أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 51 - صـ 11

جلسة 12 من نوفمبر سنة 2006

برئاسة السيد القاضي/ مقبل شاكر رئيس محكمة النقض وعضوية السادة القضاة/ محمد صلاح الدين إبراهيم البرجي وعادل عبد الحميد عبد الله والسيد صلاح عطية عبد الصمد وحسن سيد أحمد حمزة ومحمد حسام الدين الغرياني وأحمد علي عبد الرحمن ومحمد مجدي إسماعيل الجندي وحامد عبد الله محمد عبد النبي وإبراهيم علي أحمد عبد المطلب ومحمد طلعت محمد العيسوي الرفاعي نواب رئيس المحكمة.

(2)
الطعن رقم 72594 لسنة 75 القضائية

(1) مسئولية جنائية. أسباب الإباحة وموانع العقاب "الغيبوبة" "السكر الاختياري". قتل عمد. قصد جنائي. قانون "تفسيره".
الغيبوبة المانعة من المسئولية الجنائية. ماهيتها؟ المادة 62 عقوبات.
توافر مسئولية السكران باختياره عن الجرائم ذات القصد العام.
عدم ثبوت القصد الخاص بافتراضات قانونية. وجوب توافره قبل تناول المخدر أو المسكر اختياراً.
(2) حكم "إصداره". محكمة النقض "نظرها الطعن والفصل فيه". قانون "تطبيقه" "تفسيره".
فصل الهيئة بتشكيليها في موضوع الطعن بعد فصلها في مسألة العدول. غير لازم. أساس وأثر ذلك؟
1 - من المقرر أن الغيبوبة المانعة من المسئولية على مقتضى المادة 62 من قانون العقوبات هي التي تكون ناشئة عن عقاقير مخدرة تناولها الجاني قهراً عنه أو على غير علم منه بحقيقة أمرها بما مفهومه أن من يتناول مادة مخدرة أو مسكرة وإن علم بحقيقة أمرها يكون مسئولاً عن الجرائم التي تقع منه وهو تحت تأثيرها فالقانون يجري عليه - في هذه الحالة - حكم المدرك التام الإدراك مما ينبني عليه توافر القصد الجنائي لديه، إلا أنه لما كانت هناك بعض الجرائم يتطلب القانون فيها ثبوت قصد جنائي خاص لدى المتهم فإنه لا يتصور اكتفاء الشارع في ثبوت هذا القصد باعتبارات وافتراضات قانونية، بل يجب في هذه الجرائم - وعلى ما استقر عليه قضاء محكمة النقض - في تفسير المادة 62 من قانون العقوبات التحقق من قيام القصد الجنائي الخاص من الأدلة المستمدة من حقيقة الواقع، فلا تصح معاقبة الجاني عن القتل العمد إلا أن يكون قد انتوى القتل من قبل ثم أخذ المسكر ليكون مشجعاً له على ارتكاب جريمته. وحيث إن قضاء محكمة النقض في هذا الصدد أقيم على أسباب صحيحة ويحقق العدالة والصالح العام ويتفق وصحيح القانون وتقره الهيئة وترفض العدول عن هذه المبادئ وتعدل بالأغلبية المقررة في هذا القانون عن الأحكام الأخرى التي خالفت هذا النظر.
2 - لما كانت المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية قد نصت على أن "تشكل الجمعية العامة لمحكمة النقض هيئتين بالمحكمة كل منها من أحد عشر قاضياً برئاسة رئيس المحكمة أو أحد نوابه إحداهما للمواد الجنائية والثانية للمواد المدنية والتجارية ومواد الأحوال الشخصية وغيرها وإذا رأت إحدى دوائر المحكمة العدول عن مبدأ قانوني قررته أحكام سابقة أحالت الدعوى إلى الهيئة المختصة للفصل فيها وتصدر الهيئة أحكامها بالعدول بأغلبية سبعة أعضاء على الأقل. وإذا رأت إحدى الدوائر العدول عن مبدأ قانوني قررته أحكام سابقة صادرة من دوائر أخرى أحالت الدعوى إلى الهيئتين مجتمعتين للفصل فيها، وتصدر الأحكام في هذه الحالة بأغلبية أربعة عشر عضواً على الأقل". والمستفاد مما ورد في هذه المادة سواء ما تعلق منها بتشكيل الهيئة الواحدة فقرة (2) أو بتشكيل الهيئتين مجتمعتين فقرة (3) هو أنه كلما رأت إحداها العدول عن مبدأ قررته أحكام سابقة أصدرت حكمها