مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الحادية والعشرون - (من أول أكتوبر سنة 1975 إلى أخر سبتمبر سنة 1976) - صـ 231

(84)
جلسة 26 من يونيه سنة 1976

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد صلاح الدين السعيد نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة: محمود طلعت الغزالي، وعبد الفتاح صالح الدهري، وجمال الدين إبراهيم وريده، ومحمد نور الدين العقاد - المستشارين.

القضية رقم 873 لسنة 19 القضائية

رجال القضاء - تأديب القضاة - حكم - اختصاص - اختصاص محاكم مجلس الدولة.
مؤدى نصوص القانون رقم 46 لسنة 1972 بشأن السلطة القضائية أن الأحكام التي يصدرها مجلس تأديب القضاة نهائية غير قابلة للطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن أمام أية جهة قضائية أخرى - مقتضى ذلك أنه يخرج التعقيب عليها من دائرة اختصاص محاكم مجلس الدولة - بيان ذلك.
إن الثابت من استقراء أحكام قرار رئيس جمهورية مصر العربية بالقانون رقم 46 لسنة 1972 بشأن السلطة القضائية الذي أقره مجلس الشعب بجلسته المنعقدة في 4 من يونيه سنة 1972 ومذكرته الإيضاحية أنه نظم أمر تأديب القضاة بجميع درجاتهم وناط ذلك بمجلس تأديب يشكل وفقاً لحكم المادة 98 من سبعة من رجال القضاء، وأضفى على قرارات هذا المجلس وصف الأحكام، ونص في المادة 107 منه على عدم جوز الطعن في الأحكام الصادرة في الدعوى التأديبية بأي طريق، وأفصحت المذكرة الإيضاحية لهذا القرار بقانون عن أن الحكم الصادر من هذا المجلس يعتبر حكماً قضائياً صادراً من هيئة مشكلة بكاملها من رجال القضاء، وأن المشرع آثر - دفعاً لكل لبس - النص صراحة في المادة 107 على عدم جواز الطعن في الحكم الصادر من هذا المجلس بأي طريق، وتضمن تقرير اللجنة التشريعية بمجلس الشعب في شأن هذا القرار بقانون أن أحد السادة الأعضاء اقترح جعل الطعن في الإجراءات التأديبية الخاصة برجال القضاء أمام المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة ولكن اللجنة رأت أن استقلال القضاء كهيئة لها تقاليدها ونظامها يتنافى معه أن يخضع رجاله لنظام قضائي آخر.
ومن حيث إن مؤدى ما تقدم أن الأحكام التي يصدرها مجلس تأديب القضاة، نهائية لا يجوز الطعن فيها، ويخرج التعقيب عليها من دائرة اختصاص محاكم مجلس الدولة، ولا ينطوي هذا على استحداث لقاعدة جديدة وإنما هو في الواقع من الأمر إقرار وترديد لسياسة انتهجها المشرع وسار عليها من قبل عبرت عنها المذكرة الإيضاحية للقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972 المذكور بما قالت به من أن المشرع رأى - دفعاً لكل لبس - النص على عدم جواز الطعن في الأحكام الصادرة من مجلس تأديب القضاة بأي طريق، وما أشارت إليه اللجنة التشريعية بمجلس الشعب من أن استقلال القضاء كهيئة لها تقاليدها ونظامها يتنافى معه أن يخضع رجاله لنظام قضائي آخر، هذا وبالرجوع إلى القانون رقم 66 لسنة 1943 بإصدار قانون استقلال القضاء يبين أن المادة 64 منه كانت تنص على عدم جواز الطعن في الأحكام الصادرة من مجلس التأديب، وفي أعقاب صدور أول قانون لإنشاء مجلس الدولة في سنة 1946 تقدمت الحكومة في سنة 1949 بمشروع قانون ضمنته فقرة تنص على أن لا تقبل الطلبات التي تقدم عن القرارات المتعلقة بإدارة القضاء، وقد استعرضت اللجنة التشريعية بمجلس النواب هذه الفقرة ولم توافق أغلبية اللجنة على ما ارتأته الأقلية من حذفها ورأت أن تكون على الوجه الآتي "لا تقبل الطلبات التي تقدم عن القرارات المتعلقة بإدارة هيئة القضاء من تعيين أو ترقية أو نقل أو تأديب .." وإذا كان القانون رقم 9 لسنة 1949 الخاص بمجلس الدولة قد صدر دون أن يتضمن الفقرة المقترحة، إلا أن المشرع أخذ بمضمونها واتبع حكمها في القوانين المتعاقبة الخاصة بالقضاء، فنص في المادة 23 من القانون رقم 147 لسنة 1949 بإصدار نظام القضاء على أن تختص محكمة النقض منعقدة بهيئة جمعية عمومية دون غيرها بالفصل في الطلبات المقدمة من رجال القضاء والنيابة بإلغاء المراسيم والقرارات المتعلقة بإدارة القضاء عدا الندب والنقل، كما تختص بالنظر في طلبات التعويض الناشئة عن ذلك، وأفصحت المذكرة الإيضاحية لهذا القانون عن أن لمحكمة النقض منعقدة بهيئة جمعية عمومية ولاية القضاء كاملة في شئون رجال الهيئة القضائية، فهي تجمع بين قضاء الإلغاء وقضاء التعويض بغير معقب، وأن من شأن هذا النص حسم الخلاف القائم حول اختصاص أية هيئة أخرى بالنظر في شئون أعضاء الهيئة القضائية ، فليس أجدر ولا أقدر على الإحاطة بشئون القضاة وتعرف شئونهم والفصل في خلافاتهم من رجال من صميم الأسرة القضائية، وإن النص تطبيق محكم لنظرية الفصل بين السلطات حيث تستقل السلطة القضائية بشئون سدنتها فلا يكون لأي سلطة سواها سبيل أو رقابة عليهم، ثم عدل المشرع هذه المادة بالقانون رقم 240 لسنة 1955 بهدف توسيع دائرة اختصاص محكمة النقض منعقدة بهيئة جمعية عمومية بحيث يكون لها دون غيرها إلغاء قرارات مجلس الوزراء والقرارات الوزارية في المنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت المستحقة لهم أو لورثتهم وفي طلبات التعويض الناشئة عن كل ذلك، وتضمنت المذكرة الإيضاحية لهذا القانون أنه رؤي تعديل نص المادة 23 على نحو يكفل لرجال القضاء والنيابة ومن في حكمهم عرض طلباتهم التي تمس أي شأن من شئون القضاء على الهيئة المذكورة دون غيرها، وناط القانون رقم 43 لسنة 1965 في شأن السلطة القضائية الذي صدر في ظله الحكم المطعون فيه في المادة 90 منه بدائرة المواد المدنية والتجارية بمحكمة النقض دون غيرها الفصل في كافة الطلبات التي يقدمها رجال القضاء والنيابة العامة بإلغاء القرارات الجمهورية والقرارات الوزارية المتعلقة بأي شأن من شئونهم عدا التعيين والنقل والندب والترقية، والفصل في الطلبات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت، والفصل في طلبات التعويض الناشئة عن كل ما تقدم، وأضاف هذا القانون في المادة 92 منه أن تكون الأحكام الصادرة في الطلبات نهائية غير قابلة للطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن أو أمام أية جهة قضائية أخرى، وردد القرار بقانون رقم 46 لسنة 1972 بشأن السلطة القضائية معدلاً بالقانون رقم 49 لسنة 1973 مضمون هذه القواعد في المادتين 83، 85 منه.
