أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 11 - صـ 282

جلسة 21 من مارس سنة 1960

برياسة السيد محمود محمد مجاهد المستشار، وبحضور السادة: أحمد زكي كامل، والسيد أحمد عفيفي، ومحمد عطية إسماعيل، وعادل يونس المستشارين.

(55)
الطعن رقم 1729 لسنة 29 القضائية

إثبات. تقدير أقوال الشهود: محكمة الموضوع.
سلطة محكمة الموضوع في الاعتماد على أقوال الشهود في خصوص واقعة القتل وإطراحها في شأن أداته.
لمحكمة الموضوع في سبيل تكوين عقيدتها أن تأخذ من أقوال الشاهد بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه إذ الأمر في ذلك مرجعه إلى اطمئنانها، فلا تثريب عليها إذا هي أسست قضائها بإدانة المتهم على أقوال الشهود الذين أوردت مؤدى شهادتهم واعتمدت عليها في خصوص واقعة القتل التي قارفها المتهم وأطرحتها في شأن أداة القتل لما لها من سلطة تقدير الدليل.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة "الطاعن" وآخرين بأنهم - أولاًًًًً - قتلوا عمداًًًًً مع سبق الإصرار والترصد السيد محمد عابدين بأن بيتوا النية على قتل حسان محمد علي أغا وعبد القوى علي أغا وأعدوا لذلك أسلحة نارية "بنادق" وانتظروهم في المكان الذي أيقنوا مرورهم منه حتى إذا ما ظفروا بهم أطلقوا عليهم أعيرة نارية قاصدين من ذلك قتلهم فأصاب العيار الذي أطلقه المتهم الأول المجني عليه السيد محمد عابدين وأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته - وثانياً - شرعوا في قتل حامد محمد علي أغا وعبد القوى علي أغا عمداًًًًً مع سبق الإصرار والترصد بأن بيتوا النية على قتلهما وأعدوا لذالك أسلحة نارية - بنادق - وانتظروهما في المكان الذي أيقنوا مرورهما فيه، حتى إذا ما ظفروا بهما أطلقوا عليهما أعيرة نارية قاصدين قتلهما وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادتهم فيه هو عدم إحكام الرماية - وثالثاًًًًً - أحرزوا بنادق مششخنة وذخيرة بدون ترخيص. وطلبت إلى غرفة الاتهام إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمواد 45 و46 و230 و231 و232 من قانون العقوبات و1 و6 و26/ 2 - 4 و30 من القانون 394 لسنة 1954 المعدل بالقانون رقم 546 لسنة 1954 والقسم الأول من الجدول رقم 3 المرافق. فصدر قرار الغرفة بذلك. ومحكمة الجنايات قضت حضورياًًًًً عملاًًًًً بمواد الاتهام مع تطبيق المادتين 32 و17 من قانون العقوبات بالنسبة إلى الطاعن بمعاقبته بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة وببراءة باقي المتهمين مما أسند إليهم وبمصادرة السلاح والذخائر المضبوطة، فطعن المتهم الأول في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

وحيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه شابه فساد في الاستدلال وقصور في البيان وتناقض في الأسباب، ذلك أنه استظهر نية القتل من استعمال الطاعن آلة قاتلة بطبيعتها "بندقية" وتصويبها نحو مقتل فأصابت الهدف وأردت المجني عليه السيد عابدين قتيلاًًًًً، في حين أنه حصل واقعة الدعوى على أن الطاعن كان متربصاًًًًً عودة عبد القوى علي وحامد محمد أغا وما أن رآهما حتى أطلق مقذوفات نارية قاصداًًًًً قتلهما فلم يحكم الرماية نحوهما وأصاب أحد مقذوفاته المجني عليه السيد محمد عابدين وأودى بحياته، ودلل الحكم على ذلك بأقوال الشهود الذين اعتمد عليهم، وفي هذا تناقض يعيب الحكم، إذ لا يستقيم القول بتصويب البندقية في مقتل مع ما سبق أن أورده الحكم من عدم إحكام الطاعن الرماية وخطئه في الهدف عند إطلاق النار على المجني عليهما الآخرين، ولعل المقذوف الذي نشأت عنه الوفاة كان طائشاًًًًًًًًًً - كما قال الدفاع بذلك في مرافعته - وأطلق على غير هدى مثل باقي الأعيرة التي لم تصب، كما اعتمد الحكم في الإدانة على أقوال الشهود الذين تعرفوا على البندقية المضبوطة قولاًًًًً منهم إنها هي التي كانت بيد الطاعن وقت ارتكاب الجريمة مع أنه ثبت من تقرير الطبيب الشرعي استبعاد حدوث إصابة المجني عليه من مثل تلك البندقية، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى في قوله: "إن عبد القوي علي أغا كان عائداًًًًً من حقله بالخرزة وفي صحبته ابن عمه حامد محمد علي أغا ومعهما ذرة فاستقلا "قارباًًًًً" مملوكاًًًًً للسيد محمد عابدين الذي كان يدير الدفة ويقود السفينة في فرع رشيد متجهين إلى جهة أبو الخاوي فمروا بمنزل أحمد أبو شوشه المقام على النيل وبينما كانوا بجواره حيث كان المتهم الأول السعيد "الطاعن" متربصاًًًًً بجوار المنزل مترقباًًًًً عودة عبد القوي وحامد وما أن رآهما حتى أطلق المتهم الأول - السعيد محمد غباشي - مقذوفات نارية قاصداًًًًً قتل عبد القوي وحامد فلم يحكم الرماية نحوهما وأصاب أحد مقذوفاته السيد عابدين فأحدث به الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته واتجه "القارب" بهم إلى الضفة الشرقية لفرع رشيد الواقعة في مديرية المنوفية.....". وأورد الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة أدلة مستمدة من أقوال المجني عليهم ومن أقوال الشهود ومن تقرير الطبيب الشرعي، وهي من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها وتتوافر بها كافة العناصر القانونية لجرائم القتل العمد والشروع فيه مع سبق الإصرار والترصد وإحراز الأسلحة والذخيرة التي دين الطاعن بها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على ثبوت نية القتل "من استعمال المتهم (الطاعن) آله قاتلة بطبيعتها (بندقية) وتصويبها نحو مقتل فأصابت الهدف وأردت السيد عابدين قتيلاًًًًً، ومما يوغر في صدره من ضغن وحفيظة قبل عبد القوي وأسرته"، وكان ما أورده الحكم سائغاًًًًً وتتوافر به نية القتل كما هي معرفة به في القانون، وكان هذا الذي انتهى إليه الحكم لا تعارض فيه مع ما ذكره في معرض تحصيله لواقعة الدعوى من تعمد الطاعن قتل المجني عليهما حامد محمد علي أغا وعبد القوي علي أغا وخطئه في إصابتهما عند إطلاق النار عليهما بقصد إحداث هذه النتيجة وإصابة المجني عليه السيد محمد عابدين بدلاًًًًً منهما إصابة أودت بحياته، ذلك أن الحيدة عن الهدف والخطأ في شخص المجني عليه في مجال القتل العمد أمران لا تأثير لهما على مسئولية الجاني بوصفه قاتلاًًًًً للشخص الذي أصابه بالفعل إذا مات نتيجة هذا الاعتداء المتعمد، إذ يكفي أن يكون الجاني قد قصد بالفعل الذي قارفه إزهاق روح إنسان ولو كان القتل الذي انتواه قد أصاب غير المقصود. لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع في سبيل تكوين عقيدتها أن تأخذ من أقوال الشاهد بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه، إذ الأمر في ذلك مرجعه إلى اطمئنانها، فلا تثريب عليها إذا هي أسست قضاءها بإدانة الطاعن على أقوال الشهود الذين أوردت مؤدى شهادتهم واعتمدت عليها في خصوص واقعة القتل التي قارفها الطاعن وأطرحتها في شأن أداة القتل لما لها من سلطة تقدير الدليل، وكان لا جدوى للطاعن من النعي على الحكم فيما قضى به عليه في خصوص واقعة القتل العمد طالما أنه لم يتناول في طعنه تهمتي الشروع في القتل العمد وإحراز السلاح المششخن اللتين أثبتهما عليه الحكم بأي مطعن، وكان الحكم إذ دانه في الجرائم المنسوبة إليه قد أوقع عليه من أجلها عقوبة واحدة تطبيقاًًًًً للمادة 32 من قانون العقوبات داخلة في نطاق العقوبة المقررة للتهمتين المذكورتين. لما كان ما تقدم، فإن ما يثيره الطاعن لا يكون له محل.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاًًًًً.