مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الحادية والعشرون - (من أول أكتوبر سنة 1975 إلى أخر سبتمبر سنة 1976) - صـ 228

(83)
جلسة 26 من يونيه سنة 1976

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ أحمد ثابت عويضة نائب مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة: محمد صلاح الدين السعيد، ومحمود طلعت الغزالي، وعبد الفتاح صالح الدهري، وجمال الدين إبراهيم وريده - المستشارين.

القضية رقم 677 لسنة 19 القضائية

( أ ) حكم - بطلان الحكم - دعوى الصلاحية لنظر الدعوى وإصدار الحكم فيها - هيئة مفوضي الدولة.
إذا كان الثابت من الأوراق أن رئيس هيئة مفوضي الدولة - إبان تحضير الدعوى بالهيئة المذكورة - لم يشارك في مرحلة تحضيرها أو في إعداد التقرير فإنه لا يوجد ما يفيد أن رئيس الهيئة المذكورة قد أبدى رأيه في موضوع الدعوى ومن ثم فإنه لا يقوم برئيس الهيئة التي أصدرت الحكم المطعون فيه ، بوصف أنه كان رئيس هيئة مفوضي الدولة إبان تحضير الدعوى، ما يفقده الصلاحية لنظر الدعوى والاشتراك في إصدار الحكم فيها - بيان ذلك.
(ب) عقد إداري - عقد التوريد - شطب من سجل الموردين.
مجرد مخالفة المواصفات - إن صح ذلك - لا يشكل غشاً أو تلاعباً يدعوا إلى شطب اسم المورد من قائمة المتعاملين مع الإدارة - أساس ذلك أنه يلزم حتى ترقى مخالفة المواصفات إلى مرتبة الغش أن يثبت علم المتعهد بهذه المخالفة بما ينطوي عليه هذا العلم من خداع من جانب المورد في حقيقة الشيء المسلم من حيث نوعه أو صفاته الجوهرية التي جرى التعاقد عليها أو أن يأتي المتعهد إعمالاً تنم عن عدم التزام الجادة في تنفيذ التزاماته ابتغاء الحصول على منفعة غير مشروعة على حساب المصلحة العامة - في هذه الحالات يتوافر سوء القصد الدال على استعمال الغش أو التلاعب المبرر لعدم التعامل مع المورد.
1- إنه عن السبب الأول من سببي الطعن والخاص ببطلان الحكم لأن رئيس الهيئة التي أصدرته كان رئيساً لهيئة مفوضي الدولة أثناء تحضير الدعوى بالهيئة وتهيئتها للمرافعة، فالملاحظ في هذا الصدد أنه ولئن كان رئيس هيئة مفوضي الدولة - هو دون غيره من أعضاء الهيئة - الذي يختص بالطعن في الأحكام الصادرة من محاكم مجلس الدولة متى شاب الحكم حالة أو أكثر من الحالات التي تجيز الطعن، أو في حالات الطعن الوجوبي ، إلا أن تحضير الدعوى وتهيئتها للمرافعة وإعداد التقرير فيها يقوم به السادة مفوضو الدولة طبقاً للمادة (27) من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 (والتي تقابلها المادة 30 من قانون مجلس الدولة رقم 55 لسنة 1959) التي تضمنت النص على أنه "ويودع المفوض - بعد تهيئة الدعوى - تقريراً يحدد فيه الوقائع والمسائل القانونية التي يثيرها النزاع ويبدي رأيه مسبباً، ويجوز لذوي الشأن أن يطلعوا على تقرير المفوض بقلم كتاب المحكمة ولهم أن يطلبوا صورة منه على نفقتهم". فإذا كان ذلك ما تقدم، وكان الثابت من الأوراق أن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة - إبان تحضير الدعوى بالهيئة المذكورة - لم يشارك في مرحلة تحضيرها أو في إعداد التقرير، كما أن الشكايات التي قدمها الطاعن يتعجل فيها وضع التقرير في الدعوى رغم أنها كلها كانت بعد تحضير الدعوى وحجزها للتقرير - حسبما يبين من تلك الشكايات - فإنه لا يوجد ما يفيد أن السيد رئيس الهيئة المذكورة قد أبدى رأيه في موضوع الدعوى، ومن ثم فإنه لا يقوم بالسيد رئيس الهيئة التي أصدرت الحكم المطعون فيه - بوصف أنه كان رئيس هيئة مفوضي الدولة أبان تحضير الدعوى - ما يفقد الصلاحية لنظر الدعوى والاشتراك في إصدار الحكم فيها.
2- إنه عن السبب الثاني من أسباب الطعن، فالثابت من الأوراق أن المركز القومي للبحوث أعلن في 16 من يونيه سنة 1969 عن فتح باب القيد في سجل الموردين في موعد غايته 30 من يوليه لسنة 1969 لتوريد بعض المهمات، وقد تقدم المدعي بطلبين في 19 من يونيه سنة 1969 لقيد اسم الشركة التي يمثلها في السجل المذكور، إلا أن المركز رفض طلبيه وذلك بكتاب مراقب الشئون المالية المؤرخ 3 من أغسطس سنة 1969، وقد أفصحت الجهة الإدارية في مذكراتها عن أسباب قرارها المشار إليه وحاصلها أن المدعي سبق أن قام بتوريد حضانتين وتبين من فحصهما أن وحدة التبريد بهما مستعملتان ومجددتان وإحداهما لا تعطي درجة التبريد المطلوبة، كما تبين عدم صلاحية بعض الأجهزة التي كان يقوم المدعي بتوريدها وارتفاع أسعارها، ولجوء المدعي أحياناً إلى طرق مريبة لسحب أصناف سبق توريدها قبل اتخاذ إجراءات فحصها عندما تتكشف للجهة طالبة التوريد عدم صلاحية تلك الأصناف. وكل ذلك بجانب ضخامة قيمة العمليات التي أسندت إلى المدعي والتي بلغت خلال الفترة من 12 من أغسطس سنة 1960 حتى 23 من مارس سنة 1966 مبلغ 24745 جنيه رغم ما تكشف من عدم سلامة إجراءات الشراء وبطريقة تدعو إلى الشك في غالبية الموضوعات التي تناولها التحقيق والتي انتهت إلى وجوب التحرز في المعاملة مع المدعي.
ومن حيث إن الجهة الإدارية وقد أفصحت عن أسباب قرارها، فإن هذه الأسباب تخضع لرقابة القضاء الإداري للتحقق من مدى مطابقتها أو عدم مطابقتها للقانون، وأثر ذلك في النتيجة التي انتهى إلهيا القرار، وهذه الرقابة القانونية تجد حدها في التحقق مما إذا كانت هذه النتيجة مستخلصة استخلاصاً سليماً من أصول تنتجها مادياً وقانوناً، فإذا كانت منتزعة من غير أصول موجودة أو كان تكييف الوقائع - على فرض وجودها مادياً - لا ينتج النتيجة التي يتطلبها القانون، كان القرار فاقداً لركن السبب ومخالفاً للقانون.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على قضية النيابة الإدارية رقم 1 لسنة 1968، أن المركز القومي للبحوث تعاقد مع المدعي على توريد حضانتين إلى وحدة الحداثة والمقاومة البيولوجية طراز لوتس 701 (صناعة محلية) وعلى أن تكون الحضانة مستعدة لإعطاء درجة حرارة من 5 م إلى 60 م ومزودة بموصلتين أوتوماتيكيتين صناعة ألمانيا الغربية بمبلغ 320 جنيه للحضانة الواحدة. وإذ ورد المدعي الحضانتين المشار إليهما شكلت لجنة لفحصهما فقررت أن وحدة التبريد في كل من الحضانتين قديمة ورأت تكليف المورد باستبدال وحدتي التبريد بوحدتين جديدتين أو يقبل خصم 50 جنيه من قيمة كل حضانة. ولما لم يقبل المدعي ما انتهت إليه اللجنة، أصدر مدير عام إدارة المرافق والصيانة بالمركز قراراً بتشكيل لجنة أخرى لإعادة فحص الجهازين وقد انتهت هذه اللجنة إلى أن نوع الأصناف الموردة مطابق من جميع الوجوه لما هو مطلوب وأوصت بقبول الحضانتين، وقد تم تسليمهما إلى المخازن وسداد الثمن للمدعي، ونظراً لاعتراض أحد أعضاء اللجنة الأولى على ما انتهت إليه اللجنة الثانية، تم تشكيل لجنة ثالثة لإعادة الفحص وانتهت هذه اللجنة إلى أن وحدة التبريد في كل من الحضانتين مستعملة ومجددة وليست جديدة، وإن إحدى الحضانتين لا تعطي درجة التبريد المطلوبة. ويبدو واضحاً مما تقدم أن المواصفات التي تم على أساسها التوريد لم تتطلب صراحة أن تكون وحدة التبريد في كل حضانة جديدة، ولم يذكر المدعي في أي مرحلة من مراحل التوريد أن وحدة التبريد بكل من الحضانتين جديدة، ولذلك اختلفت لجان الفحص فقد رأت إحدى هذه اللجان مطابقة الحضانتين للمواصفات على أساس عدم النص على وجوب أن تكون وحدة التبريد جديدة بينما رأت اللجنتان الأخيرتان، أن الحضانتين غير مطابقتين للمواصفات استناداً إلى أن المفروض أن تكون وحدات التبريد جديدة وليست مجددة.
ومن حيث إنه أياً كان الرأي فيما انتهت إليه كل من اللجان المشار إليها، فإن مجرد مخالفة المواصفات - إن صح ذلك - لا يشكل غشاً أو تلاعباً يدعوا إلى شطب اسم المدعي من قائمة المتعاملين مع الإدارة، إذ يلزم حتى ترقى مخالفة المواصفات إلى مرتبة الغش أن يثبت علم المتعهد بهذه المخالفة بما ينطوي عليه هذا العلم من خداع من جانب المورد في حقيقة الشيء المسلم من حيث نوعه أو صفاته الجوهرية التي جرى التعاقد عليها، أو يأتي المتعهد إعمالاً تنم عن عدم التزام الجادة في تنفيذ التزاماته ابتغاء الحصول على منفعة غير مشروعة على حساب المصلحة العامة، وفي هذه الحالات يتوافر سوء القصد الدال على استعمال الغش، أو التلاعب المبرر لعدم التعامل مع المورد، كذلك فإن باقي الأسباب التي ذكرتها الجهة الإدارية تبريراً لرفض طلبي المدعي، قد جاءت مجهلة وعامة غير محددة لوقائع معينة، وهي على هذا النحو لا تصلح سبباً للقرار المطعون إذ لا يمكن أن يستخلص منها أن المدعي دأب على الغش في معاملاته مما يفقده حسن السمعة الواجب توافرها فيمن تتعاقد معه الإدارة، ومن ثم يكون القرار المطعون فيه غير قائم على سبب يبرره ومخالفاً للقانون، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله ويتعين الحكم بإلغائه، والقضاء بإلغاء القرار المطعون فيه وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.