مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثلاثون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1984 إلى آخر فبراير سنة 1985 ) - صـ 278

(50)
جلسة 29 من ديسمبر سنة 1984

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد هلال قاسم - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة عبد الفتاح السيد بسيوني وعبد الفتاح محمد إبراهيم صقر وعبد المنعم عبد الغفار فتح الله ومحمود مجدي أبو النعاس - المستشارين.

الطعن رقم 434 لسنة 27 القضائية

دعوى الإلغاء - ميعاد رفعها - سريانه من تاريخ إعلان القرار الفردي إلى أصحاب الشأن.
المادة 22 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 55 لسنة 1959 - القرارات التنظيمية العامة يسري ميعاد الطعن فيها من تاريخ نشرها في الجريدة الرسمية - القرارات الفردية التي تمس مراكز قانونية ذاتية يسري ميعاد الطعن فيها من تاريخ إعلانها إلى أصحاب الشأن - يقوم مقام النشر أو الإعلان تحقق علم صاحب الشأن بالقرار علماً يقيناً لا ظنياً ولا افتراضياً. - تطبيق - قرار المحافظة بإلحاق بعض الشوارع والطرق والميادين بالمنافع العامة بدون مقابل - هو قرار فردي وليس تنظيمياً - لا يسري ميعاد الطعن فيه من تاريخ نشره في الوقائع الرسمية وإنما من تاريخ إعلانه لأصحاب الشأن أو علمهم به علماً يقيناً - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأحد الموافق 1/ 3/ 1981 أودع الأستاذ علاء الدين نور المحامي نيابة عن الأستاذ محمود فرج خميس المحامي بصفته وكيلاً عن المهندس أحمد محمود محمد، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 434 لسنة 27 القضائية، في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية بجلسة 1/ 1/ 1981 في الدعوى رقم 197 لسنة 27 ق، المقامة من الطاعن ضد المطعون ضدهم، والقاضي بعدم قبول طلب إلغاء القرارين رقمي 65 لسنة 1968، 89 لسنة 1968 شكلاً لرفعه بعد الميعاد وبرفض ما عدا ذلك من طلبات وإلزام المدعي بالمصروفات.
وطلب الطاعن - للأسباب الواردة في تقرير طعنه - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء القرارين المطعون فيهما، وبإلزام المطعون ضدهم جميعاً ضامنين متضامنين في المسئولية بأن يدفعوا للطاعن 600 ألف جنيه قيمة الأرض التي ألحقت بالمنفعة العامة، بالإضافة إلى 5% نظير عدم انتفاعه بالأرض ملكه محل القرارين وبسببهما، والفوائد القانونية من تاريخ الصدور، وإلزام المطعون ضدهم بالمصروفات والأتعاب عن الدرجتين.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن، ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وإلزام الطاعن بالمصروفات.
وتحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 10/ 10/ 1982، وتدوول بجلساتها على الوجه الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 21/ 5/ 1984 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى) لنظره بجلسة 23/ 6/ 1984 وبهذه الجلسة نظرت المحكمة الطعن، وبجلسة 8/ 12/ 1984 قررت المحكمة إصدار الحكم فيه بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم التالي، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق. في أنه بتاريخ 12/ 11/ 1968 أقام المهندس أحمد محمود محمد الدعوى رقم 3026 لسنة 1968 أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية ضد كل من: 1 - محافظ الإسكندرية 2 - وكيل وزارة الإسكان والمرافق 3 - بدريه ياقوت محمد 4 - أحمد حسن السيد عطا 5 - محسن حسن السيد عطا 6 - فريدة حسن السيد عطا 7 - السيد عبد الله سعيد 8 - سعاد محمد بدر 9 - فهيمه نجيب سليمان الشهيرة بفتحية، طالباً الحكم بعدم الاعتداد بقراري التقسيم رقمي 65، 89 لسنة 1968 وبطلانهما وبطلان كل تصرف انبنى عليهما مع إلزام المدعى عليهم بالمصروفات.
وقال المدعي - شرحاً لدعواه - أنه يمتلك الأرض موضوع التقسيمين المشار إليهما بموجب عقد مؤرخ 10/ 1/ 1966 صادر له عن محمد عز الدين عوض صدقي، الذي آلت إليه الملكية بطريق الشراء من ورثة المرحوم رزق فهمي عوض شافعي بمقتضى عقد بيع مؤرخ 26/ 2/ 1959، وقد استصدر المدعي حكماً في الدعوى رقم 959 لسنة 1966 مدني كلي إسكندرية بصحة ونفاذ عقدي البيع المذكورين، وسجله برقم 936 لسنة 1968 توثيق إسكندرية، إلا أن المدعى عليهم من الثالثة حتى الثامنة تقدموا بطلبات إلى محافظة الإسكندرية لاعتماد تقسيم تلك الأرض زعماً منهم بملكيتهم لها، ورغم عدم تقديمهم ما يثبت تلك الملكية فقد أصدرت المحافظة القرارين المطعون فيهما، بعد أن أبدى المتقاسمون استعدادهم للتنازل عن مقابل الشوارع والميادين والمتنزهات والطرقات للمنافع العامة. ونعى المدعي على هذين القرارين أنهما صدرا بناء على غش وتدليس من المدعى عليهم المذكورين، وخلص إلى طلب الحكم ببطلانهما.
وبجلسة 31/ 1/ 1971 حكمت محكمة الإسكندرية الابتدائية بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وبإحالتها بحالتها إلى مجلس الدولة للاختصاص. وأحيلت الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري بالقاهرة وقيدت بجدولها برقم 1065 لسنة 25 ق. وبجلسة التحضير المنعقدة في 12/ 6/ 1971 حدد المدعي طلباته بإلغاء قراري محافظ الإسكندرية رقمي 65، 89 لسنة 1968 المشار إليهما.
وقدمت إدارة قضايا الحكومة مذكرة بالرد على الدعوى، جاء فيها أن المدعى عليهم من الثالث إلى السابع تقدموا بطلب لتقسيم أرض كائنة بناحية سيدي بشر، وإذ تبين خلو ما قدم من مستندات من العقد الرسمي المثبت للملكية، فقد كلفوا بتقديمه وإلا أوقفت إجراءات اعتماد التقسيم، ثم أحيلت الأوراق إلى الجهة المختصة للنظر في مدى صلاحية الأرض للتقسيم من الوجهة التخطيطية، فتبين من المعاينة على الطبيعة وفحص الرسومات أن المذكورين أقاموا بعض المباني على بعض القطع، ونظراً لمخالفة ذلك لأحكام القانون رقم 52 لسنة 1940 بشأن تقسيم الأراضي المعدة للبناء، ولعدم تقديم ما يثبت الملكية، لم يتم اعتماد التقسيم، وبعرض الموضوع على مجلس محافظة الإسكندرية قرر إلحاق الطرق والشوارع والميادين المنشأة في بعض التقاسيم بالمنافع العامة، وصدر بذلك القرار رقم 65 لسنة 1968 بشأن أرض السيد عبد الله سعيد، والقرار رقم 89 لسنة 1968 بشأن أرض المذكور وزوجته سعاد محمد بدر وورثة حسن السيد عطا، وذلك تطبيقاً لنص المادة الثانية من القانون رقم 29 لسنة 1966 في شأن الأبنية والأعمال التي تمت بالمخالفة لأحكام قانون تقسيم الأراضي المعدة للبناء، ومن ثم فلا وجه للنعي على القرارين المشار إليهما لصدورهما على سند صحيح من الواقع والقانون، ولا يغير من ذلك ما يقول به المدعي من ملكيته للأرض موضوع التقسيم، لأن هذا القول لا يقيد جهة الإدارة في إصدار قرار الإلحاق بالمنافع العامة تطبيقاً للقانون ومواجهة لمخالفة وقعت. وانتهت إدارة قضايا الحكومة - في مذكرتها - إلى طلب رفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات.
وبجلسة 8/ 5/ 1973 قررت محكمة القضاء الإداري بالقاهرة إحالة الدعوى إلى دائرة القضاء الإداري بالإسكندرية للاختصاص، وأحيلت إليها وقيدت بجدولها برقم 197 لسنة 27 ق.
وبمذكرة مقدمة بجلسة 12/ 3/ 1980 حدد المدعي طلباته الختامية على الوجه الآتي:
أولاً: إلغاء القرارين رقمي 65، 89 لسنة 1968 واعتبارهما كأن لم يكونا وإلغاء كل ما يترتب عليهما.
ثانياً: إلزام المدعى عليهم من الأول إلى السادس متضامنين مع باقي المدعى عليهم في المسئولية بأن يدفعوا له مبلغ 600.000 جنيه (ستمائة ألف جنيه) قيمة مساحات الأرض التي ألحقت بالمنفعة العامة تطبيقاً للقرارين سالفي الذكر.
ثالثاً: إلزام المدعى عليهم من الأول إلى السادس متضامنين مع باقي المدعى عليهم بأن يدفعوا للمدعي مبلغ 5% سنوياً مقابل عدم انتفاعه بقيمة مساحات الأرض التي ألحقت بالمنفعة العامة والفوائد القانونية حتى السداد، مع إلزامهم بالمصروفات.
وبجلسة 1/ 1/ 1981 حكمت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية بعدم قبول طلب إلغاء القرارين رقمي 65 لسنة 1968، 89 لسنة 1968 شكلاً لرفعه بعد الميعاد، وبرفض ما عدا ذلك من طلبات وألزمت المدعي بالمصروفات.
وأقامت المحكمة قضاءها على أساس أن المادة (22) من القانون رقم 55 لسنة 1959 بتنظيم مجلس الدولة - الذي رفعت الدعوى في ظله - نصت على أن "ميعاد رفع الدعوى إلى المحكمة فيما يتعلق بطلبات الإلغاء ستون يوماً من تاريخ نشر القرار الإداري المطعون فيه في الجريدة الرسمية أو في النشرات التي تصدرها المصالح أو إعلان صاحب الشأن به "ومفاد هذا النص أن المشرع جعل مناط بدء سريان ميعاد رفع الدعوى هو واقعة نشر القرار المطعون فيه أو إعلان صاحب الشأن به، والمشرع إذ نص على طريقتي النشر والإعلان لم يقصد أن تحل إحداهما محل الأخرى بحيث يجرى ميعاد الطعن من أيهما بالنسبة لأي قرار فردياً كان أو عاماً، وإنما قصد أن يفترض في صاحب الشأن أنه علم بالقرار من تاريخ نشره، حيث يكون النشر هو الطريقة القانونية لافتراض حصول العلم، ومن ثم يجرى ميعاد الطعن فيه من تاريخ نشره. ولما كان المدعي باعتباره من أصحاب الشأن بل ومن أصحاب المصلحة التي مسها القراران المطعون فيهما - فإن ميعاد الطعن في هذين القرارين يسري في حقه من تاريخ نشرهما، ومتى كان الثابت من الأوراق أن القرار رقم 65 لسنة 1968 نشر بجريدة الوقائع المصرية بعددها رقم 105 الصادر في 12/ 5/ 1968، وأن القرار رقم 89 لسنة 1968 نشر بذات الجريدة بعددها رقم 153 الصادر في 9/ 7/ 1968، فإن ميعاد الطعن في أولهما ينتهي في 12/ 7/ 1968 وفي ثانيهما في 7/ 9/ 1968، وإذ اختصما بالدعوى رقم 3026 لسنة 1968 مدني كلي المودعة صحيفتها قلم كتاب محكمة الإسكندرية الابتدائية في 12/ 11/ 1968، أي بعد انقضاء أكثر من ستين يوماً على تاريخ نشرهما، فإن طلب إلغائهما يكون مرفوعاً بعد الميعاد، الأمر الذي يتعين معه عدم قبول هذا الطلب شكلاً لرفعه بعد الميعاد.
