مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الحادية والعشرون - (من أول أكتوبر سنة 1975 إلى أخر سبتمبر سنة 1976) - صـ 216

(81)
جلسة 26 من يونيه سنة 1976

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ أحمد ثابت عويضة نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة: محمد صلاح الدين السعيد، ومحي الدين طاهر، وجمال الدين إبراهيم وريده، ومحمد نور الدين العقاد - المستشارين.

القضية رقم 437 لسنة 16 القضائية

( أ ) إثبات - صورة رسمية - الطعن بالتزوير - الطعن بالتزوير في الصورة الرسمية.
إذا كانت الصورة التي قدمتها الجهة الإدارية من القرار الجمهوري صورة رسمية طبق أصلها صدرت من الجهة المنوط بها حفظ أصول القرارات الجمهورية فإنه تكون لها والحالة هذه حجية القرار الأصلي - ليس من سبيل أمام من ينكر القرار المذكور أو يدعي عدم صحة ما ورد به إلا أن يطعن في الصورة الرسمية بالتزوير طبقاً لأحكام القانون رقم 25 لسنة 1959 بشأن الإثبات.
(ب) جنسية - قرار - القرارات المكسبة أو المسقطة للجنسية - نشر القرار - سريانه - العلم به - أنه ولئن كانت المادة 29 من القانون رقم 29 لسنة 1958 بشأن الجنسية المصرية قد أوجبت نشر القرارات المكسبة أو المسقطة للجنسية في الجريدة الرسمية إلا أن المشرع لم يرتب على عدم النشر أية نتائج من شأنها المساس بوجود القرار أو بسريان أثره من تاريخ صدوره - القصد من إجراء النشر أن يكون قرينة قانونية على علم ذوي الشأن بالقرار.
(جـ) جنسية - قرار - قرار إسقاط الجنسية - العلم به - العلم اليقيني.
قرار إسقاط الجنسية المصرية يثبت من أية واقعة أو قرينة تفيد حصوله ودون التقيد في ذلك بوسيلة إثبات معينة - موقف المدعية السلبي بعدم متابعة أمر جنسيتها حيث لم تسع في أي وقت إلى تجديد صلاحية جواز سفرها المصري منذ أن تقرر رفض تجديده ومسلكها الإيجابي بالتصرفات المفاجئة والمتلاحقة في أموالها النقدية وأوراقها النقدية يستخلص منه أن المدعية قد علمت علماً يقينياً بقرار إسقاط الجنسية المصرية عنها وما يتفرع عليه من إخضاع أموالها لنظام غير المقيمين.
(د) الرقابة على النقد - صفة غير المقيم - مصادرة إدارية.
إذا كان الثابت أن المدعية بحكم علمها اليقيني منذ سنة 1968 بإسقاط الجنسية المصرية عنها وباكتسابها من ثم صفة غير المقيم في حكم التشريع الخاص بتظلم الرقابة على عمليات النقد قد نكلت عن اتخاذ ما يجب عليها طبقاً لهذا التشريع وقد ترتب على ارتكاب المدعية هذه المخالفة أنها حجبت إدارة الرقابة على النقد والبنوك عن أن تطبق على أموالها وأوراقها المالية الموجودة في مصر النظم القانونية الخاصة بأموال غير المقيمين فإن هذه الأفعال تشكل جرائم في تطبيق القانون رقم 80 لسنة 1947 بتنظيم الرقابة على النقد وتجيز طبقاً للمادة التاسعة منه المصادرة الإدارية للمبلغ موضوع المخالفة في حالة عدم الإذن برفع الدعوى العمومية - قرار مصادرة هذه الأموال يكون صحيحاً مطابقاً للقانون.
1 - إنه بالنسبة لما ذهبت إليه المدعية من إنكار للقرار الجمهوري الخاص بإسقاط الجنسية المصرية عنها، وما رتبته على ذلك من إهدار المخالفات المنسوبة إليها والمتعلقة بنظام الرقابة على عمليات النقد الخاصة بغير المقيمين، فإن القانون رقم 82 لسنة 1958 بشأن الجنسية المصرية المعدل بالقانون رقم 282 لسنة 1959 ينص في المادة 23 منه على أنه "يجوز بقرار من رئيس الجمهورية لأسباب هامة يقدرها إسقاط الجنسية المصرية عن كل شخص متمتع بها يكون قد غادر الجمهورية بقصد عدم العودة إذا جاوزت غيبته في الخارج ستة أشهر، وذلك بعد إخطاره بالعودة إذا لم يرد أو رد بأسباب غير مقنعة خلال ثلاثة أشهر من تاريخ إخطاره، أما إذا امتنع عن تسلم الإخطار أو لم يعرف له محل إقامة اعتبر النشر عن ذلك بالجريدة الرسمية بمثابة الإخطار" كما تقضي المادة 24 بأنه يترتب على إسقاط الجنسية عن صاحبها طبقاً للمادة 23 أن تسقط الجنسية أيضاً عن زوجته وأولاده القصر المغادرين معه. وتنص المادة 29 على أن "جميع القرارات الخاصة بكسب الجنسية المصرية أو بسحبها أو بإسقاطها أو باستردادها تحدث أثرها من تاريخ صدورها، ويجب نشرها في الجريدة الرسمية خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها ولا يمس ذلك كله حقوق حسني النية من الغير".
ومن حيث إن الجهة الإدارية قدمت أثناء نظر الطعن صدوره ممهورة بخاتم رئاسة مجلس الوزراء (الأمانة العامة) من قرار رئيس الجمهورية رقم 330 لسنة 1962 الصادر في 3 من يناير سنة 1962 ومن مذكرته الإيضاحية والذي ينص على أن "تسقط الجنسية المصرية عن الثمانية والخمسين شخصاً المدرجة أسماؤهم بالكشف المرافق والمقيمين بالخارج لأنهم غادروا مصر بنية عدم العودة وجاوزت غيبتهم في الخارج ستة أشهر ولم يعودوا رغم إخطارهم بالعودة خلال ثلاثة أشهر، وذلك محافظة على صالح الجمهورية وأمنها وسلامتها" - وقد ورد بالكشف المذكور اسم المدعية....... زوجة...... واسم زوجها واسم ابنتهما...... بالأرقام 25 و26 و27، كما جاء بالمذكرة الإيضاحية للقرار أن جميع من ذكروا به يهوديو الديانة وكانوا متمتعين بالجنسية المصرية ثم غادروا مصر بصفة نهائية بنية عدم العودة إليها وجاوزت غيبتهم ستة أشهر، وأنه تم إخطارهم بالعودة خلال ثلاثة أشهر عن طريق النشر في الجريدة الرسمية بالأعداد 107 في 11/ 5/ 1960 و108 في 12/ 5/ 1960 و127 في 8/ 6/ 1960 ولم يعودوا، ومن ثم جاز إسقاط الجنسية عنهم بقرار من رئيس الجمهورية طبقاً للمادتين 23 و24 من القانون رقم 82 لسنة 1958 المعدل بالقانون رقم 282 لسنة 1959.
ومن حيث إن المحرر الرسمي، وكذلك صورته الرسمية المطابقة لأصله، يكون حجة على الناس كافة بما دون فيه من أمور في حدود ما أعد له، ولا تهدر حجيته إلا إذا ثبت تزويره ولما كانت الصورة التي قدمتها الجهة الإدارية من القرار الجمهوري رقم 330 لسنة 1962 سالف الذكر صورة رسمية طبق أصلها صدرت من الجهة المنوط بها حفظ أصول القرارات الجمهورية فتكون لها والحالة هذه حجية القرار الأصلي، وليس من سبيل أمام من ينكر وجود القرار المذكور أو يدعي عدم صحة ما ورد به إلا أن يطعن في الصورة الرسمية بالتزوير (المواد 10 و11 و12 من القانون رقم 25 لسنة 1969 بشأن الإثبات) وبما أن المدعية لم تطرق ذلك السبيل فلا يجديها إنكارها للقرار المشار إليه ويكون هذا السبب من أسباب طعنها فاقداً سنده.
