أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 40 - صـ 544

جلسة 22 من فبراير 1989

برئاسة السيد المستشار/ محمد محمود راسم نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ حسين علي حسين نائب رئيس المحكمة، حمدي محمد علي، عبد الحميد سليمان وعزت عمران.

(96)
الطعن رقم 2658 لسنة 58 القضائية

(1، 2) قضاة "مخاصمة القضاة". مسئولية. حكم "تسبيب الحكم".
1- عدم مسئولية القاضي عما يصدر منه من تصرفات أثناء عمله. الاستثناء حالاته. م 494 مرافعات. الخطأ المهني الجسيم. تحصيل القاضي لفهم الواقع واستنباطه الحلول القانونية بعد إمعان واجتهاد ولو بالمخالفة لأحكام القضاء وآراء الفقه. خروجه عن دائرة هذا الخطأ.
2- خلو أسباب الحكم من ثمة خطأ مهني. أثره. عدم جواز المخاصمة. لا ينال من ذلك ورود وجهة نظر أخرى بأدلة المخاصمة للمسألة القانونية المطروحة.
1- المقرر في قضاء هذه المحكمة - أن الأصل هو عدم مسئولية القاضي عما يصدر منه من تصرفات أثناء عمله لأنه يستعمل في ذلك حقاً خوله له القانون، وترك له سلطه التقدير فيه، إلا أن المشرع رأى أن يقرر مسئوليته على سبيل الاستثناء في المادة 494 من قانون المرافعات في الأحوال المنصوص عليها فيها على سبيل الحصر ومن بينها إذا وقع منه في عمله خطأ مهني جسيم، ويقصد به الخطأ الذي يرتكبه القاضي لوقوعه في غلط فادح ما كان ليساق إليه لو اهتم بواجباته الاهتمام العادي أو لإهماله في عمله إهمالاً مفرطاً، ويستوي في ذلك أن يتعلق خطؤه بالمبادئ القانونية أو بوقائع القضية الثابتة في أوراق الدعوى، فيخرج عن دائرة هذا الخطأ تحصيل القاضي لفهم الواقع في الدعوى وكل رأي أو تطبيق قانوني يخلص إليه بعد إمعان النظر والاجتهاد، واستنباط الحلول القانونية المطروحة عليه ولو خالف في ذلك أحكام القضاء وآراء الفقهاء.
2- إذ كانت الأسباب التي أقام عليها الحكم قضاءه لا تتضمن ثمة خطأ مهني وكان لا ينال من ذلك ما ورد بأدلة المخاصمة من وجهة نظر أخرى للمسألة القانونية المطروحة ومن ثم فإنه يتعين وفقاً لنص المادة 499 من قانون المرافعات القضاء بعدم جواز المخاصمة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المدعين أقاموا هذا الدعوى بتقرير أودع قلم كتاب هذه المحكمة في 9/ 6/ 1988 خاصموا فيها كل من السادة المستشارين....... نائبي رئيس محكمة النقض و............. المستشارين بالمحكمة طالبين الحكم بجواز المخاصمة والقضاء ببطلان الحكم الصادر منهم في الطعن رقم 576 لسنة 57 ق وإلزام المستشارين المخاصمين متضامنين بأن يدفعوا لهم تعويضاً قدره عشرون ألف من الجنيهات، وقالوا بياناً لدعواهم أنه بموجب عقد بيع ابتدائي مؤرخ 20/ 2/ 1958 باع المرحوم......... إلى....... أطياناً زراعية مساحتها 20 س 10 ط 9 ف لقاء ثمن قدره 5675 جنيه دفع المشتري منه عند عقد التعاقد مبلغ 1000 جنيه وتعهد بسداد الباقي على أقساط آخرها في 1/ 4/ 1959 وقد أقام المشتري على البائع الدعوى رقم 669 سنة 1959 مدني الجيزة الابتدائية بطلب الحكم بصحة ونفاذ هذا العقد رغم عدم سداده باقي الثمن وسجل صحيفة دعواه في 8/ 12/ 1959 برقم 2895 شهر عقاري الجيزة، فأقام البائع عليه دعوى فرعية بطلب الحكم بفسخ العقد لعدم الوفاء بباقي الثمن، وإذ أقر البائع بقبض الثمن وسلم للمشتري بطلباته فقد قضت المحكمة بتاريخ 21/ 6/ 1961 بصحة ونفاذ عقد البيع العرفي المؤرخ 20/ 2/ 1958 وبرفض الدعوى الفرعية بفسخ العقد، طعن المخاصمون في هذا الحكم بطريق اعتراض الخارج عن الخصومة بالدعوى رقم 712 سنة 1961 مدني الجيزة الابتدائية طالبين إلغاء الحكم الصادر في الدعوى رقم 669 سنة 1959 مدني الجيزة الابتدائية لشرائهم أطيان النزاع من ذات البائع بعقد مسجل برقم 483 شهر عقاري الجيزة في 21/ 2/ 1961 وسددوا له كامل الثمن ولأن إقرار البائع بقبض الثمن من المشتري الأول مشوب بالغش والتواطؤ إضراراً بهم، وبتاريخ 15/ 3/ 1963 قضت المحكمة برفض الاعتراض، استأنف المخاصمون هذا الحكم بالاستئناف رقم 1555 سنة 80 ق القاهرة، وبتاريخ 27/ 10/ 1964 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف، طعن المخاصمون في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم 584 سنة 34 ق، وبتاريخ 11/ 2/ 1969 نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه وأحالت القضية إلى محكمة استئناف القاهرة التي حكمت بتاريخ 22/ 12/ 1970 بإلغاء الحكم الصادر في الدعوى رقم 669 لسنة 1959 محل الاعتراض، طعن المشتري الأول............ في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم 70 سنة 40 ق، وبتاريخ 14/ 4/ 1975 قررت المحكمة - في غرفة مشورة - عدم قبول الطعن، ثم قام بتجديد السير في دعواه طالباً الحكم بصحة ونفاذ عقد شرائه مختصماً فيها المخاصمين وهم المشترين بالعقد الثاني، وبتاريخ 23/ 1/ 1980 قضت المحكمة بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها، استأنف المحكوم عليه.............. هذا الحكم بالاستئناف رقم 1548 سنة 97 ق القاهرة بتاريخ 15/ 1/ 1987 حكمت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبصحة ونفاذ عقد شرائه المؤرخ 20/ 2/ 1958، فطعن المخاصمون في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم 576 سنة 57 ق وإذ قضت المحكمة بتاريخ 26/ 1/ 1988 برفض الطعن، فقد أقاموا الدعوى.
وحيث إن محامي المخاصمين أرفق المخاصمة توكيلاً خاصاً من الخاصمين يبيح له رفع هذه الدعوى وثلاث حوافظ مستندات من بين ما تضمنته صور رسمية من الأحكام المشار إليها، وصورة من قرار محكمة النقض في الطعن رقم 576 سنة 57 ق بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه رقم 1548 سنة 97 ق القاهرة، وأخرى من محضر تسليم أطيان النزاع إلى المخاصمين في 11/ 3/ 1971، وصورة من صحيفة الدعوى رقم 669 سنة 1959 مدني الجيزة الابتدائية وأخرى من عقد شرائهم للأطيان المسجل برقم 483 في 21/ 2/ 1961 شهر عقاري الجيزة كما قدم مذكرة بدفاع المخاصمين أحال فيها إلى ما جاء بتقرير المخاصمة وأودع السادة المستشارون المخاصمون مذكرة بالرد طلبوا فيها الحكم بعدم جواز المخاصمة، ثم قدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بعدم جواز قبول المخاصمة وتغريم المخاصمين مائتي جنيه.
وحيث إن المخاصمين يستندون في تقرير المخاصمة إلى أن السادة المستشارين المخاصمين قد وقعوا في خطأ مهني جسيم عندما أقاموا قضاءهم برفض الطعن رقم 576 سنة 57 ق على أن الحكم الصادر في الاعتراض قد اقتصر على بحث شروط قبوله الأمر الذي لا يحول دون إجراء المفاضلة بين عقد المشتري الأول وعقد المشتري الثاني (المخاصمين) عند بحث موضوع دعوى صحة التعاقد من جديد رغم عدم قيام المشتري الأول بتنفيذ التزامه بسداد باقي الثمن والذي من شأنه أن يهدر تسجيل صحيفة دعواه، وأنه لا يستقيم قانوناً ما قرره الحكم من أن عقد المشتري الأول قد استوفى أركانه وشروط صحته رغم ثبوت الغش والتواطؤ في شأن ما أقر به البائع من قبض الثمن مخالفاً بذلك حجية الحكم الصادر في الاعتراض وحكم النقض الصادر في الطعن المرفوع عنه وحكمي النقض رقمي 584 لسنة 34 ق و70 لسنة 41 ق والحكم الصادر في الاستئناف رقم 1555 سنة 81 ق القاهرة والتي صدرت جميعها على أساس عجز المشتري الأول عن سداد باقي الثمن، وأنه ليس صحيحاً ما قرره الحكم من أن الدفع بعدم الوفاء بالثمن قاصر على البائع وحده إذ يحق لهم بصفتهم مشترين لذات الأطيان التمسك بهذا الدفع دون - حاجة إلى الالتجاء للدفع بصورية العقد الأول حسبما ذهب الحكم في قضائه.
وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأصل هو عدم مسئولية القاضي عما يصدر منه من تصرفات أثناء عمله لأنه يستعمل في ذلك حقاً خوله له القانون، وترك له سلطة التقدير فيه، إلا أن المشرع رأى أن يقرر مسئوليته على سبيل الاستثناء في المادة 494 من قانون المرافعات في الأحوال المنصوص عليها فيها على سبيل الحصر ومن بينها إذا وقع منه في عمله خطأ مهني جسيم ويقصد به الخطأ الذي يرتكبه القاضي لوقوعه في غلط فادح ما كان ليساق إليه لو اهتم بواجباته الاهتمام العادي أو لإهماله في عمله إهمالاً مفرطاً، ويستوي في ذلك أن يتعلق خطؤه بالمبادئ القانونية أو بوقائع القضية الثابتة في أوراق الدعوى، فيخرج من دائرة هذا الخطأ تحصيل القاضي لفهم الواقع في الدعوى وكل رأي أو تطبيق قانوني يخلص إليه بعد إمعان النظر والاجتهاد، واستنباط الحلول القانونية المطروحة عليه ولو خالف في ذلك أحكام القضاء وآراء الفقهاء، لما كان ذلك وكان البين من الأوراق أن الحكم الصادر من السادة المستشارين المخاصمين في الطعن بالنقض رقم 576 لسنة 57 ق قد أقام قضاءه برفض الطعن على ما أورده بمدوناته من أن "لما كان الحكم في اعتراض الخارج عن الخصومة بإلغاء الحكم محل اعتراض من شأنه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يعود الخصوم إلى الحالة التي كانوا عليها قبل صدور الحكم وإعادة طرح الخصومة الأصلية على المحكمة من جديد بحيث يكون للمعترض ولغيره من الخصوم الإدلاء بأوجه دفاعهم ودفوعهم التي يرون الإدلاء بها وكان البين من الحكم الصادر في الاعتراض بتاريخ 22/ 12/ 1970 أنه أقام قضاءه على أن إقرار البائع بجلسة 21/ 6/ 1961 بقبض الثمن والتنازل عن طلب الفسخ كان وليد غش وتواطؤ بينه والمطعون ضده الأول (المشترى الأول) وأنه لا محل لبحث أسبقية التسجيل بين عقد الطاعنين (المخاصمين) وعقد المطعون ضده الأول لأن هذه الفاضلة ليس مجالها دعوى الاعتراض ولا تملكها المحكمة في هذا المجال مما مفاده أن الحكم في الاعتراض قد اقتصر على بحث شروط قبوله، ولا يحول دون إجراء هذه المفاضلة وترتيب أثرها في قبول دعوى صحة التعاقد وبحث موضوع هذه الدعوى عند نظرها من جديد، وهو ما لم يغير منه الحكم الصادر في الطعن بالنقض المرفوع عن الحكم المشار إليه، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على أن عقد البيع الصادر للمطعون ضده الأول قد استوفى أركان انعقاده وشروط صحته دون أن يستدل على ذلك بإقرار البائع بجلسة 21/ 6/ 1961 بأنه قبض كامل الثمن وتنازله عن طلب الفسخ فإنه لا يكون قد خالف حجية الحكم الصادر في الاعتراض ولا حجية الحكم الصادر في الطعن بالنقض المرفوع عنه، ولا على الحكم المطعون فيه إن لم يعرض لشرط الوفاء بالثمن ولا بطلب فسخ العقد والتفت عن تمسك الطاعنين بهذا الدفاع ذلك أن الأصل في مجال دعوى صحة التعاقد ألا يجوز لغير البائع أن يدفع هذه الدعوى بتخلف المشتري عن الوفاء بالتزامه بدفع الثمن أو أن يطعن بذلك في الحكم الصادر بصحة التعاقد، لأن هذا الدفع هو بذاته الدفع بعدم التنفيذ ولا يقبل إلا من أحد طرفي العقد ولا يغير من ذلك الحكم الصادر للطاعنين في اعتراضهم بثبوت الغش والتواطؤ المشار إليهما، إذ أن هذا الغش والتواطؤ لا يحول دون قيام عقد المطعون ضده الأول، ولا يهدر أسبقية تسجيل صحيفة دعواه وإنما يقتصر أثره على مجرد إعادة النظر في الدعوى في حضور المعترضين وتمكينهم من الإدلاء بأوجه دفاعهم ودفوعهم التي يجيز القانون التمسك بها، ومنها الدفع بصورية عقد المطعون ضده الأول وهو ما لم يتمسكوا به، وإذ كان لا يعيب الحكم التفاته عن دفاع غير منتج فإن النعي عليه بما ورد بأسباب الطعن يكون على غير أساس وإذ كانت هذه الأسباب التي أقام عليها الحكم قضائه لا تتضمن ثمة خطأ مهني، وكان لا ينال من ذلك ما ورد بأدلة المخاصمة من وجهة نظر أخرى للمسألة القانونية المطروحة ومن ثم فإنه يتعين وفقاً لنص المادة 499 من قانون المرافعات القضاء بعدم جواز المخاصمة وبتغريم الطالبين مبلغ مائتي جنيه.