أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 11 - صـ 706

جلسة 24 من أكتوبر سنة 1960

برياسة السيد محمود إبراهيم إسماعيل نائب رئيس المحكمة وبحضور السادة: عادل يونس، وعبد الحسيب عدي، ومحمود إسماعيل، وحسن خالد المستشارين.

(134)
الطعن رقم 1217 لسنة 30 القضائية

(أ - ج) رشوة. إجرام المرتشي.
أغراض الرشوة: من بينها استغلال الوظيفة.
الاختصاص المزعوم: ماهيته. مطلق القول دون اشتراط اقترانه بوسائل احتيال.
بيانات التسبيب: تراخي المتهم في اتخاذ الإجراءات بشأن الطلب الذي قدمه المبلغ لا يتعارض مع ما انتهى إليه الحكم من أن المتهم طلب لنفسه مبلغاً من النقود ثم قبل مبلغاً من المجني عليه على سبيل الرشوة.
(د) تحقيق.
الاختصاص المكاني بإجرائه: بدء إجراءات التحقيق بدائرة الاختصاص المكاني تقتضي متابعة التحقيق وتعقب المتهم فيما يجاوز هذه الدائرة بناء على ظروف التحقيق ومقتضياته.
(هـ) استدلال. تلبس. رشوة.
ماهية التلبس بجريمة الرشوة: التفرقة بين انعقاد الرشوة بحصول اتفاق الطرفين عليها وبين التدليل على قيام هذا الاتفاق وتنفيذ مقتضاه بتسلم مبلغ الرشوة. توافر التلبس بمشاهدة مأمور الضبط القضائي واقعة تسلم المبلغ.
(و) حكم. بيانات التسبيب.
بيان تاريخ الواقعة: الخطأ فيه لا يعيب الحكم ما دام لا يتصل بحكم القانون في الواقعة ولم يدع المتهم بانقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة.
1 - استحدث الشارع نص المادة 103 مكرراً مستهدفاً به الضرب على أيدي العابثين عن طريق التوسع في مدلول الرشوة وشمولها من يستغل من الموظفين العموميين، والذين ألحقهم الشارع بهم في هذا الباب - وظيفته للحصول من ورائها على فائدة محرمة ولو كان ذلك على أساس الاختصاص المزعوم.
2 - الزعم بأن العمل الذي يطلب الجعل لأدائه يدخل في أعمال وظيفة المتهم هو مطلق القول دون اشتراط اقترانه بعناصر أخرى أو وسائل احتيالية - وكل ما يطلب في هذا الصدد هو صدور هذا الزعم فعلاً من الموظف دون أن يكون لذلك تأثير في اعتقاد المجني عليه بهذا الاختصاص - فإذا كان الحكم قد دلل تدليلاً سائغاً على صدور هذا الزعم من المتهم فلا معقب عليه فيه.
3 - ما استخلصه الحكم من تراخي المتهم - بوصفه رئيساً لقلم عمال اليومية والخدمة السايرة بمصلحة الطيران المدني - التي يعمل بها المبلغ في اتخاذ الإجراءات في الطلب الذي قدمه المبلغ المذكور لامتحانه وترقيته لا تعارض فيه مع ما انتهى إليه بعد ذلك من أن المتهم طلب لنفسه مبلغاً من النقود ثم قبل من المبلغ ثلاثة جنيهات على سبيل الرشوة لأداء عمل زعم أنه من أعمال وظيفته هو تسهيل الإجراءات لامتحانه وترقيته لوظيفة رئيس عمال الحدائق ومساعدته في الترقية إليها دون من يتقدمه في نتيجة الامتحان، ذلك أن الواضح من مدونات الحكم أن الإجراءات التي أشار إليها المتصلة بتقديم الطلب قد تمت قبل طلب الرشوة وقبول المتهم مبلغها - وهي إجراءات لا شأن لها بما زعمه المتهم للمبلغ.
