أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 26 - صـ 1366

جلسة 5 من نوفمبر سنة 1975

برياسة السيد المستشار محمد أسعد محمود، وعضوية السادة المستشارين: محمد محمد المهدي، وسعد الشاذلي، والدكتور أحمد رفعت خفاجى، وحسن مهران حسن.

(260)
الطعن رقم 10 لسنة 43 ق "أحوال شخصية"

(1) أحوال شخصية "ميعاد الطعن بالنقض". قانون "إلغاء التشريع". نقض.
ميعاد الطعن بالنقض في مسائل الأحوال الشخصية ستون يوماً. م 252/ 1 - مرافعات. علة ذلك.
(2 و3) أحوال شخصية "التطليق للضرر". دعوى. محكمة الموضوع. حكم "حجية الحكم".
(2) اختلاف دعوى التطليق للضرر عن دعوى الطاعة سبباً وموضوعاً. جواز الاستدلال في بحث الضرر بما يتبين من وقائع متصلة به في دعوى الطاعة. علة ذلك.
(3) إقامة الحكم قضاءه برفض التطليق لامتناع الزوجة من مساكنة زوجها بسبب نكوله عن تهيئة المسكن الشرعي الخالي من ذويه. لا خطأ. مجموعة قواعد الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس سنة 1938.
(4) نقض "السبب الجديد".
خلو الأوراق مما يفيد تمسك الطاعن أمام محكمة الموضوع بطلب إجراء المعاينة أو الإحالة إلى التحقيق. عدم جواز إثارة ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض.
(5) أحوال شخصية "التطليق للضرر". حكم "تسبيب الحكم".
عجز الزوج في شريعة الأقباط الأرثوذكس عن إثبات إساءة الزوجة له أو إخلالها بواجباتها نحوه. ثبوت أن الإساءة من جانبه ونفى النشوز والهجر عنها. القضاء برفض دعواه بالتطليق في هذه الحالة. لا خطأ.
(6) استئناف "الحكم الاستئنافي". حكم. "تسبيبه".
عدم التزام المحكمة الاستئنافية بالرد على أسباب الحكم الابتدائي الذي ألغته متى أقامت قضاءها على ما يحمله.
1 - إذ كان المقصود بإلغاء التشريع ونسخه هو رفع حكم قانوني بحكم قانوني آخر متأخر عنه بما يترتب عليه إبطال العمل بالتشريع الأول وتجريده من قوته الملزمة، وكان المقرر في قضاء هذه المحكمة أن يتم ذلك بتشريع لاحق ينص على الإلغاء صراحة أو يدل عليه ضمناً بأن يشتمل على نص يتعارض مع التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده، وكان من الجائز أن يتم إلغاء التشريع إما عن طريق استبدال نصوص أخرى بنصوصه أو بالاقتصار على إبطال مفعول دون سن تشريع جديد، بمعنى أنه لا يلزم أن يشتمل النص الناسخ على بديل للحكم المنسوخ، وكان ما تقضي به الفقرة الأولى من المادة 881 من قانون المرافعات المضافة بموجب القانون رقم 126 لسنة 1951 - قبل وبعد تعديلها بالقانون رقم 401 لسنة 1955 - من أن ميعاد الطعن بالنقض في مسائل الأحوال الشخصية ثمانية عشر يوماً قد صدر إلغاؤه صراحة بموجب المادة الأولى من مواد إصدار القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام النقض وقررت المادة 29 منه إزالة التفرقة في ميعاد الطعن بالنقض وفى إجراءاته بين المسائل المدنية والتجارية وبين مواد الأحوال الشخصية، وكان ما جرت به الفقرة الثانية من المادة الثالثة من قانون السلطة القضائية رقم 43 لسنة 1965 من العودة إلى الأحكام المنظمة للطعن بطريق النقض التي كان معمولاً بها قبل صدور القانون رقم 401 لسنة 1955 الذي استحدث دوائر فحص الطعون ومن بينها حكم الفقرة الأولى من المادة 881 من قانون المرافعات قد صاحبه صدور القانون رقم 4 لسنة 1967 الذي جعل ميعاد الطعن بالنقض في كافة المواد المدنية والتجارية ومسائل الأحوال الشخصية ستين يوماً منذ العمل بالقانون رقم 43 لسنة 1965، مما يدل على أن الفقرة الأولى من المادة 881 من قانون المرافعات ظلت منسوخة ضمناً اعتبارا بوجود تعارض بين نصين ورداً على محل واحد مما يستحيل معه إعمالهما معاً فيعتبر النص الجديد ناسخاً للنص القديم وملغياً له. لما كان ذلك، وكان بقاء المادة 881 من قانون المرافعات بمقتضى المادة الأولى من مواد إصدار قانون المرافعات القائم لا يستطيل إلى الفقرة الأولى منها لأنه لم يكن لها وجود عند صدوره إذ ظلت هذه الفقرة منسوخة بالقانون رقم 4 لسنة 1967 على نحو ما سلف، وبقي ميعاد الطعن بالنقض في كافة المسائل ومن بينها مواد الأحوال الشخصية موحداً. لما كان ما تقدم، وكان إلغاء القانون رقم 43 لسنة 1965 وتعديلاته بموجب قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 ليس من شأنه أن يبعث من جديد نص الفقرة الأولى من المادة 881 من قانون المرافعات الملغاة طالما لم ينص المشرع صراحة على العودة إليها، وكان مفاد المادة 868 من قانون المرافعات الواردة في الكتاب الرابع الخاص بالإجراءات المتعلقة بمسائل الأحوال الشخصية والتي استبقاها قانون المرافعات الحالي - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة [(1)] - أن الطعن بالنقض في مسائل الأحوال الشخصية تحكمه القواعد العامة المقررة في قانون المرافعات فيما لا يتعارض مع النصوص الواردة بالكتاب الرابع، وكانت الفقرة الأولى من المادة 252 من قانون المرافعات تنص على أن ميعاد الطعن بالنقض ستون يوماً، فإن هذه المادة هي التي تحكم ميعاد الطعن بالنقض في مسائل الأحوال الشخصية كما هو الحال في سائر المواد المدنية والتجارية.
2 - لئن كان المقرر في قضاء هذه المحكمة [(2)] أن دعوى الطاعة تختلف في موضوعها وفى سببها عن دعوى التطليق للضرر بحيث لا يمنع الحكم الصادر في دعوى الطاعة من جواز نظر دعوى التطليق لاختلاف المناط في كل منهما، إلا أنه لا تثريب على محكمة الموضوع وهى بصدد بحث الضرر في دعوى التطليق أن تستعين بما تبين لها من وقائع متصلة به في دعوى الطاعة. وإذ كان أساس الدعوى الماثلة هو طلب الطاعن تطليق المطعون عليها للضرر واستحكام النفور بسبب هجرها إياه، وكان الحكم المطعون فيه وهو بسبيل تقصي دواعي الهجر قد استدل بما ثبت في دعوى الطاعة من أن مرده إلى إخلال الطاعن بواجبه وتقاعسه عن إعداد المسكن الشرعي، وكان ذلك من مسائل الواقع التي يستقل قاضي الموضوع ببحث دلائلها والموازنة بينها وترجيح ما يطمئن إليه منها واستخلاص ما يقتنع به ما دام يقيم حكمه على أسباب سائغة من شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي ينتهي إليها.
3 - النص في المادة 149 من مجموعة القواعد الخاصة بالأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس الصادرة في سنة 1938 - والمقابلة للمادة 144 من مجموعة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس المؤرخة في سنة 1955 - على أنه "يجب على الزوج أن يسكن معه زوجته في مسكن مستقل يتناسب مع حالة الزوجين، ولا تجبر الزوجة على إسكان أحد معها من أهل زوجها سوى أولاده من غيرها ما لم يأمر المجلس بغير ذلك في الحالة المنصوص عليها في المادة 144، وليس للزوجة أن تسكن معها في بيت الزوج أحداً من أهلها إلا برضائه" وفى المادة 144 المقابلة للمادة 139 من مجموعة سنة 1955 على أنه "إذا أثبت الشخص الملزم بالنفقة أنه لا يستطيع دفعها نقداً فللمجلس أن يأمره بأن يسكن في منزله من تجب نفقته عليه وأن يقدم له ما يحتاجه من طعام وكسوة" يدل على أنه يتعين على الزوج إعداد المسكن المناسب، وأن من حق الزوجة شرعاً أن تتمسك بالإقامة في مسكن مستقل لا يشاركها فيه أحد من أقارب زوجها سوى أولاده من غيرها، على أنه إذا لم يكن لدى الزوج القدرة المالية على إنشاء سكن مستقل فإنه يجوز لقضاء الأحوال الشخصية المختص إعفاؤه من ذلك عن طريق إسكانها مع من تجب عليه نفقته. وإذ أقام الحكم المطعون فيه قضاءه برفض الدعوى على أساس أن امتناع المطعون عليها عن مساكنة الطاعن كان بسبب نكوله هو عن تهيئة المسكن الشرعي فإنه لا يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
4 - إذ كانت الأوراق خلواً مما يفيد تمسك الطاعن بطلب إجراء المعاينة أو الإحالة إلى التحقيق أمام محكمة الموضوع، فإنه لا يجوز إبداء هذا القول ولأول مرة أمام محكمة النقض.
5 - إذ كان المستقر في قضاء هذه المحكمة [(3)] أن شريعة الأقباط الأرثوذكس تجيز طلب الطلاق إذا أساء أحد الزوجين معاشرة الآخر أو أخل بواجباته نحوه إخلالاً جسيماً أدى إلى استحكام النفور بينهما وانتهى الأمر بافتراقهما ثلاث سنوات متواليات على ألا يكون ذلك الخطأ من جانب طالب التطليق وإلا أفاد من فعلته، وكان الحكم المطعون فيه أقام قضاءه برفض دعوى التطليق المرفوعة من الطاعن على سند من نفي النشوز والهجر عن المطعون عليها طبقاً لما استخلصه من حكمي إلغاء الطاعة وإبطال إسقاط النفقة وأضاف أن الطاعن عجز عن تقديم الدليل المثبت لإساءة المطعون عليها لزوجها أو إخلالها بواجباتها نحوه مقرراً أن الإساءة في واقع الأمر من جانب الطاعن، فإن هذا الذي قرره الحكم من شأنه أن يؤدي إلى رفض دعوى التطليق ويتفق وصحيح القانون.
6 - إذ كانت محكمة الاستئناف ليست ملزمة بتعقب أسباب الحكم الابتدائي الذي ألغته طالما أقامت قضاءها على ما يحمله، فلا على الحكم المطعون فيه إذا هو لم يرد على وجهة الحكم الابتدائي والأدلة التي جعلها دعامة لقضائه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 65 لسنة 1970 أحوال شخصية نفس أمام محكمة سوهاج الابتدائية طالباً الحكم بتطليقه من المطعون ضدها للهجر. وقال - بياناً لذلك - إنهما من طائفة الأقباط الأرثوذكس وقد تزوج بها بصحيح الإكليل المسيحي في 19 مايو 1935 ودخل بها وعاشرها وما زالت في عصمته، وإذ هجرت منزل الزوجية منذ سنة 1946 دون وجه حق وتبودلت بينهما أنزعة قضائية عدة فقد أقام دعواه بطلبه سالف البيان. وبتاريخ 28 مارس 1971 حكمت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت الطاعن استحكام النفور بينه وبين المطعون عليها لإساءتها عشرته مما أدى إلى افتراقهما ثلاث سنوات متوالية بسبب راجع إليها، وبعد سماع شهود الطرفين حكمت في 20/ 2/ 1972 بالتطليق. استأنفت المطعون عليها هذا الحكم بالاستئناف رقم 3 سنة 47 ق أحوال شخصية أسيوط (مأمورية سوهاج). وبتاريخ 3 إبريل 1973 حكمت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض في 31 مايو 1973 وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وعرض الطعن على هذه الدائرة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر وبالجلسة المحددة التزمت النيابة العامة رأيها.
