أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 11 - صـ 683

جلسة 17 من أكتوبر سنة 1960

برياسة السيد مصطفى كامل المستشار، وبحضور السادة: عادل يونس، وعبد الحسيب عدي، وتوفيق أحمد الخشن، وحسن خالد المستشارين.

(130)
الطعن رقم 1207 لسنة 30 القضائية

( أ ) استدلال. قبض. تلبس. سلخانات.
قواعد التلبس وشروط توافره: كفاية المظاهر الخارجية المنبئة بذاتها عن وقوع جريمة. مثال في جريمة ذبح لحوم خارج السلخانة.
ما لا يعد قبضاً: استيقاف المخبر شخصاً لتوافر مظاهر خارجية تنبئ بذاتها عن وقوع جريمة وللموقف المريب الذي وضع نفسه فيه طواعية واختياراً. إحضاره حاملاً آثار الجريمة إلى مأمور الضبط القضائي يوفر حالة التلبس عند مبادرة المأمور إلى الانتقال إلى محل الواقعة إثر رؤيته هذه الآثار.
(ب. ج) استدلال. جمعه. حكم. ضوابط التدليل.
ما لا يعد تفتيشاً: إجراءات البحث عن مرتكبي الجرائم وجمع الاستدلالات بما ليس فيه مساس بحرمة الشخص أو مسكنه. صحة الاستشهاد بهذه الإجراءات كدليل في الدعوى.
ما لا حرمة له: الشونة عند التدليل السائغ على أن حكم المسكن لا ينعطف إليها. صحة الاستدلال بنتيجة تفتيشها.
(د) نقض. استدلال.
المصلحة في الطعن ببطلان القبض: شرط قيامها. تعلق البطلان بمن وقع القبض عليه باطلاًً. لا شأن لغيره في طلب بطلان القبض.
(هـ) حكم.
بيانات التسبيب: الرد الضمني. كفايته عند الدفع بتلفيق التهمة.
(و) دفاع.
شرط إجابة طلب التحقيق أو الرد عليه: كونه طلباً جازماً يحتوي على بيان ما يرمي إليه مقدمه.
1 - لا ينفي قيام حالة التلبس بالجريمة كون رجل الضبط القضائي قد انتقل إلى محل وقوعها بعد مقارفتها ما دام أنه بادر إلى الانتقال عقب علمه مباشرة على إثر ضبط الشخصين اللذين أحضرهما المخبر إليه يحملان آثار الجريمة بادية وشاهد تلك الآثار بنفسه - ما دام أن ضبط هذين الشخصين في الظروف التي أوردها الحكم قد تم سليماً لما نمت عليه المظاهر الخارجية المنبئة عن ارتكاب جنحة ذبح لحوم خارج السلخانة والوضع المريب الذي وضع الشخصان المذكوران نفسهما فيه مما يستلزم تدخل من استوقفهما للكشف عن حقيقة أمرهما - وهو ما لا يعدو أن يكون تعرضاً مادياً وليس قبضاً بمعناه القانوني.
2 - التفتيش الذي يقوم به رجال الشرطة في أثناء البحث عن مرتكبي الجرائم وجمع الاستدلالات الموصلة إلى الحقيقة ولا يقتضي إجراؤه التعرض لحرمة الأفراد أو لحرمة المسكن إجراء غير محظور ويصح الاستشهاد به كدليل في الدعوى.
3 - التفتيش الذي أجراه الضابطان بشونة المتهم - وهي مما لا ينعطف عليها حكم المسكن حسبما أورده الحكم من اعتبارات سائغة - أمر لا يحرمه القانون والاستدلال به جائز.
4 - لا يستفيد من بطلان القبض إلا صاحب الشأن فيه ممن وقع القبض عليه باطلاً، ولا شأن لغيره في طلب بطلان هذا الإجراء. 5 - الدفع بأن التهمة ملفقة على المتهم هو أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب من المحكمة رداً صريحاً، ويكفي للرد عليه أن تكون المحكمة قد بينت أدلة الثبوت التي عولت عليها في الحكم بالإدانة.
6 - الطلب الذي يتعين على المحكمة إجابته أو الرد عليه عند رفضه هو الطلب الجازم الذي يقرع سمعها ويشتمل على بيان ما يرمي إليه مقدمه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه قلد ختم إحدى المصالح الحكومية مع علمه بذلك وذلك بأن اصطنع ختماً يشابه ختم سلخانة بندر المنيا وذبح حيوانات معدة لحومها للأكل خارج السلخانة والأماكن التي تقوم مقامها. وطلبت إلى غرفة الاتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمادة 206 من قانون العقوبات والمادة 20 من المرسوم بقانون رقم 95 سنة 1949، فقررت بذلك. وأمام محكمة الجنايات دفع الحاضر عن المتهم ببطلان الضبط. والمحكمة المشار إليها قضت حضورياً عملاً بالمادة 20 من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 مع تطبيق المادتين 32/ 2، 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل سنة واحدة ومصادرة اللحوم المضبوطة وكذا الختم المقلد. فطعن المتهم في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

... حيث إن مبنى أوجه الطعن هو أن الحكم المطعون فيه أخطأ في الإسناد وشابه قصور وتناقض في الأسباب، كما انطوى على فساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن الحكم حصل الواقعة على أنه كان موجوداً بالشونة المملوكة له وقت حضور ضابط النوبة إليها ومشاهدته للذبائح الثلاث موضوع الاتهام وأنه كان موجوداً كذلك وقت حضور ضابط المباحث وعثوره على الختم المزيف، في حين أن الثابت من الأوراق أن الطاعن لم يكن موجوداً في الوقت الذي حضر فيه كل من الضابطين المذكورين. كما أخطأ الحكم حين رد على ما أثاره الطاعن من بطلان القبض على كل من حسن عبد الجواد وخلف بيومي لحصوله في غير الحالات التي يجيز فيها القانون ذلك، ولأن من قام به لا يملكه لكونه مجرد شرطي مدني - فقد بنى الحكم رفضه لهذا الدفع على أن المخبر الذي قام به كان مكلفاً من ضابط المباحث بمراقبة شونة الطاعن لما نمى إليه من تحريات سرية من أنه يذبح ماشية خارج السلخانة - وإذ شاهد المخبر الشخصين سالفي الذكر خارجين من حارة تقع بها شونة الطاعن ويحملان أمعاء مواشي مذبوحة كان محقاً في اصطحابهما إلى قسم الشرطة استكمالاً للتحريات لمجرد سماع أقوالهما بصدد الواقعة المتحرى عنها وليس بقصد ضبطهما. وهذا الذي أورده الحكم يخالف المثبت بالأوراق التي يتضح منها أن محضر الضبط الذي حرره ضابط النوبة يقطع بأن المخبر ضبط هذين الشخصين للاشتباه في أمرهما وما كان يسوغ للمحكمة أن تفسر قصد المخبر بخلاف ما صرح هو به، خاصة وأن الحكم قد أكد عملية الضبط هذه وهو في معرض الرد على الدفع ببطلان التفتيش الأول الذي أجراه ضابط النوبة الذي أسسه الدفاع على حصوله بغير إذن من النيابة وفي غير حالات التلبس وامتداد البطلان إلى ما تلاه من إجراءات وهي دخول الشونة والعثور على الختم، فقد سلم الحكم بما تم من قبض باطل والتفت عن الرد على هذا الدفع وانصب رده على ما دفع به الطاعن من بطلان التفتيش الثاني الذي أجراه ضابط المباحث لحصوله بعد إقصاء الطاعن عن الشونة وعلى خلاف ما تقضي به الفقرة الأولى من المادة 50 من قانون الإجراءات الجنائية. وأسس الحكم رفضه للدفع الأخير على أن المادة 51 مقصورة على المساكن وملحقاتها فلا تطبق على الشونة التي دلت المعاينة على أنها ليست من المحال التي تتمتع بحرمة المساكن واستطرد الحكم إلى القول بأنه مع ذلك قد تم التفتيش في حضور ممثلي