أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 11 - صـ 521

جلسة 31 من مايو سنة 1960

برياسة السيد محمود إبراهيم إسماعيل المستشار، وبحضور السادة: فهيم يسى جندي، ومحمود حلمي خاطر، وعباس حلمي سلطان، ورشاد القدسي المستشارين.

(100)
الطعن رقم 1337 لسنة 29 القضائية

(أ، ب) نقض.
إجراءات الطعن: أسبابه: وجوب تفصيلها ابتداءً. علة ذلك.
الحكم في الطعن: حق محكمة النقض في الفصل في الطعن على ما تراه متفقاً وحقيقة العيب الذي شاب الحكم متى اتسع له وجه الطعن.
(ج) استدلال.
جمعه: لا يحول دون ذلك قيام النيابة العامة بإجراء التحقيق بنفسها. أثر ذلك.
(د) قتل عمد.
فعل القتل: جواز تحققه باستعمال الحجارة في بعض الصور. متى لا يكون عدم العثور على جثة المجني عليه أو عدم ضبط أداة الحادث مؤثراً على ثبوت القتل؟
1 - دل الشارع بما نص عليه في المادتين 424، 425 من قانون الإجراءات الجنائية على أن تفصيل الأسباب ابتداءً مطلوب على جهة الوجوب تحديداً للطعن وتعريفاً بوجهه منذ افتتاح الخصومة بحيث يتيسر للمطلع عليه أن يدرك لأول وهلة موطن مخالفة الحكم للقانون أو موطن البطلان الذي وقع فيه.
2 - السبب الذي يتمسك به الطاعن في طعنه - وإن كان غير صحيح على الصورة التي أوردها - إلا أنه يتسع لعيب القصور عن بيان الأدلة والظروف التي يستدل منها على أن الطاعن كان يعلم بأن ما أخفاه من مسروقات متحصل من جناية قتل الأمر الذي يقتضي نقض الحكم بالنسبة إليه.
3 - قيام النيابة العامة بإجراء التحقيق بنفسها لا يقتضي قعود مأموري الضبط القضائي عن القيام إلى جانبها في الوقت ذاته بواجباتهم التي فرض الشارع عليهم أداءها بمقتضى المادة 24 من قانون الإجراءات الجنائية - وكل ما في الأمر أن ترسل هذه المحاضر إلى النيابة العامة لتكون عنصراً من عناصر الدعوى تحقق النيابة ما ترى وجوب تحقيقه منها، وللمحكمة أن تستند في حكمها إلى ما ورد في هذه المحاضر ما دامت قد عرضت مع باقي أوراق الدعوى على بساط البحث والتحقيق أمامها بالجلسة.
4 - إذا كان الحكم قد بين ثبوت واقعة القتل ثبوتاً كافياً، كما بين الظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها من المتهمين، كما استخلص أن المتهمين استعملوا في الجريمة بقصد القتل - الفأس والحجارة - وهي وسائل على الصورة التي أوردها الحكم - تحدث الموت - بل وتحقق بها القتل فعلاً - فلا يقدح في هذا الثبوت عدم العثور على جثتي المجني عليهما أو عدم ضبط الوسائل التي استعملت في الحادث.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم المتهمون من الأول حتى الخامس قتلوا عمداً ومع سبق الإصرار رياض تادرس وعبد العال شيخون بأن عقدوا العزم على قتلهما وأعدوا لذلك آلات راضة ثم استدرجوهما إلى مكان الحادث حيث انهالوا عليهما ضرباً حتى فارقا الحياة. والمتهم الثالث عطا الله عبد الصادق عبد الشهيد سرق الساعة المبينة الوصف والقيمة بالمحضر لرياض تادرس جرجس. والمتهم السادس أخفى الساعة المبينة بالمحضر والمملوكة للمجني عليه رياض تادرس سالف الذكر مع علمه بتحصلها من الجناية السابقة. وطلبت من غرفة الاتهام إحالتهم على محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالمواد 44 مكررة، 230، 231، 318 من قانون العقوبات، فقررت