وفيما يختص بطلب التعويض عن القرارين المطعون فيهما، قالت المحكمة أن الفصل في هذا الطلب منوط بتوفر شروط استحقاقه، وهي الخطأ والضرر وعلاقة السببية بينهما، ويتمثل عنصر الخطأ في صدور القرارين المطعون فيهما على خلاف حكم القانون، واستظهاراً لهذا العنصر استعرضت المحكمة أحكام القانون رقم 52 لسنة 1940 بتقسيم الأراضي المعدة للبناء، والقانون رقم 29 لسنة 1966 في شأن الأبنية والأعمال التي تمت بالمخالفة لأحكام قوانين تنظيم المباني وتقسيم الأراضي المعدة للبناء وتنظيم وتوجيه أعمال البناء والهدم، وخلصت إلى أن مفاد نصوص القانون رقم 52 لسنة 1940 أنه لا يجوز إنشاء أي تقسيم إلا بعد الحصول على موافقة من السلطة القائمة على أعمال التنظيم على مشروع التقسيم، وأنه يحظر بيع الأراضي المقدم عنها مشروع التقسيم أو إقامة أي مبان عليها قبل صدور المرسوم الخاص بالموافقة على التقسيم ونشره، فإذا وقع مثل هذا البيع أو أقيمت تلك المباني فإنها تكون مخالفة لأحكام القانون رقم 52 لسنة 1940، وأنه وفقاً لنص المادة الثانية من القانون رقم 29 لسنة 1966 إذا تبين للجهة المختصة تعذر تطبيق القانون رقم 52 لسنة 1940 وذلك بقيام تقسيم تحددت معالمه على الطبيعة بإقامة مبان على الأرض المقسمة والتي لم يصدر مرسوم بالموافقة على تقسيمها، فإنها تصدر قراراً بإلحاق الشوارع والطرق والميادين والمتنزهات المنشأة في التقسيم بالمنافع العامة بدون مقابل، ويصدر هذا القرار من المحافظ المختص بعد أخذ رأي المجلس المحلي. وانتهت المحكمة إلى أنه بتطبيق ما تقدم على المنازعة الماثلة، فإنه وقد ثبت للجهة الإدارية أنه لم يصدر قرار بالموافقة على مشروع التقسيم الذي تقدم به المدعى عليهم من الثالثة إلى الثامنة وفق أحكام القانون رقم 52 لسنة 1940 عرض الأمر على مجلس محافظة الإسكندرية الذي وافق على إلحاق الشوارع والطرق والميادين المنشأة في تقاسيم المدعى عليهم المذكورين وغيرهم بالمنافع العامة بدون مقابل، وصدر بذلك قرارا محافظ الإسكندرية رقما 65 لسنة 1968، 89 لسنة 1968 المطعون فيهما، ومثل هذين القرارين وقد صدرا تطبيقاً لنص المادة الثانية من القانون رقم 29 لسنة 1966 ممن يملك إصدارهما، فإنهما يكونان متفقين وما يقضي به صحيح حكم القانون، الأمر الذي ينفي عنهما عيب عدم المشروعية الموجب للتعويض عنهما، أياً كان مبلغ الضرر الذي أصاب المدعي من صدورهما، وهو وشأنه مع المدعى عليهم من الثالثة إلى الأخيرة في ضوء ثبوت ملكيته للأرض موضوع النزاع، الأمر الذي يتعين معه القضاء برفض طلب التعويض عن القرارين المطعون فيهما.
ومن حيث إن الطعن في الحكم المشار إليه يقوم على أساس أن هذا الحكم أخطأ في تطبيق القانون، ذلك أنه فيما يتعلق بعدم قبول طلب إلغاء القرارين المطعون فيهما لرفعه بعد الميعاد، فإن بدء سريان ميعاد طلب إلغاء هذين القرارين من تاريخ النشر في الجريدة الرسمية إنما يكون بالنسبة إلى صاحب الشأن فيهما وهم المطعون ضدهم الذين طلبوا اعتماد تقسيم الأرض موضوع النزاع، أما الطاعن فإنه يعتبر من الغير بالنسبة إلى القرارين المشار إليهما لأنه لم يكن طرفاً فيهما، ولا يعتبر نشرهما في الجريدة الرسمية محققاً لعلمه بهما، ومن ثم يظل ميعاد الطعن فيهما مفتوحاً أمامه، وبالتالي يكون طلب إلغائهما مقبولاً.
