أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 11 - صـ 715

جلسة 24 من أكتوبر سنة 1960

برياسة السيد محمود إبراهيم إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة: عادل يونس، وعبد الحسيب عدي، ومحمود إسماعيل، وحسن خالد المستشارين.

(135)
الطعن رقم 1219 لسنة 30 القضائية

(أ - ب) استدلال. تنفيذ الأحكام.
قبض: الاختصاص الإقليمي لمأموري الضبط القضائي. محل التقيد بقواعده. عند القبض على مرتكبي الجريمة. البحث عن متهم هارب من تنفيذ حكم يقتضي تعقبه لتنفيذ العقوبة عليه.
تلبس: تولده عن أمر مشروع: ما لا يعد تفتيشاً. استيقاف سيارة وفتح بابها بحثاً عن محكوم عليه فار من وجه العدالة.
(ج) دفاع.
طلب التحقيق. شرط إجابته أو الرد عليه: إثارته أمام الهيئة التي سمعت المرافعة وحكمت في الدعوى. إبداء الطلب أمام هيئة أخرى لا يغني.
(د) نقض. مواد مخدرة. قانون.
سلطة محكمة النقض في تطبيق المادة 34 من القانون رقم 182 لسنة 1960 باعتباره القانون الأصلح إذا كانت الواقعة وظروف ضبط المواد المخدرة على النحو الثابت بالحكم ترشح إلى أن المتهم كان يحوز تلك المواد بقصد الاتجار.
1 - ما يثيره المتهم من تجاوز المخبر حدود اختصاصه الإقليمي مردود بأن الحال لا يمت بصلة إلى إجراء القبض على مرتكبي الجريمة - وهو إجراء من إجراءات التحقيق - وإنما بالبحث عن متهم هارب من التنفيذ يستلزم القانون تعقبه لتنفيذ العقوبة المحكوم بها عليه.
2 - فتح مخبر باب مقعد القيادة بحثاً عن محكوم عليه فار من وجه العدالة أمر داخل في نطاق تنفيذ المهمة التي كلف بها والتي تبيح له استيقاف السيارة - ولا يعد فعله تفتيشاً.
3 - إذا كان الثابت أن المتهم لم يتمسك أمام الهيئة التي سمعت المرافعة بطلب كان قد تمسك به أمام هيئة أخرى فإنه لا يكون له أن يطالب بالرد على طلب لم يبده أمام الهيئة التي حكمت في الدعوى.
4 - [(1)] إذا كانت الواقعة وظروف ضبط المواد المخدرة مع المتهم على النحو الثابت بالحكم ترشح إلى أن المتهم كان يحرز تلك المواد بقصد الاتجار، فإن لمحكمة النقض عملاً بالرخصة المخولة لها بنص المادة 35 من القانون رقم 57 لسنة 1959 أن تنقض الحكم لمصلحة المتهم من تلقاء نفسها، ولما كان القانون رقم 182 لسنة 1960 الصادر في يونيه سنة 1960 وهو القانون الأصلح للمتهم بما جاء في نصوصه من عقوبات أخف - وهو الواجب التطبيق عملاً بالمادة الخامسة من قانون العقوبات، فإنه يتعين نقض الحكم وتطبيق المادة 34 من القانون الجديد في خصوص العقوبة المقيدة للحرية المقضي بها على المتهم.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه حاز وأحرز حشيشاً وأفيوناً في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. وطلبت من غرفة الاتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمواد 1 و2 و33 ج وأخيرة و35 من المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 1952 والجدول 1 الملحق به. فقررت الغرفة ذلك. ومحكمة الجنايات قضت حضورياً - عملاً بمواد الاتهام - بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة وبتغريمه 3000 جنيه وبمصادرة المواد المضبوطة. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ


المحكمة

..... حيث إن الوجه الأول يتلخص في أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون حيث دفع الحاضر عن الطاعن أمام محكمة الموضوع ببطلان القبض والتفتيش على أساس أن من تولاه مخبر مكتب مخدرات القاهرة وأن القبض والتفتيش وقع في حدود مديرية الشرقية ولم تكن هناك حالة تلبس، وقد رفضت محكمة الموضوع هذا الدفع استناداً إلى أن المخبر كان مكلفاً بالبحث عن متهم هارب ومن حقه أن يتجاوز حدود اختصاصه الإقليمي وأن يستوقف العربات والأشخاص في الطريق لإجراء هذا البحث فإذا كان قد فتح باب سيارة الطاعن فشم رائحة الحشيش فتكون حالة التلبس قائمة وتبيح للمخبر اقتياد الطاعن لأقرب مأمور من مأموري الضبط القضائي. ويقول الطاعن تعقيباً على ما ذكرته المحكمة في هذا الشأن إن واقعة هروب المتهم لا سند لها من أوراق الدعوى إلا ما ادعاه المخبر وأنه طلب من محكمة الموضوع ضم أوراق التنفيذ في جناية المتهم الهارب فلم تجبه المحكمة إلى ما طلبه ولم ترد عليه، ويضيف الطاعن بأنه على فرض أن المخبر كان مأذوناً بالقبض فليس له أن يتجاوز اختصاصه الإقليمي، وإذا جاز له أن يتدخل للقبض على شخص معين فليس له أن يقتحم المساكن ولا أن يفتش العربات والأمتعة الخاصة إلا أن يكون من رجال الضبطية القضائية أو أن يكون مأذوناً بذلك من سلطات التحقيق، كما يقول الطاعن إن رائحة المخدر لم يشتمها المخبر إلا بعد أن استوقف العربة وفتح بابها فالجريمة لم تكن مشهودة والعربة سائرة أو واقفة، كما يقول الطاعن إن الحكم المطعون فيه قال بأن المخبر فتح باب العربة فشم الرائحة في حين أن الحكم أثبت أن عسكري المرور لم يشتم رائحة إلا بعد أن عبث المخبر بمحتويات السلة ورفع منها الجوافة التي كانت موضوعة فوق المخدر ولم يبين الحكم علة ترجيحه لأقوال المخبر دون عسكري المرور والسائق - وبلوكامين المرور بصدد واقعة الشم مما يشير إلى أن المخبر عمد إلى السلة وفتشها حتى عثر على المخدر فيها ولم تكن الجريمة قبل ذلك مشهودة، ويقول الطاعن في الوجه الثاني إن الحكم مشوب بخطأ الإسناد وقصور في التسبيب، ذلك أن الحكم اعتمد على أقوال المخبر والخفير والسائق وتابع صاحب البضاعة المحملة في السيارة ولم تسمع المحكمة سوى أقوال المخبر مع تمسك الدفاع بضرورة سماع جميع شهود الإثبات، إلا أن المحكمة لم تستجب إلى هذا الطلب بمقولة أن النيابة لم تستطع الاستدلال عليهم - مع أن إعلانات الشهود لا تشير إلى استحالة الاستدلال عليهم، ومتى كان سماع الشاهد ممكناً فإن اكتفاء الدفاع والنيابة بقوله في التحقيقات لا يغني عن سماعه ويؤدي إلى بطلان الإجراءات. ويقول الطاعن إن الحكم استبعد أقوال البلوكامين عبد القادر والعسكري عطيوه مع أنها تؤدي إلى نفي اعتراف المتهم للمخبر أو شم رائحة المخدر، وأن الحكم ذكر بأن موضع البلوكامين الذي صاحب العربة من مكان الضبط إلى مكتب المخدرات والذي كان يركب بجوار المخبر والسلة قد يكون مانعاً من سماعه لأقوال المتهم في الوقت الذي حدد الحكم للشاهد مكاناً يجعله ملاصقاً للمتهم والمخبر مما يتيسر معه سماع ما يدور من الحديث، كذلك فإن الحكم اتخذ من مكان وجود السلة دليلاً على حيازة الطاعن لها بما فيها وقد جاء الحكم متهاتراً في ذلك مع ما سجله من أن الطاعن كان يقف مع الشيال وكانت السلة في العربة وقت أن جاء السائق وركب الطاعن السيارة بجوار السائق، كما يقول الطاعن بأن الحكم شابه فساد في التدليل حين نفى حيازة الشيال لأنه يركب في الجزء الخلفي مع أن وجود الشيال في العربة لا يحول دون اتصاله بأي جزء منها، وحين نفى حيازة السائق لعدم وجود السلة أمامه. ومحصل الوجه الثالث من أوجه الطعن أن الحكم شابه خطأ في الإسناد حين أثبت أن المخبر اشتم رائحة الحشيش بمجرد فتح باب السيارة لأن أقوال المخبر في النيابة وفي الجلسة لا تؤدي هذا المعنى كما نسب الحكم لباقي الشهود أقوالاً لم تصدر منهم في التحقيقات.
وحيث إنه فيما يتعلق بما يثيره الطاعن عن واقعة المتهم الهارب - هذا الوجه مردود بما أورده الحكم في قوله "إن أقوال المخبر من أنه كان مع القوة التي يرأسها اليوزباشي سعيد محمد سيد معاون إدارة مكافحة المخدرات لضبط شخص يدعى حسن علامش وأن اليوزباشي وزع القوة على مداخل مدينة القاهرة وكان موقف المخبر عند نقطة المنير مركز بلبيس وأن هذه الواقعة تأيدت بما سجله المعاون سعيد محمد سيد في محضره من أنه كلف المخبر بترقب حضور المدعو جاد حسن علامش المتهم الهارب". وذكرت المحكمة إنها لا ترى محلاً للتشكك في أقوال المخبر ولا فيما أثبته المعاون. ولما كان تصرف المخبر يدخل في نطاق المهمة التي كلف بها والتي تبيح له استيقاف السيارة بحثاً عن المحكوم عليه الفار من وجه العدالة، فيما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون غير مقبول، كما أن الثابت من مراجعة محضر الجلسة أن الدفاع عن المتهم طلب ضم أوراق التنفيذ الخاصة بالمتهم الهارب بجلسة 23 نوفمبر سنة 1957 فقط ثم تأجلت الدعوى مراراً بعد ذلك ولم يتمسك المتهم بهذا الطلب ثم نظرت القضية أخيراً بجلسة 8 فبراير سنة 1959 وهي الجلسة التي صدر فيها الحكم وكانت المحكمة مشكلة بهيئة أخرى غير الهيئة التي أبدي الطلب أمامها ولم يتمسك المتهم بالطلب، فإذا كان الظاهر من مراجعة محضر الجلسة أن المتهم لم يتمسك أمام الهيئة التي سمعت المرافعة بدفاعه بل كان تمسكه بذلك أمام هيئة أخرى غير التي حكمت في الدعوى فإنه وقد تغيرت الهيئة كان من الواجب عليه إذا أراد الاستمرار في التمسك بدفاعه أن يثيره أمام الهيئة الجديدة. وإذ هو لم يفعل فلا يكون له أن يطالب بالرد على دفاع لم يبد أمامها، وفيما يتعلق بما يثيره الطاعن من أن المخبر على فرض أنه كان مأذوناً بالقبض فليس له أن يتجاوز اختصاصه الإقليمي، فإنه مردود بأن الحال لا يمت بصلة إلى إجراء القبض على مرتكبي الجريمة - وهو إجراء من إجراءات التحقيق، وإنما بالبحث عن متهم هارب من التنفيذ يستلزم القانون تعقبه لتنفيذ العقوبة المحكوم بها عليه، وقد سلفت الإشارة إلى ذلك فيما تقدم من أسباب هذا الحكم، وفيما يتعلق كذلك بما يثيره الطاعن في صدد ما أجراه المخبر من فتح باب مقعد السيارة للبحث عن الشخص الهارب فإنه داخل في نطاق تنفيذ المهمة التي كلف المخبر بها ولا يعد تفتيشاً كما يدعي الطاعن، وفيما يتعلق بما يثيره الطاعن من أن الحكم لم يبين علة ترجيحه لأقوال المخبر دون عسكري المرور والسائق بصدد واقعة الشم، فهذا مردود بما ذكره الحكم في هذا الصدد "إن جسامة كمية المواد المخدرة تقطع بصحة ما شهد به المخبر من أنه شم رائحتها ولا يقدح في ذلك ما قرره قائد السيارة وباقي الشهود من أنهم لم يشتموا هذه الرائحة فإنه من المحتمل جداً أن يكون مرجع هذه الأقوال إلى رغبة هؤلاء الشهود في نفي كل شبهة ضدهم بسبب تركهم للمتهم في السيارة وهو يحرز المواد المخدرة، كما أنه من المحتمل أن يكونوا غير عليمين برائحة هذه المواد على خلاف المخبر الذي تمكنه خبرته من شم هذه الرائحة" وهذا الرد كاف في تفنيد دفاع الطاعن.
وحيث إنه فيما يتعلق بما يثيره الطاعن من أن المحكمة لم تسمع سوى أقوال المخبر دون باقي الشهود، فإن الثابت من مراجعة محضر الجلسة أن النيابة ذكرت بأن الشهود الثاني والثالث والرابع لم يستدل عليهم وأثبتت المحكمة في المحضر أنها اطلعت على أوراق إعلان الشهود فتبين لها عدم الاستدلال عليهم، وظاهر من ذلك أن الدفاع عن المتهم لم يعترض على ما ذكرته النيابة من عدم الاستدلال على الشهود الغائبين وترافع في الدعوى دون أن يطلب سماعهم مما يعد تنازلاً عن استدعائهم، لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد أمرت بتلاوة أقوال الشهود، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الوجه لا يكون له محل.
وحيث إنه فيما يثيره الطاعن من استبعاد الحكم لأقوال البلوكامين عبد القادر والعسكري عطيوه، فمرود بما ذكره الحكم في هذا الصدد "إن ما قرره جندي المرور عطيوه محمد - شاهد النفي - من أنه لم يسمع المتهم وهو يعترف ابتداء للمخبر بملكيته للسلة، فإن المحكمة لا تعول على شهادة البلوكامين في التحقيق من أنه ركب على رفرف السيارة من نقطة المرور إلى مدينة القاهرة إذ الظاهر أنه وهو يركب على رفرف لم يكن في حالة تبيح له أن يسمع الحديث بين المخبر والمتهم" وهذا الرد فيه التبرير الكافي لاستبعاد المحكمة لأقوال البلوكامين وعدم التعويل عليها، وفضلاً عن ذلك فإنه من المقرر أن للمحكمة وهي تقدر الدليل أن تأخذ بأقوال من تطمئن إليه من أقوال الشهود دون من أطرحت أقوالهم.
وحيث إنه فيما يتعلق بما يثيره الطاعن في الوجه الأخير فإن ذلك مردود بما سجله الحكم في صدد حيازة المتهم للسلة التي وجد بها المخدر استناداً إلى شهادة المخبر الذي شهد بأن المتهم كان قد دفع السلة عن ساقيه وقت الضبط وأن المتهم اعترف له ابتداء بملكيتها، وأورد الحكم في الأدلة ما يؤيد هذا الدليل، ولما كان البحث في ذلك هو بحث في مسألة موضوعية تتعلق بالوقائع، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الوجه لا يكون مقبولاً.
وحيث إنه لما كانت الواقعة وظروف ضبط المواد المخدرة مع الطاعن، كما هو ثابت من الحكم المطعون فيه ترشح إلى أن المتهم كان محرزاً تلك المواد بقصد الاتجار، وكانت المادة 35 من القانون رقم 57 لسنة 1959 تخول محكمة النقض أن تنقض الحكم لمصلحة المتهم من تلقاء نفسها إذا صدر بعد الحكم المطعون فيه قانون يسري على واقعة الدعوى، ولما كان القانون رقم 182 لسنة 1960 وقد صدر في يونيه سنة 1960 وهو القانون الأصلح للمتهم بما جاء في نصوصه من عقوبات أخف، وهو الواجب التطبيق عملاً بالمادة الخامسة من قانون العقوبات. لما كان ذلك، فإنه يتعين نقض الحكم وتطبيق المادة 34 من القانون الجديد في خصوص العقوبة المقيدة للحرية وتقدير ما يستحقه المتهم منها باثنتي عشرة سنة أشغال شاقة، وذلك بالإضافة إلى العقوبات الأخرى المقضي بها.


[(1)] المبدأ ذاته في الطعون 1274/ 30 ق - (جلسة 7/ 11/ 60)، 1286/ 30 ق - (جلسة 8/ 11/ 1960)، 1328/ 30 ق - (جلسة 21/ 11/ 60)، 1290/ 30 ق - (جلسة 22/ 11/ 60)، 1355/ 30 ق - (جلسة 28/ 11/ 60)، 665/ 30 ق - (جلسة 29/ 11/ 60)، 1397/ 30 ق - (جلسة 5/ 12/ 60)، 1410/ 30 ق - (جلسة 12/ 12/ 60)، 1442، 1446/ 30 ق - (جلسة 19/ 12/ 60)، 1482/ 30 ق - (جلسة 26/ 12/ 60)، 1549، 1551/ 30 ق - (جلسة 9/ 1/ 61)، 1589، 1592/ 30 ق - (جلسة 16/ 1/ 61).