أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 51 - صـ 230

جلسة الأول من مارس سنة 2000

برئاسة السيد المستشار/ محمود عبد الباري نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ حسين الشافعي ومحمد حسين مصطفى وإبراهيم الهنيدي نواب رئيس المحكمة وحسن حسين الغزيري.

(43)
الطعن رقم 17520 لسنة 62 القضائية

(1) تسجيل المحادثات. تفتيش "إذن التفتيش. إصداره". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". نقض "حالات الطعن. الخطأ في تطبيق القانون".
تسجيل المحادثات الهاتفية أو التفتيش الذي تجريه سلطة التحقيق أو تأذن في إجرائه في مسكن المتهم أو ما يتصل بشخصه. شرط صحتها؟
إثبات الحكم أن التحريات دلت على أن المتهم الأول مع المتهمين الثالث والرابع بمصلحة الدمغة والموازين يقومون بعمليات دمغ المشغولات الذهبية المهربة بمسكن المتهم الأول وارتكابهم جريمة مماثلة لصالح المتهمين الخامس والسادس وإتمام ذلك مقابل جعل مادي يتقاضاه الأول وزملاءه. مفاده: صدور الإذن لضبط جريمة وقعت بالفعل ولو صدر إذن آخر بناء على ما تضمنه محضر استدلال آخر امتداداً للإذن السابق بناء على ما أسفر عنه تسجيل المحادثات الهاتفية عن كشف أدلة أخرى أو متهمين آخرين. انتهاؤه بعد ذلك إلى أن الإذن اللاحق صدر لضبط جريمة لم تقع. خطأ في تطبيق القانون.
(2) تسهيل استيلاء على أموال أميرية. وصف التهمة. محكمة الموضوع "سلطتها في تعديل وصف التهمة". شروع. نقض "حالات الطعن. الخطأ في تطبيق القانون".
عدم تقيد المحكمة بالوصف القانوني الذي تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم. حقها في تعديله متى رأت رد الواقعة إلى الوصف القانوني السليم.
اكتفاء الحكم المطعون فيه في تبرئة المتهمين من تهمة الشروع في تسهيل الاستيلاء على المال العام بالقول بعدم توافر أركانها وفي نفي جريمة الاستحصال بغير حق على أختام المصالح واستعمالها استعمالاً ضاراً بها بالقول أنها تشكل جريمة أخرى لم ترد في أمر الإحالة دون تكييفه الواقعة وتطبيق نصوص القانون تطبيقاً صحيحاً والتحقق من عدم وقوعها تحت أي وصف من أوصاف الجرائم المستوجبة للعقاب. خطأ في تطبيق القانون حجب الخطأ المحكمة عن تقدير أدلة الدعوى. أثره: أن يكون النقض مقروناً بالإعادة.
1 - من المقرر أن كل ما يشترط لصحة تسجيل المحادثات الهاتفية أو التفتيش الذي تجريه سلطة التحقيق المختصة أو تأذن في إجرائه في مسكن المتهم أو ما يتصل بشخصه، أن يكون رجل الضبط القضائي قد علم من تحرياته واستدلالاته أن جريمة معينة - جناية أو جنحة - قد وقعت من شخص معين وأن تكون هناك من الدلائل والأمارات الكافية والشبهات المقبولة ضد هذا الشخص بقدر يبرر تسجيل محادثاته الهاتفية أو يبرر تعرض التفتيش لحريته أو لحرمة مسكنه في سبيل كشف مبلغ اتصاله بتلك الجريمة، ولما كانت الواقعة - كما هي ثابتة في محضر التحريات التي صدر إذن تسجيل المحادثات الهاتفية وإذن التفتيش الأول للمسكن بناء عليها - على ما نقله الحكم عنها أن التحريات دلت على أن المتهم الأول مع بعض زملاءه في مصلحة الدمغة والموازيين وهما المتهمان الثالث والرابع يقومون بعمليات دمغ المشغولات الذهبية المهربة بمسكن المتهم الأول وأنهم قد ارتكبوا جريمة مماثلة لصالح المتهمين الخامس والسادس وأن ذلك يتم لقاء جعل مادي يتقاضاه المتهم الأول وزملاءه فإن ذلك يفيد أن الإذن قد صدر بالتسجيل والتفتيش لجريمة تحقق وقوعها فعلاً من مقارفيها لا لضبط جريمة مستقبلة أو محتملة فإذا ما أسفر تسجيل المحادثات الهاتفية عن كشف أدلة أخرى أو متهمين آخرين صح الأخذ بهذه المعلومات وتلك الأدلة فإذا ما تضمنها محضر استدلال آخر صدر بناء عليه إذن النيابة العامة بامتداد الإذن السابق فإن الإذن اللاحق يعتبر صحيحاً كذلك ويصح الأخذ بالأدلة المترتبة على تنفيذ هذا الإذن، ويكون الحكم إذ قضى بغير ذلك قد أخطأ في تطبيق القانون فضلاً عن فساده في الاستدلال.
2 - لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض بعد ذلك إلى جريمة الشروع في تسهيل الاستيلاء على المال العام المنسوبة إلى المطعون ضدهم وخلص إلى أنه لما كان المال المقال بتسهيل الحصول عليه لم يدخل بعد إلى ذمة الدولة فلا تتوافر فيه صفة العمومية الأمر الذي يفتقد معه أحد أركان الجريمة وينتفي معه الاتهام عن المتهمين، ثم عرض الحكم بعد ذلك لجريمة الاستحصال بغير حق على أختام إحدى المصالح واستعمالها استعمالاً ضاراً بالمصلحة وانتهى إلى عدم توافر هذه الجريمة رغم توافر إحدى الجرائم الأخرى التي لم يشملها أمر الإحالة وكان عدم توافر ركن من أركان الجريمة - بفرض حصوله - في التهمة المحال بها المتهمين للمحاكمة ليس من شأنه بالضرورة أن يجعل الفعل المنسوب إليهم بمنأى عن العقاب، وكانت محكمة الموضوع لا تتقيد بالوصف القانوني الذي تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم بل من واجبها أن تمحص الواقعة المطروحة عليها بجميع كيوفها وأوصافها وأن تطبق عليها نصوص القانون تطبيقاً صحيحاً ذلك أنها وهي تفصل في الدعوى لا تتقيد بالواقعة في نطاقها المرسوم في وصف التهمة المحال عليها بل أنها مطالبة بالنظر إلى الواقعة الجنائية كما رفعت بها الدعوى على حقيقتها كما تبينتها من الأوراق. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد اكتفى في تبرئة المتهمين من تهمة الشروع في تسهيل الاستيلاء على المال العام بالقول بعدم توافر أحد أركان هذه الجريمة. كما اكتفى في نفي جريمة الاستحصال بغير حق على أختام إحدى المصالح واستعمالها استعمالاً ضاراً بها بالقول أنها تشكل جريمة أخرى لم ترد في أمر الإحالة ودون أن يكيف الواقعة ويطبق عليها نصوص القانون تطبيقاً صحيحاً والتحقق من عدم وقوعها تحت أي وصف قانوني من أوصاف الجرائم المستوجب قانوناً للعقاب فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يتعين معه نقض الحكم المطعون فيه في شأن هاتين الجريمتين، لما كان ما تقدم، وكان الخطأ الذي تردى فيه الحكم قد حجب المحكمة عن تقدير أدلة الدعوى فإنه يتعين أن يكون النقض مقروناً بالإعادة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضدهم بأنهم من الأول وحتى الرابع: أولاً: بصفتهم موظفين عموميين أولهم "وزان بمصلحة دمغ المصوغات والموازين" وثانيهم "رئيس قسم توقيع الدمغات" وثالثهم "وكيل قسم توقيع الدمغات" ورابعهم "دماغ بمصلحة المصوغات والموازيين" طلبوا عطية مقابل إخلالهم بواجبات وظائفهم بأن طلبوا بواسطة المتهم الأول من المتهمين من الخامس وحتى الأخير مبلغ جنيهين ونصف عن كل جرام على سبيل الرشوة مقابل دمغ المشغولات الذهبية المضبوطة والمهربة من الرسوم الجمركية والضريبية والبالغ وزنها 31.974 كيلو (واحد وثلاثون كيلو جرام وتسعمائة وأربعة وسبعون جراماً) دون سداد رسم الدمغ المقرر على النحو المبين بالتحقيقات، ثانياً: بصفتهم سالفة الذكر شرعوا في تسهيل الاستيلاء بغير حق للمتهمين من الخامس وحتى الأخير على مبلغ 11453.220 (إحدى عشر ألفاً وأربعمائة وثلاثة وخمسين جنيهاً ومائتي وعشرين مليماً) قيمة رسوم دمغ المشغولات الذهبية سالفة الذكر المستحقة