ومن حيث إنه يبين من الاستعراض المتقدم أن المشرع اتجه منذ تاريخ العمل بالقانون رقم 147 لسنة 1949 بإصدار نظام القضاء إلى أن يستقل القضاء دون غيره بالفصل في كافة شئون رجال القضاء والنيابة وحجب أي اختصاص لمحاكم مجلس الدولة في هذا الشأن، وسار يدعم هذا الاتجاه بالنصوص التشريعية المتلاحقة مستنداً في ذلك إلى ما أوردته الأعمال التحضيرية لهذه النصوص من حجج ومبررات تنطوي على أن رجال الأسرة القضائية أقدر على الإحاطة بشئون القضاء وأن استقلال القضاء يتنافى معه أنه يخضع رجاله لنظام قضائي آخر. ومما لا شك فيه أن تأديب القضاة وأعضاء النيابة من أخص شئون القضاء التي استهدف المشرع إخراجها من دائرة اختصاص محاكم مجلس الدولة أخذاً في الاعتبار أن عبارة إدارة القضاء وهي أضيق نطاقاً من عبارة شئون القضاء تشمل على ما جاء بالأعمال التحضيرية للقانون رقم 9 لسنة 1949 الخاص بمجلس الدولة التأديب بالإضافة إلى التعيين والترقية وما إلى ذلك، ومن ثم فإن كل ما يتعلق بمساءلة القضاة وأعضاء النيابة سواء بطريق التأديب المبتدأ أم بطريق الطعن في الأحكام التأديبية، لا ينعقد الاختصاص فيه وفقاً لأحكام القانون لمحاكم مجلس الدولة. ولا حجة في النعي بأن استبعاد المشرع عبارة "لا يجوز الطعن في الأحكام الصادرة من مجلس التأديب" التي تضمنتها الفقرة الأخيرة في المادة 64 من القانون رقم 66 لسنة 1943 سالفة الذكر، من نصوص القانون رقم 188 لسنة 1952 في شأن استقلال القضاء والقوانين التي تلته، تنطوي على الإفصاح عن تقرير اختصاص محاكم مجلس الدولة بالنظر في أحكام مجلس تأديب القضاة، لا حجة في ذلك لأن هذه الفقرة وقد تضمنها القانون رقم 66 لسنة 1943 الصادر قبل إنشاء مجلس الدولة، فإن دلالتها كانت تنصرف إلى عدم جواز الطعن في الأحكام المذكورة أمام القضاء دون مجلس الدولة الذي لم يكن قد قام بعد، ومن ثم فإن إلغاء هذه الفقرة بعد إنشاء مجلس الدولة وبعد أن اتجه التشريع إلى حجب اختصاص محاكم مجلس الدولة عن الفصل في كل ما يتعلق بشئون رجال القضاء والنيابة، يتأبى معد القول بأن هذا الإلغاء استهدف إخضاع أحكام مجلس تأديب القضاة لرقابة محاكم مجلس الدولة، وإنما كان لانتفاء المحكمة من بقاء هذه الفقرة بعد أن استقل القضاء بالفصل في شئون رجاله دون ثمة نص على جواز الطعن في الأحكام المذكورة أمام الجهة المختصة بالفصل في شئون رجال القضاء والنيابة أو إنشاء طريق آخر للطعن فيها.
ومن حيث إن القول باختصاص المحكمة الإدارية العليا بالفصل في المنازعة الماثلة استناداً إلى المادة 172 من الدستور القائم التي تنص على اختصاص مجلس الدولة بالفصل في المنازعات الإدارية وفي الدعاوى التأديبية، فإنه مردود بأن الطاعن لم يدفع بعد دستورية قانوني السلطة القضائية القديم والجديد، التزاماً بأحكام القانون رقم 81 لسنة 1969 بإصدار قانون المحكمة العليا الذي يقضي في الفقرة الأولى من المادة الرابعة منه بأن المحكمة العليا هي المختصة دون غيرها بالفصل في دستورية القوانين إذا ما دفع بعدم دستوريتها أمام إحدى المحاكم.
ومن حيث إنه ترتيباً على ما تقدم فإن محاكم مجلس الدولة لا يكون لها ثمة اختصاص بالفصل في المنازعة موضوع الطعن، ويتعين لذلك القضاء بعدم اختصاص المحكمة بنظر الطعن مع إلزام الطاعن المصروفات، ولا حجة فيما طالبت به الحكومة من إحالة الطعن إلى دائرة المنازعات المدنية والتجارية بمحكمة النقض ذلك أن اختصاص هذه الدائرة لا يتناول الطعن في أحكام مجلس تأديب القضاة، وأن الأصل وفقاً لحكم المادة 110 من قانون المرافعات أن الإحالة في حالة الحكم بعدم الاختصاص لا تكون إلا إلى المحكمة المختصة.