أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 11 - صـ 535

جلسة 31 من مايو سنة 1960

برياسة السيد محمود إبراهيم إسماعيل المستشار، وبحضور السادة: فهيم يسى جندي، ومحمود حلمي خاطر، وعباس حلمي سلطان، ورشاد القدسي المستشارين.

(102)
الطعن رقم 1901 لسنة 29 القضائية [(1)]

(أ، ب) أرز. زراعته في منطقة محظورة: متى تتوافر جريمة الم 15 من ق 1 لسنة 1926 المعدل؟
بمجرد الزراعة في المنطقة المحظورة. عدم لزوم الإعلان بدخول الزراعة في المنطقة المحرمة. علة ذلك.
1 - دل الشارع بما نص عليه في المادتين 18، 19 من القانون رقم 1 لسنة 1926 المعدل بالقانون رقم 78 لسنة 1946 على أن الإعلان لا يكون إلا حيث يوجب القانون اتخاذ احتياطات إيجابية معينة لمقاومة انتشار حمى الملاريا - فافترض الشارع في هذه الحالات دون غيرها أن أصحاب الشأن يجهلون طرق تنفيذها فألزم جهة الاختصاص بإعلانهم وحدد الأحوال التي أوجب فيها الإعلان بالمادة 19 وهو بسبيل بيان شخص المسئول عن نفقات هذه الإجراءات، وليس من بينها المادة 15.
2 - تقع الجريمة المنصوص عليها في المادة 15 من القانون رقم 1 لسنة 1926 المعدل بالقانون رقم 78 لسنة 1946 - كما تدل عباراتها الصريحة بمجرد المخالفة وهي الزراعة في المنطقة التي حرمت زراعة الأرز فيها - في حين أن المخالفة في الأحوال الأخرى التي أوجب القانون الإعلان فيها إنما تقوم على عدم الاستجابة لأوامر مفتش الصحة في خصوص الاحتياطات التي رأى الشاعر للصالح العام إلزام أصحاب الشأن بها - يؤكد هذا المعنى ما جاء بالمادة 20 من القانون المذكور - إذ لو كان الشارع قد أطلق النص في المادة الثامنة عشرة وعمم حكمه لما كان هناك محل لأن يفرد للمادة 15 حكماً خاصاً وأن يفرق بينها وغيرها في العقوبات - وورود المادة الثامنة عشرة بعد المادة 15 ليس من شأنه أن يغير من طبيعة كل جريمة من الجريمتين المشار إليهما في المادتين - خصوصاً وأن الشارع لم يشترط لزراعة الأرز في المناطق المحرمة أية احتياطات معينة أسوة بالجرائم الأخرى.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه زرع أرزاً في منطقة محظور فيها ذلك. وطلبت عقابه بالمواد 1 و15 و16 و18 و19 و20 و21 من القانون رقم 1 لسنة 1926 المعدل بالقانون رقم 78 لسنة 1946 وقرار وزير الصحة. ومحكمة الجنح قضت غيابياً ببراءة المتهم بلا مصاريف. فاستأنفت النيابة هذا الحكم. والمحكمة الاستئنافية قضت غيابياً وبإجماع الآراء عملاً بمواد الاتهام والمادة الثانية من القانون رقم 71 لسنة 1953 المعدل بالقانون رقم 250 لسنة 1956 بإلغاء الحكم المستأنف وتغريم المتهم 50 جنيهاً وبعدم مباشرة خدمة زراعة الأرز في المستقبل بلا مصاريف. فعارض المحكوم عليه في هذا الحكم وقضي في معارضته بإلغاء الحكم الغيابي المعارض فيه وبراءة المتهم مما أسند إليه بلا مصاريف جنائية. فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

... حيث إن النيابة تبني طعنها على أن الحكم المطعون فيه إذ قضى ببراءة المتهم المطعون ضده من تهمة زراعة أرز في منطقة محظور فيها زراعته - بحجة أن إعلان المطعون ضده كتابة بدخول زراعته في المنطقة المحرمة أمر لازم - بموجب المادة 18 من القانون رقم 1 لسنة 1926 المعدل بالقانون رقم 78 لسنة 1946 وأنه ترتب على إغفاله أن فقدت الجريمة أحد عناصرها القانونية قد أخطأ في تطبيق القانون إذ الصحيح أن جريمة زراعة الأرز في غير المناطق المصرح بها تتحقق بمجرد وقوع المخالفة وحصول الزراعة فعلاً.
ومن حيث إن الدعوى العمومية رفعت على المطعون ضده..... بأنه في يوم 25/ 8/ 1957 بدائرة طلخا زرع أرزاً في منطقة محظور فيها ذلك من الجهات المختصة - وطلبت النيابة عقابه بالمواد 1 و15 و16 و18 و19 و20 و21 من القانون رقم 1 لسنة 1926 المعدل بالقانون رقم 78 لسنة 1946 بشأن الاحتياطات اللازمة لمقاومة انتشار حمى الملاريا، فقضت محكمة طلخا الجزئية ببراءة المتهم. فاستأنفت النيابة الحكم، وقضي غيابياً وبإجماع الآراء بإلغاء الحكم المستأنف وتغريم المتهم خمسين جنيهاً وعدم مباشرة خدمة زراعة الأرز في المستقبل، فعارض المتهم في الحكم وقضي بتاريخ 20 من يناير سنة 1959 بقبول المعارضة شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم الغيابي المعارض فيه وبراءة المتهم مما أسند إليه - وقال الحكم المطعون فيه في تأسيس قضائه بالبراءة - بعد أن استعرض نصوص المواد 1 و15 و16 و17 و18 و19 و20 من القانون رقم 1 لسنة 1926 المعدل بالقانون رقم 78 لسنة 1946 "وحيث إن هذه المحكمة قد انتهت إلى أنه يجب إعمال المادة 18 من القانون المذكور فيما يتعلق بكافة الجرائم المبينة بنصوص هذا القانون جميعها بما في ذلك المادة 15، ومؤدي هذا أنه كان لزاماً على مفتش الصحة إعلان المتهم كتابة بالأعمال والأوامر التي يجب عليه القيام بها واتباعها والمدة المحددة لذلك على النحو المبين في المادة 18، وكانت أوراق الدعوى خلواً من الدليل على حصول هذا الإعلان الكتابي للمتهم مما يجعل التهمة المسندة إليه غير مستكملة لعناصرها نتيجة عدم اتخاذ هذا الإجراء الجوهري ويؤدي إلى براءته من تلك التهمة" ثم قال في موطن آخر "إن المشرع قد أورد شروطاً معينة لزراعة الأرز بتحديد المساحة التي يزرع فيها حول الأماكن التي بينها في المادة 15 واستلزام عدم تجاوز المساحة فكان من الطبيعي أن يلزم الموظف المختص المنوط به مراقبة تطبيق هذا النص بيان ما إذا كانت الأرض المنزرعة أرزاً تدخل في نطاق المساحة المذكورة وإعلان صاحب الشأن كتابة في حالة ما إذا كانت تخرج كلها أو بعضها عن ذلك النطاق مع تكليفه بحصر زراعته داخل النطاق المذكور في مدة يحددها له بحيث إذا انتهت ولم يقم بتنفيذ هذا الإجراء اعتبر وقتئذ مرتكباً للجريمة المحددة بالمادة 15". وحيث إن المادة 18 من القانون رقم 1 لسنة 1926 قد جرى نصها على الوجه الآتي "يبين مفتش مصلحة الصحة العمومية أثناء التفتيش أو بعده الأعمال التي يجب القيام بها أو الأوامر التي يجب اتباعها تطبيقاً لنصوص هذا القانون وكذلك المدة التي حددت لتنفيذ تلك الأعمال أو الأوامر ويثبت هذا كله في ورقة ممضاة منه - ويرسل الإعلان الكتابي لمن يشغل البيت أو الأرض بصفته مالكاً أو مستأجراً أو مديراً أو حارساً قضائياً أو بأية صفة أخرى تخوله حق وضع اليد على البيت أو الأرض أو حق حيازته - وإذا كان البيت خالياً من السكان فيعلن حارسه ويعتبر الإعلان الذي أرسل على الوجه المتقدم كأنه أرسل للمالك وذلك فيما يتعلق به وإذا كان الفناء أو الحديقة ملحقين ببيت غير مسكون ليس له حارس فيجوز للمفتش أن يدخلها وأن يجري بواسطة المصلحة تنفيذ التدابير اللازمة لمنع تولد البعوض....." كما نصت المادة 19 على ما يأتي "الإجراءات المنصوص عليها بالمواد 2 و3 و6 و7 و8 تكون على نفقة المالك وواضع اليد على البيت أو المركب أو الأرض أو الحائز لها بأية صفة كانت وهذا بدون إخلال بما يجوز أن يكون لهما من الرجوع على المالك - والإجراءات المنصوص عليها بالمادة الرابعة والفقرتين الأولى والثالثة من المادة الخامسة تكون على نفقة المالك والإجراءات المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة الخامسة تكون على نفقة المقاول الذي يقوم بالأعمال المذكورة بها" فدل الشارع بذلك على أن الإعلان لا يكون إلا حيث يوجب القانون اتخاذ احتياطات إيجابية معينة لمقاومة انتشار حمى الملاريا - فافترض الشارع في هذه الحالات دون غيرها - أن أصحاب الشأن يجهلون طرق تنفيذها فألزم جهة الاختصاص بإعلانهم وحدد الأحوال التي أوجب فيها الإعلان في المادة 19 وهو بسبيل بيان شخص المسئول عن نفقات هذه الإجراءات وليس من بينها المادة 15 - ومرد هذا أن الجريمة في المادة 15 كما تدل عبارتها الصريحة تقع بمجرد المخالفة - وهي الزراعة في المنطقة التي حرمت زراعة الأزر فيها - في حين أن المخالفة في الأحوال الأخرى التي يجب فيها الإعلان إنما تقوم على عدم الاستجابة لأوامر مفتش الصحة في خصوص الاحتياطات التي رأى الشارع للصالح العام إلزام أصحاب الشأن بها - ويؤكد هذا المعنى ما جاء بالمادة 20 من القانون المذكور - إذ جرى نصها على الوجه الآتي: "يعاقب المسئولون بمقتضى حكم المادة السابقة الذين لا يقومون بتنفيذ الأعمال المطلوبة منهم والمبينة في الإعلانات الكتابية التي يبعث بها إليهم مفتشو الصحة طبقاً لنص المادة 18 بالحبس مدة لا تتجاوز خمسة عشر يوماً وبغرامة لا تزيد على ألف قرش أو بإحدى هاتين العقوبتين. وفي حالة العود تكون العقوبة الحبس مدة لا تتجاوز شهراً واحداً والغرامة لغاية عشرين جنيهاً أو إحدى هاتين العقوبتين - وفي الحالتين تتكرر الغرامة بتعدد الجرائم، ويعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن شهر واحد وبغرامة قدرها خمسة جنيهات عن كل فدان أو جزء من فدان يزرع بالمخالفة لأحكام المادة 15" - ولو كان الشارع قد أطلق النص في المادة 18 وعمم حكمه لما كان هناك محل لأن يفرد المادة 15 حكماً خاصاً وأن يفرق بينها وبين غيرها في العقوبة، وورود المادة 18 بعد المادة 15 ليس من شأنه أن يغير من طبيعة كل جريمة من الجريمتين المشار إليهما في المادتين - خصوصاً وأن الشارع لم يشترط لزراعة الأرز في المناطق المحرمة أية احتياطات معينة أسوة بالجرائم الأخرى على ما سلف بيانه. لما كان ذلك، وكانت جريمة زراعة الأرز في المناطق المحظور زراعته فيها تتم بمجرد مخالفة القانون وحصول الزراعة فعلاً، فإن الحكم المطعون فيه إذ اشترط لقيام تلك الجريمة وجوب إعلان المخالف بقيامها - على ما تقضي به المادة 18 من القانون المذكور - يكون قد أخطأ في تطبيق القانون على الواقعة كما صار إثباتها فيه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه - تحت تأثير ما وقع فيه من نظر قانوني خاطئ لم يستظهر ما إذا كان حظر الزراعة في هذه المنطقة قد تم طبقاً للقانون وجرى نشره بالجريدة الرسمية، كما لم يعرض لدفاع المتهم الموضوعي، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه وإحالة الدعوى إلى محكمة المنصورة الابتدائية للفصل فيها مجدداً من دائرة استئنافية أخرى.


[(1)] المبدأ ذاته في الطعن رقم 1826 لسنة 29 القضائية (جلسة 2/ 5/ 1960). كذلك الطعون من 1883 إلى 1885 لسنة 29 القضائية - (جلسة 9/ 5/ 1960). والطعون من 1462 إلى 1464 لسنة 29 القضائية - جلسة (30/ 5/ 1960).