الغرفة ذلك. وادعت إرادة مشرقي (زوجة القتيل رياض تادرس) مدنياً قبل المتهمين جميعاً متضامنين بمبلغ 100 جنيه على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة الجنايات قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 17 عقوبات بمعاقبة كل من زاخر عبده حرز وصادق عبد الشهيد حرز وعطا الله صادق وثابت عبد الشهيد حرز وعطية قديس يوسف بالأشغال الشاقة المؤبدة وبمعاقبة المتهم توفيق عوض منصور بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة عشر سنوات وإلزامهم متضامنين أن يدفعوا للمدعية بالحق المدني مبلغ مائة جنيه والمصاريف المدنية وأتعاب المحاماة. فطعن المتهمون في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

... حيث إن الطاعن الأول يعيب على الحكم المطعون فيه في الوجه الأول من طعنه - الخطأ في الإسناد - ذلك أن الحكم أورد واقعة الدعوى على وجه يخالف الثابت في الأوراق - ولم يبين الطاعن أوجه الخطأ في الإسناد التي يدعي وجودها.
وحيث إن المادة 424 من قانون الإجراءات قد أوجبت إيداع الأسباب التي بني عليها الطعن في الميعاد المقرر قانوناً وإلا سقط الحق فيه - كما نصت المادة 425 على أنه "لا يجوز إبداء أسباب أخرى أمام المحكمة غير الأسباب التي سبق بيانها في الميعاد المذكور" فدّل الشارع بذلك على أن تفصيل الأسباب ابتداءً مطلوب على جهة الوجوب تحديداً للطعن وتعريفاً لوجهه منذ افتتاح الخصومة بحيث يتيسر للمطلع عليه أن يدرك لأول وهلة موطن مخالفة الحكم للقانون أو موطن البطلان الذي وقع فيه. لما كان ذلك، فإن هذا الوجه من الطعن لا يكون مقبولاً.
وحيث إن مبنى باقي وجوه الطعن - هو القصور في التسبيب والخطأ في الإسناد - وبطلان الإجراءات، وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن الحكم اعتمد فيما اعتمد إليه على الاعترافات المنسوبة إليه - في حين أن هذه الاعترافات قد صدرت منه تحت تأثير الإكراه الواقع عليه من رجال البوليس وقد عدل عنها أمام المحكمة - ولم يبين الحكم تفصيل كل اعتراف ولا بأي اعتراف منها أخذ كما لم يورد الوقائع المؤيدة لصحتها - فضلاً عن أنه أغفل ذكر بعض الوقائع الهامة التي تتناقض مع ما جاء بهذه الاعترافات من أن الطاعن أرشد عن الأحجار والطوب الموجود عند الساقية وعلى شاطئ ترعة الفاروقية حيث ألقيت جثتا القتيلين وكانت ملوثة بالدماء، كما أرشد عن بقايا الجزء المحترق من حافظة القتيل (رياض تادرس) عند الساقية - وقد ثبت من التحليل كذب ما نسب إلى الطاعن في خصوصها - فلم يعثر في الأحجار والطوب على دماء، كما أثبت وكيل النيابة المحقق أنه لم يستطع معرفة حقيقة الآثار الباقية المتخلفة عن الحريق - هذا وقد دفع الطاعن ببطلان إجراءات التحقيق الحاصل في 17/ 8/ 1957 بمعرفة مأمور مركز أخميم - إذ قام بإجراء المعاينة والتفتيش بإرشاد الطاعن دون إذن من النيابة التي كانت تتولى وقتئذ التحقيق في الدعوى مما كان يتعين معه استبعاد هذه الإجراءات وعدم الاعتماد عليها كدليل في الدعوى.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى - في قوله: "إنه في صباح يوم 8 أغسطس سنة 1957 غادر المجني عليه رياض تادرس وخادمه عبد العال شيخون بلدهما بندر أخميم حيث يقيمان قاصدين نجع الدير لمباشرة زراعة الأول واعتاد التغيب يوماً أو يومين وإذا ما تأخر عن عائلته أخبرها بتأخره إلا أنه في هذه المرة غادر البندر ولما حل يوم 11 أغسطس سنة 1957 ولا خبر من عنده كعادته قلق ذوو الأول واستوضحوا من نجع الدير عن طريق نائب عمدة العيساوية التابع لها نجع الدير وهذا الأخير أي نائب العمدة اتصل تليفونياً بنجع الدير وجاءه الرد أن رياض تادرس المذكور لم يحضر إطلاقاً للنجع، ولما علم ذوو رياض ذلك أوجسوا خيفة عليه وأبلغوا البوليس عن غيابه وتخوفهم من أن يكون حدث له حادث جنائي كخطف مثلاً وعندئذ قام البوليس بالبحث والتحري وسؤال من استوجب سؤالهم من سكان نجع الدير وانتهى الأمر إلى أن رياض تادرس المذكور توجه للنجع حقيقة في يوم 8 من أغسطس سنة 1957 في الصباح ومعه تابعه وأنه أي رياض تادرس نزل في بيته الخاص به في النجع وأن المتهم الثاني صادق عبد الشهيد "الطاعن الثاني" دعاه لتناول الغذاء عنده وعاد رياض المذكور إلى بيته وحوالي الساعة الخامسة مساءً عاد صادق المذكور واستدعاه ثانية للمرور على الزراعة بحجة تصليح ساقية معطلة واستجاب أولهما لدعوة ثانيهما، ولكن رياض لم يعد بعد ذهابه لزراعته ولم يظهر له ولا لخادمه أثر، وقد قويت الشبهة في وقوع حادث جنائي خصوصاً بعد أن أنكر كل من يقيم في الدير في بدء الأمر حضور رياض المذكور....... إلا أن لمعي يعقوب - عاد وقرر أن رياض تادرس حضر للدير وتناول غذاءه طرف صادق المتهم الثاني كدعوة من هذا الأخير ثم عاد رياض لمنزله ومعه صادق وفي عصر يوم الدعوة عاد صادق للمنزل أي لمنزل رياض المذكور واصطحبه للزراعة كعادة رياض ولم يره بعد ذلك، ولما ووجه صادق بتلك الأقوال أقر أن رياض حضر حقيقة وأنه تناول معه غذاءه وأنه ذهب معه حقيقة عقب العصر إلى الزراعة وأن رياض دخل داخل زراعة الذرة مع خادمه ولما لم يخرج من الزراعة بعد نحو نصف ساعة عاد هو وحده ولا يدري من أمر رياض شيئاً - إلى أن تقدم رجال المباحث بتقرير مؤداه أن رياض تادرس وتابعه قد قتلا وأن القاتل لهما عديدون منهم المتهم الأول زاخر عبده حرز "الطاعن الأول" وصادق عبد الشهيد المتهم الثاني "الطاعن الثاني" وثابت عبد الشهيد حرز "الطاعن الرابع" وبإجراء البحث والتحقيق انتهى إلى أن المتهم الأول اعترف بارتكابه الحادثة هو والمتهمون من الثاني إلى الخامس - إذ استدرج المتهم الثاني المجني عليه الأول رياض تادرس في المرور على الزراعة كالعادة ولما اقتربت الساعة الخامسة مساءً وهو موعد السيارة الأوتوبيس التي تعود إلى بندر أخميم أراد المجني عليه الأول أن يلحق بها إلا أن المتهم الثاني صادق عبد الشهيد استمهله متظاهراً في البقاء لليوم التالي، ولكن المجني عليه أصر على العودة فعاجله المتهم الثاني بضربة بالفأس من الخلف فسقط، ولما استنجد المجني عليه المذكور تابعه الذي كان موجوداً ويشترك في إصلاح علبة ساقية تالفة أسرع المتهم الأول زاخر عبده حرز "الطاعن" بدفع التابع في بئر الساقية وعجل عليه المهتم الثالث "الطاعن الثالث" بإلقاء حجر كبير عليه وهو في الماء كما انهال المتهم الرابع ثابت عبد الشهيد (أخ المتهم الثاني) والمتهم الخامس عطية قديس قريب المتهم المذكور بالاعتداء على المجني عليه الأول بضربه والإجهاز عليه، ولما مات المجني عليهما وضع المتهمون الخمسة الأول جثتي المجني عليهما تحت الماء حتى جن الليل ووضعوهما في شوالين وحملوهما إلى النيل حيث قاموا بتقطيعهما قطعاً صغيرة بسكين وساطور وألقوا تلك القطع في مياه النيل وكانت غزيرة بحكم الفيضان مع الأدوات التي استعملت في التقطيع، وكذلك ملابس المجني عليهما وأخذ المتهمون المذكورون في إزالة معالم الآثار الدالة على التقطيع بتفتيت الأحجار التي علق بها شيء من الدماء، وكان المتهمون قد قاموا بحرق محفظة المجني عليه تحت الشجرة التي كان يستريح تحتها المجني عليه قبل الاعتداء عليه مباشرة وعثر أسفلها على بقايا محفظة جلد لونها بني كان يحملها القتيل الأول، كما عثر على مبسم سجاير كان يستعمله المجني عليه المذكور واستعرف ذووه على المبسم كما أقر المتهمان الأول والثاني أن المبسم للمجني عليه حقيقة وكذلك بقايا المحفظة، وقد تمكن البوليس من العثور على ساعة المجني عليه الأول في منزل المتهم الأخير الذي يمت بصلة النسب للمتهم الثالث أثناء البحث عن هذا الأخير - إذ كان قد فر عقب اكتشاف الحادث واتجاه الشبهة الجنائية إليه واعترف المتهم السادس (توفيق عوض منصور) أن الساعة كانت مع المتهم الثالث ورآها معه في اليوم الثالث من غياب المجني عليهما..... وقد استعرف ذوو المجني عليه الأول على الساعة وأنها له وذكروا أوصافها وبعرضها تبين أنها هي ومطابقة للأوصاف التي ذكروها تماماً، كما استعرف على الساعة الشاهد الأخير عبد الحميد أحمد الطباخ وهو الساعاتي الذي اعتاد أن يقوم بإصلاحها فيما مضى وقد كانت الساعة متوقفة عن العمل عند الساعة 4 و23 دقيقة". واستند الحكم في إدانة الطاعن وزملائه في جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار إلى أقوال الصاغ محمد عادل إبراهيم مأمور مركز أخميم والضابط صلاح محمد عطوى ولبيب علي دياب وزكي علي دياب ولمعي يعقوب ووديدة ناشد ووهبه يعقوب جرجس وإدارة مشرقي ونشأت رياض وصبري رياض وعبد الحميد أحمد الطباخ، وإلى اعترافات المتهم الأول وما ظهر من المعاينة وتقرير التحليل - ثم عرض الحكم للاعترافات الصادرة من الطاعن الأول وظروفها وأورد مؤدى كل منها ثم بحث ما يدعيه الطاعن من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه. ورد على هذا الدفاع في قوله "وحيث إن الدفاع عن المتهم الأول (الطاعن) ذهب إلى التشكيك في اعترافات المتهم الأول وأنها كانت وليدة الضغط والإهانة - وهذا الذي ذهب إليه الدفاع غير صحيح بالمرة إذ الثابت أن المتهم الأول كان يدلي باعترافاته من تلقاء نفسه طائعاً مختاراً وكان هو يطلب أن يدلي بها وأنه كان في السجن وطلب من الشاويش أن يوصله إلى المأمور واعترف المتهم المذكور بالحادث وبارتكابه وبسببه كما أن هذه الاعترافات تكررت منه أمام النيابة وهو في مأمن من كل خوف وكانت مفصلة تماماً طبقاً لما رواه جميع الشهود الذين سمعوا منه هذه الاعترافات على الوجه المفصل في أقوالهم السابق بيانها في أوقات متباينة وأمكنة مختلفة، كما أن الاعترافات تكررت أمام قاضي المعارضة وأمام غرفة الاتهام وغير مجد بعد ذلك أن يزعم المتهم أنه اعترف نتيجة أي ضغط ومع ذلك فقد أثير هذا ونوقش في كيفية وقوع هذه الإهانة فعجز عن أن يثبت شيئاً من ذلك اللهم إلا مجرد الكلام بل ذكر التفاصيل ثم الإرشاد عن مكان الحادث وعن الأحجار الملوثة وعن المكان الذي كان به المجني عليه الأول وصدق ذلك بالعثور على المبسم واعتراف المتهم الثاني أنه ملك للمجني عليه الأول حقيقة..... كما ضبطت الساعة فعلاً مع المتهم الثالث وفي ذلك تأييد لاعتراف المتهم الأول وثبوت ذلك من اعتراف المتهم السادس نسيب المتهم الثالث، كل ذلك يدحض الادعاء أن الاعترافات لم تكن طبيعية بل جاءت من المتهم الأول من تلقاء نفسه" وجاء في موطن آخر من الحكم. "وحيث إن الذي تستخلصه المحكمة أن اعترافات المتهم الأول كانت طبيعية وأنه أدلى بها بغير وقوعه تحت أي مؤثر ولا أدل على صحة ذلك من أنه لم يكن ينفيها إذا ما أنكرها بل كان يجيب أنه لم يقل ولا يعرف، وهل قال من عدمه، أو لم يكن يعقل كما يقول - وهذا القول منه يشعر إلى أنه ذكر تلك الاعترافات طائعاً مختاراً...... وهي اعترافات صحيحة ثابتة ومطابقة لواقع الحال وقد أيدتها الماديات ولو لم تكن صحيحة لما جاءت الوقائع مؤيدة لها في كل صغيرة وكبيرة اعترف بها". لما كان ذلك، وكان تقدير الدليل المستمد من اعتراف المتهم - بوصفه طريقاً من طرق الاستدلال - هو من شأن محكمة الموضوع وحدها - بلا معقب عليها من محكمة النقض فإذا كانت المحكمة - قد اطمأنت لصحة اعتراف المتهم وسلامته مما يشوبه في أدوار التحقيق - وبينت الوقائع التي أيدت لديها ذلك ولم تأبه بعدوله أمامها لما ظهر لها من أنه قصد به التخلص من المسئولية - فلا عليها إن هي أخذت بهذه الاعترافات في مجموعها في إدانة الطاعن وشركائه متى اعتقدت صحتها واطمأنت إليها، وكان يبين من مراجعة المفردات التي قررت المحكمة ضمها تحقيقاً للطعن - أن الحكم برئ من قالة الخطأ في الإسناد - إذ ثبت من مراجعة تقرير التحليل أنه عثر على دم في أحد الأحجار التي وجدت بجوار الساقية وأرشد عنها الطاعن، وكان الطاعن لم يدفع ببطلان محاضر جمع الاستدلالات التي حررها رجال البوليس فلا يقبل منه أن يدفع بذلك لأول مرة أمام محكمة النقض عملاً بالمادة 333 من قانون الإجراءات الجنائية، وكان قيام النيابة العامة بإجراء التحقيق بنفسها - لا يقتضي قعود مأموري الضبط القضائي عن القيام إلى جانبها في الوقت ذاته بواجباتهم التي فرض الشارع عليهم أداءها بمقتضى المادة 24 من قانون الإجراءات الجنائية - وكل ما في الأمر أن ترسل هذه المحاضر إلى النيابة لتكون عنصراً من عناصر الدعوى تحقق النيابة ما ترى وجوب تحقيقه منها، وللمحكمة أن تستند في الحكم إلى ما ورد في هذه المحاضر ما دامت قد عرضت مع باقي أوراق الدعوى على بساط البحث والتحقيق أمامها بالجلسة. لما كان ذلك كله، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى - بما تتوافر به العناصر القانونية لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار - التي دان الطاعن وزملاءه بها وأورد على ثبوتها في حقهم أدلة سائغة - مردودة إلى أصلها الثابت في الأوراق - ومن شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها، فإن ما يثيره الطاعن في طعنه على الصورة الواردة به لا يخرج عن كونه جدلاً في واقعة الدعوى وتقدير الدليل فيها مما يستقل به قاضي الموضوع ولا شأن لمحكمة النقض به.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
عن الطعن المقدم من الطاعنين الثاني والثالث والرابع والخامس.
... وحيث إن مبنى الطعن هو القصور في التسبيب - وفي بيان ذلك يقول الطاعنون إن الحكم المطعون فيه اعتمد في إدانتهم على اعتراف الطاعن الأول في التحقيقات في حين أن هذه الاعترافات جاءت وليدة الإكراه الواقع عليه من رجال البوليس - وكانت متعارضة - يكذبها المتهم الأول نفسه أكثر من مرة في التحقيقات وأمام المحكمة، وكان يتعين على المحكمة أن تبين الوقائع المؤيدة لصحة هذه الاعترافات - هذا وقد دانهم الحكم بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار في يوم 8/ 8/ 1957 مع عدم قيام الدليل القاطع على حصول القتل في ذلك اليوم بالذات - بل على حصول القتل في ذاته إذ لم يعثر على جثة المجني عليهما - وقد سار الحكم وراء الطاعن الأول في قوله "بأن القتل حصل بآلات راضة - هي الفأس والحجارة في حين أنه لم يعثر على شيء من ذلك حتى كان يمكن القول بأنها تدل على قصد القتل - هذا فضلاً عن أن الطاعنين لم يعدوا هذه الآلات من قبل بل وجدوها مصادفة بمحل الحادث مما يدل على أن الحادث حصل على الفور ولم يكن نتيجة تدبير سابق.
وحيث إن ما يقوله الطاعنون من أن اعتراف المتهم الأول كان ثمرة الإكراه قد سبق أن تناوله هذا الحكم في معرض الرد على أوجه الطعن المقدمة من الطاعن الأول - أما باقي ما أثاره الطاعنون فقد تناوله الحكم المطعون فيه ورد عليه في قوله "وحيث إن ما ذهب إليه الدفاع أخيراً من أن الجثتين غير موجودتين وهذا يعني أن المجني عليهما لا زالا على قيد الحياة فهو قول هراء إذ ثبت مادياً من وجود آثار الدماء ومن وجود المبسم ومن وجود الساعة ومن اختفاء المجني عليهما ومن إقرار المتهم الأول المفصل ومن أقوال المتهم الثاني الواضحة من أن المجني عليهما دخلا في الزراعة ولم يخرجا ومن أقواله أيضاً تعليلاً وتبريراً لوجود الدماء أنها من جثث لفظتها المياه وقد قطع المتهمون أوصال المجني عليهما إلى قطع صغيرة وألقيت تلك القطع في المياه... وإزاء ذلك يكون المجني عليهما قد قتلا يقيناً وماتا وزالت آثارهما بهذه الطريقة المنكرة التي نفذ بها المتهمون فعلتهم". لما كان ذلك، وكان الحكم قد بين ثبوت واقعة القتل ثبوتاً كافياً كما بين الظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها من الطاعنين، كما استخلصت أن الطاعنين استعملوا في الجريمة - بقصد القتل - الفأس والحجارة - وهي وسائل على الصورة التي أوردها الحكم - تحدث الموت، بل تحقق بها القتل فعلاً - فلا يقدح في هذا الثبوت عدم العثور على جثتي المجني عليهما، أو عدم ضبط الوسائل التي استعملت في الحادث. لما كان ذلك، وكان الحكم حين تحدث عن ظرف سبق الإصرار قال "إن سبق الإصرار ثابت تماماً ضد المتهمين من سبق الاتفاق على حضور المجني عليهما لسداد جزء من الدين ومن استدراج المجني عليهما إلى الزراعة ومصاحبة المتهم الثاني للمجني عليه الأول حتى وصوله لمكان الزراعة ومن تواجد المتهمين الخمس الأول معاً ومن مفاجأة المجني عليهما بالاعتداء عليهما في الوقت الذي كان يعمل المجني عليه الأول للعودة إلى بلده وفي تجمع هؤلاء المتهمين معاً ومن سبق طلب المتهم الثاني من المجني عليه الأول إحضار سند الدين قبله لدفع جزء منه على السند وقد صار إحراق المحفظة بما فيها من أوراق ومن إخطار المتهم الثاني للمتهم الأول في الصباح بقدوم المجني عليه الأول قبل مقابلته له وأنه سيغديه إذ في هذا الإخطار ما يشعر بأنه يطلب منه الاستعداد لما اتفق عليه وقد تم ذلك باستدراج التابع مقدماً إلى الزراعة" فما قاله الحكم من ذلك سائغ ومؤد إلى ما انتهى إليه من قيام ظرف سبق الإصرار - ومع هذا فلا جدوى للطاعنين مما يثيرونه في هذا الصدد ما دامت العقوبة المقضي بها عليهم - وهي الأشغال الشاقة المؤبدة - تدخل في حدود العقوبة المقررة للقتل العمد بغير الظرف المشدد. لما كان ذلك، فإن الطعن المقدم من الطاعنين لا يكون له محل ويتعين رفضه موضوعاً.
عن الطعن المقدم من الطاعن توفيق عوض منصور.
... وحيث إن الطاعن يعيب على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وعدم قيام الحكم على أساس قانوني. وفي ذلك يقول إن النيابة طلبت معاملته بالمادة 318 من قانون العقوبات - وهي خاصة بالسرقة - في الوقت الذي وجهت إليه تهمة إخفاء الساعة مع علمه بأنها متحصلة من جريمة القتل - وأن الوصف الذي دين به الطاعن لا ينطبق على حاصل الواقع في الدعوى.
وحيث وإن كان الحكم المطعون فيه قد أجرى معاملة المتهم بالمواد 44/ 2 و318 و230 عقوبات، وكانت المادة 44 مكررة من قانون العقوبات تنص على أن "كل من أخفى أشياء مسروقة أو متحصلة من جناية أو جنحة مع علمه بذلك يعاقب بالحبس مع الشغل مدة لا تزيد عن سنتين. وإذا كان الجاني يعلم بأن الأشياء التي يخفيها متحصلة من جريمة عقوبتها أشد، حكم عليه بالعقوبة المقررة لهذه الجريمة" - إلا أن الحكم لم يذكر تبريراً لهذه العقوبة إلا ما قاله من أنه كان يعلم بأنها متحصلة من جريمة القتل دون أن يورد الظروف والاعتبارات التي من شأنها أن تؤدي إليها، فإن السبب الذي يتمسك به الطاعن في طعنه. وإن كان غير صحيح على الصورة التي أوردها - إلا أنه يتسع لعيب القصور عن بيان الأدلة والظروف التي يستدل منها على أن الطاعن كان يعلم بأن ما أخفاه من مسروقات كان متحصلاً من جناية قتل المجني عليه الأول، الأمر الذي يقتضي نقض الحكم بالنسبة إلى الطاعن السادس توفيق عوض منصور وإحالة الدعوى إلى محكمة جنايات سوهاج للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى في كلا الدعويين الجنائية والمدنية.