الطاعن بالشونة وهما وهبه صالح عزب وكامل جيد تاوضروس الكلافين بها، وهذا الذي ذكره الحكم لا يصلح رداً، ذلك أنه لم يبين مآخذ استدلاله من المعاينة على أن الشونة لا تتمتع بحرمة المساكن فقد ثبت منها أنه وجد بالشونة كلافان لخدمة المواشي وأن لها باباً خشبياً كبيراً وبها حجرتان مما يسبغ عليها حماية المسكن. وما كان يسوغ إجراء التفتيش في غيبة الطاعن الذي لم يكن متهرباً بل كان في قبضة الشرطة بعد أن تم ضبط اللحوم مما يحول دون إعادة التفتيش بعد إذ استنفذ غرضه ولم يبرره إذن جديد بالتفتيش أو حالة تلبس بجريمة جديدة، فضلاً عن أن الكلافين وقد أرشدا عن مكان الختم قد سقطت عنهما صفة النيابة عن الطاعن خاصة وأن أحدهما وهو وهبه صالح عزب قد اشترى محل جزاره الطاعن بعد اتهامه في الدعوى مما يؤكد اتجاه نيته إلى الكيد له والإفادة من تهمته - هذا إلى أن الحكم قد قصر في الرد على دفاع الطاعن الموضوعي القائم على التشكيك في صحة إسناد تهمة جناية تقليد الختم إليه واشتياع التهمة المذكورة بينه وبين عماله التابعين له الذين وجدوا بالشونة وبين الجزار السابق الذي كان مستأجراً الشونة المذكورة من مالكها قبله، كما التفت الحكم عما تمسك به الطاعن في دفاعه من معاينة الشونة من الخارج للتدليل على سهولة الوصول إليها مما ينال من سلامة الدليل المستمد من ضبط الختم موضوع الجريمة بداخل الشونة المذكورة، وبرر الحكم رفضه لهذا الطلب بعدم جدواه لمضي أكثر من أربع سنوات على الحادث ولأن الذي أرشد عن الختم هو كلاف الطاعن. وهذا الذي أورده الحكم مردود بأن المعاينة المطلوبة تنصب على وضع ثابت غير متغير لا يتأثر بمضي الزمن وأن الكلاف الذي أرشد عن الختم مدفوع إلى ذلك طبقاً لما سلف بيانه. كما أن الحكم قد أخطأ حين تصدى للرد على ما أثاره الطاعن بالنسبة إلى تهمة جنحة ذبح المواشي خارج السلخانة ووجوده في حالة ضرورة ألجأته إلى ذبحها نظراً إلى إصابتها بتخمة من كثرة الأكل فخشي نفوقها مما يبيح الفعل فقد رد الحكم على ذلك بأن كامل جيد تاوضروس شهد بالجلسة بأن المواشي لم تعلف بالشونة وأنها اشتريت من السوق وذبحت مباشرة - وهو رد ينقضه الثابت بالأوراق فقد ثبت من المعاينة وجود علف بالشونة وقرر وهبه صالح عزب في محضر وكيل مأمور بندر المنيا أن عمله لدى الطاعن هو إعلاف المواشي وإحضارها من البلاد وأنه أطعم المواشي كثيراً من البرسيم والكسب والنخالة. أما ما شهد به كامل جيد تاوضرس بالجلسة ففضلاً عن أنه لم يقل ما رواه عنه الحكم على الصيغة التي أوردها فإن مؤدى روايته لا ينفي قيام غيره بتقديم العلف للمواشي خصوصاًً وأن الثابت من التحقيق أن هذا الشاهد لم يكن هو الوحيد الذي نيط به أمر الشونة والمواشي كما أن وجوده بها ليس على الدوام وقد أكد في محضر وكيل مأمور المنيا أنه لم يكن موجوداً بالشونة وقت ذبح المواشي لأنه كان قد غادرها بعد الغروب وحضر إليها في الصباح الباكر فوجد اللحوم معلقة مما يفسر عدم علمه بدواعي الذبح. كما أنه يؤخذ من أقوال حسن عبد الجواد وخلف بيومي وضابط النوبة أن ذبح المواشي تم قبيل الفجر مما يخالف ما أورده الحكم من أن المواشي اشتريت من السوق وذبحت مباشرة لعدم وجود سوق للمواشي في هذا الوقت، وفي ذلك كله ما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى في قوله "إنه نمى إلى علم ضابط مباحث بندر المنيا من تحرياته السرية أن من يدعى أديب برسوم (الطاعن) (وهو قصاب ومن مواطني