2 - إنه ولئن كان هذا القرار لم ينشر بالجريدة الرسمية - على ما أقر به محامي الحكومة في محضر الجلسة - إلا أنه أحدث أثره بإسقاط الجنسية المصرية عن المدعية من تاريخ صدوره في 3 من يناير سنة 1962 حسب مقتضى المادة 29 من قانون الجنسية المصرية سالفة الذكر، وأنه ولئن كانت هذه المادة قد أوجبت نشر القرارات المكسبة أو المسقطة للجنسية في الجريدة الرسمية إلا أن المشرع لم يرتب على عدم النشر أية نتائج من شأنها المساس بوجود القرار أو بسريان أثره من تاريخ صدوره، ومفاد ذلك أنه قصد من إجراء النشر أن يكون قرينة قانونية على علم ذوي الشأن بالقرار.
3 - إن مبنى قرار المصادرة المطعون فيه هو مساءلة المدعية عن مخالفة أحكام قانون تنظيم عمليات الرقابة على النقد والتي تقوم على أساس أنها اكتسبت صفة غير المقيم - طبقاً للمادة 24 من اللائحة التنفيذية لهذا القانون - بأن صارت أجنبية بإسقاط الجنسية المصرية عنها مع إقامتها خارج البلاد، ولما كان الثابت أنها تقيم بسويسرا منذ سبتمبر سنة 1956 وأن قرار إسقاط الجنسية لم ينشر ولم يعلن إليها، لذلك فإن مساءلتها عن مخالفة القواعد والأوضاع النقدية التي يلتزم بها غير المقيمين لا تكون جائزة إلا من الوقت الذي يثبت أن المدعية علمت فيه علماً يقينياً بقرار إسقاط الجنسية المصرية عنها، وهذا العلم اليقيني يثبت حسبما جرى به قضاء هذه المحكمة - من أية واقعة أو قرينة تفيد حصوله دون التقيد في ذلك بوسيلة إثبات معينة، وللمحكمة في سبيل إعمال رقابتها القانونية التحقق من قيام هذه القرينة أو تلك الواقعة وتقدير الأثر الذي يمكن ترتيبه عليها من حيث كفاية العلم أو قصوره وذلك حسبما تستبينه من أوراق الدعوى وظروف الحال، فلا تأخذ بهذا العلم إلا إذا توافر اقتناعها بقيام الدليل عليه، كما لا تقف عند إنكار صاحب المصلحة له.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن المدعية غادرت مصر في سبتمبر سنة 1956 مع زوجها وابنتها وأقامت بسويسرا وجددت جواز سفرها المصري عن طريق القنصلية المصرية في جنيف حتى مارس سنة 1959، ووفق على تجديد جوازات أفراد الأسرة لمدة ستة شهور فقط، مع قصر صلاحيتها على العودة لمصر، وكان ذلك بناء على رأي إدارة المباحث العامة بحسبان أن المدعية وأسرتها من اليهود المصريين الذين غادروا البلاد بنية عدم العودة. ثم تقرر في أغسطس سنة 1959 رفض الطلب المقدم من المدعية لتجديد جواز سفر المدعية مع إخطارها بالعودة، ولما لم ترد المدعية على هذا الإخطار في 20 من أغسطس سنة 1959 طلبت منها التأشير برفض التجديد على جواز سفر المدعية مع إخطارها بالعودة ولما لم ترد المدعية على هذا الإخطار أعيد إخطارها عن طريق النشر في الجريدة الرسمية على ما سلف بيانه، ومن الجلي أن مسلك المدعية - شأنها شأن الغالبية العظمى من اليهود الذين غادروا مصر - قد أفصح عن قصد عدم العودة إليها، ومن ثم فإن مسلكها هذا بما صاحبه من امتناع الإدارة عن تجديد جواز سفرها ودعوتها إلى العودة عن طريق القنصلية ثم بالنشر في الجريدة الرسمية كل ذلك من شأنه أن يهيئ الظروف والأسباب التي تؤدي إلى إسقاط الجنسية المصرية عنها بموجب المادة 23 من قانون الجنسية. يضاف إلى ذلك أن المدعية لم تسمع في أي وقت إلى تجديد صلاحية جواز سفرها المصري منذ أن تقرر رفض تجديده في سنة 1959، مع أن جواز السفر يعد من القرائن الظاهرة القوية على جنسية صاحبه، كما أنها لم تحرك ساكناً نحو الطعن بالإلغاء في قرار إسقاط الجنسية الذي استندت إليه جهة الإدارة في المنازعة الماثلة، كذلك يتضح من ناحية أخرى بالنسبة لما قامت به المدعية ووكيلها من تصرفات في أموالها المودعة في مصر، أن التعامل في شراء أو بيع الأوراق المالية كان راكداً منذ سنة 1960 كما كان الأمر كذلك بالنسبة للسحب من الحساب الجاري ببنك الإسكندرية وبنك بور سعيد منذ سنة 1962، ثم نشطت المدعية ووكيلها فجأة إلى التصرف في هذه الحسابات وتلك الأوراق ابتداء من شهر أكتوبر سنة 1968، فأصدر وكيلها خمس شيكات متلاحقة جملتها 64700 جنيه سحباً من الحساب الجاري منها 5000 جنيه لصالح شقيقتها والباقي جميعه لصالح...... الذي دلت تحريات أجهزة مكافحة تهريب النقد على أنه يعمل في الخارج ويجري مع المدعية مقاصة غير قانونية في أموالها بقصد تهريبها عن طريق تسديد القيمة إليها في مقر إقامتها بسويسرا، وتمت تغطية هذه التصرفات بعقدي الشركة والقرض سالف الذكر المحررين بين وكيل المدعية...... في نوفمبر سنة 1968 وفبراير سنة 1969، كما بادرت المدعية بأمر مباشر منها إلى البنك في يناير وفبراير سنة 1969 إلى تصفية الأوراق المالية المملوكة لها وإيداع حصيلة بيعها في الحساب الجاري ليتم سحبها على غرار ما سبق، كما طلبت من وكيلها أن يقبض لنفسه رصيد حسابها في بنك بور سعيد أتعاباً له، هذا وكان من بين الأوراق التي ضبطت بمكتب وكيل المدعية خطاب صادر من زوجها في يناير سنة 1969 يشير فيه إلى أن الأوراق المالية المملوكة له والموجودة في مصر قد جمدت. وتستخلص المحكمة من الوقائع المتقدمة، سواء ما تعلق منها بموقف المدعية السلبي بعدم متابعة أمر جنسيتها أو ما تعلق منها بمسلكها الإيجابي بالتصرفات المفاجئة والمتلاحقة في أموالها النقدية وأوراقها المالية أنها قد علمت علماً يقينيا بقرار إسقاط الجنسية المصرية عنها وما يتفرع عليه من إخضاع أموالها لنظام غير المقيمين، وأن هذا العلم اليقيني قد تحقق في غضون سنة 1968 حيث كان هذا العلم هو الحافز لها على الشروع في تصفية أموالها في مصر بالأعمال التي سلف شرحها، وذلك عندما تبينت أن إخضاع أموالها لنظام الرقابة على عمليات النقد المطبق على غير المقيمين سيفرض رقابة الدولة على تصرفها في أموالها مما يعوق عملية التصفية المستهدفة والتي بدأ تنفيذها من شهر أكتوبر سنة 1968.
4 - إن القانون رقم 80 لسنة 1947 بتنظيم الرقابة على عمليات النقد - معدلاً بالقانون رقم 157 لسنة 1950 - ينص في المادة الأولى منه على أنه: -
"يحظر التعامل في أوراق النقد الأجنبي أو تحويل النقد من مصر أو إليها كما يحظر كل تعهد مقوم بعملة أجنبية وكل مقاصة منطوية على تحويل أو تسوية كاملة أو جزئية بنقد أجنبي وغير ذلك من عمليات النقد الأجنبي سواء كانت حالة أم لأجل إلا بالشروط والأوضاع التي تحدد بقرار من وزير المالية وعن طريق المصارف المرخص لها منه في ذلك.
ويحظر على غير المقيمين في مصر أو وكلائهم التعامل بالنقد المصري أو تحويل أو بيع القراطيس المالية المصرية إلا بالشروط والأوضاع التي تعين بقرار من وزير المالية وعن طريق المصارف المرخص لها منه في ذلك".
وبينت اللائحة التنفيذية الصادرة بقرار وزير الاقتصاد رقم 893 لسنة 1960 الأحكام التفصيلية لتنظيم الرقابة على عمليات النقد، فنصت في المادة 11 منها على أن المقصود بعبارة "أموال غير المقيمين" العملات الأجنبية والجنيهات المصرية التي يملكها أشخاص غير مقيمين، وعرفت في المادة 24 غير المقيم بأنه "من لا تتوافر فيه إحدى الصفات الآتية: أ - أن يكون متمتعاً بالجنسية المصرية بصرف النظر عن محل إقامته. ب - من يحمل بطاقة إقامة لمدة لا تقل عن خمس سنوات أو إقامة لمدة متصلة بلغت خمس سنوات في مجموعها. جـ - كل شخص اعتباري. د - فروع المنشآت الأجنبية..." وقضت في المادة 25 بأن الأجنبي الذي يزمع الإقامة في الخارج يقدم طلباً إلى إدارة الرقابة على النقد ليكتسب صفة غير المقيم، وحددت المادة 27 المال الذي يجوز الإفراج عنه لغير المقيم بمبلغ خمسة آلاف جنيه للأسرة سواء كان مصدر هذا المبلغ رأس مال أو إيراد، وقضت بأن تودع باقي أموال غير المقيم في "حساب محمد" باسم صاحب الشأن، وأجازت المادة 28 لغير المقيم أن يودع الخمسة آلاف جنيه سالف الإشارة في "حساب غير مقيم" يفتح باسم صاحبه - وقضت المادة 39 على أن المبالغ المستحقة الدفع إلى غير مقيم والتي لا تجيز قواعد الرقابة على النقد تحويلها ينبغي أن تدفع في حساب مجمد لدى أحد البنوك المتعمدة في مصر، وأنه يجب على البنوك أن تقيد في الجانب الدائن من الحساب المجمد المبالغ التي لها صفة رأس المال حيث يجوز التحويل منها بموافقة الإدارة العامة للنقد في الأحوال الأربع التي ذكرتها المادة، وأجازت المادة 40 لغير المقيم أن يستثمر أرصدة حساباته المجمدة في شراء أوراق مالية معينة، واستلزمت أن يتم الشراء عن طريق البنك المفتوح لديه الحساب المجمد وبشرط أن تحفظ الأوراق المالية لدى بنك معتمد. وقضت المادة 41 بأن تعاد قيمة هذه الأوراق عند التصرف فيها إلى الحساب المجمد الذي اشتريت من رصيده. وأجازت المادة 42 الموافقة على تحويل - ريع الأصول المشتراه من حساب مجمد إلى المستفيد غير المقيم، ونظمت المادتان 113 و114 الشروط والأوضاع التي يجب على غير المقيم إتباعها للحصول على موافقة إدارة النقد على تحويل إيرادات رؤوس الأموال إلى الخارج. كما نظم الباب الرابع (الفصل الأول) من اللائحة المذكورة "عمليات الأوراق المالية" فأوجب في المادة 172 أن تودع جميع الأوراق المالية الموجودة في مصر والمملوكة لغير مقيم لدى بنك محلي معتمد، ونص في المادة 173 على مسئولية البنك المودع لديه هذه الأوراق إذا ما تصرف فيها بما يخالف أحكام اللائحة، وقضى في المادة 174 بأن تضاف الأموال المستحقة لغير مقيم والناتجة عن بيع ما يملكه من أوراق مالية في مصر في "حساب مجمد"، وأخضع في المادة 175 عمليات شراء غير المقيمين ووكلائهم الأوراق المالية في مصر لرقابة البنك بقصد التحقق من توفر الشروط التي أوردتها المادة في هذا الشأن.
