مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثلاثون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1984 إلى آخر فبراير سنة 1985) - صـ 102

(21)
جلسة 24 من نوفمبر سنة 1984

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد هلال قاسم - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة عبد الفتاح السيد بسيوني وعبد المنعم عبد الغفار فتح الله ومحمود مجدي محمد أبو النعاس وفاروق عبد الرحيم غنيم - المستشارين.

الطعنان رقما 353 و373 لسنة 28 القضائية

( أ ) طوائف "طائفة الأرمن الأرثوذكس" - انتخاب أعضائه.
إجراءات انتخاب مجلس ملي طائفة الأرمن الأرثوذكس - المركز القانوني للأعضاء المنتخبين ينشئه قرار وزارة الداخلية باعتماد نتيجة الانتخابات دون إعلان رئيس لجنة الانتخابات عن أسماء الذين فازوا - نتيجة ذلك: قرار وزير الداخلية باعتماد نتيجة الانتخاب هو القرار النهائي الذي يجوز الطعن فيه أمام محكمة القضاء الإداري - تطبيق.
(ب) طوائف "طائفة الأرمن الأرثوذكس" مجلس ملي - انتخاب أعضائه - سلطة وزارة الداخلية في اعتماد الانتخاب.
وزارة الداخلية لدى اعتماد انتخاب أعضاء المجلس الملي تسلط رقابتها على جميع إجراءات العملية الانتخابية من بدايتها إلى نهايتها - للوزارة أن تتحقق من استيفاء من أعلن فوزه من الأعضاء لشروط الصلاحية ومنها شرط عدم صدور حكم يمس بحسن السمعة - صدور حكمين بالحبس ضد العضو في جنحتي إصدار شيك بدون رصيد - مساس ذلك بحسن سمعته - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأحد الموافق 14/ 2/ 1982 أودع الأستاذ محمد فهيم أمين المحامي نيابة عن الأستاذ/ عبد الفتاح حسن المحامي بصفته وكيلاً عن مطران طائفة الأرمن الأرثوذكس، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 353 لسنة 28 القضائية، في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بجلسة 22/ 12/ 1981 في الدعوى رقم 1772 لسنة 34 ق، والقاضي بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع إلزام المدعى عليهم بالمصروفات.
وطلب الطاعن - للأسباب الواردة في تقرير طعنه - الحكم بقبول الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضاه بشطره العاجل، وبرفض طلب وقف التنفيذ وبإلزام رافعه مصروفاته.
وفي يوم الأربعاء الموافق 17/ 2/ 1982 أودع الأستاذ إبراهيم علي حسن المحامي بصفته وكيلاً عن فاهاكن بدروس ديبوبان قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 373 لسنة 28 القضائية، في ذات الحكم المشار إليه. وطلب الطاعن للأسباب الواردة في تقرير طعنه - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم برفض الدعوى مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات والأتعاب عن الدرجتين.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقرير بالرأي القانوني في الطعنين، ارتأت فيه الحكم بقبول الطعنين شكلاً وبرفضهما موضوعاً مع إلزام رافع كل طعن بمصروفات طعنه.
