أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 11 - صـ 286

جلسة 21 من مارس سنة 1960

برياسة السيد محمود محمد مجاهد المستشار، وبحضور السادة: أحمد زكي كامل، والسيد أحمد عفيفي، ومحمد عطية إسماعيل، وعادل يونس المستشارين.

(56)
الطعن 1908 لسنة 29 القضائية

هتك عرض. الفعل المادي. متى يتوافر؟ بكشف الجاني عن عورة المجني عليها.
تمزيق لباس المجني عليها الذي كان يسترها وكشف جزء من جسمها هو من العورات - على غير إرادتها أمام الشهود الذين شهدوا بذلك - هذا الفعل يتوافر به جناية هتك العرض بصرف النظر عما يقع على جسم المجني عليها من جرائم أخرى.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنة وأخرى بأنهما هتكا عرض المجني عليها بالقوة بأن طرحاها أرضاًًًًً وجثمت المتهمة الأخرى على صدرها وطلبت من الطاعنة أن تخلع سروال المجني عليها فأخذت في تعريتها من ملابسها وتمزيق سروالها وطلبت من أخيها أن يعتليها لإذلالها، وذلك بعد أن تمكنت من إظهار عورتها أمامه وأمام آخرين. وطلبت من غرفة الاتهام أن تحيل المتهمين إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما طبقاًًًًً لنص المادة 268/ 1 من قانون العقوبات. فقررت ذلك. وادعت المجني عليها قبل المتهمتين متضامنتين بقرش صاغ تعويضاًًًً مؤقتاًًًًًً، ومحكمة الجنايات قضت حضورياًًًًً عملاًًًًً بمادة الاتهام والمادة 17 عقوبات بالنسبة للطاعنة بحبسها مع الشغل سنتين وبتغريم المتهمة الأخرى ألف قرش عملاًًًًً بالمادة 242/ 1 عقوبات وإلزامهما متضامنتين بالتعويض المطلوب والمصاريف وأتعاب المحاماة. فطعنت المتهمة الثانية في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