ومن حيث إنه بتطبيق هذه القواعد على وقائع المنازعة الماثلة يبين أن المدعية - بحكم علمها اليقيني ومنذ سنة 1968 بإسقاط الجنسية المصرية عنها وباكتسابها من ثم صفة غير المقيم في حكم التشريع الخاص بتنظيم الرقابة على عمليات النقد قد نكلت عن اتخاذ ما يجب عليها طبقاً لهذا التشريع من إخطار الجهات الإدارية المختصة في مصر والبنوك المودعة لديها نقودها وأوراقها المالية بأمر اكتسابها صفة غير المقيم، وقد ترتب على ارتكاب المدعية هذه المخالفة أنها حجبت إدارة الرقابة على النقد والبنوك عن أن تطبق على أموالها وأوراقها المالية الموجودة في مصر النظم القانونية الخاصة بأموال غير المقيمين والتي من مقتضاها وضعها في حسابات مجمدة يتم استخدامها والإيداع فيها والسحب منها وفق القواعد والضوابط السارية على أموال غير المقيمين والتي سلف إيرادها تفصيلاً، ثم استغلت المدعية الأثر المترتب على هذه المخالفة، فأخذت هي ووكيلها - منذ سبتمبر سنة 1968 وحتى ضبطهما في فبراير سنة 1969 - يتعاملان في تلك الأموال بنوعيها، نقوداً وأوراقاً مالية، دون أي التزام بالنظم الخاصة بأموال غير المقيمين وبالمخالفة الصريحة لها، وقد تم ذلك حسب التفصيل السالف بيانه والذي كشف عن اتجاه المدعية ووكيلها إلى تصفية تلك الأموال وتهريبها إلى خارج البلاد، على ما ورد بنتائج تحريات إدارة مكافحة تهريب النقد بوزارة الداخلية وتقارير خبير النقد المودعة ملف الطعن، ومؤدى ما تقدم جميعه أن المدعية ووكيلها قد ارتكبا الجرائم التي حظرتها المادة الأولى من القانون رقم 80 لسنة 1947 التي سلف ذكرها وخالفا القواعد المنظمة للتعامل في النقد والأوراق المالية.
ومن حيث إن المادة التاسعة من القانون المذكور - معدلة بالقانونين رقمي 157 لسنة 1950 و111 لسنة 1953 - تنص على أن "كل من خالف أحكام المواد الأولى والثانية والثالثة أو شرع في مخالفتها أو حاول ذلك يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر... وبغرامة تعادل ضعف المبالغ التي رفعت الدعوى الجنائية بسببها.... وفي جميع الأحوال تضبط المبالغ محل الدعوى ويحكم بمصادرتها لجانب الخزانة العامة، فإن لم تضبط يحكم على الجاني عدا العقوبات السابقة بغرامة إضافية تعادل قيمة هذه المبالغ. ولا يجوز رفع الدعوى بالنسبة إلى الجرائم المتقدم ذكرها أو اتخاذ إجراء فيها إلا بناء على إذن من وزير المالية والاقتصاد أو ممن يندبه لذلك - وفي حالة عدم الإذن يجوز للوزير أو لمندوبه مصادرة المبلغ موضوع المخالفة".