وقد عرض الطعنان على دائرة فحص الطعون بجلسة 5/ 12/ 1983 حيث قررت الدائرة بتلك الجلسة ضم الطعن رقم 373 لسنة 28 ق إلى الطعن رقم 353 لسنة 28 ق، وتدوول الطعنان بجلساتها على الوجه الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 16/ 4/ 1984 قررت الدائرة إحالة الطعنين إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى) لنظرهما بجلسة 26/ 5/ 1984 وبهذه الجلسة نظرت المحكمة الطعنين وبجلسة 13/ 10/ 1984 قررت المحكمة إصدار حكمها فيهما بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم التالي وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعنين استوفيا أوضاعهما الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 2/ 6/ 1980 أقام أبكار أواكيم بروديان الدعوى رقم 1772 لسنة 34 ق أمام محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) ضد كل من: 1 - وزير الداخلية. 2 - المطران رئيس المجلس الملي لطائفة الأرمن الأرثوذكس ورئيس المطرانية. 3 - نائب المطران بصفته رئيس لجنة انتخابات المجلس الملي، وطلب الحكم بقبول دعواه شكلاً وفي موضوعها. 1 - بصفة عاجلة بوقف تنفيذ قرار وزارة الداخلية باعتماد نتيجة انتخاب التجديد النصفي لأعضاء المجلس الملي لطائفة الأرمن الأرثوذكس وذلك فيما تضمنه هذا القرار من اعتماد فوز فاهاكن بدروس ديبويان وفيما تضمنه من عدم اعتماد فوز المدعي بعضوية المجلس الملي مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام جهة الإدارة بمصروفات هذا الطلب. 2 - بإلغاء القرار المذكور مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام جهة الإدارة بمصروفات هذا الطلب.
وقال المدعي - شرحاً لدعواه - أن لطائفة الأرمن الأرثوذكس في مصر رئيساً يميناً هو المطران وهو في ذات الوقت يرأس المجلس الملي الأعلى والمجلسين المليين بالقاهرة والإسكندرية وذلك طبقاً للائحة النظامية لهذه الطائفة ويتكون المجلس الملي سواء في القاهرة أو الإسكندرية من 26 عضواً منهم 24 من العلمانيين يتم اختيارهم بالانتخاب، واثنان من رجال الدين يعينهما المطران، وقد نصت اللائحة المشار إليها على الشروط الواجب توافرها فيمن ينتخب عضواً بالمجلس الملي ومن بين هذه الشروط ألا يكون قد صدر ضده حكم يمس حسن السمعة، كما حددت اللائحة مدة المجلس الملي بثماني سنوات، وفي نهاية الأربع سنوات الأولى منها تجرى قرعة ليخرج نصف عدد الأعضاء العلمانيين وتجرى انتخابات جزئية (تجديد نصفي) ليحل محلهم اثنا عشر آخرون.
واستطرد المدعي قائلاً أنه في 11/ 11/ 1979 أجريت انتخابات التجديد النصفي لانتخابات 12 عضواً بالمجلس الملي للطائفة بالقاهرة، وفوجئ المدعي أن من بين الفائزين فاهاكن بدروس ديبويان على الرغم من أنه يفتقر إلى شرط حسن السمعة حيث صدرت ضده أحكام جنائية تمس سمعته، فما كان يجوز إعلان اسمه ضمن الفائزين وكان يتعين إعلان اسم المدعي فائزاً بدلاً منه باعتباره حاصلاً على أكثر الأصوات بعد الأحد عشر عضواً الفائزين الآخرين، ولهذا قدم المدعي تظلماً إلي المجلس الملي خلال الثلاثة أيام التالية لإعلان نتيجة الانتخابات، كما قدم طلباً إلى وزارة الداخلية في 24/ 11/ 1979 حتى تمتنع عن التصديق على نتيجة الانتخاب غير أن الوزارة صدقت على النتيجة في 3/ 4/ 1980 وأعلنت عن قرار التصديق في 27/ 4/ 1980.
ونعى المدعي على قرار وزارة الداخلية المطعون فيه أنه صدر مشوباً بعدم المشروعية لاعتماد انتخاب فاهاكن بدروس ديبويان على الرغم من إدانته في جرائم تمس سمعته، فقد سبق أن حكم عليه في الجنحة رقم 4203 لسنة 1976 الموسكي بجلسة 10/ 1/ 1977 غيابياً بالحبس ستة أشهر من الشغل وكفالة 20 جنيهاً لوقف التنفيذ، لإعطائه شيكاً بدون رصيد، وقد تأيد هذا الحكم استئنافياً كما حكم عليه في جريمة مماثلة في القضية رقم 3103 جنح الأزبكية بجلسة 19/ 6/ 1978 بالحبس سنة مع الشغل، كما قام بالطعن بالتزوير على شيك صادر منه في الدعوى رقم 342 لسنة 1976 وأفاد قسم أبحاث التزييف والتزوير بأن الشيك بتوقيعه وأن الطعن بالتزوير كيدي.
