أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 11 - صـ 918

جلسة 19 من ديسمبر سنة 1960

برياسة السيد محمود إبراهيم إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة: محمد عطية إسماعيل، وعادل يونس، وعبد الحسيب عدي، وحسن خالد المستشارين.

(179)
الطعن رقم 1454 سنة 30 القضائية

(أ - ب) إثبات. خبير. دفاع.
تقدير أقوال المجني عليه التي أدلى بها إثر إصابته بإصابات جسيمة: رأي الخبير: لا يجوز للمحكمة أن تحل نفسها محل الخبير في مسألة فنية.
تقرير طبيب المستشفى بإمكان استجواب المصاب لا يدل بذاته على أن حالته الصحية كانت تسمح له بالإجابة بتعقل على ما يوجه إليه من أسئلة. عدم إجابة طلب مناقشة الطبيب الشرعي بشأن قدرة المجني عليه على إدراك ما يقوله إثر إصابته بإصابات جسيمة - يوفر الإخلال بحق الدفاع.
(ج) دعوى مدنية.
حالات إحالتها إلى المحكمة المدنية المختصة للفصل فيها: من بينها المنازعة في صفة المدعين بالحقوق المدنية. هذه الإحالة لا تعد فصلاً في الدعوى المدنية. المادة 309 أ. ج.
1 - [(1)] لا يجوز للمحكمة أن تحل نفسها محل الخبير الفني في مسألة فنية - فإذا كان الحكم قد اعتمد في إدانة المتهمين على أقوال المجني عليه التي أدلى بها في التحقيق الابتدائي بعد إصابته من العيار الناري الذي نشأ عنه إصابته بالإصابات الجسيمة التي أثبتها التقرير الطبي، وكان الدفاع قد نازع في قدرة المجني عليه على الكلام بتعقل عقب إصابته، فإنه كان يتعين على المحكمة أن تحقق هذا الدفاع الجوهري عن طريق المختص فنياً - وهو الطبيب الشرعي - أما وهي لم تجب المتهمين إلى طلب استدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته فيما تقدم، فإن حكمها يكون معيباً للإخلال بحق الدفاع بما يستوجب نقضه.
2 - ما أثبته المحقق في محضره قبل سؤال المجني عليه من أن طبيب أول المستشفى أخبره بإمكان سؤاله - وإن كان يفهم منه استطاعة المجني عليه النطق، إلا أنه لا يعني أن حالته الصحية كانت تسمح له بالإجابة بتعقل على ما يوجه إليه من الأسئلة وأنه يعي ما يقول.
3 - ما يقوله الطاعنان في شأن الدعوى المدنية من أن الحكم قد ابتنى على إجراءات باطلة - ذلك بأنهما أنكرا صفة المدعين بالحقوق المدنية، وقرر هؤلاء أنهم على استعداد لتقديم إعلام الوراثة إذا رأت المحكمة تأجيل الدعوى، مما كان يجب معه تأجيلها حتى يقدموا الإعلام - وإلا فكان على المحكمة أن تحكم بعدم قبولها - ما يقوله الطاعنان في هذا الخصوص مردود بأن المحكمة لم تفصل في الدعوى المدنية، وكل ما فعلته أنها استعملت حقها المخول لها في المادة 309 من قانون الإجراءات الجنائية - فأحالتها بحالتها على المحكمة المدنية المختصة لما رأته من أن الفصل فيها يستلزم إجراء تحقيق يعطل الفصل في الدعوى الجنائية.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما قتلا المجني عليه عمداً ومع سبق الإصرار والترصد بأن بيتا النية على قتله وأعدا لذلك سلاحاً نارياً ثم انتظراه على جانب الطريق المفضي إلى زراعته وما أن ظفرا به حتى أطلق عليه أولهما من خلفه مقذوفاً نارياً قاصداً قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته وطلبت من غرفة الاتهام إحالتهما على محكمة الجنايات لمحاكمتهما طبقاً للمواد 230، 231، 232 من قانون العقوبات، فقررت بذلك. وادعى بحق مدني أولاد المجني عليه وزوجة القتيل عن نفسها و بصفتها وصية على ابنه القاصر قبل المتهمين بمبلغ 300 جنيه تعويضاً. ومحكمة الجنايات قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة الابتدائية بلا مصاريف للفصل فيها وبمعاقبة المتهم الأول بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة - وبمعاقبة المتهم الثاني بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنين. فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

... حيث إن ما يقوله الطاعنان في شأن الدعوى المدنية مردود بأن المحكمة لم تفصل فيها وكل ما فعلته أنها استعملت حقها المخول لها في المادة 309 من قانون الإجراءات الجنائية فأحالتها بحالتها على المحكمة المدنية المختصة لما رأته من أن الفصل فيها يستلزم إجراء تحقيق يعطل الفصل في الدعوى الجنائية.
وحيث إن مما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه الإخلال بحق الدفاع إذ طلب الحاضر عنهما إلى المحكمة استدعاء كل من الطبيب الشرعي وكبير الأطباء الشرعيين لمناقشتهما فيما إذا كان المجني عليه يستطيع الكلام بتعقل بعد إصابته بالإصابات الجسيمة التي أثبتها التقرير الطبي ونشأ عنها تهتك الكلى وثقوب بالأمعاء وصدمة عصبية شديدة فرفضت المحكمة هذا الطلب بمقولة إن المجني عليه سئل تفصيلاً في محضر ضبط الواقعة وفي تحقيق النيابة، ولو لاحظت النيابة أنه كان يهذي أو لا يعي ما يقول لأثبتت ذلك في محضرها ولما واصلت التحقيق معه طوال تلك المدة - ويرى الطاعنان أن ما قاله الحكم لا يبرر رفض تحقيق دفاعهما في مسألة فنية ينبغي أن لا يقطع فيها غير رجال الفن من الأطباء.
وحيث إنه لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض لما يثيره الطاعنان في وجه الطعن بقوله "إن ما أثاره الدفاع عن المتهمين من النعي على شهادة المجني عليه بأنه لا يمكنه أن يتكلم بتعقل عقب الحادث بسبب إصابته فمردود بأن المجني عليه قد سئل تفصيلاً في محضر ضبط الواقعة وفي تحقيق النيابة وكانت إجاباته تنم عن وعي وإدراك تامين لما يقول ولو لاحظت النيابة أنه كان يهذي أو لا يعي ما يقول لأثبتت ذلك في محضرها ولما واصلت التحقيق معه طوال تلك المدة، وعلى ذلك فلا ترى المحكمة محلاً لإجابة طلب الدفاع باستدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته في هذا الخصوص، خاصة وأن وكيل النيابة المحقق قد أثبت قبل استجواب المجني عليه أن طبيب أول المستشفى أخبره بإمكان سؤاله. "وكان الثابت من الحكم أنه اعتمد في إدانة الطاعنين على أقوال المجني عليه التي أدلى بها في التحقيق الابتدائي بعد إصابته من العيار الناري الذي نشأ عنه كسر الضلع الأيمن الأخير وتمزق الكلية اليمنى والأمعاء وما صحب ذلك من نزيف وصدمة عصبية، فإنه كان يتعين على المحكمة أن تحقق ما أبداه الطاعنان من دفاع جوهري عن طريق المختص فنياً وهو الطبيب الشرعي - أما وهي لم تفعل فإنها تكون قد أحلت نفسها محل الخبير الفني في مسألة فنية، ولا يغني في هذا الصدد ما أثبته المحقق في محضره قبل سؤال المجني عليه من أن طبيب أول المستشفى أخبره بإمكان سؤاله، ذلك لأن هذا الإذن بالسؤال من جانب الطبيب وإن كان يفهم منه استطاعة المجني عليه النطق، إلا أنه لا يعني أن حالته الصحية كانت تسمح له بالإجابة بتعقل على ما يوجه إليه من الأسئلة وأنه يعي ما يقول. لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه إذ رفض إجابة الطاعنين إلى طلب استدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته فيما تقدم يكون قد أخل بحق دفاع المتهم مما يعيبه ويستوجب نقضه، وذلك دون حاجة لبحث أوجه الطعن الأخرى.


[(1)] مبدأ الطعن 1986 لسنة 28 القضائية - جلسة 17/ 2/ 1959 - القاعدة 48 - مج الأحكام - س 10 - ص 223.