مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثلاثون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1984 إلى آخر فبراير سنة 1985) – صـ 173

(32)
جلسة 2 من ديسمبر سنة 1984

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد صالح الساكت - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة يوسف شلبي يوسف ومحمد فؤاد عبد الرازق الشعراوي وصلاح الدين أبو المعاطي نصير وأحمد إبراهيم عبد العزيز تاج الدين - المستشارين.

الطعن رقم 881 لسنة 28 القضائية

( أ ) هيئة الطاقة الذرية - وظيفة المعيد والمدرس المساعد بها تعادل وظيفة المعيد والمدرس المساعد بالجامعات - تعتبر كل من هاتين الوظيفتين من وظائف المستوى الثاني وفقاً للجدول الملحق بالقانون رقم 58 لسنة 1971 - وظيفة المدرس تعادل وظائف المستوى الأول - تطبيق.
(ب) المحكمة الإدارية العليا - مدى ولايتها.
الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا يثير بحكم اللزوم النزاع المطروح أمامها من جميع جوانبه سواء ما تعلق به من الناحية الشكلية كالاختصاص أو المواعيد أو من الناحية الموضوعية - إذا تبين للمحكمة الإدارية العليا أن النزاع في حقيقته أمر لا يقبل التبعيض بطبيعته أو التجزئة في ذاته يحق لها أن تتصدى للفصل في موضوع النزاع برمته دون ما تجزئة له - تطبيق.
(جـ) قرار إداري - تنفيذه.
إذا كان من شأن تنفيذه ترتيب أعباء مالية على عاتق الخزانة العامة فإن أثر ذلك القرار لا يتولد حالاً ومباشرة إلا إذا كان ذلك ممكناً وجائزاً قانوناً أو متى أصبح كذلك بوجود الاعتماد المالي الذي يستلزم تنفيذه لمواجهة تلك الأعباء - إذا لم يوجد الاعتماد المالي أصلاً كان تحقيق ذلك الأثر غير ممكن قانوناً - إذا وجد الاعتماد المالي وكان غير كاف فإنه يتعين التزام حدوده وعدم تجاوزه - تطبيق.


إجراءات الطعن

بتاريخ 26 من إبريل سنة 1982 أودعت هيئة مفوضي الدولة قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها برقم 881 لسنة 28 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة أول مارس سنة 1982 في الدعوى رقم 1314 لسنة 34 القضائية المقامة من: 1 - عبد العظيم مصطفى العجرمي 2 - عبد الهادي محمد حماد 3 - منير خليل متى 4 - حسن إبراهيم شعبان 5 - شكري جاد الرب بحيرى 6 - ادوارد نخنوخ عبد المسيح 7 - كريم الدين عبد العزيز حسن 8 - مراد عزيز حنا 9 - أحمد طاهر عبد الفتاح عياد 10 - أسامة محمد حمزة سلام، ضد هيئة الطاقة الذرية والذي قضى بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بأحقية المدعين في صرف الفروق المالية المترتبة على تسوية حالتهم بالقرار رقم 329 لسنة 1973 وإلزام الإدارة بالمصروفات. وطلبت الهيئة الطاعنة للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وإلزام المدعين المصروفات.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بذات الطلبات الواردة بتقرير الطعن.