بالعدول بأغلبية سبعة أعضاء بالنسبة للهيئة وأربعة عشر عضواً بالنسبة للهيئتين مجتمعتين ولم تلزم أياً من التشكيلين بعد الفصل في مسألة العدول بالفصل في موضوع الطعن وهو ما تشير إليه عبارة "وتصدر الأحكام في هذه الحالة بأغلبية أربعة عشر عضواً على الأقل" التي وردت بعجز المادة إذ أن العدول هو الذي يلزم له الأغلبية المشار إليها فيها دون الحكم في الطعن نفسه الذي يكفي فيه بعد ذلك الأغلبية العادية المقررة لإصدار الأحكام. لما كان ذلك، فإن الهيئة بعد الفصل في المسألة المعروضة عليها تعيد الطعن - وهو مرفوع للمرة الثانية - إلى الدائرة التي أحالته إليها للفصل فيه طبقاً لأحكام القانون.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم: اشتركوا في اتفاق جنائي الغرض منه ارتكاب جرائم القتل المقترن بجناية السرقة بالإكراه وإحراز الجواهر المخدرة بقصد التعاطي وإحراز الأسلحة البيضاء بدون ترخيص بأن اتفقوا واتحدت إرادتهم على ارتكابها فوقعت منهم تنفيذاً لذلك الجرائم الآتية: -
أولاً: قتلوا "........." عمداً بأن طعنه المتهم الأول بسلاح أبيض "مطواة" في صدره فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته بينما تواجد المتهمان الثاني والثالث بمسرح الجريمة لشد أزره وقد اقترنت هذه الجناية بجناية أخرى هي أنهم في ذات الزمان والمكان سالفي البيان سرقوا المبلغ النقدي والأشياء المملوكة لـ........ بطريق الإكراه الواقع عليه بالطريق العام وباستخدام الأسلحة البيضاء بأن استوقفوه حال سيره وأشهروا في وجهه الأسلحة البيضاء "مديتين وشفرة موس" مهددين إياه بها وبثوا الرعب في نفسه وشلوا بذلك مقاومته فتمكنوا بتلك الوسيلة من الإكراه من إتمام السرقة.
ثانياً: - أحرزوا بقصد التعاطي جوهراً مخدراً "الفلوبنز ايبام" في غير الأحوال المصرح بها قانوناً.
ثالثاً: - أحرزوا أسلحة بيضاء "مديتين وشفرة موس" دون مسوغ من الضرورة الشخصية أو الحرفية. وطلبت معاقبتهم بالمواد 48، 234/ 1، 315 من قانون العقوبات والمواد 1/ 1، 2، 37/ 1 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 122 لسنة 1989 والبند رقم 131 من القسم الثاني من الجدول رقم (1) الملحق بالقانون الأول والمضاف بقرار وزير الصحة رقم 21 لسنة 1999 والمواد 1/ 1، 25 مكرراً/ 1 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانون رقم 26 لسنة 1978 والبندين رقمي 10، 11 من الجدول رقم (1) الملحق بالقانون الأول والمعدل بقرار وزير الداخلية رقم 97 لسنة 1992 - والمادتين 95، 112/ 1 - 2 من القانون رقم 12 لسنة 1996 وأحالتهم إلى محكمة أحداث القاهرة لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، والمحكمة المذكورة قضت حضورياً بالسجن لمدة عشر سنوات لكل منهم والمصادرة.
استأنفوا ومحكمة شمال القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف.
فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض........ إلخ.
ومحكمة النقض قضت بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة شمال القاهرة الابتدائية لتحكم فيها من جديد هيئة استئنافية أخرى.
ومحكمة الإعادة "بهيئة مغايرة" قضت بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف.
فطعن المحكوم عليهما الثاني والثالث في هذا الحكم بطريق النقض (للمرة الثانية)....... إلخ.
وبجلسة 21 من مايو سنة 2006 قررت محكمة النقض - الدائرة الجنائية - الأحد - أ - إحالة الطعن إلى الهيئة العامة للمواد الجنائية للفصل فيه.