وخلص المدعي إلى أن المطعون على انتخابه أدين مرتين بالحبس في جرائم تمس سمعته، وأنه سواء كانت جريمة إعطاء شيك بدون رصيد جريمة مخلة بالشرف أو ليست كذلك فإن من المقطوع به أنها تمس حسن السمعة، كما أن الحكم بوقف التنفيذ لا يستوي مع الحكم بالبراءة، سيما وأن وقف التنفيذ لم يشمل كافة الآثار الجنائية المترتبة على الحكم وإنما اقتصر على وقف تنفيذ العقوبة فقط.
وانتهى المدعي إلى توافر ركن الاستعجال في طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، نظراً لما يترتب على بطلان تشكيل المجلس الملي من بطلان القرارات التي يصدرها بالإضافة إلى حرمان المدعي من حقه في عضوية المجلس.
وبجلسة 28/ 10/ 1980 طلب فاهاكن بدروس ديبويان التدخل في الدعوى وذلك بحضور طرفي النزاع وكلفته المحكمة باتخاذ إجراءات التدخل وتقديم مذكرة، وبجلسة 25/ 11/ 1980 قدم المتدخل مذكرة قال فيها أن اللائحة النظامية للطائفة حددت إجراءات الانتخاب وطرق الطعن ضد المنتخبين، فنصت في المادة (13) على أن لكل ناخب أهمل إدراج اسمه (بدفتر قيد الذين تتوافر فيهم شروط الانتخاب) أن يطلب إدراجه كما أن لكل ناخب مدرج اسمه أن يطلب شطب من أدرج اسمه بغير وجه، ونصت في المادة (14) على أن كل طعن بشأن الناخبين يجب أن يقدم كتابة ومسبباً إلى وكيل المطرانية في بحر السبعة أيام التالية لتاريخ اللصق والنشر، ونصت في المادة (15) على أن يحكم في هذه الطلبات حكماً نهائياً في ظرف السبعة أيام التالية لتقديمها، وقال المتدخل أن الحق في الطعن وفقاً للمادة (14) من اللائحة ينصرف إلى حالة عدم توافر الشروط اللازمة في الشخص الذي أدرج اسمه في الدفتر المعد لذلك، وأن اللائحة حددت وسائل الإعلان الكفيلة بأن يعلم جميع الناخبين بأسماء بعضهم البعض بحيث لا يقبل بعد ذلك الادعاء من أي ناخب بعدم علمه، وأنه لذلك يكون المدعي قد علم بأسماء الناخبين ومنهم المتدخل، ولم يعترض في الميعاد المحدد، مما يعني موافقته على اشتراك المتدخل في الانتخابات. وبالنسبة إلى الأحكام الصادرة ضد المتدخل قال أن جريمة إعطاء شيك بدون رصيد ليست في كل الأحوال مخلة بالشرف والأمانة، وإنما ينظر إليها بحسب الظروف التي تمت فيها، كما أن شمول الحكم بوقف تنفيذ العقوبة لا يعتبر مانعاً من الالتحاق بالوظائف العامة وعضوية مجلس الشعب وأنه لذلك فإنه جريمة إعطاء شيك بدون رصيد المحكوم بإيقاف التنفيذ فيها لا تعد من الجرائم الماسة بالسمعة وبالتالي لا تعتبر مانعة من انتخاب المتدخل عضواً بالمجلس الملي. وانتهى المتدخل في مذكرته إلى طلب قبول تدخله، وفي الموضوع برفض الدعوى وإلزام رافعها بالمصروفات والأتعاب.
وقدمت إدارة قضايا الحكومة مذكرة بدفاع وزارة الداخلية، قالت فيها أن البادي من نصوص اللائحة النظامية لطائفة الأرمن الأرثوذكس أن عملية انتخاب أعضاء المجلس الملي تمر بمرحلتين أولاهما إدراج أسماء من تتوافر فيهم شروط الانتخاب وشطب من أدرج اسمه بغير وجه حق وكيفية الطعن - والمختص بالفصل في الطعون، وتنتهي هذه المرحلة بحكم نهائي، وبانتهائها تصير دفاتر القيد نهائية فيما تضمنته من أسماء، ويتعين الطعن في القرار النهائي الصادر في هذا الشأن خلال ستين يوماً، دون انتظار المرحلة الثانية التي تتمثل في عملية انتخاب الأعضاء والتي تنتهي باعتماد وزارة الداخلية لنتيجة الانتخاب، وإذ كان الثابت من الأوراق أن طعن المدعي ينصب على فقدان المتدخل لشرط حسن السمعة، أي الإجراء الذي تضمنته المرحلة الأولى التي أصبح القرار الصادر فيها نهائياً، فإن الطعن على المرحلة الثانية التي تتمثل في عملية الانتخاب واعتماد نتيجته يكون على غير سند من القانون، وانتهت إلى طلب الحكم برفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات وأتعاب المحاماة.
وبجلسة 22/ 12/ 1981 قضت المحكمة القضاء الإداري بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع إلزام المدعى عليهم بالمصروفات، وأقامت المحكمة قضاءها على أساس أن البند العاشر من اللائحة النظامية لطائفة الأرمن والأرثوذكس تتضمن الشروط الواجب توافرها في الناخب والمرشح، ومن بينها أن يكون متمتعاً بالحقوق المدنية وإلا يكون قد صدر عليه حكم يمس بحسن السمعة وأن المستفاد من ظاهر الأوراق أن المطعون على تعيينه عضواً بالمجلس الملي قد اعتاد إصدار شيكات بلا رصيد يقابلها كما تمرس سبل التلاعب في هذا المجال، الأمر الذي تسبب في الحكم عليه بأحكام تمسه في سمعته، وبالتالي يكون قد فقد شرط عدم سبق صدور حكم ضده يسيء إلى حسن السمعة، خاصة أن المجلس الذي تقرر انتخابه عضواً فيه له بعض الصلاحيات الدينية. وأضافت المحكمة أنه لا يقدح في ذلك القول بأن مجال إثارة مثل هذا الطعن إنما يكون عند الطعن على الكشف الوارد به أسماء الجائز ترشيحهم، ذلك أن هذا القول - بفرض صحته - لا ينطبق بالنسبة إلى شرط حسن السمعة الذي ليس فقط شرطاً للترشيح إنما هو كذلك شرط صلاحية للاستمرار في عضوية المجلس الملي. وخلصت المحكمة إلى أن طلب المدعي وقف تنفيذ القرار المطعون فيه توافر له ركن الجدية كما توافر له ركن الاستعجال حتى لا تترتب نتائج يتعذر تداركها نتيجة لبقاء المطعون على تعيينه عضواً بالمجلس الملي مشاركاً في اتخاذ قراراته وممارسة اختصاصاته.
ومن حيث إن الطعن الأول المقدم من مطران طائفة الأرمن الأرثوذكس في الحكم المشار إليه يقوم على أساس أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون لأن أحد الحكمين الصادرين ضد فاهاكن بدروس ديبويان مشمول بوقف التنفيذ، وأن الحكم الآخر لم يصبح نهائياً، الأمر الذي لا يفقده شرط حسن السمعة، كما أن جنحة إعطاء شيك لا يقابله رصيد ليست في جميع الأحوال جريمة مخلة بالشرف وتختلف النظرة إليها بحسب الظروف التي تمت فيها، بالإضافة إلى أن شمول الحكم بوقف التنفيذ لا يعتبر مانعاً من التعيين في الوظائف العامة أو من مباشرة الحقوق السياسية وقد أقام المشرع وزناً لوقف تنفيذ العقوبة، إذ لا يتم طبقاً لنص المادة (55) من قانون العقوبات إلا إذا رأت المحكمة من أخلاق المحكوم عليه أو ماضيه أو الظروف التي ارتكب فيها الجريمة ما يبعث على الاعتقاد بأنه لن يعود إلى مخالفة القانون.
ومن حيث إن الطعن الثاني المقدم من فاهاكن بدروس ديبويان يقوم على أساس أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون وخالف ما استقرت عليه أحكام القضاء الإداري وفتاوى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع من أن جنحة إعطاء شيك بدون رصيد ليست في كل الأحوال مخلة بالشرف والأمانة وإنما يختلف النظر إليها بحسب ظروف كل واقعة على حدة، وقد اعتبر الحكم أن مجرد إصدار الطاعن شيكاً بدون رصيد جريمة مخلة بالشرف تسيء إلى سمعته دون بحث ظروف إصدار الشيك، ودون نظر إلى ما يتمتع به الطاعن من ثقة بين الناخبين مما يبدو واضحاً من الفارق الكبير في عدد أصوات الناخبين بين الطاعن والمدعي.
ومن حيث إن الطاعن الثاني فاهاكن بدروس ديبويان قدم مذكرة بدفاعه تضمنت بالإضافة إلى ما ورد بتقرير الطعن - أن دعوى المطعون ضده (المدعي) تستهدف إبطال العملية الانتخابية فيما تضمنته من فوز الطاعن عليه فيها واختياره عضواً بالمجلس الملي، ومحل مثل هذا الطلب هو القرار الصادر من اللجنة الإدارية المشرفة على الانتخاب والمنصوص عليها في المادة (16) من اللائحة النظامية لطائفة الأرمن الأرثوذكس بإعلان نتيجة الانتخاب، وليس القرار الصادر باعتماد انتخاب الأعضاء باعتبار أن القرار الأول هو المنتج للأثر القانوني والمركز الذاتي للمطعون عليه، أما قرار الاعتماد فينحصر أثره في المصادقة على قرار اللجنة المذكورة دون أن يضيف شيئاً إليه، ومن ثم كان ينبغي على المطعون ضده أن يقيم الطعن على نتيجة الانتخاب خلال الستين يوماً اللاحقة لانتهاء المدة المقررة لنظر التظلم من قرار اللجنة المشار إليها، وتراخي المطعون ضده في رفع دعواه يجعلها غير مقبولة شكلاً لرفعها بعد المواعيد المقررة - وقال الطاعن أن قرار إعلان نتيجة الانتخاب هو قرار إداري منفصل ومستقل صادر من اللجنة المنصوص عليها في المادة (16) من اللائحة المذكورة، ينتج أثره بمجرد صدوره وميعاد الطعن في هذا القرار لا يمتد ولا ينقطع بتكرار التظلم إلى وزارة الداخلية أو غيرها.
وأضاف الطاعن إلى ما تقدم أن الطعن على نتيجة الانتخاب يتعين أن يكون لسبب متعلق بالعملية الانتخابية ذاتها، أما الطعن المتعلق بصلاحية القيد في سجل الناخبين فقد انتهى أمره بفوات ميعاد الطعن في قرار اللجنة الإدارية المنصوص عليها في المادة (15) من اللائحة النظامية للطائفة، ذلك أن العملية الانتخابية لعضوية المجلس الملي - حسبما وردت بنصوص اللائحة المذكورة تجري على مراحل كل منها مستقلة على الأخرى، والقرار الذي يصدر في نهاية كل مرحلة قرار إداري مستقل ونهائي، يتعين الطعن عليه بالإلغاء استقلالاً بمراعاة المواعيد المقررة، ولما كان الثابت أن المطعون ضده فوت على نفسه فرصة الاعتراض على إدراج اسم الطاعن في جدول الانتخاب ولم يطعن بالإلغاء في قرار اللجنة المنصوص عليها في المادة (15) من اللائحة خلال الموعد المقرر، فإن ذلك يستتبع حصانة هذا القرار ولا يسوغ بعد ذلك المجادلة في أمر صلاحية الطاعن كناخب.
