مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثلاثون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1984 إلى آخر فبراير سنة 1985 ) - صـ 191

(35)
جلسة 2 من ديسمبر سنة 1984

برئاسة السيد الأستاذ المستشار يوسف شلبي يوسف - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة محمد فؤاد عبد الرازق الشعراوي وصلاح الدين أبو المعاطي نصير والدكتور محمد عبد السلام مخلص وأحمد إبراهيم عبد العزيز - المستشارين.

الطعن رقم 709 لسنة 29 القضائية

( أ ) اختصاص - اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري.
قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 55 لسنة 1959 حدد اختصاص محاكم مجلس الدولة بالمنازعات المتعلقة بالموظفين العموميين على سبيل الحصر - توزيع ولاية نظر هذه المنازعات بين محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية على أساس المركز الوظيفي للعامل - بصدور القانون رقم 47 لسنة 1972 أصبح مجلس الدولة صاحب الولاية العامة في المنازعات الإدارية وبسط القضاء الإداري رقابته على جميع المنازعات الخاصة بالعاملين بما في ذلك المنازعات التي لم تكن تدخل أصلاً في ولايته طبقاً للاختصاص المحدد بالقانون رقم 55 لسنة 1959 ومنها قرارات الإعارة والنقل والندب - تطبيق.
(ب) اختصاص - قواعد توزيع الاختصاص بين محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية - المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 - المشرع حدد المسائل التي تختص بها المحاكم الإدارية والمتعلقة بالعاملين من المستوى الوظيفي الثاني والثالث على سبيل الحصر - المادة 13 من القانون رقم 47 لسنة 1972 - اختصاص محكمة القضاء الإداري بالفصل في المسائل المنصوص عليها في المادة العاشرة عدا ما تختص به المحاكم الإدارية والتأديبية - نتيجة ذلك: أصبحت محكمة القضاء الإداري المحكمة ذات الاختصاص العام في نظر كافة المنازعات الإدارية سواء تلك المنصوص عليها في المادة المذكورة أو تلك التي تدخل في مفهوم المنازعات الإدارية فيما عدا المسائل التي تختص المحاكم الإدارية بنظرها على سبيل الحصر - تطبيق: المنازعة المتعلقة بالتعويض عن قرار إعارة هي من المسائل التي يختص بها مجلس الدولة باعتبارها من المنازعات الإدارية - اختصاص محكمة القضاء الإداري بنظرها حتى ولو كانت تتعلق بالعاملين من المستوى الثاني أو الثالث - تطبيق.


إجراءات الطعن

بتاريخ 7/ 2/ 1983 أودعت هيئة مفوضي الدولة قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها برقم 709 لسنة 29 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالمنصورة (الدائرة الاستئنافية) بجلسة 9/ 12/ 1982 في الطعن رقم 28 لسنة 4 ق والذي قضى بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً، وطلبت الهيئة الطاعنة، للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وباختصاص المحكمة الإدارية بمدينة المنصورة بنظر الدعوى وبإعادتها إليها للفصل في موضوعها مع إبقاء الفصل في المصروفات.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وباختصاص المحكمة الإدارية بمدينة المنصورة بنظر الدعوى وبإحالتها إليها للفصل في موضوعها مع إبقاء الفصل في المصروفات.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 28/ 5/ 1984، وفي هذه الجلسة قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثانية) حيث تحدد لنظره أمامها جلسة 28/ 10/ 1984 وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم حيث صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أن المدعي أقام الدعوى رقم 847 لسنة 8 ق أمام المحكمة الإدارية بالمنصورة في 16/ 8/ 1980 طالباً الحكم بإلزام جهة الإدارة المدعى عليها بالتعويض المناسب لما أصابه من أضرار بسبب حرمانه من الإعارة التي تمت بقرار وزير التربية والتعليم رقم 266 لسنة 1979 وما يترتب على ذلك من آثار.
وبجلسة 3/ 11/ 1981 قضت المحكمة الإدارية بالمنصورة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وأمرت بإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري بالمنصورة وأبقت الفصل في المصروفات، وأقامت المحكمة قضاءها على أن المادة (14) من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 تنص على أن (تختص المحاكم الإدارية (1) بالفصل في طلبات إلغاء القرارات المنصوص عليها في البندين ثالثاً ورابعاً من المادة العاشرة متى كانت متعلقة بالموظفين العموميين من المستويين الثاني والثالث ومن يعادلهم وفي طلبات التعويض المرتبة على هذه القرارات...)، وأنه لما كان البندان ثالثاً ورابعاً من المادة العاشرة قد حددا على سبيل الحصر القرارات التي يدخل الطعن عليها في اختصاص المحاكم الإدارية وهي القرارات الإدارية الصادرة بالتعيين في الوظائف العامة أو الترقية أو بمنح العلاوات والقرارات الإدارية الصادرة بالإحالة إلى المعاش أو الاستيداع أو الفصل بغير الطريق التأديبي متى تعلقت بموظفي المستويين الثاني والثالث، ومن ثم تكون الطعون في القرارات الصادرة بإعارة الموظفين، باعتبارها منازعات إدارية تدخل في اختصاص محكمة القضاء الإداري صاحبة الولاية العامة حتى لو تعلقت بموظفي المستويين الثاني والثالث.
وقد طعنت هيئة مفوضي الدولة في الحكم وأسست طعنها على أن مناط توزيع الاختصاص بين محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية يستند إلى أهمية النزاع والمركز الوظيفي للعامل، وعلى هذا الأساس فإن مرتبة الموظف هي وحدها التي تضفي على منازعته قدراً من الأهمية تتحدد بمقتضاها الجهة ذات الولاية للفصل فيها، وترتيباً على ذلك فإن القول بأن طلبات الإلغاء أو التعويض المتعلقة بالقرارات الإدارية الصادرة في شأن موظفي المستويين الثاني والثالث والتي لا تتعلق بتعيينهم أو ترقيتهم أو بمنحهم علاوات أو بإحالتهم إلى المعاش أو الاستيداع أو بفصلهم بغير الطريق التأديبي تخرج من اختصاص المحاكم الإدارية، وهو قول من شأنه أن يدخل منازعات تتعلق بموظفي هذين المستويين في اختصاص محكمة القضاء الإداري مهدراً بذلك ما استهدفه الشارع من اعتبارات أفرغها في معيار مجرد كما أن مؤدى الحكم باختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر منازعات شاغلي المستويين الثاني والثالث فيما لم يرد ذكره في الفقرة الأولى من المادة (14) سالفة الذكر سيرتب نتائج غير منطقية، إذ بينما تستأثر المحاكم الإدارية بنظر منازعات على قدر من الأهمية في علاقة الموظف بجهة عمله كقرارات التعيين والإحالة إلى المعاش، فإنها تعرض عن نظر منازعات لا ترقى إلى هذا القدر من الأهمية كالطعن في قرار حرمان من الإعارة، تاركة نظرها لمحكمة تعد في إحدى دوائرها جهة طعن في أحكامها.
وبجلسة 9/ 12/ 1982 حكمت محكمة القضاء الإداري بالمنصورة (الدائرة الاستئنافية) بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً، وأقامت قضاءها على أن اختصاص المحاكم الإدارية بنظر المنازعات الخاصة بالعاملين جاء محدداً بما نصت عليه المادة (14) من القانون رقم 47 لسنة 1972، ومن ثم يتعين التزام حدود هذا النص في مجال تحديد اختصاص المحاكم الإدارية، وفيما عدا ما نصت عليه المادة (14) سالفة الذكر، فإن محكمة القضاء الإداري تكون هي صاحبة الولاية العامة في نظر كافة المنازعات الإدارية، سواء تلك المنصوص عليها تحديداً في المادة المذكورة، أو تلك التي تدخل في مدلول المنازعات الإدارية التي نص عليها البند (14) من تلك المادة ومتى كان ذلك وكان سند اختصاص محاكم مجلس الدولة بالفصل في الطعون الخاصة بقرارات الإعارة أو الندب أو النقل أو الامتناع عن تسليم شهادات بمدد الخدمة هو نص البند (14) من المادة (10) سالفة الذكر، فإن محكمة القضاء الإداري في ضوء ما سلف بيانه تكون هي المختصة نوعياً بنظر تلك المنازعات.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة قد طعنت في حكم محكمة القضاء الإداري وأقامت طعنها على أن أهمية النزاع والمركز الوظيفي للعامل هو المعيار الذي اتخذه المشرع أساساً للفصل بين اختصاص المحاكم الإدارية من ناحية ومحكمة القضاء الإداري من ناحية أخرى، مما يوجب أن تدخل المنازعات الوظيفية لشاغلي المستويين الثاني والثالث طبقاً للقانون رقم 58 لسنة 1971 ضمن اختصاص المحاكم الإدارية، كما أن طلب التعويض عن الحرمان من الإعارة - الطعن الماثل في الدعوى - لا يعدو أن يكون منازعة وظيفية تدور حول قرار يتفرع ويتصل بقرار تعيين وترقية إلى حد كبير. ومن المسلم أن القضاء الإداري يتميز بأنه ليس مجرد قضاء تطبيقي كالقضاء المدني بل هو في الأغلب الأعم قضاء إنشائي يبتدع الحلول المناسبة للقواعد الإجرائية وهذا من الخصائص المميزة للمنازعات الإدارية.
ومن حيث إن قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 55 لسنة 1959 قد حدد اختصاص محاكم مجلس الدولة بالمنازعات المتعلقة بالموظفين العموميين على سبيل الحصر في البنود ثانياً وثالثاً ورابعاً وخامساً من المادة الثامنة، ووزعت ولاية نظر هذه المنازعات بين محكمة القضاء الإداري من ناحية، والمحاكم الإدارية من ناحية أخرى على أساس المركز الوظيفي للعامل، أما في ظل العمل بأحكام قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 فقد أصبح مجلس الدولة صاحب الولاية العامة في المنازعات الإدارية فقد نص البند (14) من المادة (10) من هذا القانون على أن يختص مجلس الدولة بالفصل في سائر المنازعات الإدارية، وكان يكفي المشرع أن يضع القاعدة العامة هذه دون التعداد الوارد بالمادة العاشرة، إلا أنه كما أوضحت المذكرة الإيضاحية (وازن بين وجود تقرير اختصاص مجلس الدولة بكافة المنازعات الإدارية والدعاوى التأديبية إعمالاً لنص المادة 172 من الدستور، وبين الحاجة إلى تفصيل عناصر هذا الاختصاص، وتحديد حالاته تحديداً دقيقاً، وقد اختط المشرع في هذا الصدد سبيلاً وسطاً، حرص فيه على ذكر أبرز التطبيقات التي تدخل في مفهوم المنازعات الإدارية، ثم نص أيضاً على اختصاص المجلس بنظر سائر المنازعات الإدارية الأخرى). وفي ظل هذا الوضع فقد بسط القضاء الإداري رقابته على جميع المنازعات الخاصة بالعاملين ويشتمل ذلك تلك التي لم تكن تدخل أصلاً في ولايته طبقاً للاختصاص المحدد بالقانون رقم 55 لسنة 1959، ومن هذه المنازعات ما يتعلق بالطعن في قرارات الإعارة أو النقل أو الندب، وفي مجال توزيع الاختصاص بين محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية حدد القانون رقم 47 لسنة 1972 المسائل التي تختص بها المحاكم الإدارية المتعلقة بالعاملين من المستوى الوظيفي الثاني والثالث على سبيل الحصر في المادة (14) وهي الخاصة بطلبات إلغاء القرارات الإدارية النهائية الصادرة بالتعيين في الوظائف العامة أو الترقية أو بمنح العلاوات، وإلغاء القرارات الإدارية الصادرة بالإحالة إلى المعاش أو الاستيداع أو الفصل بغير الطريق التأديبي، وطلبات التعويض المترتبة على هذه القرارات، والمنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت ونص في المادة (13) على أن تختص محكمة القضاء الإداري بالفصل في المسائل المنصوص عليها في المادة العاشرة عدا ما تختص به المحاكم الإدارية والتأديبية وبذلك أصبحت محكمة القضاء الإداري المحكمة ذات الاختصاص العام في نظر كافة المنازعات الإدارية، سواء تلك المنصوص عليها في المادة المذكورة أو تلك التي تدخل في مفهوم المنازعات الإدارية التي نص عليها البند (رابع عشر) وذلك كله فيما عدا المسائل التي تختص المحاكم الإدارية بنظرها على سبيل الحصر.
ومن حيث إن المنازعة محل الطعن الماثل تتعلق بالتعويض عن قرار إعارة، وهي من المسائل التي يختص مجلس الدولة بنظرها باعتبارها من المنازعات الإدارية طبقاً للبند (14) من المادة (10) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 ولم ترد هذه المنازعة ضمن المسائل التي أسند اختصاص الفصل فيها للمحاكم الإدارية، فإن محكمة القضاء الإداري هي المختصة بنظرها حتى ولو كانت تتعلق بالعاملين من المستوى الثاني أو الثالث، ولما كان المشرع قد حدد اختصاص المحاكم الإدارية بنظر منازعات على سبيل الحصر، فإن القول بالاسترشاد بالمعيار الذي اتخذه المشرع للفصل بين اختصاص هذه المحاكم ومحكمة القضاء الإداري لإضافة اختصاصات أخرى إليها قول يستند إلى أساس سليم في القانون لأن مسائل الاختصاص مما يتحدد بالنص وليس عن طريق الحكمة أو القياس. ولا وجه للقول أيضاً بأن طلب التعويض عن الحرمان من الإعارة لا يعدو أن يكون منازعة وظيفية تدور حول قرار يتفرع ويتصل بقرار تعيين وترقية إلى حد كبير، وذلك لأن المنازعة المطروحة تدور في أساسها وجوهرها حول التعويض عن الحرمان من الإعارة، ولا تتصل بطريق مباشر أو غير مباشر بتعيين المدعي أو ترقيته مما تختص بالفصل فيه المحاكم الإدارية.
ومن حيث إنه تأسيساً على ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه إذ أخذ بهذا النظر يكون قد أصاب الحق فيما قضى به، ويكون الطعن على غير أساس سليم متعيناً رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة، بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً.