أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 40 - صـ 909

جلسة 20 من مارس سنة 1989

برئاسة السيد المستشار/ محمد رأفت خفاجي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد عبد القادر سمير، محمد محمد طيطه، سامي فرج يوسف ومحمد بدر الدين توفيق.

(159)
الطعن رقم 2202 لسنة 52 القضائية

(1، 2) إيجار "إيجار الأماكن" عقد "عقد الإيجار" "احتجاز أكثر من مسكن" "نطاقه" بطلان.
(1) عقد الإيجار. عقد رضائي. خضوعه لمبدأ سلطان الإرادة في حدود ما فرضته التشريعات من قيود الإرادة. الأصل فيها المشروعية. ما يلحقها من بطلان. مناطه.
(2) حظر احتجاز الشخص أكثر من مسكن في البلد الواحد دون مقتضى. م 8/ 1 ق 49 لسنة 1977 المقصود بالمسكن. جواز اشتماله على وحدتين لكل منهما عقد إيجار مستقل. شرطه.
1- عقد الإيجار عقد رضائياً يخضع في قيامه لمبدأ سلطان الإرادة - فيما عدا ما فرصه القانون من أحكام مقيدة لهذا المبدأ في حدودها ودون مجاوزة لنطاقها - وكان الأصل في الإرادة هو المشروعية فلا يلحقها بطلان إلا إذا كان الالتزام الناشئ عنها مخالفاً للنظام العام أو الآداب محلاً أو سبباً أو على خلاف نص آمر أو ناه في القانون.
2- النص في الفقرة الأولى من المادة الثامنة من القانون رقم 49 لسنة 1977 - في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر - يدل على أن المشرع قد اتجه - تفريجاً لأزمة المساكن - إلى التضييف من حقوق المستأجر المستحقة من القانون العام فحظر عليه بهذا النص أن يحتجز لنفسه في البلد الواحد أكثر من مسكن ما لم تقتض ظروفه هذا الاحتجاز وكان المراد بالمسكن هو ما يتخذ منه الشخص مأوى له ولأفراد أسرته، وهو ما يتحدد في حجمه ومستواه وفقاً للظروف الاجتماعية للمستأجر الذي يتخير عند التعاقد موقعه وعدد حجراته بما يتفق مع هذه الظروف، ولو تكون هذا المسكن من وحدتين تحرر عن كل منهما عقد إيجار مستقل، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على ما استخلصه من الواقع المطروح في الدعوى من أن المطعون ضده الثاني قد احتفظ لنفسه بالشقتين رقمي 5، 8 بالعقار سكناً خاصاً له ولأفراد أسرته منذ أن كان مالكاً للعقار وبعد أن باعه للطاعنين استمرت علاقته لهذا المسكن باعتباره مستأجراً ولا يؤثر في ذلك أنه قام بتخصيص إحدى شقتي مسكنه لأبنائه - ومنهم المطعون ضدها الثانية - والشقة الثانية لزوجة أخرى، بما مفاده أن الحكم قد رأى أن الانتفاع بالمسكن الواحد المكون من شقتين في عقار واحد لا يدل بذاته على احتجاز أكثر من مسكن دون مقتض فلا يغير من ذلك أن تترك الزوجة ما خصص لها من هذا المسكن للانتفاع به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - في أن المطعون ضده الأول أقام على الطاعن الأول عن نفسه وبصفته والمطعون ضده الثالث الدعوى رقم 3274 لسنة 1976 مدني كلي شمال القاهرة بطلب الحكم بإلزام الطاعن الأول وفى مواجهة المطعون ضده الثالث بتحرير عقد إيجار لصالحه عن الشقة المبينة بالصحيفة. وقال بياناً لها أن المطعون ضده الثالث يستأجر من الطاعن الأول الشقتين رقمي 5، 8 بالعقار رقم 16 شارع السرجاني، وأقام معه في الشقة رقم 5 منذ سنة 1972 بصفته زوجاً لابنته وقد تركها له فيستمر له عقد إيجارها عملاً بالمادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 فأقام الدعوى. وجه الطاعنين دعوى فرعية للمطعون ضدهما الأول والثالث بطلب الحكم بإخلاء الشقة محل النزاع، أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق وبعد سماع الشهود حكمت برفض الدعوى الأصلية وفى الدعوى الفرعية بالإخلاء استأنف المطعون ضده الأول هذا الحكم بالاستئناف رقم 486 لسنة 99 ق القاهرة وبتاريخ 13/ 6/ 1983 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وفى الدعوى الأصلية بإجابته إلى طلباته وفى الدعوى الفرعية برفضها طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عرض الطعن على هذا المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب ينعى بها الطاعنون على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والفساد في الاستدلال وفى بيان ذلك يقولون أن المطعون ضده الثالث يحتجز شقتين بالعقار في بلد واحد يخصص إحداهما لزوجته وأبنائه والأخرى وهي شقة النزاع لزوجته الأخرى وكان مبنى دفاعهم أن المقتضى الذي يبرر له الاحتجاز قد زال بوفاة الزوجة الأخرى فانفسخ بذلك عقد إيجارها وأن المطعون ضدها الثانية ابنة المستأجر الأصلي لم تكن لها إقامة بعين النزاع وإنما كانت إقامتها بالشقة رقم 8 وهذا لا يعطي لها أو لزوجها المطعون ضده الأول الحق في التمتع باستمرار عقد إيجار شقة النزاع لصالحهما. وإذ أغفل الحكم المطعون فيه الرد على هذا الدفاع الجوهري الذي من شأنه أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه. هذا إلى أن إقرار المطعون ضده الثالث بمحضر الجنحة رقم 556 لسنة 1979 جنح الوايلي بتنازله عن شقة النزاع إلى المطعون ضده الأول لا يخوله الحق في تحرير عقد إيجار باسمه إذ أنه يستمد حقه من زوجته المطعون ضدها الثانية وهى لا تستفيد من حكم المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 لعدم إقامتها بالشقة محل النزاع وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أنه لما كان عقد الإيجار عقداً رضائياً يخضع في قيامه لمبدأ سلطان الإرادة - فيما عدا ما فرضه القانون من أحكام مقيدة لهذا المبدأ في حدودها ودون مجاوزة لنطاقها - وكان الأصل في الإرادة هو المشروعية فلا يلحقها بطلان إلا إذا كان الالتزام الناشئ منها مخالفاً للنظام العام أو الآداب محلاً أو سبباً أو على خلاف نص آمر أو ناه في القانون. وكان النص في الفقرة الأولى من المادة الثامنة من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر على أنه "لا يجوز للشخص أن يحتجز في البلد الواحد أكثر من مسكن دون مقتض" يدل على أن المشرع قد اتجه - تفريجاً لازمة المساكن - إلى التضييق من حقوق المستأجر المستمدة من القانون العام فحظر عليه بهذا النص أن يحتجز لنفسه في البلد الواحد أكثر من مسكن ما لم تقتض ظروفه هذا الاحتجاز وكان المراد بالمسكن هو ما يتخذ منه الشخص مأوى له ولأفراد أسرته، وهو يتحدد في حجمه ومستواه وفقاً للظروف الاجتماعية للمستأجر الذي يتخير عند التعاقد موقعه وعدد حجراته بما يتسق مع هذه الظروف، ولو تكون هذا المسكن من وحدتين تحرر عن كل منها عقد إيجار مستقل لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على ما استخلصه من الواقع المطروح في الدعوى من أن المطعون ضده الثاني قد احتفظ لنفسه بالشقتين رقمي 5، 8 بالعقار سكناً خاصاً له ولأفراد أسرته منذ أن كان مالكاً للعقار وبعد أن باعه للطاعنين استمرت علاقته لهذا المسكن باعتباره مستأجراً ولا يؤثر في ذلك أنه قام بتخصيص إحدى شقتي مسكنه لأبنائه - ومنهم المطعون ضدهما الثانية - والشقة الثانية لزوجة أخرى، بما مفاده أن الحكم قد رأى أن الانتفاع بالمسكن الواحد المكون من شقتين في عقار واحد لا يدل بذاته على احتجاز أكثر من مسكن دون مقتض فلا يغير من ذلك أن تترك الزوجة ما خصص لها من هذا المسكن للانتفاع به، وإذ رتب الحكم بعدم ذلك على أن ترك المطعون ضده الثالث لإحدى شقتي المسكن لابنته المطعون ضدها الثانية - وكانت تقيم معه - ولزوجها المطعون ضده الأول فإن عقد الإيجار يظل قائماً عملاً بالمادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 وهى أسباب سائغة لها أصلها الثابت بالأوراق مؤدية إلى النتيجة التي انتهى إليها الحكم ومن ثم فإن النعي لا يعدو أن يكون جدلاً فيما لمحكمة الموضوع سلطة استخلاصه وتقديره ويكون على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.