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 12 من ديسمبر سنة 1983. وبجلسة 13 من فبراير سنة 1984 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثانية) حيث تحدد لنظره أمامها جلسة 8 من إبريل سنة 1984 وبعد تداول الطعن على النحو الموضح بمحاضر الجلسات وسماع ما رأت المحكمة لزوم سماعه من إيضاحات ذوي الشأن قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم حيث صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تحصل - حسبما يبين من الأوراق في أنه بتاريخ 8 من إبريل سنة 1978 أقام المدعون 1 - عبد العظيم مصطفي العجرمي 2 - عبد الهادي محمد حماد 3 - منير خليل متى 4 - حسن إبراهيم شعبان 5 - شكري جاد الرب بحيرى 6 - ادوارد نخنوخ عبد المسيح 7 - كرم الدين عبد العزيز حسن 8 - مراد عزيز حنا 9 - أحمد طاهر أحمد عبد الفتاح 10 - أسامة حمزة سلام، الدعوى رقم 129 لسنة 25 القضائية أمام المحكمة الإدارية لوزارة المالية ضد هيئة الطاقة الذرية طالبين الحكم بأحقيتهم في صرف الفروق المالية المستحقة بالقرار رقم 329 لسنة 1973 والقانون رقم 49 لسنة 1972 وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وقال المدعون شرحاً للدعوى أن الهيئة أصدرت القرار رقم 329 لسنة 1973 بنقل من يقومون بأبحاث علمية المعينين على وظائف تخصصية إلى وظائف معيدين مع رد أقديمتهم فيها إلى تاريخ شغلهم لهذه الوظائف بأقسام البحوث مع تسوية حالاتهم وصرف الفروق المالية بمراعاة التقادم الخمسي، وأن تصرف إليهم مرتباتهم الحالية أو بداية ربط المعيد أيهما أكبر بصفة مؤقتة لحين إصدار قرار التسوية، وأنهم من بين هؤلاء. وعلى إثر صدور القانون رقم 49 لسنة 1972 في شأن الباحثين العلميين بالمؤسسات التي تمارس نشاطاً علمياً ومن بينها الهيئة المذكورة طلب المدعون تسوية حالاتهم أسوة بزملائهم المعينين أصلاً في وظيفة معيد وتطبيق هذا القانون عليهم اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1972 مع صرف الفروق المالية واستناداً إلى ذلك أصدرت الهيئة القرار رقم 329 لسنة 1973 وطلبت من الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة تدبير الاعتمادات والارتباط بالقيمة المطلوبة لهذه التسويات إلا أن الهيئة لم تقم بصرف الفروق المالية المستحقة لهم.
وبجلسة 27 من يناير سنة 1980 حكمت المحكمة الإدارية لوزارة المالية أولاً: بعدم اختصاصها بنظر الدعوى بالنسبة للمدعين فيما عدا الخامس والسادس، وبإحالة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري فيما يتعلق بهؤلاء وإبقاء الفصل في المصروفات. ثانياً: بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بأحقية المدعين الخامس والسادس في صرف الفروق المالية المترتبة على تسوية حالتيهما بالقرار رقم 329 لسنة 1973 مع إلزام الهيئة المصروفات فيما يخصهما. وأقامت قضاءها بالنسبة للبند أولاً، على أن الثابت مع البيان المقدم من الهيئة بالحالة الوظيفية للمدعين فيما عدا الخامس والسادس أنهم يشغلون وظائف مدرس ومدرس مساعد التي يدخل ربطها المالي في نطاق المستوى الأول وفقاً للقانون رقم 58 لسنة 1971 الذي حل محله القانون رقم 47 لسنة 1978 ومن ثم ينعقد الاختصاص بنظر الدعوى بالنسبة إليهم لمحكمة القضاء الإداري - وبالنسبة إلى البند ثانياً: أشارت المحكمة إلى أن المدعين الخامس والسادس عينا في وظيفة تخصصية ثم نقلا بالقرار رقم 329 لسنة 1973 إلى وظيفة معيد بأقدمية ترجع إلى تاريخ شغل الوظيفة بأقسام البحوث، ولم تقم الهيئة بصرف الفروق المالية المترتبة على ذلك على الرغم من تسليمها بحقهما الذي لا يحجبه عنهما عدم توافر الاعتماد المالي.