وحيث إنه - عن شكل الطعن - فإنه لما كان المقصود بإلغاء التشريع ونسخه هو رفع حكم قانوني بحكم قانوني آخر متأخر عنه بما يترتب عليه إبطال العمل بالتشريع الأول وتجريده من قوته الملزمة، وكان المقرر في قضاء هذه المحكمة أن يتم ذلك بتشريع لاحق ينص على الإلغاء صراحة أو يدل عليه ضمناً بأن يشتمل على نص يتعارض مع التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده، وكان من الجائز أن يتم إلغاء التشريع إما عن طريق استبدال نصوص أخرى بنصوصه أو بالاقتصار على إبطال مفعوله دون سن تشريع جديد، بمعنى أنه لا يلزم أن يشتمل النص الناسخ على بديل للحكم المنسوخ، وكان ما تقضي به الفقرة الأولى من المادة 881 من قانون المرافعات المضافة بموجب القانون رقم 126 لسنة 1951 - قبل وبعد تعديلها بالقانون رقم 401 سنة 1955 - من أن ميعاد الطعن بالنقض في مسائل الأحوال الشخصية ثمانية عشر يوماً قد صار إلغاؤه صراحة بموجب المادة الأولى من مواد إصدار القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام النقض وقررت المادة 29 منه إزالة التفرقة في ميعاد الطعن بالنقض وفى إجراءاته بين المسائل المدنية والتجارية وبين مواد الأحوال الشخصية، وكان ما جرت به الفقرة الثانية من المادة الثالثة من قانون السلطة القضائية رقم 43 لسنة 1965 من العودة إلى الأحكام المنظمة للطعن بطريق النقض التي كان معمولاً بها قبل صدور القانون رقم 401 لسنة 1955 الذي استحدث دوائر فحص الطعون ومن بينها حكم الفقرة الأولى من المادة 881 من قانون المرافعات قد صاحبه صدور القانون رقم 4 لسنة 1967 الذي جعل ميعاد الطعن بالنقض في كافة المواد المدنية والتجارية ومسائل الأحوال الشخصية ستين يوماً منذ العمل بالقانون رقم 43 لسنة 1965، مما يدل على أن الفقرة الأولى من المادة 881 من قانون المرافعات ظلت منسوخة ضمناً اعتبارا بوجود تعارض بين نصين وردا على محل واحد مما يستحيل معه إعمالهما معاً فيعتبر النص الجديد ناسخاً للنص القديم وملغياً له. لما كان ذلك وكان بقاء المادة 881 من قانون المرافعات بمقتضى المادة الأولى من مواد إصدار قانون المرافعات القائم لا يستطيل إلى الفقرة الأولى منها لأنه لم يكن لها وجود عند صدوره إذ ظلت هذه الفقرة منسوخة بالقانون رقم 4 لسنة 1967 على نحو ما سلف، وبقي ميعاد الطعن بالنقض في كافة المسائل ومن بينها مواد الأحوال الشخصية موحداً. لما كان ما تقدم وكان إلغاء القانون رقم 43 لسنة 1965 وتعديلاته بموجب قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 ليس من شأنه أن يبعث من جديد نص الفقرة الأولى من المادة 881 من قانون المرافعات الملغاة طالما لم ينص المشرع صراحة على العودة إليها، وكان مفاد المادة 868 من قانون المرافعات الواردة في الكتاب الرابع الخاص بالإجراءات المتعلقة بمسائل الأحوال الشخصية والتي استبقاها قانون المرافعات الحالي - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الطعن بطريق النقض في مسائل الأحوال الشخصية تحكمه القوانين العامة المقررة في قانون المرافعات فيما لا يتعارض مع النصوص الواردة بالكتاب الرابع، وكانت الفقرة الأولى من المادة 252 من قانون المرافعات تنص على أن ميعاد الطعن بالنقض ستون يوماً، فإن هذه المادة هي التي تحكم ميعاد الطعن بالنقض في مسائل الأحوال الشخصية كما هو الحال في سائر المواد المدنية والتجارية، وإذ رفع الطعن خلال هذا الميعاد فإنه يكون قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن بني على ثلاثة أسباب، ينعى الطاعن بالسبب الثاني منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، وفى بيان ذلك يقول إن الحكم أقام قضاءه برفض دعوى التطليق على سند من حجية الحكمين الصادرين بإبطال حكم الطاعة وإلغاء حكم إسقاط النفقة اللذين استصدرهما الطاعن ضد المطعون عليها، في حين أن هذين الحكمين تقتصر دلالتهما على عدم تهيئة المسكن الشرعي ولا تحاج بهما في دعوى التطليق المبنية على أساس من استحكام النفور واستحالة استمرار الحياة الزوجية. ويضيف الطاعن أن الحكم انتهى إلى أن المطعون عليها ليست هي المتسببة في الفرقة بدعوى أنه لم يوفر لها مسكناً تنفرد بالإقامة فيه بعيداً من ذويه ولا تعتبر من ثم ناشزاً مع أن الأصل في الشريعة المسيحية وجوب إطاعة المرأة زوجها وإقامتها في المسكن الذي يعده لها حتى ولو شاركها فيه أهله طالما لم يقع اضطهاد منهم عليها، وهو ما يعيببه بالخطأ في تطبيق القانون. هذا إلى أن الحكم لم يرد على دفاع الطاعن بطلب إجراء المعاينة والإحالة إلى التحقيق لإثبات أنه خصص طابقاً مستقلاً لإقامة المطعون عليها في مسكن الأسرة الأمر الذي يشوبه بالقصور.
وحيث إن النعي بكافة وجوهه مردود، ذلك أنه وإن كان المقرر في قضاء هذه المحكمة أن دعوى الطاعة تختلف في موضوعها وفى سببها عن دعوى التطليق للضرر بحيث لا يمنع الحكم الصادر في دعوى الطاعة من جواز نظر دعوى التطليق لاختلاف المناط في كل منهما، إلا أنه لا تثريب على محكمة الموضوع وهى بصدد بحث الضرر في دعوى التطليق أن تستعين بما يتبين لها من وقائع متصلة به في دعوى الطاعة، ولما كان أساس الدعوى الماثلة هو طلب الطاعن تطليق المطعون عليها للضرر واستحكام النفور بسبب هجرها إياه، وكان الحكم المطعون فيه وهو بسبيل تقصي دواعي الهجر قد استدل بما ثبت في دعوى الطاعة من أن مرده إلى إخلال الطاعن بواجبه وتقاعسه عن إعداد المسكن الشرعي، وكان ذلك من مسائل الواقع التي يستقل قاضي الموضوع ببحث دلائلها والموازنة بينها وترجيح ما يطمئن إليه منها واستخلاص ما يقتنع به ما دام يقيم حكمه على أسباب سائغة من شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي ينتهي إليها. لما كان ذلك، وكان النص في المادة 149 من مجموعة القواعد الخاصة بالأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس الصادرة في سنة 1938 - والمقابلة للمادة 144 من مجموعة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس المؤرخة في سنة 1955 - على أنه "يجب على الزوج أن يسكن معه زوجته في مسكن مستقل يتناسب مع حالة الزوجين" ولا تجبر الزوجة على إسكان أحد معها من أهل زوجها سوى أولاده من غيرها ما لم يأمر المجلس بغير ذلك في الحالة المنصوص عليها في المادة 144. وليس للزوجة أن تسكن معها في بيت الزوج أحداً من أهلها إلا برضائه" وفى المادة 144 المقابلة للمادة 139 من مجموعة سنة 1955 على أنه "إذا أثبت الشخص الملزم بالنفقة أنه لا يستطيع دفعها نقداً فللمجلس أن يأمره بأن يسكن في منزله من تجب نفقته عليه وأنه يقدم له ما يحتاجه من طعام وكسوة" يدل على أنه يتعين على الزوج إعداد المسكن المناسب، وأن من حق الزوجة شرعاً أن تتمسك بالإقامة في مسكن مستقل لا يشاركها فيه أحد من أقارب زوجها سوى أولاده من غيرها، على أنه إذا لم يكن لدى الزوج القدرة المالية على إنشاء سكن مستقل فإنه يجوز لقضاء الأحوال الشخصية المختص إعفاؤه من ذلك عن طريق إسكانها مع من تجب عليه نفقته، وإذ أقام الحكم المطعون فيه قضاءه على أساس أن امتناع المطعون عليها عن مساكنة الطاعن كان بسبب نكوله هو عن تهيئة المسكن الشرعي فإنه لا يكون قد أخطأ في تطبيق القانون. لما كان ما تقدم وكانت الأوراق خلوا مما يفيد تمسك الطاعن بطلب إجراء المعاينة أو الإحالة إلى التحقيق أمام محكمة الموضوع. فإنه لا يجوز إبداء هذا القول ولأول مرة أمام محكمة النقض.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسببين الأول والثالث على الحكم المطعون فيه أنه خلط بين سبب الدعوى وهو استحكام النفور بين طرفيها ودليلها المستمد من حكم الطاعة الصادر ضد المطعون عليها، على أساس من عدم ثبوت هجر المطعون عليها لمنزل الزوجية بعد إلغاء الحكم الصادر ضدها بالطاعة واستمرار سريان الحكم لها بالنفقة وهو من الحكم خطأ في فهم الواقع في الدعوى أدى به إلى مخالفة القانون، ذلك أن حكم محكمة أول درجة أوضح السند الصحيح للدعوى وبني قضاءه بالتطليق على بلوغ الكراهية بين الزوجين مداها تبعاً لتعدد الدعاوي المرددة بينهما في الفترة بين سنتي 1946 و1973 موضحاً تاريخ النزاع ومراحله ومستدلاً بأقوال شهود المطعون عليها ذاتها، وإذ لم يرد الحكم المطعون فيه على أسباب حكم المحكمة الابتدائية في هذا الشأن فإنه يكون معيباً القصور.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه لما كان المستقر في قضاء هذه المحكمة أن شريعة الأقباط الأرثوذكس تجيز طلب الطلاق إذا أساء أحد الزوجين معاشرة الآخر أو أخل بواجباته نحوه إخلالاً جسيماً أدى إلى استحكام النفور بينهما وانتهى الأمر بافتراقهما ثلاث سنوات متواليات، على ألا يكون ذلك الخطأ من جانب طالب التطليق وإلا أفاد من فعلته، وكان الحكم المطعون فيه أقام قضاءه برفض دعوى التطليق المرفوعة من الطاعن على سند من نفي النشوز والهجر عن المطعون عليها طبقاً لما استخلصه من حكمي إلغاء الطاعة وإبطال إسقاط النفقة وأضاف أن الطاعن عجز عن تقديم الدليل المثبت لإساءة المطعون عليها لزوجها أو إخلالها بواجباتها نحوه مقرراً أن الإساءة في واقع الأمر من جانب الطاعن، فإن هذا الذي قرره الحكم من شأنه أن يؤدي إلى رفض دعوى التطليق ويتفق وصحيح القانون، لما كان ذلك. وكانت محكمة الاستئناف ليست ملزمة بتعقب أسباب الحكم الابتدائي الذي ألغته طالما أقامت قضاءها على ما يحمله، فلا على الحكم المطعون فيه إذا هو لم يرد على وجهة الحكم الابتدائي والأدلة التي جعلها دعامة لقضائه، ويكون النعي على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن برمته.


[(1)] نقض 25/ 2/ 1961 مجموعة المكتب الفني السنة 12 ص 30.
[(2)] نقض 17/ 11/ 1971 مجموعة المكتب الفني السنة 22 ص 917.
[(3)] نقض 24/ 5/ 1972 مجموعة المكتب الفني س 23 ص 1003.