الهيئة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر والمرافعة وبعد المداولة قانوناً.
حيث إن المادة 62 من قانون العقوبات تنص على أنه "لا عقاب على من يكون فاقد الشعور أو الاختيار في عمله وقت ارتكاب الفعل. إما لجنون أو عاهة في العقل. وإما لغيبوبة ناشئة من عقاقير مخدرة أياً كان نوعها إذا أخذها قهراً عنه أو على غير علم منه بها". وقد اختلف في أمر تفسير هذه المادة بالنسبة للجرائم ذات القصود الخاصة فهناك عدة اتجاهات منها من يرى بمسئولية فاقد الشعور أو الاختيار بسبب تعاطيه لعقاقير مخدرة باختياره عن الجرائم ذات القصود الخاصة استناداً إلى افتراض ثبوت هذا القصد الخاص.
ومنها من يرى عدم مسئولية فاقد الشعور أو الاختيار بسبب تعاطيه لعقاقير مخدرة باختياره عن الجرائم ذات القصود الخاصة إلا أن يكون قد انتوى ارتكاب الجريمة ثم أخذ المسكر مشجعاً له على ارتكابها، وهو ما جرى عليه قضاء محكمة النقض. وإذ رأت الدائرة التي نظرت الطعن العدول عن هذا المبدأ القانوني الذي قررته الأحكام السابقة، فقد قررت بجلستها المنعقدة بتاريخ 21 من مايو سنة 2006 إحالة الطعن إلى الهيئة العامة للمواد الجنائية للفصل فيه وذلك عملاً بنص الفقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية الصادر بالقانون رقم 46 لسنة 1972.
وحيث إن أحكام محكمة النقض قد استقرت على أن الغيبوبة المانعة من المسئولية على مقتضى المادة 62 من قانون العقوبات هي التي تكون ناشئة عن عقاقير مخدرة تناولها الجاني قهراً عنه أو على غير علم منه بحقيقة أمرها بما مفهومه أن من يتناول مادة مخدرة أو مسكرة وعن علم بحقيقة أمرها يكون مسئولاً عن الجرائم التي تقع منه وهو تحت تأثيرها فالقانون يجري عليه - في هذه الحالة - حكم المدرك التام الإدراك مما ينبني عليه توافر القصد الجنائي لديه، إلا أنه لما كانت هناك بعض الجرائم يتطلب القانون فيها ثبوت قصد جنائي خاص لدى المتهم فإنه لا يتصور اكتفاء الشارع في ثبوت هذا القصد باعتبارات وافتراضات قانونية، بل يجب في هذه الجرائم - وعلى ما استقر عليه قضاء محكمة النقض - في تفسير المادة 62 من قانون العقوبات التحقق من قيام القصد الجنائي الخاص من الأدلة المستمدة من حقيقة الواقع، فلا تصح معاقبة الجاني عن القتل العمد إلا أن يكون قد انتوى القتل من قبل أخذ المسكر ليكون مشجعاً له على ارتكاب جريمته.
وحيث إن قضاء محكمة النقض في هذا الصدد قد أقيم على أسباب صحيحة ويحقق العدالة والصالح العام ويتفق وصحيح القانون وتقره الهيئة وترفض العدول عن هذه المبادئ وتعدل بالأغلبية المقررة في هذا القانون عن الأحكام الأخرى التي خالفت هذا النظر. لما كان ذلك، وكانت المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية قد نصت على أن "تشكل الجمعية العامة لمحكمة النقض هيئتين بالمحكمة كل منها من أحد عشر قاضياً برئاسة رئيس المحكمة أو أحد نوابه إحداهما للمواد الجنائية والثانية للمواد المدنية والتجارية ومواد الأحوال الشخصية وغيرها وإذا رأت إحدى دوائر المحكمة العدول عن مبدأ قانوني قررته أحكام سابقة أحالت الدعوى إلى الهيئة المختصة للفصل فيها وتصدر الهيئة أحكامها بالعدول بأغلبية سبعة أعضاء على الأقل. وإذا رأت إحدى الدوائر العدول عن مبدأ قانوني قررته أحكام سابقة صادرة من دوائر أخرى أحالت الدعوى إلى الهيئتين مجتمعتين للفصل فيها، وتصدر الأحكام في هذه الحالة بأغلبية أربعة عشر عضواً على الأقل". والمستفادة مما ورد في هذه المادة سواء ما تعلق منها بتشكيل الهيئة الواحدة فقرة (2) أو بتشكيل الهيئتين مجتمعتين فقرة (3) هو أنه كلما رأت إحداها العدول عن مبدأ قررته أحكام سابقة أصدرت حكمها بالعدول بأغلبية سبعة أعضاء بالنسبة للهيئة وأربعة عشر عضواً بالنسبة للهيئتين مجتمعتين ولم تلزم أياً من التشكيلين بعد الفصل في مسألة العدول بالفصل في موضوع الطعن وهو ما تشير إليه عبارة "وتصدر الأحكام في هذه الحالة بأغلبية أربعة عشر عضواً على الأقل التي وردت بعجز المادة إذ أن العدول هو الذي يلزم له الأغلبية المشار إليها فيها دون الحكم في الطعن نفسه الذي يكفي فيه بعد ذلك الأغلبية العادية المقررة لإصدار الأحكام. لما كان ذلك، فإن الهيئة بعد الفصل في المسألة المعروضة عليها تعيد الطعن - وهو مرفوع للمرة الثانية - إلى الدائرة التي أحالته إليها للفصل فيه طبقاً لأحكام القانون.