وكرر الطاعن في مذكرة دفاعه ما سبق أن أبداه في تقرير طعنه في شأن الحكمين الصادرين ضده في جنحتي إصدار شيك بدون رصيد، مؤكداً أنه لا يترتب عليهما المساس بحسن سمعته نظراً للظروف التي أحاطت بكل منهما والتي لا تنم عن فساد في الطبع ولا خراب في الذمة.
وانتهى الطاعن في مذكرته إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً وإلغاء الحكم المطعون فيه، وفي موضوع الدعوى أصلياً - بعدم قبول الدعوى شكلاً واحتياطياً - برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، مع إلزام المطعون ضده المصروفات في الحالين.
ومن حيث إن المطعون ضده أبكار أواكيم بروديان قدم مذكرة كرر فيها ما سبق أن أبداه بعريضة دعواه الصادر فيها الحكم المطعون فيه بالنسبة إلى ما يتعلق بأثر الأحكام الجنائية الصادرة ضد الطاعن، مصراً على أنها تمس حسن سمعته وبالتالي تفقده شرط حسن السمعة الواجب توافره فيمن ينتخب عضواً بالمجلس الملي للطائفة، لذات الأسباب الواردة في دعواه المشار إليها كما تضمنت مذكرة المطعون ضده - رداً على مذكرة الطاعن - أن قرار وزارة الداخلية باعتماد الانتخاب هو الذي يتوج العملية الانتخابية، وقبل صدوره تظل نتيجة الانتخاب غير نافذة، وأن إعلان نتيجة الانتخاب لا ينشئ وحده المركز القانوني وإنما ينشأ هذا المركز ويكتمل بقرار اعتماد نتيجة الانتخاب، وأن سابقة تظلم المطعون ضده من نتيجة الانتخاب المعلنة لا يجب حقه في التظلم من قرار الوزارة باعتماد هذه النتيجة أو الطعن فيه، وأن سلطة الاعتماد تنصرف إلى العملية الانتخابية من بدايتها إلى نهايتها، أي لا تنصرف فقط إلى عملية الانتخاب بذاتها، وإنما تشمل مراقبة جميع الإجراءات منذ بداية الترشيح حتى إعلان نتيجة الانتخاب بما في ذلك رقابة شروط الصلاحية.
وانتهى المطعون ضده في مذكرته إلى طلب الحكم برفض الطعنين مع إلزام كل طاعن بمصروفات طعنه.
ومن حيث إن اللائحة النظامية لطائفة الأرمن الأرثوذكس تضمنت الأحكام الخاصة بانتخاب المجلس الملي للطائفة، فنصت في البند (10) على أن لكل عضو من أعضاء الطائفة أن يكون ناخباً إذا توافرت فيه الشروط المحددة في هذا البند، ومن بينها أن يكون متمتعاً بالحقوق المدنية وألا يكون قد صدر عليه حكم يمس بحسن السمعة، كما نصت في البند (11) على أنه يشترط فيمن ينتخب عضواً في المجلس الملي أن يكون جائزاً لجميع الشروط اللازم توافرها في الناخب، وتناولت اللائحة - في البنود من 12 إلى 21 - بيان الإجراءات المتعاقبة التي تمر بها عملية انتخاب أعضاء المجلس الملي للطائفة، وتبدأ بقيد أسماء من تتوافر فيهم شروط الانتخاب في دفتر يحرره وكيل المطرانية ويعلن عن هذه الأسماء باللصق على دار المطرانية والنشر في إحدى الصحف السيارة بالمدينة الواقع فيها الانتخاب وذلك قبل الانتخاب بشهرين (البند 12) ويجوز لكل ناخب لم يدرج اسمه أن يطلب إدراجه كما يجوز لمن أدرج اسمه أن يطلب شطب من أدرج اسمه بغير وجه حق (البند 13) ويعتبر هذا الطلب طعناً في دفتر القيد ويقدم إلى وكيل المطرانية خلال السبعة أيام التالية لتاريخ اللصق والنشر (البند 14) وتفصل فيه بحكم (قرار) نهائي خلال السبعة أيام التالية لتقديمه لجنة مؤلفة من وكيل المطران رئيساً وعضوين علمانيين ينتدبهما المجلس الملي من أعضائه (البند 15) وتأتي بعد ذلك إجراءات الانتخاب، وتناط مهمة القيام بهذه الإجراءات باللجنة السابقة مضافاً إليها عضوان ينتخبهما جمهور الناخبين الحاضرين بأغلبية الأصوات (البند 16) وتشمل هذه الإجراءات الكيفية التي يتم بها الانتخاب (البندان 17، 18) ثم إعلان رئيس لجنة الانتخابات أسماء الأعضاء الذين فازوا في الانتخاب وتحرير محضر بذلك (البند 19) ثم الطعن ضد المنتخبين أمام المجلس الملي في ظرف الثلاثة أيام التالية لإعلان نتيجة الانتخاب والفصل فيما يقدم من طعون خلال أسبوع من تاريخ تقديمها (البند 21) وأخيراً – وكما ينص البند 24 من اللائحة – ترسل المطرانية لوزارة الداخلية صورة من محضر الانتخاب وأوراق الطعون والقرارات الصادرة فيها لاعتماد الأعضاء المنتخبين.
ومن حيث إنه يبين من تقصي إجراءات العملية الانتخابية السابق إيضاحها، وبخاصة ما قضى به البند (24) من اللائحة المشار إليها، أن قرار وزارة الداخلية باعتماد نتيجة انتخاب أعضاء المجلس الملي هو القرار الإداري الذي ينشئ المركز القانوني للأعضاء المنتخبين أما إعلان رئيس لجنة الانتخابات عن أسماء الذين فازوا في الانتخاب فإنه لا يرتب بذاته أثراً قانونياً معيناً ولا ينشئ المركز القانوني لهؤلاء الأعضاء، إذ تظل نتيجة الانتخابات المعلنة غير نافذة وغير منتجة لأي أثر قانوني إلى أن يتم اعتمادها بقرار من وزارة الداخلية. وعلى ذلك فإن قرار وزارة الداخلية باعتماد نتيجة الانتخاب يكون هو القرار النهائي الذي يجوز الطعن فيه أمام محكمة القضاء الإداري، ولما كان المطعون ضده (المدعي) أقام دعواه أمام هذه المحكمة طاعناً في قرار وزارة الداخلية باعتماد نتيجة الانتخاب النصفي لأعضاء المجلس الملي، فإنه يكون قد وجه طعنه الوجهة الصحيحة وسلك به المسلك السليم. وإذا كان قرار الاعتماد المطعون فيه - على ما يتضح من صورة المذكرة التي عرضت على اللواء مساعد أول وزير الداخلية للشرطة في شأن الانتخاب المشار إليه - صدر في 26/ 3/ 1980 إلا أنه ليس في الأوراق ما يثبت علم المدعى به في ذلك التاريخ، وإذ قرر المدعي في عريضة دعواه أن هذا القرار أعلن عنه في 27/ 4/ 1980 وليس في الأوراق ما يدحض ذلك، وأقام المدعي دعواه في 2/ 6/ 1980 فإنها تكون مقبولة شكلاً، ويكون الدفع المبدى من الطاعن بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد - تأسيساً على أن القرار محل الطعن هو قرار إعلان نتيجة الانتخاب الصادر في 11/ 11/ 1979 - غير قائم على أساس سليم من القانون متعيناً رفضه.