... حيث إن محصل الوجهين الأول والثالث من الطعن، هو القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال ذلك أن المحكمة أغفلت سرد مراحل التحقيق الأولية ووجود السروال في حوزة الشاهد وهو قريب المجني عليها فترة طويلة حتى تحريزه ومضي مدة بين وقوع الحادث وتكليف النيابة الطبيب الشرعي بفحص المجني عليها، وأن المبلغ عن واقعة هتك العرض كان متهماً بضرب المتهمة الأخرى بالسكين، وهي أمور تتصل بأدلة الدعوى وتؤثر فيها لو أن المحكمة عنيت بمناقشتها وجعلتها موضع اعتبارها، هذا إلى أن المجني عليها لم تفصح في محضر البوليس عن واقعة هتك العرض بل قالت إنها سترفع جنحة مباشرة، وليس من مبرر سليم لحضور الشاهدين لمنزل المجني عليها وقت الحادث، ومن ثم فإن الأدلة التي عولت عليها المحكمة في الإدانة لا تؤدي إلى ثبوت التهمة قبل الطاعنة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به جميع العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنة بها، ثم أورد الأدلة على ثبوت هذه الواقعة فقال: "وحيث إن التهمة بالنسبة للمتهمة الثانية "الطاعنة" ثابتة قبلها ثبوتاًًًًً قاطعاًًًًً من أقوال المجني عليها في التحقيقات وبالجلسة ومن شهادة كل من..... ومن تقرير الطبيب الشرعي الدال على تعدد الإصابات في جميع أجزاء جسم المجني عليها ومن تمزق السروال ووجود بقع من دماء آدمية كما جاء بتقرير المعمل الكيماوي، وأن المحكمة لتطمئن إلى أقوال المجني عليها وإلى أقوال الشاهدين، ولا يقدح في أقوال المجني عليها تراخيها في التبليغ أو عدم ذكر الواقعة تفصيلاًًًًً أمام البوليس حيث اكتفت بقولها أن اعتداء منكراًًًًً وقع عليها، وعللت ذلك بأن الحياء وخشية الفضيحة وهي ناظرة مدرسة - كل أولئك كان سبباًًًًً في ترددها في التبليغ - وهذا تعليل سائغ ومقبول يمكن أن يؤدي إلى تردد المجني عليها في التبليغ فوراًًًًً لحادث سبب لها اضطراباًًًًً وحالة نفسية سيئة"، ثم أورد الحكم الأدلة على ثبوت التهمة في حق الطاعنة وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها. لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع الحرية في تكوين عقيدتها من أي عنصر من عناصر الدعوى - ولها في سبيل ذلك أن تأخذ بما تطمئن إليه من أقوال الشهود في أية مرحلة من مراحل التحقيق وأن تطرح ما عداها حسبما ترتاح إليه، وقد اطمأنت المحكمة إلى شهادة المجني عليها وشاهديها، وكانت المحكمة غير ملزمة بعد ذلك بأن تشير صراحة في حكمها إلى الأدلة الموضوعية التي تستند إليها الطاعنة في نفي التهمة عنها ما دامت أدلة الثبوت المبينة بالحكم تفيد ضمناًًًًً عدم اقتناع المحكمة بصحتها، ومن ثم فإن المجادلة على النحو الوارد في هذين الوجهين من الطعن لا تكون مقبولة إذ هي لا تخرج عن محاولة الخوض في تقدير أدلة الدعوى مما تختص به محكمة الموضوع ولا معقب عليها فيه، ويكون ما جاء بوجهي الطعن في غير محله.
وحيث إن محصل الوجه الثاني هو أن الحكم شابه التناقض والخطأ في الإسناد، ذلك أن المحكمة أخذت بقول المجني عليها من أن عدم ذكرها لواقعة هتك العرض بتحقيق البوليس والتأخير في الإبلاغ عنها مرده إيثارها حفظ كرامتها إلى أن قام....... بالإبلاغ عن الواقعة فاضطرت لذكرها، مع أن الثابت في تحقيق البوليس أن المجني عليها قالت "واعتدت علي هي وأختها اعتداء منكراًًًًً وسأرفع جنحة مباشرة" مما يدل على أنها اعتزمت إثارة ما حدث برفع جنحة مباشرة لا جناية هتك عرض، هذا إلى أن المحكمة عولت على التقرير الطبي الشرعي، مع أن الثابت به أن إصابة المجني عليها قطعية تحدث من آلة حادة كالسكين مما يناقض التصوير الذي خلصت إليه المحكمة، إذ أن الأفعال المسندة للطاعنة والمتهمة الأخرى لا تؤدي إلى إحداث جرح قطعي ولم يرد بالأوراق ذكر لاستعمال سكين.
وحيث إنه لما كانت المحكمة في حدود سلطتها التقديرية قد اطمأنت إلى أقوال المجني عليها من أن الحياء منعها من ذكر واقعة هتك العرض أمام البوليس، وكان التقرير الطبي الذي أخذت به المحكمة قد أثبت وجود سحجات ظفرية بأعلى الفخذ الأيسر وبالعانة كما أثبت وجود جرح قطعي بجبهة المجني عليها يحدث من آلة حادة كسكين. لما كان ذلك، وكانت المحكمة لم تعول على وجود هذه الإصابة الأخيرة ضمن الإصابات التي حدثت بالمجني عليها في ثبوت التهمة المسندة إلى الطاعنة بل عولت في ثبوتها على واقعة تمزيق لباس المجني عليها الذي كان يسترها وكشف جزء من جسمها هو من العورات على غير إرادتها أمام الشهود الذين شهدوا بذلك، وهو ما تتوافر به أركان جناية هتك العرض بصرف النظر عما يقع على جسم المجني عليها من جرائم أخرى، ومن ثم فإن ما جاء بهذا الوجه يكون غير سديد.
وحيث إن مبنى الوجه الرابع هو أن الحكم شابه القصور، إذ لم يفصح عن توافر القصد الجنائي في حق الطاعنة سيما وأنه قضى ببراءة المتهمة الأولى من تهمة هتك العرض، هذا إلى أن الإصابات التي بالمجني عليها وبالطاعنة والمتهمة الأخرى تشير إلى أن الواقعة لا تعدو أن تكون شجاراً بين الطرفين مما ينتفي معه القول بأن الطاعنة كشفت عن عورة المجني عليها بقصد هتك عرضها.
وحيث إن الحكم عرض لما جاء بهذا الوجه ورد عليه في قوله "كل مساس بما في جسم المرأة من عورات يعد هتك عرض لما يترتب عليه من الإخلال بالحياء العرضي، وليس من شك في أن المتهمة الثانية "الطاعنة" قد كشفت عن عورة المجني عليها بعد نزع سروالها وأمام الأشخاص الذين تقدم ذكرهم، فإن ذلك مما تتوافر معه جريمة هتك العرض وقد وقع هذا الفعل كرهاًًًًً وعلى الرغم من المجني عليها"، ولما كان ما أثبته الحكم في حق الطاعنة يدل بذاته على أنها ارتكبت الفعل عن عمد وهي عالمة بأنه يخدش عرض المجني عليها، فإن ذلك يتوافر به القصد الجنائي في جريمة هتك العرض بصرف النظر عن الباعث على ارتكابها، ومن ثم فإن ما جاء بهذا الوجه من الطعن يكون أيضاًًًًً غير سديد.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاًًًًً.