أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 11 - صـ 552

جلسة 13 من يونيه سنة 1960

برياسة السيد محمود إبراهيم إسماعيل المستشار، وبحضور السادة: أحمد زكي كامل، والسيد أحمد عفيفي، ومحمد عطية إسماعيل، وعادل يونس المستشارين.

(105)
الطعن رقم 121 لسنة 30 القضائية

تزوير. إثباته: إقناعية الدليل.
عدم تنظيم المضاهاة في نصوص آمرة يترتب على مخالفتها البطلان.
حرية قاضي الموضوع في الاقتناع بصحة اتخاذ إجراء أساساً لكشف الحقيقة. مثال في أوراق مضاهاة.
1 - [(1)] لم يفرض القانون طريقاً معيناً تجري عليه المضاهاة إلا ما تناوله الشارع في بعض نصوص قانون المرافعات المدنية والتجارية وقصد به مجرد الإرشاد والتوجيه دون أن يفرض ذلك فرضاً تستوجب مخالفته البطلان.
2 - العبرة في المسائل الجنائية إنما تكون باقتناع قاضي الموضوع بأن إجراء من الإجراءات يصح أو لا يصح أن يتخذ أساساً لكشف الحقيقة - فإذا كانت المحكمة قد رأت أن أوراق الاستكتاب التي اتخذها الخبير أساساً للمضاهاة هي أوراق تؤدي هذا الغرض، وأن المضاهاة التي تمت كانت صحيحة - اطمأنت إليها المحكمة للأسباب المقبولة الواردة في تقرير الخبير، فإن ما ينعاه المتهم على الحكم من قصور يكون على غير أساس.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من: المتهم الأول والطاعن بأنهما: المتهم الأول ارتكب تزويراً في ورقة رسمية (استمارة سلفية) لبنك التسليف الزراعي لصالح..... حال تحريرها المختص بوظيفته (نائب عمدة) - أحد أعضاء اللجنة القروية المختصة باعتماد صحة بيانات وتوقيعات تلك الاستمارة - وذلك بجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع علمه بتزويرها بأن وقع عليها ببصمة ختمه بصفته هذه بما يفيد قيام كل من..... وبالتوقيع عليها أمامه بصفتهم ضامنين للمدين - المتهم الثاني - في الوفاء بقيمتها في حين أنهم لم يوقعوا عليها على الإطلاق. والمتهم الثاني - اشترك بطريق الاتفاق والمساعدة مع المتهم الأول في ارتكاب جريمة التزوير سالفة الذكر بأن اتفق معه على إقرار صحة بيانات هذه الاستمارة المذكورة وإثبات صحة توقيعات الضامنين سالفي الذكر عليها وحصولها أمامه وساعده على ذلك بأن قدم له هذه الاستمارة موقعاً عليها بتلك التوقيعات المزورة المنسوبة لهؤلاء الضامنين، فتمت الجريمة بناءً على هذا الاتفاق وتلك المساعدة، واستعمل الورقة الرسمية المزورة سالفة الذكر مع علمه بتزويرها بأن قدمها لبنك التسليف الزراعي وتوصل بذلك إلى الحصول على دين منه. وطلبت النيابة إلى غرفة الاتهام إحالتهما إلى محكمة الجنح لمعاقبتهما بالمواد 40/ 2 - 3 و41 و213 و214 من قانون العقوبات. وفي 17/ 11/ 1956 قررت الغرفة حضورياً للمتهم الثاني بانقضاء الدعوى الجنائية قبل المتهم الأول طه أحمد قاسم لوفاته وبإحالة المتهم الثاني (الطاعن) إلى محكمة الجنح لمعاقبته على أساس عقوبة الجنحة. والمحكمة الجزئية قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام والمواد 32/ 2 و17 و55 و56 من قانون العقوبات بحبس المتهم ستة أشهر مع الشغل وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ صيرورة هذا الحكم نهائياً وذلك بلا مصاريف جنائية. فاستأنف المتهم. والمحكمة الاستئنافية قضت حضورياًً بتأييد الحكم المستأنف بلا مصروفات جنائية. فطعن المحكوم عليه (المتهم الثاني) في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

