أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 11 - صـ 887

جلسة 12 من ديسمبر سنة 1960

برياسة السيد مصطفى كامل المستشار، وبحضور السادة: محمد عطية إسماعيل، وعادل يونس، وعبد الحسيب عدي، وحسن خالد المستشارين.

(173)
الطعن رقم 1428 لسنة 30 القضائية

دفاع. طلب إجراء معاينة وتجربة رؤية لمكان الحادث: متى يعتبر دفاعاً موضوعياً - يكفي فيه الرد الضمني؟
إذا كان القصد من الطلب إثارة الشبهة في أدلة الثبوت التي اطمأنت إليها المحكمة مع انتفاء المنازعة في قوة إبصار شهود الرؤية.
[(1)] إذا كان الثابت من محضر الجلسة أن المدافع عن المتهم حين تقدم إلى المحكمة بطلب معاينة وتجربة رؤية لمكان الحادث لم يقصد إلا إثارة الشبهة في أدلة الثبوت التي أطمأنت إليها المحكمة، ولم ينازع في قوة إبصار شهود الرؤية، فإن مثل هذا الطلب يعتبر دفاعاً موضوعياً لا يستلزم رداً صريحاً من المحكمة - بل يكفي أن يكون الرد عليه مستفاداً من الحكم بالإدانة استناداً إلى أقوال الشهود الذين أطمأنت إليهم المحكمة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المتهم وآخرين بأنهم قتلوا المجني عليه عمداً ومع سبق الإصرار والترصد بأن انتووا قتله وعقدوا العزم عليه وأعدوا لذلك أسلحة نارية (بنادق) وتربصوا له في المكان الذي علموا سلفاً بمروره فيه وما أن ظفروا به حتى أطلقوا عليه النار قاصدين من ذلك قتله فأصيب بالإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وقد اقترنت هذه الجناية بجناية أخرى هي أن المتهمين في الزمان والمكان سالفي الذكر شرعوا في قتل آخر عمداً ومع سبق الإصرار والترصد بأن انتووا قتله وعقدوا العزم عليه وأعدوا لذلك أسلحة نارية (بنادق) وترصدوا له في المكان الذي علموا سلفاً بمروره فيه وما أن ظفروا به حتى أطلقوا عليه النار من بنادقهم قاصدين من ذلك قتله فأصيب بالإصابة الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادة المتهمين فيه وهو تدارك المجني عليه بالعلاج، وأحرزوا بغير ترخيص سلاحاً نارياً مششخناً (بنادق لي أنفيلد) وذخيرة مما تستعمل في السلاح سالف الذكر دون أن يكون مرخصاً لهم بحيازته أو إحرازه. وطلبت عقابهم بالمواد 45،
46، 230، 231، 232 من قانون العقوبات والمواد 1، 6، 26/ 2 - 4، 30 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانون 546 لسنة 1954. ومحكمة الجنايات قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام ما عدا المادتين 45، 46 مع تطبيق المادتين 32/ 2، 17 من قانون العقوبات للأول والمادتين 304/ 1 و381/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية للثاني والثالث، بمعاقبة المتهم الأول بالأشغال الشاقة المؤبدة مع مصادرة السلاح المضبوط وببراءة المتهمين الآخرين مما أسند إليهما. فطعن المتهم الأول في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

... حيث إن مبنى أوجه الطعن هو أن الحكم المطعون فيه انطوى على إخلال بحق الدفاع وقصور في التسبيب وفساد في الاستدلال، كما أخطأ في الإسناد حين دان الطاعن بجرائم القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد وإحراز السلاح والذخيرة بغير ترخيص، ذلك أن المدافع عن الطاعن إذ نعى على التحقيق قصوره في إجراء تجربة رؤية منعته المحكمة من شرح وجهة نظره بحجة أنه وجه مرافعته إلى شخص ممثل النيابة المترافع فنجا بذلك ناحية شخصية لا عينية مما أخل بحرية الدفاع - وقد أصر المدافع عن الطاعن على طلب إجراء معاينة وتجربة رؤية ولكن المحكمة التفتت عن هذا الطلب الجوهري ولم ترد عليه. واعتمد الحكم في الإدانة على ما اتضح من المعاينة من كافية الضوء للرؤية بقولة إن القمر كان بدراً في حين أن المعاينة التي تمت أجريت في وقت يختلف عن وقت الحادث فضلاً عن أن المحكمة لم تبين حالة من ادعى الرؤية من الشهود وطبيعة مكان الحادث مما له أثر في تقدير أقوال الشهود - هذا إلى أن مؤدي رواية شهود الحادث هو أن إصابة القتيل كانت من الأمام حين أطلق الجناة النار عليه وهو مقبل عليهم في حين أن الإصابة كما أثبتها التقرير الطبي الشرعي في الجانب الأيمن للصدر ونفذت من الجانب الأيسر منه مخترقة التجويف الصدري والبطني، وعندما تصدى الحكم لهذا التناقض علل حدوث الإصابة في هذا الموضع بمحاولة المجني عليه الاستدارة بجسمه عندما فوجئ بإطلاق النار عليه مستنداً في ذلك إلى رواية الشاهد أحمد حسن فراج - في حين أن أقوال الشاهد المذكور بمحضر الجلسة جاءت خلواً من استدارة القتيل، وعلى فرض أنه شهد بذلك فإن روايته هذه لا تصلح لرفع التناقض بين الدليل القولي والدليل الفني لعدم تضمنها اتجاه الاستدارة وهل كانت إلى اليمين أو إلى اليسار مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحاضر عن الطاعن نزل بجلسة المرافعة عن التمسك بالوجه الأول من أوجه طعنه المبني على دعوى الإخلال بحقه في الدفاع، ومن ثم فلا حاجة إلى بحث هذا الوجه.
وحيث إنه بالنسبة إلى سائر أوجه الطعن فإن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجرائم القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد وإحراز السلاح والذخيرة بغير ترخيص التي دين الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان يبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن المدافع عن الطاعن حين تقدم إلى المحكمة بطلب معاينة وتجربة رؤية لمكان الحادث قال "إن الفيصل في الدعوى هو من رأى وهل رأى أو أن أحداً لم ير أو لم تكن الرؤية ممكنة - فقد أجمع من سئلوا في التحقيق على أن الحادث وقع في العشاء، والعشاء على الساعة السابعة والنصف.." وهذه العبارة لم يقصد بها إلا إثارة الشبهة في أدلة الثبوت التي اطمأنت إليها المحكمة ولم ينازع الدفاع في قوة إبصار شهود الرؤية، فإن مثل هذا الطلب يعتبر دفاعاً موضوعياً لا يستلزم رداً صريحاً من المحكمة بل يكفي أن يكون الرد عليه مستفاداً من الحكم بالإدانة استناداً إلى أقوال الشهود الذين اطمأنت إليهم المحكمة. ولما كان الحكم قد عرض إلى ما دلت عليه المعاينة في قوله "كما اتضح من المعاينة أن حالة الضوء كانت كافية للرؤية إذ أن القمر كان بدراً في تلك الليلة" واطمأن إلى رواية الشاهد الأول في الدعوى حين قرر أنه رأى الطاعن رأي العين على مسافة لا تعدو خمس أو ست قصبات وعلى ضوء القمر الذي كان ساطعاً في تلك الليلة وهي ليلة الثالث عشر من شهر رمضان، فلا يقبل من الطاعن معاودة الجدل في هذا الشأن. ولما كان ما يثيره الطاعن من قالة الخطأ في الإسناد مردوداً بأن ما أورده الحكم في خصوص ما نسبه إلى الشاهد أحمد أحمد فراج من محاولة المجني عليه الاستدارة بجسمه مولياً الفرار عندما فوجئ بإطلاق النار عليه، له مأخذه مما أثبته تقرير الطب الشرعي وإذ كان الطاعن لا يجادل في ذلك ولا يدعي أن هذه الرواية لم ترد على لسان الشاهد المذكور في التحقيقات فليس له أن يعيب على الحكم استدلاله بها. ولما كان الحكم المطعون فيه قد استخلص الإدانة من أقوال الشهود ومن التقرير الطبي بما لا تعارض فيه، وكان لمحكمة الموضوع أن تتبين حقيقة الواقعة وتردها إلى صورتها الصحيحة التي تستخلصها من جماع الأدلة المطروحة عليها دون أن تتقيد بدليل بعينه أو بأقوال شهود بذواتهم ولو كان ذلك بطريق الاستنتاج والاستقراء متى كان ما حصله الحكم من هذه الأدلة لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي كما هو واقع الحال في الدعوى المطروحة. لما كان ذلك، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه لا يعدو الجدل في موضوع الدعوى وأدلتها مما لا معقب فيه على محكمة الموضوع، ومن ثم يكون الطعن على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.


[(1)] العبارة الواردة على لسان المدافع عن الطاعن بمحضر الجلسة هي "إن الفيصل في الدعوى هو من رأى، وهل رأى، أو أن أحداً لم ير، أو لم تكن الرؤية ممكنة - فقد أجمع من سئلوا في التحقيق على أن الحادث وقع في العشاء والعشاء على الساعة السابعة والنصف مساء......."، المبدأ ذاته في الطعن 1589/ 30 ق - (جلسة 16/ 1/ 1961)، الطعن 1953/ 30 ق - (جلسة 6/ 2/ 1961) والطعن 1742/ 30 ق - (جلسة 14/ 3/ 1961) - بالنسبة لطلب المعاينة.