لمصلحة دمغ المصوغات والموازيين وقد أوقف أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادتهم فيه هو ضبطهم والجريمة متلبساً بها. ثالثاً: بصفتهم آنفة البيان استحصلوا بغير حق على أختام المشغولات الذهبية عيار 18 والمملوكة لإحدى المصالح الحكومية - مصلحة دمغ المصوغات والموازيين - واستعملوها استعمالاً ضاراً بالمصلحة العامة بأن قاموا بدمغ جزء من المشغولات الذهبية المضبوطة بلغ وزنه 10.965.050 كيلو (عشرة كيلو جرامات وتسعمائة وخمسة وستين جراماً وخمسين مللي جرام) خارج المصلحة دون سداد الرسوم المقرر (2) المتهمون من الخامس وحتى الثامن: أولاً قدموا للمتهمين من الأول وحتى الرابع وعدا بعطية مقابل إخلالهم بواجبات وظائفهم بأن قدموا لهم عن طريق المتهم الأول وعداً بدفع مبلغ جنيهان ونصف عن كل جرام مقابل قيامهم بدمغ المشغولات الذهبية المضبوطة والبالغ وزنها 31.974 كيلو (واحد وثلاثون كيلو جرام وتسعمائة وأربعة وسبعون جراماً) بأختام مصلحة دمغ المصوغات والموازيين دون سداد الرسم المقرر. ثانياً: اشتركوا بطريق الاتفاق والمساعدة مع المتهمين من الأول وحتى الرابع في ارتكاب جناية الشروع في تسهيل الاستيلاء المسندة إليهم بأن اتفقوا معهم على ارتكابها وساعدوهم في ذلك بأن قدموا إليهم المشغولات الذهبية الأجنبية المهربة وصفاً وكماً بالأوراق لدمغها بأختام مصلحة دمغ المصوغات والموازيين دون سداد رسم الدمغ المستحق عليها فوقعت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة على النحو المبين بالتحقيقات، وأحالتهم إلى محكمة جنايات أمن الدولة العليا بالقاهرة لمحاكمتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة والمحكمة المذكورة قضت غيابياً للمتهم الخامس وحضورياً لباقي المتهمين ببراءتهم مما هو منسوب إليهم.
فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض..... إلخ.


المحكمة

وحيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى ببراءة المطعون ضدهم من جرائم الرشوة والشروع في تسهيل الاستيلاء على المال العام والاستحصال بغير حق على أختام إحدى المصالح الحكومية واستعمالها قد شابه الفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون ذلك أنه أقام قضاءه على بطلان أذون النيابة العامة بمراقبة هاتف المتهم الأول وبالضبط والتفتيش لصدورهم لضبط جريمة مستقبلة. بما يبطل إجراءات الضبط والتفتيش وما أسفرت عنه، وبما لا يجوز معه التعويل على شهادة من قاموا بعمليات الضبط والتفتيش ويهدر اعترافات المتهمين التي صدرت بعد الضبط وهو قول غير سائغ إذ الثابت من أقوال أعضاء هيئة الرقابة الإدارية أن أذون النيابة العامة صدرت لضبط جرائم تحقق وقوعها فعلاً فتكون إجراءات الضبط والتفتيش واعترافات المتهمين قد جاءت وليدة إجراءات قانونية صحيحة، كما نفى الحكم عن المتهمين جريمة تسهيل الاستيلاء على المال العام بدعوى عدم توافر صفة العمومية في هذا المال على الرغم من أن الثابت أن المتهمين من موظفي مصلحة الدمغة فوتوا على الدولة تحصيل رسوم جمركية ورسوم دمغ للمشغولات الذهبية لصالح باقي المتهمين وهي أموال تتوافر لها صفة العمومية بمجرد استحقاق