءات وبشرط وجود دلائل كافية على الاتهام، وباستقراء وقائع الدعوى في هدي أقوال شهودها يبين أن المتهمة كانت تقف بالطريق ثم سارعت بالعدو عندما اقترب منها الضابط ورجلاه فتابعوها وهذه الحالة على فرض ثبوتها لا تكون حالة تلبس كما وصفها القانون - إذ لم تكن هناك مظاهر خارجية تنبئ بذاتها عن وجود جريمة إحرازها المخدر سيما وقد أكد الضابط والمخبران أنهما لم يروا ما بداخل المنديل قبل عدوها - ولم يتسن لهم معرفة كنهه حينذاك - ومن أجل ذلك يضحى القبض عليها ومتابعتها على الوجه المتقدم باطلاً لمخالفته لأحكام القانون في هذا الصدد مما يتعين معه طرح الدليل المستمد منه، ومن حيث إن البادي من مطالعة أوراق الدعوى أن المتهمة لم تقدم الحافظة التي تحتوي على الأفيون ولم تلق بالمنديل - كما شهد الضابط ورجلاه إلا مكرهة تحت تأثير التهديد والمتابعة والخوف من تفتيشها قسراً عنها، ولم يكن ذلك باختيارها وحريتها، ومن ثم لا يجوز الاستناد في إدانتها إلى وجود المخدر معها لأن بطلان القبض يستتبع بطلان التفتيش الذي تلاه وكذلك بطلان كافة الإجراءات اللاحقة. ومن حيث إنه وقد وقر في يقين هذه المحكمة بطلان القبض على المتهمة وتعقبها وإلقائها المخدر وتقديمه للضابط وطرح الدليل المستمد مما تقدم - فإن أقوال الضابط ورجلي البوليس السري المتعلقة بذلك لا يصح اعتبارها لتعلقها بأمر تم مخالفاً للقانون" لما كان ذلك، وكان القرار المطعون فيه قد أثبت في مدوناته أن الضابط ومعه رجلان من البوليس الملكي كانوا يمرون بدائرة القسم في هذه المنطقة - لاشتهارها بالاتجار في المخدرات فأبصروا بالمتهمة تقف في الطريق وتمسك منديلاً في يدها، ولما أن وقع بصرها عليهم أسرعت في الهرب محاولة التواري عن نظر الضابط ومن معه - وكانت الطاعنة بذلك قد وضعت نفسها موضع الشبهات والريب فمن حق الضابط ومن معه أن يستوقفوها ليتحروا أمرها ويكشفوا عن الوضع الذي وضعت نفسها فيه طواعية واختياراً - ومتابعة الضابط ومن معه لها بعد فرارها - على هذه الصورة المريبة - إن هو إلا صورة من صور الاستيقاف الذي لا يرقى إلى مرتبة القبض - فإذا تخلت المتهمة طواعية واختياراً - وهي تحاول الفرار عن المنديل الذي تضع فيه جانباً من المخدر وألقته على الأرض فانفرط عقده وظهرت الأوراق التي تحوي المخدر - فإن هذا التخلي لا يعد نتيجة لإجراء غير مشروع، بل قام به رجال الشرطة في سبيل أداء واجبهم ولا يقبل من المتهمة التنصل من تبعة إحراز المخدر بمقولة بطلان الاستيقاف، وعثور رجال البوليس على هذه المادة لم يكن نتيجة لقبض أو تفتيش بل هو نتيجة لإلقائها المنديل وما يحويه على الأرض قبل أن يمسك بها أحد ويعتبر هذا منها تخلياً عن حيازتها بل إسقاطاً لملكيتها فيها فإذا هم فتحوا الأوراق ووجدوا بها المخدر فإن المتهمة تكون في حالة تلبس بإحرازه يبيح القبض عليها وتفتيشها - ومن ثم يكون القرار المطعون فيه فيما ذهب إليه - من اعتبار الواقعة قبضاً - وقبضاً باطلاً - لا يصح الاعتماد عليه ولا على شهادة من أجروه قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله على الواقعة كما صار إثباتها فيه ويتعين إلغاؤه وإعادة القضية إلى غرفة الاتهام بمحكمة الزقازيق لإحالتها إلى محكمة جنايات الزقازيق لمحاكمة المتهمة عن تهمة إحراز مواد مخدرة في غير الأحوال المصرح بها قانوناً الأمر المنطبق على المواد 1، 2 و33 جـ و35 من المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 1952 والجدول رقم 1 المرافق له.