ومن حيث إن الواضح مما يقضي به البند (24) من اللائحة النظامية لطائفة الأرمن الأرثوذكس من إلزام المطرانية أن ترسل إلى وزارة الداخلية صورة محضر الانتخاب وأوراق الطعون والقرارات الصادرة فيها لاعتماد الأعضاء المنتخبين، أن سلطة وزارة الداخلية في اعتماد نتيجة انتخاب أعضاء المجلس الملي للطائفة لا تقف عند حد التصديق على النتيجة كما أعلنها رئيس لجنة الانتخاب دون أي تدخل إيجابي من جانبها - على النحو الذي يذهب إليه الطاعن - وإنما يتعين على وزارة الداخلية إعمالاً لسلطتها في الاعتماد أن تسلط رقابتها على جميع إجراءات العملية الانتخابية من بدايتها إلى نهايتها، بما في ذلك التحقق من استيفاء الأعضاء الذين أعلن فوزهم في الانتخاب لجميع شروط الصلاحية المنصوص عليها في البندين (10)، (11) من اللائحة المشار إليها، ومنها شرط عدم سابقة صدور حكم يمس بحسن السمعة، خاصة أن هذا الشرط يعتبر شرط صلاحية للاستمرار في عضوية المجلس الملي.
ومن حيث إن المستفاد من الأوراق أن الطاعن، سبق أن صدر ضده حكمان بالحبس في جنحتي إصدار شيك بدون رصيد، كما طعن بالتزوير على شيك صادر منه مدعياً أن التوقيع ليس له، وقرر قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي أن التوقيع سليم، وقضت المحكمة برفض ادعائه وبتغريمه 25 جنيهاً، والظاهر من ذلك أن الطاعن المذكور تكرر الحكم عليه في واقعات تتعلق بإصدار شيكات بدون رصيد، وبصرف النظر عن مناقشة الظروف التي أحاطت بكل واقعة منها، وما إذا كان من شأنها أن تجعلها جريمة مخلة بالشرف أو لا تصل بها إلى هذا الدرك، ومدى الأثر المترتب على وقف تنفيذ العقوبة المحكوم بها فيها، فإنه مما لا شك فيه أن الأحكام الصادرة ضده هي أحكام تمس بحسن سمعته بما تلقيه حوله من ظلال الريب والشبهات التي يجب أن ينأى عنها من يطمح أن يكون عضواً في مجلس ملي لطائفة دينية، وإذا كانت سمعة الشخص يمكن أن تتأثر بمسلك شخصي أو خلقي أو باتهام جدي وإن لم تقم بسببه الدعوى العمومية أو التأديبية، فإنها من باب أولى تتأثر بما يصدر ضده من أحكام جنائية خاصة إذا كانت من قبيل الأحكام الصادرة ضد الطاعن المذكور.
ومن حيث إنه لما تقدم فإن الطاعن فاهاكن بدروس ديبويان يكون فاقداً شرط عدم سابقة صدور حكم يمس بحسن السمعة اللازم توافره فيمن ينتخب عضواً بالمجلس الملي لطائفة الأرمن الأرثوذكس طبقاً للبندين (10)، (11) من اللائحة النظامية لهذه الطائفة، ومن ثم يكون قرار وزارة الداخلية باعتماد نتيجة الانتخاب النصفي لأعضاء المجلس الملي، بما تضمنه من اعتماد انتخاب الطاعن عضواً بهذا المجلس، غير قائم على أساس سليم من القانون، ويكون طلب وقف تنفيذ هذا القرار قد توافر له ركن الاستعجال، نظراً لما يترتب على استمرار بقاء الطاعن المذكور عضواً بالمجلس الملي مشاركاً في ممارسة اختصاصاته واتخاذ قراراته من نتائج يتعذر تداركها.
ومن حيث إنه لذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه يكون قد أصاب صحيح حكم القانون، ويكون الطعن عليه غير قائم على أساس سليم، ويتعين رفضه وإلزام كل طاعن مصروفات طعنه.

فلهذه الأسباب

"حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلاً ورفضهما موضوعاً، وإلزام كل طاعن مصروفات طعنه".