دائرة البندر) يقوم بذبح مواشي معدة لحومها للأكل خارج السلخانة وأنه يحرز ختماً مزوراً لخاتم السلخانة ليختم به الذبائح المذبوحة خارجها فكلف الضابط أحد رجال البوليس الملكي المدعو عبد الحليم عبد العاطي بمراقبة شونة أديب برسوم، وبينما كان هذا يمر في حوالي الساعة 5 من صباح يوم 1/ 2/ 1956 بشارع الشيخ حسن إذ شاهد حسن عبد الجواد وخلف بيومي يخرجان من حارة مدرسة البنات المتفرعة من الشارع المذكور والتي تقع بها شونة أديب برسوم وكان أولهما يحمل لحوماً طي ثيابه (بعض كروش وأمعاء لمواشي مذبوحة) ومعه فأس وسكين ومشحذ، ويحمل ثانيهما سكيناً - فاشتبه في أمرهما وقادهما إلى البندر حيث أبلغ الضابط النوبتجي الذي انتقل إثر بلاغه إلى شونة أديب برسوم ومعه قوة من رجاله ولما بلغها وجد بابها مغلقاً فطرقه فقام أحد الموجودين بداخل الشونة بفتحه وما أن دخلها الضابط حتى وجد بها ثلاث ذبائح كاملة مذبوحة حديثاً ومعلقة بخطاطيف وبكر من الحديد وسلاسل طويلة، كما وجد بالشونة كلاً من وهبه صالح عزب وكامل جيد تاوضروس وأديب برسوم (الطاعن) وإذ سأل هذا الأخير قرر أن الذبائح الموجودة بالشونة ملكه فقام الضابط بنقلها وما وجده بالشونة من جلود وهذه الذبائح وأحشائها وأمعائها وأدوات معدة لتعليق الذبائح وميزان قباني وزجاجتين ملآتين بالكحول كما أخطر زميله ضابط المباحث الذي حضر إثر بلاغه إلى الشونة وقام بتفتيشها فعثر على علبة من الصفيح كانت مخبأة في سقف الشونة بين عيدان البوص وبفتحها وجد بداخلها طبقتين من اللباد مصبوغ بمادة حمراء تشبه تلك المادة التي تستعملها السلخانة في ختم الذبائح كما وجد بالعلبة قطعة من الخشب نقش عليها عبارة (سلخانة صغير المنيا) وبعرض هذا الختم على مفتش بيطري البندر قرر أنه ختم مزور وليس من أختام السلخانة كما أن المادة الموجودة باللباد تشابه المادة المستعملة في السلخانة من حيث اللون فأبلغ ضابط المباحث الأمر إلى مأمور البندر الذي حرر محضراً بالواقعة ضمنه أقوال كل من مفتش بيطري البندر وضابط المباحث والبوليس الملكي عبد الحليم عبد العاطي ثم حسني عبد الجواد وخلف بيومي سعيد ثم كامل جيد تاوضروس ووجيه صالح عزب وأديب برسوم صاحب الشونة، وقد تولت النيابة التحقيق بعد ذلك وانتهت إلى إقامة الدعوى العمومية على المتهم وفقاً لما ورد في قرار الاتهام وأورد الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة أدلة مستمدة من أقوال الشهود بالتحقيقات وبالجلسة ومما أسفرت عنه المعاينة وما تضمنه تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير لمصلحة الطب الشرعي. وعرض الحكم إلى دفاع الطاعن الموضوعي ففنده ثم تناول ما أثاره من بطلان التفتيش في قوله "وحيث إنه عن الوجه الأول من أوجه الدفع فإن المادة 51 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أن التفتيش يحصل بحضور المتهم أو من ينيبه عنه كلما أمكن ذلك وإلا فيجب أن يكون بحضور شاهدين ويكون هذان الشاهدان بقدر الإمكان من أقاربه البالغين أو من القاطنين معه بالمنزل أو من الجيران، وحيث إنه واضح من صراحة النص أنه قاصر على تفتيش المساكن وليست الشونة محل الحادث من بين هذه المساكن وملحقاتها كما دلت على ذلك المعاينة فهي لا تخرج عن كونها من المحال التي لا تتمتع بحرمة المساكن وبالتالي فلا يستلزم تفتيشها إذناً من النيابة سواء كان التفتيش في حضور المتهم أو في غيبته - وعلى أي حال ومع ذلك فقد تم التفتيش