ومن حيث إن قرار المصادرة الإدارية المطعون فيه والذي صدر في 8 من يونيه سنة 1969 من مدير الإدارة العامة للرقابة على النقد قد نص على "عدم الإذن برفع الدعوى العمومية في القضية رقم 12 لسنة 1969 حصر تحقيق شئون مالية - مع اتخاذ الآتي: -
1 - مصادرة رصيد حساب جاري...... ببنك الإسكندرية فرع الموسكي.
2 - مصادرة قيمة الأوراق المالية بملف الأوراق المالية الخاص بالسيدة....... ببنك الإسكندرية فرع الموسكي.
3 - مصادرة رصيد الحساب الجاري المفتوح باسم........ تحت رقم 119 ببنك بور سعيد فرع قصر النيل وكذلك الحساب المؤقت بالفوائد عن الحساب المذكور. ولما كان الثابت فيما تقدم أن المدعية ووكيلها قد خالفا القانون بالنسبة لهذه الحسابات الثلاثة بعدم الإبلاغ باكتساب صاحبتها صفة غير المقيم مما أدى إلى عدم إخضاعها للنظم الخاصة بأموال غير المقيمين، كما أنهما بالإضافة إلى ذلك ارتكبا بالنسبة للحساب الأول عدة مخالفات من بينها مخالفة إيداع مبلغ 62152.070 جنيهاً حصيلة بيع أوراق مالية بناء على أمر المدعية إلى البنك حالة أن هذا المبلغ كان يجب أن يودع في حساب مجمد طبقاً للقواعد القانونية سالفة البيان، ومخالفة سحب الوكيل مبلغ 25 ألف جنيه بشيك في 17 من فبراير سنة 1969 لصالح....... ثم ضبطه وأوقف صرفه والمبلغان موضوع هاتين المخالفتين وحدهما مجاوزة قيمة الرصيد الدائن لهذا الحساب الذي تقررت مصادرته (64356.846 جنيهاً) وبالنسبة لملف الأوراق المالية فالثابت فضلاً عن مخالفة عدم الإبلاغ بصفة غير المقيم أن المدعية شرعت في بيع ما تبقى بهذا الملف من أوراق بالمخالفة للقواعد التي تنظم التعامل في الأوراق المالية المملوكة في مصر لغير المقيمين، والتي من أهمها فرض رقابة جهة الإدارة والبنك على التعامل فيها وفقاً للقواعد المذكورة، وبالنسبة للحساب الجاري وفوائده ببنك بور سعيد فقد ثبت أن المدعية - استغلالاً منها لما ارتكبته من عدم الإبلاغ باكتسابها صفة غير المقيم قد شرعت في التعامل في مجموع رصيد الحساب المذكور بأن كلفت بأن يقبضه لنفسه مقابل أتعاب له، وعلى ذلك فإن الأفعال التي ارتكبتها المدعية ووكيلها بالنسبة للحسابات الثلاثة التي تضمنها القرار المطعون فيه تشكل جرائم في حكم القانون رقم 80 لسنة 1947 بتنظيم الرقابة على عمليات النقد، ومن ثم تجيز طبقاً للمادة التاسعة منه المصادرة الإدارية للمبالغ موضوع المخالفة في حالة عدم الإذن برفع الدعوى العمومية، وعلى ذلك يكون القرار المطعون فيه قد صدر صحيحاً مطابقاً للقانون.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد خلص إلى هذه النتيجة وقضى برفض الدعوى فإنه يكون قد أصاب الحق في قضائه ولذلك يتعين الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.