4 - من المقرر في صحيح القانون أنه متى بدأ وكيل النيابة المختص في إجراءات التحقيق بدائرة اختصاصه ثم استوجبت ظروف التحقيق ومقتضياته متابعة الإجراءات وامتدادها إلى خارج تلك الدائرة فإن هذه الإجراءات التي بدأت على يد سلطة مختصة بمكان وقوع الجريمة تجيز للمحقق أن يتعقب المتهم وأن يتابع التحقيق في أي مكان آخر غير الذي بدأ فيه - ولو تجاوز دائرة الاختصاص المكاني.
5 - ما أثبته الحكم في صدد توافر حالة التلبس إنما عنى به ضبط المتهم على إثر تسلمه مبلغ الرشوة المتفق عليه من قبل، ذلك بأن جريمة الرشوة قد انعقدت قانوناً بذلك الاتفاق الذي تم بين الراشي والمرتشي ولم يبق إلا إقامة الدليل على قيام هذا الاتفاق وتنفيذ مقتضاه بتسلم الرشوة.
6 - خطأ الحكم في خصوص تاريخ الواقعة لا يعيبه ما دام أن هذا التاريخ لا يتصل بحكم القانون في الواقعة ولم يدع المتهم أن الدعوى الجنائية قد انقضت بمضي المدة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن لأنه بصفته موظفاً عمومياً (رئيس قلم اليومية والخدمة السايرة بمصلحة الطيران المدني) طلب لنفسه وأخذ مبلغاً من النقود على سبيل الرشوة لأداء عمل زعم أنه من أعمال وظيفته بأن أخذ من آخر مبلغ ثلاث جنيهات ليسهل له إجراءات الامتحان لوظيفة رئيس عمال جناينية - ويساعده في التعيين في هذه الوظيفة دون من يتقدم عليه في نتيجة الامتحان. وأمر السيد رئيس نيابة أمن الدولة بإحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمواد 103 و103 مكرر و111 من قانون العقوبات المعدل بالقانون رقم 69 لسنة 1953، ومحكمة الجنايات قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبتغريمه ألف جنيه، فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

... حيث إن مبنى أوجه الطعن هو أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تحصيل واقعة الدعوى وفي تصويرها وشابه خطأ في الإسناد وقصور في البيان، كما انطوى على خطأ في تطبيق القانون حين دان الطاعن بجريمة الرشوة، وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن مواطن ما يشوب الحكم تبدو فيما قطع به وهو في معرض تحصيله للوقائع من أن الطاعن كان مختصاً باتخاذ الإجراءات في شأن الطلب المقدم من المبلغ - وهو عامل بحدائق مطار القاهرة الدولي - لامتحانه وترقيته إلى وظيفة رئيس لعمال الحدائق المذكورة رماه الحكم بالتراخي في اتخاذها ثم انتهى إلى أنه قبل الرشوة لأداء عمل زعم أنه من أعمال وظيفته هو تسهيل الإجراءات مما مفاده أن الطاعن لم يكن مختصاً أصلاً بموضوع الرشوة. وهذا الذي أورده الحكم ينقضه الثابت بالأوراق التي يبين منها أن مراقب الأقسام الهندسية بالإدارة العامة هو المختص باتخاذ أول إجراء على الأقل في طلب الترقية، وأن واقعة الاتفاق مع الطاعن على الرشوة - على فرض صحتها - كانت سابقة على اتخاذ الإجراء الذي أمر به المراقب المذكور وهو امتحان جميع العمال المتخلفين، ومؤدى ذلك أنه فضلاً عن أن الحكم قد قصر في استظهار أركان الجريمة في حالة الاختصاص المزعوم للموظف التي تتطلب لتوافرها أن يقوم الموظف بنشاط إيجابي لإيهام صاحب الشأن وخداعه بأنه مختص بما يطلب منه أداءه - وهو ما لم يدلل عليه الحكم في حق الطاعن - فإن مجرد اعتقاد المحكمة خطأ بأن الطاعن كان مختصاً بالعمل وإدانتها له بعد ذلك على أساس الزعم بالاختصاص، يدل على أنها كانت متأثرة في حكمها بعقيدة خاطئة من حيث اختصاص الطاعن بالعمل - كما أن ما أثبته الحكم من أن الطاعن طلب مقابلة الشاهد المبلغ في الخارج بعد تراخيه في إجراءات الطلب المقدم من هذا الأخير إليه وزعمه له بأن طلبه لن يجاب ما لم يدفع إليه رشوة قدرها عشرة جنيهات، ما أثبته الحكم من ذلك يخالف بدوره المثبت بالأوراق التي يبين منها أن دعوى المقابلة في الخارج لا أصل لها وينم على اتجاه المحكمة في تصديق رواية المبلغ وإطراحها دفاع الطاعن الموضوعي القائم على تلفيق التهمة ضده بسبب حنق المجني عليه لكثرة نهره إياه وطرده من مكتبه كلما ألح عليه، وجاء رد الحكم على ذلك مشوباًً بالفساد في الاستدلال إذ أسسه على أن المجني عليه شكا إلى رؤساء الطاعن تصرفه معه ولما طالبه بالرشوة أبلغهم المجني عليه، فقاده أحدهم إلى الشرطة مبلغاً بالجريمة، واستطرد الحكم إلى القول بأن الطاعن لم يذكر شيئاً عن تلفيق التهمة فور ضبطه بل أخذ يستعطف الضابط كي يعفو عنه. وما أورده الحكم من ذلك مردود في شقه الأول بأن واقعة طلب الرشوة المزعومة حدثت في تاريخ سابق على واقعة إبلاغ رؤساء الطاعن والشرطة بنحو شهر أو خمسة وعشرين يوماً، وأن إبلاغ المجني عليه رؤساءه بتلك الواقعة القديمة كان على إثر طرد الطاعن إياه مرة أخيرة في يوم الإبلاغ ذاته، ومردود في شقه الثاني بأنه لا جدوى للطاعن من الدفع أمام الضابط بتلفيق الاتهام في مثل الظروف التي تم فيها الضبط وأن محل هذا الدفع هو التحقيق الذي تجريه النيابة العامة وهو ما حدث بالفعل، أما استعطاف الطاعن للضابط فعلى فرض حدوثه فإنه رد فعل طبيعي للمباغتة والمفاجأة. كما انتهى الحكم إلى تعديل وصف التهمة بأن أثبت أن واقعة طلب الرشوة تمت في دائرة قسم الأزبكية دون أن يكون لهذا التعديل مأخذ من الأوراق فقد قرر المجني عليه أن الحديث عن الرشوة تم في الطريق ولم يكشف التحقيق عن تحديد مكانه. هذا وقد اعتمد الحكم في تكوين اقتناعه بإدانة الطاعن على واقعة ضبطه بمعرفة الضابط ممسكاً بمبلغ الثلاثة الجنيهات التي دسها المجني عليه في يده وأسس هذه العقيدة على قيام حالة تلبس بقبول الرشوة وهو تقرير قانوني خاطئ جر المحكمة إلى خطأ آخر هو إغفالها استظهار عناصر جريمة الرشوة، ذلك أن التلبس الحقيقي كما عرفته المادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية يعني أن تكون الجريمة في حالة تنبئ بذاتها عن وقوعها مكتملة الأركان بحيث يلمسها ويحسها كل من توجده الصدفة وقت ارتكابها أو عقب ارتكابها ببرهة يسيرة ولو كان عابر سبيل مما حدا بالشارع إلى الترخيص لكل من شاهد الجاني متلبساً بجناية أو جنحة أن يسلمه إلى أقرب رجال السلطة العامة دون احتياج إلى أمر بضبطه - والحكم إذ اعتبر الجريمة متلبساً بها لمجرد ضبط الجنيهات الثلاثة بيد الطاعن قد أخطأ في تأويل القانون ذلك أن التلبس في جريمة الرشوة لا يكون بمجرد ضبط الشخص وهو يتسلم مبلغاً من المال وإنما يكون عندما يحس من ضبطه - ولو كان من آحاد الناس - بكل عناصر وظروف جريمة الرشوة تحيط بهذا الفعل المادي في لحظة ضبطه - وواقع الحال أن رجل الشرطة لم يشاهد الصورة التي تم بها وضع المبلغ في يد الطاعن ولم يسمع الحديث الذي دار بينه وبين الشاهد حتى يتبين ظروف تسليم هذا المبلغ والغاية منه. وقد جر هذا الفهم الخاطئ لحالة التلبس بالجريمة إلى إغفال الحكم استظهار عناصر تلك الجريمة ولم يوضح كيف استشف قبول الطاعن مبلغ الرشوة في مثل الظروف التي بوغت فيها وقت الضبط، ولم يبين حقيقة الغرض من تسلم ذلك المبلغ على فرض التسليم بأنه قبله - وهو بذلك قد أغفل بيان واقعة الدعوى. كما أن الحاضر عن الطاعن دفع ببطلان القبض عليه وتفتيشه لصدور الإذن بذلك من وكيل نيابة الأزبكية وهو غير مختص نظراً إلى وقوع القبض والتفتيش في دائرة قسم روج الفرج، ولأن الضابط الذي قام بهذين الإجراءين هو ضابط مباحث قسم الأزبكية وليست له صفة مأمور الضبط القضائي في دائرة قسم روض الفرج، ولأن الطاعن لم يكن في حالة تلبس حتى يسوغ القبض عليه وتفتيشه، وجاء رد الحكم على ذلك غير سديد - إذ رد على الشق الأول من الدفع بأن الإذن بني على التحقيق الذي أجراه ضابط المباحث عن طلب الرشوة الذي تم في دائرة قسم الأزبكية - وقد سبق بيان خطأ الحكم في تحديد تاريخ واقعة طلب الرشوة ومكانها، وسلم الحكم في رده على الشق الثاني من الدفع بتجاوز الضابط اختصاصه المكاني ولكنه أقره وبرره بحالة الضرورة وضيق الوقت بقوله إن ذلك لم يسمح للضابط بتصحيح الوضع وهو قول يجافي القانون. وأخيراً اعتبر الحكم الجريمة في حالة تلبس على خلاف القانون ورتب على ذلك حق الضابط باعتباره فرداً عادياً في أن يقبض على الطاعن ويسلمه لرجال السلطة العامة طبقاً للمادة 37 من قانون الإجراءات الجنائية - وهو ما يخالف التأويل الصحيح لهذه المادة التي إن سمحت للفرد العادي في حالة التلبس أن يسلم الجاني إلى رجال السلطة العامة، فإنها لا تسمح له بتفتيشه وقد ثبت أن الضابط فتش الطاعن، مما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله: "إن سليم عفيفي جمعه وهو من عمال حدائق مطار القاهرة الدولي تقدم بطلب إلى مصلحة الطيران المدني لامتحانه وترقيته إلى وظيفة رئيس لعمال الحدائق، ولكن المتهم فهمي عبد الملك سليمان "الطاعن" رئيس قلم عمال اليومية والخدمة السايرة بالمصلحة المذكورة تراخى في اتخاذ الإجراءات في هذا الطلب وكلما تعجله ينهره وفي يوم 29 من ديسمبر سنة 1957 طلب مقابلته في الخارج وزعم له أن طلبه لن يجاب ما لم يدفع إليه رشوة قدرها عشرة جنيهات فأبلغ بذلك رؤساءه وذهب به أحدهم إلى البوليس واتفق على أن يقدم سليم عفيفي إلى المتهم ثلاثة جنيهات أثبتت أرقامها في محضر عرض على وكيل نيابة الأزبكية فأثبت أرقام الجنيهات الثلاثة في محضر أنهاه بالإذن بضبط المتهم ثم اتفق ضابط مباحث الأزبكية مع سليم عفيفي أنه سينتظره في الطريق ويتبعه حتى إذا تسلم المتهم المبلغ أشار له برفع يده إلى رأسه - وفي يوم الحادث أول يناير سنة 1958 اتخذ الضابط موقفه للمراقبة بعد أن سلم الورقات الثلاثة إلى سليم حتى إذا ما انصرف المتهم من عمله في الساعة الثانية وخرج مع زميلين له تبعهم سليم عفيفي وأخوه حسان عفيفي حتى افترق عنه زميلاه فتقدم إليه وبعد حديث سلمه الجنيهات ورفع يده إلى رأسه بالإشارة المتفق عليها - وكان ضابط المباحث أحمد عبد العظيم وزميله أحمد شلبي يقفان في الجانب المقابل من الطريق وشاهد أولهما واقعة تسلم المتهم للجنيهات الثلاثة فقبض على يده ووجدها بها وقد أنكر المتهم أنه طلب رشوة واعترف بأن الجنيهات الثلاثة ضبطت في يده وقال إن سليم عفيفي دسها في يده". وأورد الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة أدلة مستمدة من أقوال الشهود في التحقيق وأمام المحكمة ومن اعتراف الطاعن بضبط المبلغ في يده - وهي أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها وتتوافر بها كافة العناصر القانونية لجريمة الرشوة التي دان الطاعن بها. وعرض الحكم إلى دفاع الطاعن الموضوعي فأطرحه لما ساقه من أسانيد سائغة، ثم تناول الدفع ببطلان القبض والتفتيش والإذن الصادر بهما فرد عليه بقوله: "وحيث إنه عن الدفع ببطلان إذن القبض والتفتيش الصادر من وكيل نيابة الأزبكية فمردود بأنه بني على التحقيق الذي أجراه ضابط المباحث في بلاغ عن طلب الرشوة وقد تم الطلب في دائرة قسم الأزبكية في يوم 29 ديسمبر سنة 1957 وصدر إذن وكيل النيابة بالقبض على المتهم وتفتيشه وهو من إجراءات التحقيق التي يملكها وندب لتنفيذه ضابط المباحث وهو إجراء يملكه كذلك، ومن ثم فالإذن الصادر من وكيل نيابة الأزبكية بضبط المتهم وتفتيشه قد صدر ممن يملكه عن جريمة وقعت في اختصاصه وحيث إنه عن الدفع ببطلان القبض والتفتيش الذي وقع من الضابطين على المتهم بعد أن تجاوزا دائرة اختصاصهما وهي دائرة قسم الأزبكية فمردود أيضاً بأن الإذن الذي صدر بهما وندب الضابط لتنفيذه قد صدر من وكيل النيابة في حدود اختصاصه - أما أن الضابط نفذ الأمر خارج دائرة هذا الاختصاص المكاني فكان بحكم الضرورة والاضطرار ولم تكن لديه أمام ضيق الوقت وسيلة أخرى ليصحح الوضع غير تعقبه المتهم وضبطه وبذلك يكون الإجراء صحيحاً في القانون وحيث إنه فضلاً عما سلف فقد ثبت من شهادة الضابط أنه وهو في مكانه لدى بائع السجاير قد شاهد المتهم يتناول النقود من سليم عفيفي أي أنه شاهد الجريمة وهي في حالة تلبس فيحق له باعتباره فرداً من الناس أن يقبض على المتهم ويسلمه لرجال السلطة العامة طبقاً للمادة 37 من قانون الإجراءات الجنائية" وخلص الحكم من ذلك إلى صحة إجراءات الضبط والتفتيش ورفض الدفع ببطلانها. لما كان ذلك، وكان ما استخلصه الحكم من تراخي الطاعن - بوصفه رئيساً لقلم عمال اليومية والخدمة السايرة بمصلحة الطيران المدني التي يعمل بها المبلغ - في اتخاذ الإجراءات في الطلب الذي قدمه المبلغ المذكور لامتحانه وترقيته لا تعارض فيه مع ما انتهى إليه بعد ذلك من أن الطاعن طلب لنفسه مبلغاً من النقود ثم قبل ثلاثة جنيهات على سبيل الرشوة من المبلغ لأداء عمل زعم أنه من أعمال وظيفته - هو تسهيل الإجراءات لامتحانه وترقيته لوظيفة رئيس عمال الحدائق ومساعدته في الترقية إليها دون من يتقدمه في نتيجة الامتحان، ذلك أن الواضح من مدونات الحكم أن الإجراءات التي أشار إليها المتصلة بتقديم الطلب قد تمت قبل الرشوة وقبول الطاعن مبلغها - وهي إجراءات لا شأن لها بما زعمه الطاعن للمبلغ طبقاً لما أثبته عليه الحكم بما له مأخذه من الأوراق بما في ذلك مقابلة المبلغ للطاعن في الخارج التي رواها المبلغ المذكور بمحضر جلسة المحاكمة، ولا يعيب الحكم أن يكون قد أخطأ وهو في معرض سرد واقعة الدعوى حين أشار إلى أن الطاعن طلب مقابلة المبلغ في الخارج طالما أن هذا الخطأ بفرض وقوعه لا أثر له في منطق الحكم أو في النتيجة التي خلص إليها. ولما كان التعديل المدخل بالمرسوم بقانون رقم 69 لسنة 1953 على الباب الثالث من الكتاب الثاني من قانون العقوبات قد أحدث تغييراً في طبيعة شرط الاختصاص بالوظيفة في جريمة الرشوة، فقد استحدث نص المادة 103 مكرراً الذي يجري على أنه يعتبر مرتشياً ويعاقب بنفس العقوبة المنصوص عليها في المادة السابقة (103) كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره أو أخذ وعداً أو عطية لأداء عمل يزعم أنه من أعمال وظيفته أو للامتناع عنه مستهدفاً بذلك الضرب على أيدي العابثين عن طريق التوسع في مدلول الرشوة وشمولها من يستغل من الموظفين العموميين والذين ألحقهم الشارع بهم في هذا الباب - وظيفته للحصول من ورائها على فائدة محرمة ولو كان ذلك على أساس الاختصاص المزعوم، ويكفي لمساءلة الجاني على هذا الأساس أن يزعم أن العمل الذي يطلب الجعل لأدائه يدخل في أعمال وظيفته والزعم هنا هو مطلق القول دون اشتراط اقترانه بعناصر أخرى أو وسائل احتيالية - وكل ما يطلب في هذا الصدد هو صدور هذا الزعم فعلاً من الموظف دون أن يكون لذلك تأثير في اعتقاد المجني عليه بهذا الاختصاص المزعوم. لما كان ذلك، وكان الحكم قد دلل تدليلاً سائغاً على صدور هذا الزعم من الطاعن فلا يعقب عليه فيه. ولما كان تحديد الحكم مكان طلب الرشوة بدائرة قسم الأزبكية له مأخذه من أقوال المبلغ سليم عفيفي جمعه والضابط أحمد عبد العظيم وبالتالي يكون الإذن الصادر من وكيل نيابة الأزبكية بالقبض على الطاعن وتفتيشه قد صدر ممن يملكه وينتج أثره القانوني، وكان من المقرر في صحيح القانون أنه متى بدأ وكيل النيابة المختص في إجراءات التحقيق بدائرة اختصاصه المكاني، ثم استوجبت ظروف التحقيق ومقتضياته متابعة الإجراءات وامتدادها إلى خارج تلك الدائرة فإن هذه الإجراءات التي بدأت على يد سلطة مختصة بمكان وقوع الجريمة تجيز للمحقق أن يتعقب المتهم وأن يتابع التحقيق في أي مكان آخر غير الذي بدأه فيه ولو تجاوز دائرة الاختصاص المكاني، ومن ثم تكون هذه الإجراءات كلها صحيحة ولما كان ما أثبته الحكم في صدر توافر حالة التلبس إنما عنى به ضبط المتهم على إثر تسلمه مبلغ الرشوة المتفق عليه من قبل، ذلك بأن جريمة الرشوة قد انعقدت قانوناً بذلك الاتفاق الذي تم بين الراشي والمرتشي ولم يبق إلا إقامة الدليل على قيام هذا الاتفاق وتنفيذ مقتضاه بتسلم مبلغ الرشوة، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان ما أثبته الحكم من صحة إجراءات القبض والتفتيش تكفي بذاتها لحمل الحكم فيما انتهى إليه من نتيجة سليمة قانوناً، وكان ما يجادل فيه الطاعن في خصوص تاريخ الواقعة مردود بأنه بفرض خطأ الحكم فيه، فإنه لا يعيبه ما دام لا يتصل هذا التاريخ بحكم القانون في الواقعة ولم يدع الطاعن أن الدعوى الجنائية قد انقضت بمضي المدة. لما كان ما تقدم كله، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه لا يكون له محل.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.