أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 11 - صـ 730

جلسة 31 من أكتوبر سنة 1960

برياسة السيد محمود إبراهيم إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة: توفيق أحمد الخشن، وعبد الحليم البيطاش، وحسن خالد، ومحمود توفيق إسماعيل المستشارين.

(139)
الطعن رقم 1236 لسنة 30 القضائية

( أ ) تحقيق.
تفتيش. تنفيذ الإذن به: لا يشترط وجود ورقة الإذن بيد مأمور الضبط القضائي وقت إجرائه التفتيش. ليس في القانون ما يمنع سلطة التحقيق من تبليغ فحوى الإذن بأي طريق ما دام لهذا التبليغ أصل ثابت في أوراق الدعوى.
(ب) إثبات. شهادة.
تقديرها: سلطة قاضي الموضوع في الالتفات عما بين أقوال الشهود من خلاف لا يمس جوهر الشهادة.
(ج) دفاع.
الدفاع ظاهر البطلان لا يستأهل رداً.
1 - لا يشترط القانون إلا أن يكون الإذن بالتفتيش - شأنه في ذلك شأن سائر أعمال التحقيق ثابتاً بالكتابة - وفي حالة الاستعجال قد يكون إبلاغه بالمسرة أو ببرقية أو بغير ذلك من وسائل الاتصال، ولا يلزم وجود ورقة الإذن بيد مأمور الضبط القضائي المنتدب لأن من شأن ذلك عرقلة إجراءات التحقيق - وهي بطبيعتها تقتضي السرعة، وإنما الذي يشترط أن يكون لهذا التبليغ بفحوى الإذن أصل ثابت في أوراق الدعوى.
2 - من سلطة قاضي الموضوع أن يلتفت عما بين أقوال الشهود من خلاف لا يؤثر في جوهر الشهادة - ما دام الحكم قد أورد أقوال الشهود بما لا تناقض فيه.
3 - [(1)] لا يستأهل دفاع المتهم رداً من المحكمة عند ظهور بطلانه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه بصفته موظفاً عمومياً "رئيس المكتب الهندسي لمركزي الفيوم وإطسا بتفتيش المساحة" طلب لنفسه وأخذ من آخر مبلغ ستة جنيهات مصرية على سبيل الرشوة لأدائه عملاً من أعمال وظيفته هو إنجاز إجراءات تحرير كشف تحديد العقار المقدم عنه طلب لتسجيله من الراشي وأحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمادة 103 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 69 لسنة 1953. ومحكمة الجنايات قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن سبع سنوات وبتغريمه ألف جنيه. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

... حيث إن مبنى الوجه الأول من أوجه الطعن أن الحكم قد أخطأ في تطبيق القانون ذلك أن جريمة الرشوة قانوناً هي أخذ مبلغ من المال نظير إجراء يقوم به لمصلحة الراشي وأن الأمر في هذه الدعوى ليس كذلك لأن المجني عليه كان قد تقدم في سنة 1956 بطلب للمساحة حرر عنه كشف تحديد في الميعاد، وأن الطلب الجديد لم يكن ليحتاج إلى إجراء معاينة جديدة اكتفاء بما تم في الطلب السابق.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد أورد في بيانه للواقعة وظروف اتصال المجني عليه بالطاعن قوله "... واتفق الاثنان - أي المجني عليه وعطية منصور على أن يتقابلا بمكتب أمين بشارة (الطاعن) في الساعة العاشرة من صباح يوم 6 من أكتوبر سنة 1958 إلا أن عبد الحليم ذهب إلى أمين بشارة بمكتبه متأخراً عن هذا الموعد بقليل فلم يجد عطية منصور وأخبره أمين بشارة أنه حضر إليه قبل ذلك وانصرف بعد أن أحاطه علماً بموضوع الطلب الخاص بتسجيل الأطيان وإذ سأله عبد الحليم أبو جليل عما يلزم للسير في إجراءات هذا الطلب أفهمه أنه لابد من معاينة الأطيان من جديد وأنه في نظير ذلك عليه (أي على المجني عليه) أن يدفع مبلغ عشرة جنيهات مقابل الاكتفاء بالمعاينة القديمة وتفادياً من إجراء معاينة جديدة وإلا عمل (أي الطاعن) من جانبه على تعطيل الفصل في الطلب باعتباره الرئيس المختص فتظاهر عبد الحليم بالقبول وادعى عدم وجود هذا المبلغ لديه ثم وعده بأنه سوف يقتضي له مبلغ خمسة جنيهات من أخيه ثم يعود إليه بعد حوالي ساعة وأخيراً اتفقا على أن يتقابلا في الساعة الواحدة والنصف مساء بالدور الثاني بمطعم معوض......" ثم أورد الحكم ما قاله الطاعن في شأن اختصاصه وطبيعة عمله بقوله "وأضاف المتهم "الطاعن" أن طبيعة عمله - باعتباره رئيس المكتب الهندسي بتفتيش المساحة - هي فحص الطلبات التي تحال إليه من مأمورية الشهر العقاري بشأن تسجيل عقار تم عمل كشف تحديد العقار المطلوب اتخاذ الإجراءات بالنسبة له وإعادة هذه الطلبات ثانية إلى المأمورية مرفقاً بها كشوف التحديد - إذ لا يمكن السير في إجراءات التسجيل بالشهر العقاري إلا بعد إتمام هذه الكشوف وإرسالها بمعرفته إلى المأمورية..." ولما كان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى وعناصر الجريمة التي دان بها الطاعن وأوضح أن طلب الرشوة كان بمناسبة تقديم المجني عليه للطلب الثاني وأن الطاعن استغل وظيفته مقابل الرشوة في إمكان إعادة المعاينة أو صرف النظر عنها وأورد لثبوت ذلك أدلة تؤدي إلى ما رتبه عليه وقد أقر الطاعن كما أثبت الحكم أن تحرير كشف تحديد العقار المراد تسجيله وإجراء المعاينة هو من صميم عمله وأنه لا يمكن السير في إجراءات تسجيل العقار إلا بعد قيامه بعمل كشف التحديد وإرساله إلى مأمورية الشهر العقاري، لما كان ذلك فيكون هذا الوجه من الطعن غير سديد.
وحيث إن الوجه الثاني من أوجه الطعن أن الحكم قد شابه قصور في التسبيب بمقولة إن الحكم لم يرد على ما أثاره الدفاع بالجلسة من أن مأمور الضبط القضائي الذي ندبته النيابة العامة لإلقاء القبض على الطاعن وتفتيشه لم يكن قد أبلغ رسمياًً بذلك الندب عندما أجرى مقتضاه وأنه اعتمد على إخبار المجني عليه إياه بأمر هذا الانتداب.
وحيث إن الثابت على ما فصله الحكم المطعون فيه أن القبض والتفتيش قد أجراهما الضابط المنتدب بعد صدور أمر الندب من وكيل النيابة وبعد أن أبلغ المجني عليه الضابط بأمره، وكان القانون لا يشترط إلا أن يكون الإذن - شأنه في ذلك شأن سائر أعمال التحقيق - ثابتاً بالكتابة، وفي حالة الاستعجال قد يكون إبلاغه بالمسرة أو ببرقية أو بغير ذلك من وسائل الاتصال، ولا يشترط وجود ورقة الإذن بيد مأمور الضبط القضائي المنتدب لأن من شأن ذلك عرقلة إجراءات التحقيق وهي بطبيعتها تقتضي السرعة، وإنما الذي يشترط أن يكون لهذا التبليغ بفحوى الإذن أصل ثابت في أوراق الدعوى، ومن ثم يكون دفاع المتهم لا يستأهل رداً لظهور بطلانه.
وحيث إن مبنى الوجه الثالث من أوجه الطعن أن المحكمة قد استندت إلى أقوال المجني عليه وأخذت أيضاً بأقوال الكاتب العمومي - أخذت بهذه الأقوال جميعاً - مع أن المجني عليه كاذب فيما قرره من أن الطاعن قدم إليه طلباً آخر مع أن إجراءات الطلب الأول كانت قد تمت ولا يوجد للمجني عليه عمل يؤديه الطاعن مقابل الرشوة.
وحيث إن هذا الوجه يؤول إلى جدل في موضوع الدعوى واقتناع المحكمة بأدلتها متى اطمأنت إليها واقتنعت بصدقها وقد سبق الرد على ما جاء بنهاية هذا الوجه عند تناول الوجه الأول من الطعن.
وحيث إن مبنى الوجه الرابع من أوجه الطعن القصور في التسبيب إذ أن دفاع الطاعن قام على أساس من أن المبلغ المضبوط معه قد دس عليه من المجني عليه ولم يرد الحكم على هذا الدفاع، كما أغفل الرد على قول الشاهد منصور عطية من أنه لم يبلغ المجني عليه أن الطاعن طلب لنفسه رشوة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد تعرض لهذا الدفاع ورد عليه بقوله "إن هذا الدفاع الذي تقدم به المتهم درءاً للتهمة غير مستساغ ولا يستقيم مع أقوال شهود الواقعة وخاصة الرائد إبراهيم عبد الله الذي قطع بأن المتهم والشاكي عبد الحليم عطية لم يجتمعا سوياً عند دورة المياه وأمام حوض الغسيل ولكنهما ذهبا فرادى كما أنه مما يهدر هذا الدفاع ما قطع به الشاهد في التحقيق وبالجلسة - وهو شاهد لا غرض له إلا أن يقرر الحقيقة سافرة - بأنه لم يجد في جيب رداء المتهم الذي أخرج منه مبلغ الرشوة علبة لفافات التبغ وأن هذه العلبة وجدت في جيب آخر..." وهذا الرد يكفي لتفنيد دفاع المتهم - أما ما جاء في نهاية هذا الوجه فهو من قبيل الدفاع الموضوعي الذي لا تلتزم المحكمة بالرد عليه - بل يكفي أن يكون ردها مستفاداً من قضائها بالإدانة لأدلة الثبوت التي أوردتها.
وحيث إن مبنى الوجه الخامس من أوجه الطعن أن الحكم شابه قصور إذ أن المحكمة قالت في حكمها أن أقوال الشهود جاء بها خلافات طفيفة لا تؤثر على جوهر الوقائع التي قام الدليل القاطع المقنع على صحتها وأن المحكمة لم تبين ما هو هذا الدليل ولم ترد على هذه الخلافات.
وحيث إن ما ينعاه الطاعن في هذا الوجه لا يعدو الدفاع الموضوعي ولا يستأهل من المحكمة رداً، ومع ذلك فقد تناولت المحكمة هذا في حكمها إذ قالت "يبين من مجموع ما تقدم أن الأدلة المستمدة من أقوال عبد الحليم عطية أبو جليل والتي تأيدت بشهادة كل من عطية منصور عطية ومحمود حسن علي، وتأيدت بضبط المتهم متلبساً بالجريمة على النحو الذي شهد به كل من الصاغ إبراهيم إبراهيم عبد الله والصول جلال محمد - كل هذه الأدلة في مجموعها قوة متساندة في ثبوت مقارفة المتهم لجريمة الرشوة المسندة إليه وكافية للاقتناع بإدانته عنها، ولا يغير من هذا النظر أو يضعف من قوة هذه الأدلة ما أشار إليه الدفاع بجلسة المحاكمة من وجود تناقض بين أقوال الشهود إذ لا ترى المحكمة في هذه الخلافات الطفيفة ما يؤثر على جوهر الوقائع التي قام الدليل القاطع المقنع على صحتها بما لا يدع مجالاً للشك في صحة إسناد التهمة إلى المتهم". ولما كان من سلطة قاضي الموضع أن يلتفت عما بين أقوال الشهود من خلاف لا يؤثر في جوهر الشهادة وما دام الحكم قد أورد أقوال الشهود بما لا تناقض فيه فإن هذا الوجه من الطعن لا يكون له محل.
وحيث إنه لكل ما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاًً.


[(1)] المبدأ ذاته في الطعن 1485/ 30 ق - (جلسة 17/ 1/ 1961)، 1251/ 30 ق - (جلسة 30/ 1/ 1961)، 1750/ 30 ق - (جلسة 6/ 2/ 1961)، 1478/ 30 ق - (جلسة 14/ 2/ 1961).