بحضور ممثلي المتهم بالشونة - وهما وهبه صالح عزب وكامل جيد تاوضروس اللذان يعملان كلافين بالشونة منذ زمن طويل وهو ما يكفي في مجال تطبيق نص المادة 51 من قانون الإجراءات ومن ثم كان هذا الوجه من أوجه الدفع على غير أساس متعين الرفض. وحيث إنه عن الوجه الثاني المؤسس على أن التفتيش قد تم بغير إذن من النيابة العامة وفي غير حالة من حالات التلبس فإنه مردود كذلك بأن الجريمة كانت وقت حضور الضابط لإجراء التفتيش في حالة تلبس بالفعل ذلك أن المخبر إذ قام بضبط كل من حسن عبد الجواد وخلف بيومي خارجين من شونة المتهم يحملان لحوماً وكروشاً لمواشي مذبوحة حديثاً وقد أقر كل منهما بأن هذه اللحوم من شونة المتهم فقد قامت لدى ضابط البندر قرائن قوية ضد المتهم على أنه ذبح لحوماً خارج السلخانة فانتقل على الفور إلى الشونة حيث وجد المتهم متلبساً بارتكاب جريمة وهي ذبح لحوم خارج السلخانة وإذ حضر ضابط المباحث بعد ذلك وهو من جاءته التحريات من قبل على أن المهتم يذبح لحوماً خارج السلخانة ويستعمل ختماً مزوراً في ختمها كان لابد لهذا الضابط إزاء ضبط المتهم متلبساً بهذه الجريمة وإزاء ما أخبره به ممثلاً المتهم من أنه يحرز ختماً مزوراً ويستعمله في ختم اللحوم بالشونة، وكان لزاماً عليه أن يبحث عن باقي عناصر الجريمة التي أصبحت طبقاً لتلك الدلائل القوية في حالة تلبس تبيح لرجل الضبط القضائي التفتيش دون إذن من النيابة. وحيث إنه بالنسبة لما ذهب إليه الدفاع بالوجه الثالث من أوجه الدفع من أن الغرض من التفتيش الذي أجراه ضابط المباحث إنما كان البحث عن الختم المقلد حالة أن هذه الجريمة لم تكن في حالة تلبس تنبئ عنها وهو الأمر المخالف لما تقضي به المادة 50 من قانون الإجراءات الجنائية فإن هذا القول على غير أساس من القانون ذلك أن الثابت من التحقيقات أن ضابط المباحث عندما بلغ شونة المتهم شاهد بها ذبائح مذبوحة خارج السلخانة وهي جريمة يعاقب عليها القانون كما أنها إحدى الجريمتين اللتين وصل الضابط في تحرياته على أن المتهم يقارفهما ولا نزاع في أن من سلطة ضابط المباحث وهو من مأموري الضبط القضائي بعد مشاهدته لهذه الجريمة أن يبحث في نفس المكان الذي ارتكبت فيه على الجريمة الثانية المرتبطة بالأولى إذ لا شك أن المتهم إذا كان يحرز ختماً مقلداً فإنه إنما يفعل ذلك لختم هذه اللحوم المذبوحة خارج السلخانة أي للتستر على الجريمة الأولى فإذا ما تيقن من وجود هذا الختم وذلك من أقوال أحد الكلافين الذي أرشده إلى مكان وجوده فلا يكون الضابط قد خرج عن نطاق القانون إذا ما واصل البحث مسترشداً بقول هذا الكلاف حتى توصل إلى ضبط هذا الختم ومن ثم كان هذا الشطر الأخير من الدفع في غير محله متعيناً رفضه كذلك" وهذا الذي قاله الحكم سديد في القانون - ذلك أن التفتيش كما هو معرف به في القانون هو ذلك الإجراء الذي رخص الشارع فيه التعرض لحرية الشخص وحرمة مسكنه بسبب جناية أو جنحة وقعت أو ترجح وقوعها منه وذلك تغليباً للمصلحة العامة على مصالح الأفراد الخاصة لاحتمال الوصول إلى دليل مادي يفيد في كشف الحقيقة، وهذا هو التفتيش الذي يحرمه القانون على رجال الضبط القضائي فيما عدا أحوال التلبس بالجريمة والأحوال الأخرى التي أجاز لهم القانون ذلك بنصوص خاصة، أما التفتيش الذي يقوم به رجال الشرطة في أثناء البحث عن مرتكبي الجرائم وجمع الاستدلالات الموصلة إلى الحقيقة ولا يقتضي إجراؤه التعرض لحرمة الأفراد أو لحرمة المسكن فغير محظور ويصح الاستشهاد به كدليل في الدعوى. فالتفتيش الذي أجراه الضابطان في شونة الطاعن وهي مما لا ينعطف عليها حكم المسكن حسبما أورده الحكم من اعتبارات سائغة، أمر لا يحرمه القانون والاستدلال به جائز، ومع ذلك فإن مدونات الحكم صريحة في أن الجريمة التي أجرى التفتيش بشأنها متلبس بها، ومن المقرر أن تقدير الظروف المحيطة بالجريمة من حيث إثبات قيام هذه الحالة موكول إلى محكمة الموضوع ولا معقب عليها في خصوصه ولا ينفي قيام هذه الحالة كون رجل الضبط قد انتقل إلى محل وقوعها بعد مقارفتها ما دام أنه بادر إلى الانتقال عقب علمه مباشرة على إثر ضبط الشخصين اللذين أحضرهما المخبر إليه يحملان آثار الجريمة بادية وشاهد تلك الآثار بنفسه ما دام أن ضبط هذين الشخصين في الظروف التي أوردها الحكم قد تم سليماً لما نمت عليه المظاهر الخارجية المنبئة عن ارتكاب جنحة ذبح اللحوم خارج السلخانة والوضع المريب الذي وضع الشخصان المذكوران نفسهما فيه مما يستلزم تدخل من استوفهما للكشف عن حقيقة أمرهما وهو ما لا يعدو أن يكون تعرضاً مادياً وليس قبضاً بمعناه القانوني، ومن ثم يكون التفتيش الذي تم بالشونة قد أجري وفقاً للقانون. لما كان ذلك، وكان لا جدوى للطاعن من النعي على الحكم إقراره القبض الذي وقع في حق من ضبطهما المخبر باللحوم المذبوحة لأنه على فرض أن هذا القبض وقع باطلاً فلا يمكن أن يستفيد من بطلانه إلا صاحب الشأن فيه ممن وقع القبض عليه باطلاً - وهو غير الطاعن ومن ثم فلا شأن له في طلب بطلان هذا الإجراء. ولما كان ما ينعاه الطاعن على الختم المطعون فيه من قالة الخطأ في الإسناد وفي خصوص بيان وقت حضوره إلى الشونة وغيابه وقت التفتيش مردوداً بأن خطأ الحكم في هذا البيان على فرض حصوله لا يعيبه طالما أنه لم يكن لهذه الواقعة أثر في منطق الحكم من حيث إدانة الطاعن وإقرار التفتيش الذي تم في حقه. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد اطمأن إلى أدلة الدعوى التي كون منها عقيدته ورتب عليها النتيجة السائغة التي انتهى إليها والتي تتوافر بها كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دين بهما الطاعن، وكان الدفع بأن التهمة ملفقة على المتهم هو من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب من المحكمة رداً صريحاً، ويكفي للرد عليه أن تكون المحكمة قد بينت أدلة الثبوت التي عولت عليها في الحكم بالإدانة، ومع ذلك فقد تصدى الحكم لهذا الدفاع ورد عليه رداً سليماً، وكان ما ينعاه الطاعن على الحكم من التفاته عن إجابة طلب معاينة الشونة من الخارج مردوداً بأنه يبين من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن الطاعن فوض الأمر للمحكمة في خصوص هذا الطلب مما لا تلتزم معه بإجابته، ذلك أن الطلب الذي يتعين على المحكمة إجابته أو الرد عليه عند رفضه هو الطلب الجازم الذي يقرع سمعها ويشتمل على بيان ما يرمي إليه مقدمه، ومع ذلك فقد تصدى الحكم للرد على هذا الطلب بما يفنده. ولما كان ما أسنده الحكم إلى الشاهد كامل جيد تاوضروس يطابق ما شهد به بجلسة المحاكمة فلا محل للنعي على الحكم في هذا الشأن، ولما كان سائر ما يثيره الطاعن في طعنه لا يعدو الجدل في موضوع الدعوى وسلطة محكمة الموضوع في تقدير عناصرها مما لا يقبل طرحه أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه لا يكون له محل.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.