وإزاء ذلك أحليت الدعوى إلى القضاء الإداري حيث قيدت بجدولها برقم 1314 لسنة 34 القضائية وبجلسة أول مارس سنة 1982 حكمت محكمة القضاء الإداري بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بأحقية المدعين في صرف الفروق المالية المترتبة على تسوية حالتهم بالقرار رقم 329 لسنة 1973 وإلزام الجهة الإدارية المصروفات - وشيدت قضاءها على أنه ليس ثمة منازعة بين الجهة الإدارية والمدعيين في أحقيتهم في وظيفة معيد من التاريخ الذي نص عليه القرار المذكور وتسوية حالتهم وتدرج راتبهم على هذا الأساس - كما أنها لا تنازع في أحقيتهم في الفروق المالية المترتبة على هذه التسوية وإن الخلاف ينحصر في عدم وجود الاعتماد المالي اللازم في هذا الشأن، وهذا العذر لا محل له في النزاع المطروح ما دام أن مصدر حق المدعين هو القانون رقم 79 لسنة 1973 والقرار رقم 329 لسنة 1973 الصادر تنفيذاً له.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه خالف القانون، ذلك أنه إذا كان من مقتضى تنفيذ القرار الإداري ترتيب أعباء مالية فإنه لا يجوز تنفيذه أو إعمال أثره إلا إذا كان ذلك ممكناً قانوناً بتوفير الاعتماد المالي اللازم، فإذا لم يتوافر ذلك الاعتماد أصلاً كان إعمال أثر القرار غير جائز - ولما كان المستفاد من القرار رقم 329 لسنة 1973 أن الاعتمادات المالية اللازمة لصرف الفروق المالية الناتجة عن تسوية حالات المدعين لم يتم تدبيرها ولم تدرج بميزانية الهيئة فمن ثم ينعدم المصرف المالي ويتعذر بالتالي أعمال أثر ذلك القرار.
ومن حيث إنه يتضح في البداية أن الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة المالية بجلسة 27 من يناير سنة 1980 استند في قضائه بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى بالنسبة إلى المدعين فيما عدا الخامس والسادس - اللذين يشغلان وظيفة المعيد إلى أن بعض هؤلاء يشغلون وظيفة مدرس والبعض الآخر يشغلون وظيفة مدرس مساعد وهاتان الوظيفتان يدخل ربطهما المالي في نطاق المستوى الأول وفقاً للقانون رقم 58 لسنة 1971 الذي حل محله القانون رقم 47 لسنة 1978 مما ينعقد الاختصاص بنظر الدعوى بالنسبة إلى هؤلاء لمحكمة القضاء الإداري.
ومن حيث إنه سبق لهذه المحكمة أن قضت بأن وظيفة المعيد ووظيفة المدرس المساعد بهيئة الطاقة الذرية تعادل وظيفة المعيد والمدرس المساعد بالجامعات على التوالي، وتعتبر كل من هاتين الوظيفتين من وظائف المستوى الثاني وفقاً للجدول رقم (1) الملحق بالقانون رقم 58 لسنة 1971 بنظام العاملين المدنيين بالدولة الذي كان قائماً في تاريخ العمل بقانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 الذي تضمن توزيع الاختصاص بنظر مسائل العاملين بين محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية، وذلك بخلاف وظيفة المدرس التي اعتبرت من وظائف المستوى الأول. (الطعن رقم 805 لسنة 28 القضائية بجلسة 12 من فبراير سنة 1984 والطعنان رقما 860 و818 لسنة 28 القضائية بجلسة 11 من ديسمبر سنة 1983).
ومن حيث إنه تبعاً لذلك وإذ كان الثابت من الأوراق أن كلاً من المدعيين الخامس والسادس يشغل وظيفة معيد، كما يشغل كل من المدعين الثاني والرابع والسابع والثامن والتاسع وظيفة مدرس مساعد فإن الاختصاص بشأن ما أثير من نزاع من هؤلاء يكون معقوداً للمحكمة الإدارية لوزارة المالية - أما باقي المدعين وهم الأول والثالث والعاشر فنظراً لأن كلاً منهم يشغل وظيفة مدرس فإن الاختصاص بشأنهم يكون موكولاً لمحكمة القضاء الإداري.
ومن حيث إن الثابت من الحكم المطعون فيه أن محكمة القضاء الإداري عندما طرح أمامها النزاع واتصلت بالدعوى تصدت لموضوع الدعوى بالنسبة إلى جميع المدعين العشرة ولم تشر في حكمها إلى سبق قضاء المحكمة الإدارة لوزارة المالية بالنسبة إلى المدعيين الخامس والسادس بل فصلت في طلبات المدعين كلهم وقضت بأحقيتهم في صرف الفروق المالية المترتبة على تسوية حالتهم بمقتضى القرار رقم 329 لسنة 1973 وهو ذات ما قضت به المحكمة المذكورة بالنسبة إلى المدعيين الخامس والسادس - كما أن تقرير الطعن الماثل والمقدم من هيئة مفوضي الدولة لم يشر بدوره إلى سبق فصل المحكمة المذكورة في طلبات المدعيين الخامس والسادس بل تناول التقرير جميع المدعين العشرة وطلبت الهيئة إلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى بالنسبة لهؤلاء المدعيين جميعهم.
ومن حيث إنه من المقرر أن الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا يثير بحكم اللزوم النزاع المطروح أمامها من جميع جوانبه سواء ما تعلق به من الناحية الشكلية كالاختصاص أو المواعيد أو من الناحية الموضوعية إذ لها - انطلاقاً من مبدأ حسن توزيع العدالة وكفالة تأدية الحقوق لأربابها - أن تضع الأمر في نصابه الصحيح، فإذا ما استبان لها أن النزاع في حقيقته أمر لا يقبل التبعيض بطبيعته أو التجزئة في ذاته كان لها - وبحق - أن تتصدى للفصل في موضوع النزاع برمته دون ما تجزئه له.
ومن حيث إنه على هدي ذلك وإذ كان النزاع المعروض يدور حول مدى أحقية المدعين العشرة في الفروق المالية المترتبة على تسوية حالتهم بمقتضى القرار رقم 329 لسنة 1973 وهو نزاع - كما يبدو لا يقبل بطبعه التجزئة إذ يمثل قاعدة عامة واحدة بالنسبة إلى جميع المدعيين دون ما تفرقه بين واحد وآخر ومن ثم يغدو من غير الملائم ومما يتنافى مع قواعد المعدلة في ذات الوقت تبعيض النزاع وتقطيع أوصال الدعوى الواحدة بين أكثر من محكمة في حين أن النزاع برمته معروض أمام المحكمة الإدارية العليا مما لا محيص معه والحالة هذه من أن تتصدى لذاك النزاع لإنزال حكم القانون الصحيح في هذا الأمر بالنسبة إلى جميع المدعين.
ومن حيث إنه تأسيساً على كل ما تقدم فإنه فيما يتعلق بموضوع النزاع المطروح بالنسبة إلى المدعين فقد خالف الحكم المطعون فيه ما استقرت عليه أحكام هذه المحكمة من أن القرار الإداري إذا كان من شأنه ترتيب أعباء مالية على عاتق الخزانة العامة فإن أثر ذلك القرار لا يتولد حالاً ومباشرة إلا إذا كان ذلك ممكناً وجائزاً قانوناً أو متى أصبح كذلك بوجود الاعتماد المالي الذي يستلزمه تنفيذه لمواجهة تلك الأعباء، فإذا لم يوجد الاعتماد أصلاً كان تحقيق ذلك الأثر غير ممكن قانوناً أما إذا وجد الاعتماد المالي وكان غير كاف فإنه يتعين التزام حدوده وعدم تجاوزه ومتى كان الأمر كذلك وكان الثابت من الأوراق عدم توافر الاعتمادات المالية اللازمة لتنفيذ القرار رقم 329 لسنة 1973 بصرف الفروق المالية المترتبة عليه فإنه لا يتولد للمدعين حق في اقتضاء هذه الفروق المالية بعد إذ أصبح ذلك القرار موقوف الأثر لعدم توافر الاعتماد المالي اللازم لتمويل صرف تلك الفروق، وبذا تغدو دعوى المدعين غير قائمة على أساس سليم من القانون واجبة الرفض.
ومن حيث إنه ترتيباً على ذلك وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد جانب القانون في صحيحه بما يتعين معه الحكم بقبول الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى مع إلزام المدعين المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى، وألزمت المدعين بالمصروفات.