تحصيلها - كما نفى الحكم عن المتهمين جريمة الاستحصال بغير حق على أختام مصلحة الدمغة واستعمالها استعمالاً ضاراً بهذه المصلحة بدعوى أن هذه الأختام عهدة للمتهم الثاني وأن استعماله لها على نحو ما تم لا يشكل الجريمة الواردة بأمر الإحالة وإن كان قد يشكل جريمة أخرى وذلك على الرغم مما شهد به شهود الإثبات من أن الأختام المضبوطة محظور خروجها من المصلحة وهي تحفظ في نهاية كل يوم عمل داخل خزانة طبقاً لإجراءات خاصة، وقد اعترف المتهم الثاني بإخراجها من المصلحة وضبط أثناء استعماله لها استعمالاً ضاراً بالمصلحة، وكان على الحكم أن يُنزل الوصف الصحيح الذي يراه على الواقعة ويتحقق قبل صدوره بالبراءة من أنها لا تقع تحت أي وصف قانوني من أوصاف الجرائم المستوجبة قانوناً للعقاب - كل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أورد الأدلة التي استندت إليها النيابة العامة في التدليل على ثبوت التهمة قبل المطعون ضدهم والمستمدة من شهادة أعضاء الرقابة الإدارية...... و...... و...... الذين شهدوا أن تحرياتهم دلت على أن المتهم الأول "المطعون ضده الأول" وهو من العاملين بمصلحة دمغ المصوغات والموازين يقوم مع بعض زملائه بدمغ المشغولات الذهبية الأجنبية المهربة التي لم تسدد عنها الرسوم الجمركية أو الضريبية لحساب بعض تجار المصوغات دون سداد رسوم الدمغ المقررة لقاء مبالغ مالية يتقاضونها من هؤلاء التجار على سبيل الرشوة وأن عملية الدمغ تجرى خارج مقر المصلحة وبأختامها، فتم استصدار إذن من النيابة العامة لتسجيل المحادثات الهاتفية التي تجرى بين المتهم الأول وهؤلاء التجار وتفتيش مسكن المتهم الأول وقد تبين من المراقبة الهاتفية أن المتهم الأول اتفق مع بعض التجار وهم من المتهم الخامس حتى الأخير على دمغ مصوغات أجنبية خاصة بهم بعد إزالة أختامها مقابل أن يتقاضى منهم مبلغ جنيهين ونصف لكل جرام يقوم بدمغه بأختام الدمغ المصرية وتحدد يوم..... لإرسالهم المصوغات لمنزله لدمغها كما تبين سابقة ارتكاب المتهمين لجرائم مماثلة وكشفت المراقبة الهاتفية أيضاً عن وجود اتفاق بين المتهم الأول وبين المتهمين الثاني والثالث والرابع وهم من موظفي مصلحة الدمغة والموازيين على قيام الأخيرين بإخراج أختام الدمغة المصرية عهدتهم من المصلحة والتوجه بها إلى مسكن المتهم الأول حيث يقومون جميعاً بدمغ المصوغات الأجنبية المهربة وتحدد لتنفيذ ذلك يوم../ ../ .... وبناء عليه انتقل أعضاء الرقابة الإدارية تنفيذاً لإذن النيابة العامة بالضبط والتفتيش إلى مسكن المتهم الأول في اليوم المحدد للتنفيذ - وما أن دخلوا المنزل حتى ألفوا المتهمين الأربع الأول بحجرة نوم على يمين الداخل ومعهم كمية من المشغولات الذهبية يقومون بدمغها فتم ضبطهم وضبط تلك المشغولات والتي تبين أنها تزن واحد وثلاثين كيلو جراماً وتسعمائة جرام كما تم ضبط الأختام المستخدمة في الدمغ ومبالغ مالية وصلت إلى حوالي مائة وخمسين ألف جنيه فضلاً عن عدة آلاف من العملات الأجنبية وإذ تم مواجهة المتهمين بما أسفر عنه الضبط أقروا بالمنسوب إليهم وقد تم تشكيل لجنة من باقي شهود الإثبات وهم عدد من العاملين بمصلحة الدمغة والموازيين وخبراء التثمين لجرد المضبوطات وقد تبين من شهادتهم أن المضبوطات عبارة عن مصوغات أجنبية أُزيل خاتم الدمغة الأجنبي منها وختم بعضها بخاتم الدمغة المصري والبعض الآخر لم يختم بعد كما تبين أن الأختام المضبوطة خاصة بمصلحة الدمغة والموازيين وأنها عهدة المتهم الثاني ومحظور خروجها من المصلحة وحددت اللجنة رسوم الدمغة الواجب تقاضيها على دمغ المصوغات المضبوطة بما يزيد على إحدى عشر ألف جنيه فضلاً عن الرسوم الجمركية الواجب سدادها. وعرض الحكم أيضاً لباقي الأدلة التي ساقتها النيابة العامة والتي تمثلت في اعتراف المتهم الأول في التحقيقات بوجود اتفاق بينه وبين المتهمين من الخامس حتى الأخير على دمغ مصوغات أجنبية لهم خارج مصلحة الدمغة والموازيين مقابل جعل مالي يحصل عليه منهم وأضاف أن المتهمين الثاني والثالث والرابع اتفقوا معه أن يشاركوه في دمغ هذه المصوغات بعد أن يحضروا أختام الدمغة عهدتهم من المصلحة، وأنهم سبق أن أجروا عملية مماثلة منذ فترة سابقة كانت لحوالي عشرة كيلو جرامات مشغولات ذهبية أجنبية الصنع وأن كل متهم من زملائه تقاضى مبلغ ألفين وخمسمائة جنيه مقابل ذلك، واعترف المتهم أيضاً بصحة ما ورد بالمحادثات الهاتفية المسجلة بينه وبين باقي المتهمين، وقد اعترف المتهمين الثاني والرابع بمثل ما اعترف به المتهم الأول بالتحقيقات، ثم عرض الحكم بعد ذلك لدفع المتهمين ببطلان الإذن الصادر من النيابة العامة بتسجيل المكالمات الهاتفية التي تتم عن طريق هاتف المتهم الأول وتفتيش مسكنه لعدم جدية التحريات التي بني عليها الإذن لأنه صدر لضبط جريمة مستقبلة وانتهى الحكم إلى قبول هذا الدفع لأنه ومع اقتناع الحكم بما ورد بالتحريات من سبق قيام المتهمين بارتكاب جريمة دمغ المشغولات الذهبية المهربة مساء يوم...... فإن طلب الإذن بالمراقبة التليفونية والإذن التالي بتفتيش مسكن المتهم الأول لابد أن يكون قد صدر لضبط جريمة مماثلة جديدة وليس لضبط الجريمة التي وقعت بما يبطل هذين الإذنين وما يترتب عليهما، واعتبر الحكم أن دخول مسكن المتهم الأول وما تم من ضبط المتهمين أثناء قيامهم بدمغ المشغولات الذهبية المهربة إجراء غير مشروع لا يعول عليه، ولا على شهادة من قاموا به ويبطل إقرارات المتهمين بارتكاب الجرائم كما يبطل الأدلة على قيام جريمة الرشوة في حق المتهمين سواء المستمدة من تفريغ أشرطة التسجيل أو من اعترافات المتهمين في التحقيقات وانتهى الحكم إلى تبرئة المتهمين من هذه التهمة. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن كل ما يشترط لصحة تسجيل المحادثات الهاتفية أو التفتيش الذي تجريه سلطة التحقيق المختصة أو تأذن في إجرائه في مسكن المتهم أو ما يتصل بشخصه أن يكون رجل الضبط القضائي قد علم من تحرياته واستدلالاته أن جريمة معينة - جناية أو جنحة - قد وقعت من شخص معين وأن تكون هناك من الدلائل والأمارات الكافية والشبهات المقبولة ضد هذا الشخص بقدر يبرر تسجيل محادثاته الهاتفية أو يبرر تعرض التفتيش لحريته أو لحرمة مسكنه في سبيل كشف مبلغ اتصاله بتلك الجريمة، ولما كانت الواقعة كما هي ثابتة في محضر التحريات المؤرخ في...... التي صدر إذن تسجيل المحادثات الهاتفية وإذن التفتيش الأول للمسكن بناء عليها - على ما نقله الحكم عنها - أن التحريات دلت على أن المتهم الأول مع بعض زملاءه في مصلحة الدمغة والموازيين وهما المتهمان الثالث والرابع يقومون بعمليات دمغ المشغولات الذهبية المهربة بمسكن المتهم الأول وأنهم قد ارتكبوا جريمة مماثلة يوم...... لصالح المتهمين الخامس والسادس وأن ذلك يتم لقاء جعل مادي يتقاضاه المتهم الأول وزملاءه فإن ذلك يفيد أن الإذن قد صدر بالتسجيل والتفتيش لجريمة تحقق وقوعها فعلاً من مقارفيها لا لضبط جريمة مستقبلة أو محتملة فإذا ما أسفر تسجيل المحادثات الهاتفية عن كشف أدلة أخرى أو متهمين آخرين صح الأخذ بهذه المعلومات وتلك الأدلة فإذا ما تضمنها محضر استدلال آخر صدر بناء عليه إذن النيابة العامة بامتداد الإذن السابق فإن الإذن اللاحق يعتبر صحيحاً كذلك ويصح الأخذ بالأدلة المترتبة على تنفيذ هذا الإذن، ويكون الحكم إذ قضى بغير ذلك قد أخطأ في تطبيق القانون فضلاً عن فساده في الاستدلال مما يوجب نقضه في هذا الخصوص، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض بعد ذلك إلى جريمة الشروع في تسهيل الاستيلاء على المال العام المنسوبة إلى المطعون ضدهم وخلص إلى أنه لما كان المال المقال بتسهيل الحصول عليه لم يدخل بعد إلى ذمة الدولة فلا تتوافر فيه صفة العمومية الأمر الذي يفتقد معه أحد أركان الجريمة وينتفي معه الاتهام عن المتهمين، ثم عرض الحكم بعد ذلك لجريمة الاستحصال بغير حق على أختام إحدى المصالح واستعمالها استعمالاً ضاراً بالمصلحة وانتهى إلى عدم توافر هذه الجريمة رغم توافر إحدى الجرائم الأخرى التي لم يشملها أمر الإحالة وكان عدم توافر ركن من أركان الجريمة - بفرض حصوله - في التهمة المحال بها المتهمين للمحاكمة ليس من شأنه بالضرورة أن يجعل الفعل المنسوب إليهم بمنأى عن العقاب، وكانت محكمة الموضوع لا تتقيد بالوصف القانوني الذي تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم بل من واجبها أن تمحص الواقعة المطروحة عليها بجميع كيوفها وأوصافها وأن تطبق عليها نصوص القانون تطبيقاً صحيحاً ذلك أنها وهي تفصل في الدعوى لا تتقيد بالواقعة في نطاقها المرسوم في وصف التهمة المحال عليها بل أنها مطالبة بالنظر إلى الواقعة الجنائية كما رفعت بها الدعوى على حقيقتها كما تبينتها من الأوراق. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد اكتفى في تبرئة المتهمين من تهمة الشروع في تسهيل الاستيلاء على المال العام بالقول بعدم توافر أحد أركان هذه الجريمة. كما اكتفى في نفي جريمة الاستحصال بغير حق على أختام إحدى المصالح واستعمالها استعمالاً ضاراً بها بالقول أنها تشكل جريمة أخرى لم ترد في أمر الإحالة ودون أن يكيف الواقعة ويطبق عليها نصوص القانون تطبيقاً صحيحاً والتحقق من عدم وقوعها تحت أي وصف قانوني من أوصاف الجرائم المستوجبة قانوناً للعقاب فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يتعين معه نقض الحكم المطعون فيه في شأن هاتين الجريمتين. لما كان ما تقدم، وكان الخطأ الذي تردى فيه الحكم قد حجب المحكمة عن تقدير أدلة الدعوى فإنه يتعين أن يكون النقض مقروناً بالإعادة.