مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الحادية والعشرون - (من أول أكتوبر سنة 1975 إلى أخر سبتمبر سنة 1976) - صـ 237

(86)
جلسة 27 من يونيه سنة 1976

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ حسنين رفعت - نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة: محمد فهمي طاهر، ومحي الدين طاهر، وأحمد سعد الدين قمحه، ومحمد بدير الألفي - المستشارين.

القضية رقم 558 لسنة 14 القضائية

إدارة قضايا الحكومة - لجنة التأديب والتظلمات بإدارة قضايا الحكومة - اختصاص - اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري.
نص المادة 25 من القانون رقم 75 لسنة 1963 في شأن تنظيم إدارة قضايا الحكومة على اختصاص لجنة التأديب والتظلمات بالفصل في طلبات إلغاء القرارات الإدارية المتعلقة بشئون أعضاء إدارة قضايا الحكومة وفي طلبات التعويض المترتبة عليها - هو نص معدل لاختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري وملغ لولايته في نظر الدعاوى التي حددها - سريانه على الدعاوى المقامة أمام محكمة القضاء الإداري ولم يفصل فيها أو يقفل فيها باب المرافعة حتى تاريخ العمل بالقانون رقم 75 لسنة 1963 المشار إليه - على محكمة القضاء الإداري أن تحكم بعدم اختصاصها بنظر هذه الدعاوى وأن تأمر بإحالتها بحالتها إلى لجنة التأديب والتظلمات بالتطبيق لحكم المادة 110 من قانون المرافعات - أساس ذلك أن لجنة التأديب والتظلمات هي هيئة قضائية ذات اختصاص قضائي يجوز الدفع أمامها بعدم دستورية القوانين تطبيقاً للمادة الرابعة من قانون المحكمة العليا الصادر بالقرار بقانون رقم 81 لسنة 1969 ومن ثم تدخل في مدلول المحاكم المنصوص عليها في المادة 110 من قانون المرافعات.
إن هذه المحكمة سبق أن قضت بأن القانون رقم 75 لسنة 1963 في شأن تنظيم إدارة قضايا الحكومة فيما تضمنه من النص في المادة 25 منه على اختصاص لجنة التأديب والتظلمات بالفصل في طلبات إلغاء القرارات الإدارية المتعلقة بشئون أعضاء إدارة قضايا الحكومة وفي طلبات التعويض المترتبة عليها هو في حقيقته قانون متعلق بالاختصاص بالنسبة إلى الحكم الوارد في المادة المذكورة، لأنه يتضمن حكماً معدلاً للاختصاص، متخذاً لذلك عبارة معبرة عن المعنى المقصود، فهو بذلك قد عدل اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بإلغاء ولايته بالنسبة إلى نظر الدعاوى المتعلقة بإلغاء القرارات الإدارية الخاصة بشئون أعضاء إدارة قضايا الحكومة وبطلبات التعويض المترتبة عليها، وما دام أن المادة الأولى من قانون المرافعات قد رددت في صدرها أصلاً مسلماً وهو أن نصوص قوانين المرافعات الجديدة تسري بأثر حال على ما لم يكن قد فصل فيه من الدعاوى أو تم من الإجراءات قبل تاريخ العمل به، ثم أخرجت تلك المادة من هذا النطاق الاستثناءات التي نصت عليها في فقراتها الثلاث بالقيود والشروط التي ذكرتها للحكمة التشريعية التي كشفت عنها المذكرة الإيضاحية، ومن ذلك ما أشارت إليه الفقرة الأولى من المادة الأولى من أن القوانين المعدلة للاختصاص لا تسري بأثرها الحال متى كان تاريخ العمل بها بعد إقفال باب المرافعة في الدعوى المنظورة، ويترتب على ما تقدم أنه إذا جاء القانون الجديد ملغياً ولاية القضاء الإداري في نوع من المنازعات، فإنه يسري على هذه الفصيلة من المنازعات التي لم يفصل فيها ما دام لم يقف فيها باب المرافعة قبل العمل به، لأن هذه الصورة تندرج صراحة تحت حكم الفقرة الأولى من المادة الأولى من قانون المرافعات، ما دام أن القانون رقم 75 لسنة 1963 لم يتضمن حكماً خاصاً لا صراحة ولا ضمناً يتخصص به أثر سريانه على الدعاوى التي لم يفصل فيها وعندئذ كان يجب النزول على هذا الحكم.
ومن حيث إنه يبين على هدى ما تقدم، أن نص المادة 25 من القانون رقم 75 لسنة 1963، وهو نص معدل لاختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري وملغ لولايته في نظر الدعاوى المتعلقة بإلغاء القرارات الإدارية الخاصة بشئون أعضاء إدارة قضايا الحكومة وفي طلبات التعويض المترتبة عليها يسري على الدعوى الماثلة التي لم يفصل فهيا حتى تاريخ العمل بهذا القانون ولم يقف فيها باب المرافعة قبل هذا التاريخ أيضاً، ولا عبرة إطلاقاً بكون هذه الدعوى مقامة قبل تاريخ العمل بالقانون رقم 75 لسنة 1963 ما دام هذا القانون المعدل للاختصاص يسري عليها بأثره الحال حسبما سلف الإيضاح.
ولا وجه لما يذهب إليه المدعي من أن المشرع في المادة 25 من القانون المذكور قد استخدم عبارة إلغاء القرارات الإدارية الصادرة في شأن الأعضاء المذكورين والمتعلقة بشئون وظائفهم، وأنه يكون بذلك قد عنى القرارات الإدارية التي استقر القضاء الإداري على وصفها بهذا الوصف، وعلى ذلك يكون قد أخرج من دائرة اختصاص اللجنة المشار إلهيا - التي حدد اختصاصها - تلك المنازعات التي تدور حول تسوية حالات الأعضاء الفنيين بإدارة القضايا، وترتيباً على هذا النظر، وبالنظر إلى أن الحق المتنازع عليه في هذه الدعوى هو من الحقوق التي تدخل في باب التسويات، وهو طلب المدعي تسوية حالته بتعيينه ابتداء في وظيفة محام بإدارة قضايا الحكومة وليس في وظيفة مندوب من الفئة "أ"، وتحديد أقدميته في وظيفة محام بحيث يصبح سابقاً على الأستاذ...... وذلك بالقياس على زملائه المحامين المعينين معه لتماثل ظروفهم، وبذلك يصبح الفصل في هذه المنازعة داخلاً في اختصاص القضاء الإداري ولا شأن للجنة به، لا حجة في ذلك كله إذ أن التكييف الصحيح لدعوى المدعي حسبما هو مستقر قضاء هو طلب إلغاء القرار الصادر بتعيينه في وظيفة مندوب من الفئة "أ" وبتعيين زملائه محاميين وذلك فيما تضمنه من عدم تعيينه في هذه الوظيفة الأخيرة بإدارة قضايا الحكومة، وتحديد أقدميته بينهم، وهي دعوى بطبيعتها دعوى إلغاء وليست تسوية، إذ أن الجهة الإدارية في هذه الحالة إنما تصدر قرارها بناء على ما لها من سلطة تقديرية سواء في تعيين الوظيفة أو تحديد الأقدمية.
ومن حيث إنه يضاف إلى ما تقدم أن المحكمة العليا ذهبت في حكمها الصادر بجلسة 6 من مارس سنة 1976 في القضية رقم 1 لسنة 6 القضائية "دستورية" وفي القضايا المنضمة إليها، أنه يبين من استقراء أصل المادة 25 من القانون رقم 75 لسنة 1963 في شأن تنظيم إدارة قضايا الحكومة أن الشارع استحدث بمقتضى القانون رقم 112 لسنة 1946 بإنشاء مجلس الدولة نظام القضاء الإداري، فخول محكمة القضاء الإداري بهذا المجلس ولاية إلغاء القرارات الإدارية، ولما كانت هذه الولاية تشمل فيما تشتمل على منازعات أعضاء الهيئات القضائية بشأن القرارات الإدارية المتعلقة بشئونهم، فقد رأى الشارع رعاية لكرامتهم وإعمالاً لاستقلالهم أن يجنبهم حق التقاضي أمام تلك المحكمة حيث تنظر منازعتهم في جلسة علنية، فعهد بالفصل فيها إلى كبار أعضاء الهيئات القضائية من ذوي المناصب الكبرى لأنهم لما توافر فيهم من خبرة ودراية بشئون زملائهم أقدر في الإحاطة بها وتحرى وجه الحق والصواب عندما تعرض عليه ظلاماتهم، فيجلسون كأعضاء أسرة واحدة للفصل فيها على هدي من هذه الخبرة والدراية، ولقد أرسى الشارع هذه السنة ابتداء في المادة 23 من قانون نظام القضاء الصادر بالقانون رقم 147 لسنة 1949 التي نقلت الاختصاص بالفصل في طلبات إلغاء المراسيم والقرارات المتعلقة بشئون رجال القضاء والنيابة وطلبات التعويض عن الأضرار المترتبة عليها من محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة إلى محكمة النقض منعقدة بهيئة جمعية عمومية يحضرها على الأقل أحد عشر مستشاراً، وقد جاء بالمذكرة الإيضاحية لهذا القانون تعليقاً على تلك المادة أن الشارع زاد على الضمانات المقررة لرجال القضاء ضمانة أخرى فوكل أمر الفصل في هذه الطعون لأعلى هيئة قضائية في البلاد منعقدة بهيئة جمعية عمومية إمعاناً منه في بث الثقة والطمأنينة في نفوسهم.
ولعل في تشكيل المحكمة على الوجه سالف الذكر ما يغني عن ضمانة تعدد درجات التقاضي، وقد نهج المشرع هذا النهج بالنسبة إلى أعضاء مجلس الدولة حيث أنشأ بمقتضى المادة 63 من القانون رقم 165 لسنة 1955 بتنظيم مجلس الدولة لجنة أسماها لجنة التأديب والتظلمات، وعهد إليها تأديب أعضاء المجلس فضلاً عن ولاية الفصل بصفة قضائية في طلبات إلغاء القرارات الإدارية المتعلقة بشئونهم وفي طلبات التعويض المترتبة عليها مما كان يدخل أصلاً في اختصاص القضاء ويكون قرارها في هذه الطلبات نهائياً لا يقبل الطعن أمام أي جهة، وقد ردد الشارع هذا الحكم في المادة 69 من القانون رقم 55 لسنة 1959 بشأن تنظيم مجلس الدولة للجمهورية العربية المتحدة، وفي عام 1963 استحدث الشارع نظام لجنة التأديب والتظلمات بإدارة قضايا الحكومة بمقتضى المادة 25 من القانون رقم 75 لسنة 1963 المتقدم ذكرها وأصبح نصها على غرار المادة 63 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة سالفة الذكر، وقد جاء بالمذكرة الإيضاحية لذلك القانون تعليقاً على المادة 25 منه أن الشارع "استحدث أوضاعاً جديدة في شأن تأديب أعضاء الإدارة والنظر في قضايا الإلغاء والتعويض المتعلقة بشئونهم، فجعل هذا وذاك من اختصاص لجنة يطلب عليها لجنة التأديب والتظلمات تشكل من أحد عشر عضواً هم أعضاء المجلس الأعلى منضماً إليهم ستة من المستشارين حسب ترتيب أقدميتهم، والنظام مستمد في جوهره مما هو متبع في مجلس الدولة". وقد صدر بعد ذلك القرار بقانون رقم 82 لسنة 1969 بإنشاء المجلس الأعلى للهيئات القضائية، متضمناً نقل اختصاصات مجالس الهيئات القضائية ومن بينها المجلس الأعلى لإدارة قضايا الحكومة إلى المجلس الأعلى للهيئات القضائية، إلا أن لجنة التأديب والتظلمات بهذه الإدارة ظلت تمارس اختصاصاتها المشار إليها.
وخلصت المحكمة من ذلك إلى أن الشارع إذ أنشأ الهيئات الثلاث، المتقدم ذكرها وألفها من كبار أعضاء الهيئات القضائية بنصاب يبلغ أضعاف النصاب العادي للمحاكم العليا، وعهد إليها الفصل في منازعتهم بصفة قضائية بعد سماع أقوالهم والاطلاع على ما يبدون من ملاحظات وذلك بقرارات حاسمة تصدر بالأغلبية، وتلك جميعها إجراءات قضائية، وأن الشارع إذ نهج هذا المنهج إنما يستهدف كما أفصحت عن ذلك المذكرات الإيضاحية لقوانين الهيئات الثلاث توفير ضمانة جديدة لأعضاء هذه الهيئات تكفل بث روح الثقة والطمأنينة في نفوسهم، كما رأى الشارع أن تشكيل الهيئات بالنصاب المذكور من كبار رجال الهيئات القضائية يغني عن تعدد درجات التقاضي، فجعل أحكامها نهائية حاسمة للخصومة، وإذ كان ذلك هو هدف الشارع من إنشاء الهيئات الثلاث ومنها لجنة التأديب والتظلمات بإدارة قضايا الحكومة، فليس معقولاً أن ينقل الاختصاص بنظر منازعاتهم من جهة قضائية وهي محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة حيث الضمانات القضائية مكفولة إلى هيئة إدارية ذات اختصاص قضائي، وعلى مقتضى ذلك تكون لجنة التأديب والتظلمات بإدارة قضايا الحكومة هيئة قضائية تمارس اختصاصاً قضائياً، وإذ كان المشرع قد سار على هذا النهج بالنسبة لدعاوى إلغاء القرارات الإدارية والتعويض عنها بالنسبة لأعضاء إدارة قضايا الحكومة بالقانون رقم 89 لسنة 1973، فإن الاختصاص لا يزال منعقداً لهيئة التأديب والتظلمات سالفة الذكر حسبما استقر عليه قضاء هذه المحكمة مؤيداً بقضاء المحكمة العليا، ومن ثم يجوز الاختصاص إبداء الدفع أمامها بعدم دستورية قانون مطلوب تطبيقه في إحدى القضايا المطروحة عليها وذلك تطبيقاً للمادة الرابعة من قانون المحكمة العليا الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 1969.
ومن حيث إنه لما تقدم جميعه يكون مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري غير مختص بنظر هذه الدعوى، وتكون لجنة التأديب والتظلمات بإدارة قضايا الحكومة هي المختصة بنظر طلبات المدعي ويكون له متى عرضت دعواه أمامها أن يتقدم بطلب الطعن بعدم الدستورية إليها.
ومن حيث إن المادة 110 من قانون المرافعات المدنية والتجارية تنص على أنه "على المحكمة إذا قضت بعد اختصاصها أن تأمر بإحالة الدعوى بحالتها إلى المحكمة المختصة ولو كان عدم الاختصاص متعلقاً بالولاية"، ولما كانت المحكمة قد انتهت - على النحو السالف بيانه - إلى أن لجنة التأديب والتظلمات بإدارة قضايا الحكومة هيئة قضائية تمارس اختصاصاً قضائياً يجوز الدفع أمامها بعدم دستورية قانون مطلوب تطبيقه في إحدى القضايا المطروحة عليها وذلك تطبيقاً للمادة الرابعة من قانون المحكمة العليا الصادر بالقرار بقانون رقم 81 لسنة 1969، فإنها من ثم تدخل في مدلول المحاكم المنصوص عليها في المادة 110 من قانون المرافعات المدينة والتجارية.
ومن حيث إنه على مقتضى ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فيما قضى به من عدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى، ويكون الطعن عليه في هذا القضاء قد قام على غير أساس سليم من القانون مما يتعين معه الحكم برفضه مع إحالة الدعوى بحالتها إلى لجنة التأديب والتظلمات بإدارة قضايا الحكومة، وأبقت الفصل في المصروفات.