.... حيث إن مبنى الطعن هو القصور والإخلال بحق الدفاع والخطأ في تطبيق القانون، ذلك أن الحكم المطعون فيه دان الطاعن بتهمة الاشتراك في تزوير استمارة السلفة على أساس منطقي بحت بمقولة إنه المستفيد الوحيد من الحصول على السلفة ولا يمكن أن يتم التزوير بغير علمه، وهو تدليل قاصر - خاصة وأن الطاعن أبدى في دفاعه أن الضمان الذين ادعوا تزوير إمضاءاتهم على استمارة السلفة هم من خصومه وقد تعمدوا التلاعب في توقيعاتهم للإيقاع به. وقد شهد أعضاء اللجنة القروية بأن هؤلاء الضمان وقعوا على الاستمارة أمامهم ولذا فقد طلب الطاعن إلى المحكمة إعادة استكتابهم وتقديم أوراق مضاهاة معاصرة لتاريخ الاستمارة لتجرى المضاهاة على أساس سليم، ولكن المحكمة لم تجب الطاعن إلى طلبه، واكتفت بالاستكتاب الذي تلاعب فيه الضمان والذي كان قاصراً على أحدهم... دون الاثنين الآخرين وعلى الرغم من ذلك فقد قال الحكم أن توقيعات جميع الضمان مزورة وقضي بإدانة الطاعن دون أن يورد دليلاً مادياً على إدانته.
وحيث إن واقعة الدعوى كما أثبتها حكم محكمة أول درجة المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه تتحصل فيما أبلغ به..... من أن الطاعن تقدم إلى بنك التسليف باستمارة سلفة بمبلغ 86 جنيهاً تقريباً تحمل توقيعاً منسوباً له وكذلك توقيعين آخرين منسوبين لكل من... بصفتهما ضامنين له - مع أنهم لم يوقعوا على هذه الاستمارة، ولدى إجراء التحقيق أصر الشاكي وزميلاه على ما جاء بالبلاغ واتهموا الطاعن بتزوير إمضاءاتهم. وتبين من اطلاع المحكمة على الاستمارة المشار إليها أنها محررة في 24/ 2/ 1952 ومقدمة إلى بنك التسليف بطلب أسمدة وسلفة نقدية وعليها التوقيعات المنسوبة للمجني عليهم. وقد أحالت النيابة العامة الاستمارة وكذلك أوراق استكتاب الطاعن والضمان إلى قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي فثبت أن خط التوقيعات المنسوبة للمجني عليهم على الاستمارة يختلف عن خط كل منهم الوارد بالاستكتاب. واستند الحكم في إدانة الطاعن بتهمتي الاشتراك في التزوير والاستعمال إلى أقوال المجني عليهم وتقرير قسم أبحاث التزوير وإلى أن الطاعن هو صاحب المصلحة في التزوير وأنه من غير المعقول أن يتم بغير علمه.
وحيث إنه لما كان يبين مما تقدم أن الحكم قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة كافية من شأنها أن تؤدي إلى ما انتهى إليه، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لما يثيره الطاعن بشأن تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير بقوله "ولا تعول المحكمة على ما أثاره المتهم من دفاع بشأن تقرير مصلحة الطب الشرعي قسم أبحاث التزييف والتزوير لعدم تقديم الطاعنين في الاستمارة بالتزوير أوراق مضاهاة معاصرة، إذ أن عدم وجود أوراق مضاهاة معاصرة لا يهدر التقرير ما دام قد بنى النتيجة التي انتهى إليها على أسباب مقبولة تأخذ بها هذه المحكمة...".
لما كان ذلك، وكانت محكمة الموضوع قد أشارت في حكمها إلى اطمئنانها لتقرير الخبير، وكانت العبرة في المسائل الجنائية إنما تكون باقتناع قاضي الموضوع بأن إجراء من الإجراءات يصح أو لا يصح أن يتخذ أساساًً لكشف الحقيقة، وكانت المحكمة قد رأت أن أوراق الاستكتاب التي اتخذها الخبير أساساً للمضاهاة هي أوراق تؤدي هذا الغرض وأن المضاهاة التي تمت كانت صحيحة - اطمأنت إليها المحكمة للأسباب المقبولة الواردة في تقرير الخبير، وكان القانون لم يفرض طريقاً معيناً تجرى عليه المضاهاة إلا ما تناوله الشارع في بعض نصوص قانون المرافعات وقصد به مجرد الإرشاد والتوجيه دون أن يفرض ذلك فرضاً تستوجب مخالفته البطلان. لما كان ذلك، وكان ما يدعيه الطاعن من عدم استكتاب المحكمة اثنين من المجني عليهم - فإنه فضلاً عن أن الثابت من الحكم أن النيابة العامة أحالت أوراق استكتاب هذين الشخصين أيضاً إلى مصلحة الطب الشرعي لإجراء المضاهاة، وأنه قد ثبت من تقرير هذه المصلحة أن التوقيعات المنسوبة لهما تختلف عن خط كل منهما بورقة استكتابه - فضلاً عن ذلك فإنه لا يجدي الطاعن ما يثيره في هذا الشأن لأن ما تضمنه تقرير الخبير من تزوير إمضاء الذي لا يجحد الطاعن أنه استكتب ثم أجريت المضاهاة على استكتابه - ما تضمنه تقرير الخبير من ذلك - يكفي لحمل الحكم فيما انتهى إليه من إدانة الطاعن.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه.


[(1)] المبدأ ذاته في الطعن 762/ 29 ق - (جلسة 17/ 11/ 1959).