وفيما يتعلق بطلب التعويض عن القرارين المطعون فيهما، فإن خطأ الإدارة ثابت في هذا الشأن لأنها لم تتحقق من ملكية طالبي التقسيم للأرض موضوع النزاع، وكان عليها أن تتحرى عن الملكية والحيازة بواسطة تابعيها وموظفيها، قبل أن تنزل حكم القانون رقم 29 لسنة 1966 وتصدر القرارين المطعون فيهما، وقد ترتب على خطأ الإدارة إصابة الطاعن بضرر جسيم من الناحيتين المادية والأدبية، إذ كان من نتيجة صدور هذين القرارين تغيير الخطة التي وضعها الطاعن لإقامة مساكن لزملائه من المعلمين، وإلحاق مساحات كبيرة بالشوارع والميادين دون مبرر وبطريقة خاطئة، كما تسببا في ضياع قيمة الأراضي التي ألحقت بالمنافع العامة، وضياع انتفاعه بكل الأرض، ولما كانت علاقة السببية بين خطأ الإدارة والضرر الذي أصاب الطاعن ثابتة وواضحة، فإنه تتوافر بذلك عناصر المسئولية الموجبة للحكم بالتعويض المطلوب.
ومن حيث إن الطاعن قدم مذكرتين بدفاعه وحافظتي مستندات، وقد تضمنت المذكرة الأولى ما سبق أن أبداه الطاعن في تقرير طعنه فيما يختص بطلب التعويض عن القرارين المطعون فيهما، وتضمنت المذكرة الثانية - بالإضافة إلى ما ورد في تقرير الطعن - فيما يتعلق بقبول طلب إلغاء القرارين المطعون فيهما، أن الوسيلة الطبيعية لإعلان صاحب الشأن بالقرارات الفردية هي تبليغها إليه، ومن ثم فإن الأصل أن يجرى ميعاد الطعن فيها من تاريخ تبليغها، ولو كانت هذه القرارات مما يجب نشرها حتى تنفذ قانوناً، إلا إذا ثبت علم صاحب الشأن بالقرار علماً حقيقياً لا ظنياً ولا افتراضياً فيجرى ميعاد الطعن من تاريخ هذا العلم، ولا وجه لاعتبار تاريخ نشر القرارين المطعون فيهما في الجريدة الرسمية هو التاريخ الذي يجرى منه حساب ميعاد رفع الدعوى، ما دام لم يقم دليل من الأوراق على العلم بهما من تاريخ معين بحيث يمكن حساب ميعاد رفع الدعوى منه، والأجدر قانوناً وعدالة هو اعتبار ميعاد الطعن في القرارين المذكورين من تاريخ تبليغهما للطاعن، ولذلك يكون طلب إلغاء هذين القرارين قدم في الميعاد مما يجعله جديراً بالقبول. وفيما يتعلق بطلب التعويض ذكر الطاعن أن جهة الإدارة كانت على يقين من ثبوت ملكيته لأرض النزاع، وكان عليها أن تتحرى أسباب إصدار القرارين المطعون فيهما، وأن تتخذ إجراءاتها في مواجهة المالك الحقيقي للأرض، ولما كانت جهة الإدارة لم تلتزم بذلك فإن قراريها يكونان مشوبين بعيب عدم المشروعية جديرين بالإلغاء لانتفاء السبب الداعي لإصدارهما، وإذا كان القانون رقم 29 لسنة 1966 أعطى جهة الإدارة الحق في إلحاق الشوارع والميادين بالمنافع العامة، فإن ذلك مشروط بمراعاة القانون والتعامل مع الملاك، وإلا كان مؤدى القانون حماية غاصبي الأراضي من ملاكها. وانتهى الطاعن إلى أنه يبين من ذلك أن عنصر الخطأ متوافر في حق جهة الإدارة، كما أن التمادي فيه ألحق أضراراً جسيمة بالطاعن سبق أن أوضحها في تقرير طعنه ومذكراته، مما يجعل طلب الحكم بالتعويض في محله، لثبوت الخطأ والضرر وعلاقة السببية بينهما.
ومن حيث إنه فيما يختص بما قضى به الحكم المطعون فيه من عدم قبول طلب إلغاء القرارين المطعون فيهما شكلاً لرفعه بعد الميعاد، فإن المادة (22) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 55 لسنة 1959 - الذي أقيمت الدعوى في ظله - تنص على أن "ميعاد رفع الدعوى إلى المحكمة فيما يتعلق بطلبات الإلغاء ستون يوماً من تاريخ نشر القرار الإداري المطعون فيه في الجريدة الرسمية أو في النشرات التي تصدرها المصالح أو إعلان صاحب الشأن به. وينقطع سريان هذا الميعاد بالتظلم إلى الهيئة الإدارية التي أصدرت القرار أو إلى الهيئات الرئاسية، ويجب أن يبت في التظلم قبل مضي ستين يوماً من تاريخ تقديمه، وإذا صدر القرار بالرفض وجب أن يكون مسبباً، ويعتبر فوات ستين يوماً على تقديم التظلم دون أن تجيب عنه السلطات المختصة بمثابة رفضه، ويكون ميعاد رفع الدعوى بالطعن في القرار الخاص بالتظلم ستين يوماً من تاريخ انقضاء الستين يوماً المذكورة". ومفاد هذا النص أن ميعاد الطعن بالإلغاء يسري من تاريخ نشر القرار الإداري المطعون فيه أو إعلان صاحب الشأن به، وقد استقر قضاء هذه المحكمة على أن القرارات التنظيمية العامة هي التي يسري ميعاد الطعن فيها من تاريخ نشرها في الجريدة الرسمية، أما القرارات الفردية التي تمس مراكز قانونية ذاتية فيسري ميعاد الطعن فيها من تاريخ إعلانها إلى أصحاب الشأن، ويقوم مقام النشر والإعلان تحقق علم صاحب الشأن بالقرار علماً يقينياً لا ظنياً ولا افتراضياً.
ومن حيث إن القرارين رقمي 65 لسنة 1968، 89 لسنة 1968 الصادرين من محافظ الإسكندرية والمطعون فيهما - خاصان بإلحاق الشوارع والطرق والميادين والمتنزهات المنشأة في بعض التقاسيم أو أجزاء التقاسيم بالمنافع العامة بدون مقابل، وقد حدد كل منهما هذه التقاسيم بأسماء المنسوبة إليهم على سبيل الحصر، لذلك فإن هذين القرارين لا يعتبران بحسب طبيعتهما من القرارات التنظيمية العامة وإنما يعتبران من قبيل القرارات الفردية التي تمس مراكز قانونية ذاتية، ومن ثم فإن مجرد نشرهما في الوقائع المصرية لا يعتبر قرينة قانونية على علم أصحاب الشأن بهما، وبالتالي فإن ميعاد الطعن فيهما لا يسري اعتباراً من تاريخ نشرهما في الوقائع المصرية، وإنما من تاريخ إعلانهما إلى أصحاب الشأن أو من تاريخ تحقق علمهم بهما علماً يقينياً.
ومن حيث إنه ولئن لم يثبت إعلان الطاعن بالقرارين المطعون فيهما في تاريخ معين، إلا أن الثابت من الأوراق المودعة بحافظتي المستندات المقدمتين من الطاعن بجلسة 25/ 2/ 1969 وجلسة 1/ 4/ 1969 أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية، أنه في 11/ 7/ 1968 تقدم الطاعن بشكوى إلى محافظ الإسكندرية يعترض فيها على القرارين المذكورين، وعلى ذلك فإنه اعتباراً من تاريخ تقديم هذه الشكوى يكون الطاعن قد علم علماً يقينياً بالقرارين المطعون فيهما، واعتباراً من التاريخ المشار إليه يبدأ سريان ميعاد الطعن في هذين القرارين بالنسبة إلى الطاعن. ولما كانت الشكوى المقدمة من الطاعن إلى محافظ الإسكندرية - بصفته مصدر القرارين المطعون فيهما - تعتبر تظلماً إدارياً من هذين القرارين، فإنه طبقاً لنص المادة (22) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 55 لسنة 1959 يعتبر فوات ستين يوماً على تقديم هذا التظلم دون أن تجيب عنه محافظة الإسكندرية بمثابة رفضه، ويكون ميعاد رفع الدعوى بالطعن في القرارين المشار إليهما ستين يوماً من تاريخ انقضاء الستين يوماً المقررة للبت في التظلم، وإذ كان الثابت أن الطاعن قدم تظلمه المذكور في 11/ 7/ 1968 وانقضت الستون يوماً المقررة للبت فيه في 9/ 9/ 1968 دون أن تجيب عنه المحافظة، فإن ذلك يعتبر بمثابة رفضه، واعتباراً من هذا التاريخ الأخير يبدأ سريان ميعاد الستين يوماً المقرر لرفع الدعوى بطلب إلغاء القرارين المطعون فيهما، وينتهي هذا الميعاد في 8/ 11/ 1968، ولما كان الطاعن قد أقام دعواه بطلب إلغاء هذين القرارين أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية بالدعوى رقم 3026 لسنة 1968 مدني كلي المودعة صحيفتها قلم كتاب تلك المحكمة في 12/ 11/ 1968، فإن طلب إلغائهما يكون مرفوعاً بعد الميعاد، ومن ثم يكون غير مقبول شكلاً ويكون الحكم المطعون فيه فيما قضى به من عدم قبول طلب إلغاء القرارين المطعون فيهما شكلاً لرفعه بعد الميعاد - محمولاً على الأسباب المتقدمة - قد صادف حكم القانون، ويكون الطعن عليه في هذا الخصوص حقيقاً بالرفض.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بما قضى به الحكم المطعون فيه من رفض طلب التعويض عن القرارين المطعون فيهما، فإن مسئولية الإدارة عما تصدره من قرارات إدارية تقوم على أساس توافر عناصر ثلاثة، هي الخطأ والضرر وعلاقة السببية بينهما، ويتمثل عنصر الخطأ في صدور قرار إداري غير مشروع لعيب شابه - أو أكثر - من العيوب المنصوص عليها في قانون مجلس الدولة - ويشترط لقيام مسئولية الإدارة عن هذا القرار أن يلحق صاحب الشأن ضرر، وأن توجد علاقة سببية بين الخطأ ممثلاً في القرار الإداري غير المشروع - وبين الضرر الذي أصاب صاحب الشأن، بأن يكون القرار غير المشروع هو الذي ترتب عليه الضرر، فإذا تخلف عنصر من هذه العناصر الثلاثة، انتفت مسئولية الإدارة.
ومن حيث إن المادة (2) من القانون رقم 52 لسنة 1940 بتقسيم الأراضي المعدة للبناء تنص على أنه "لا يجوز إنشاء أو تعديل تقسيم إلا بعد الحصول على موافقة سابقة من السلطة القائمة على أعمال التنظيم على المشروع الذي وضع له وذلك وفقاً للشروط المقررة بموجب هذا القانون واللوائح الخاصة بتنفيذه". وتنص المادة (7) من هذا القانون على أنه "يجب أن يقدم الطلب الخاص بالموافقة على مشروع التقسيم طبقاً للشروط والأوضاع المقررة في اللائحة التنفيذية ويرفق بالطلب المستندات الآتية: - ....... 3 - المستندات المثبتة للملكية..."، وتنص المادة (9) من القانون المذكور على أن "تثبت الموافقة على التقسيم بمرسوم ينشر في الجريدة الرسمية ويترتب على صدور هذا المرسوم إلحاق الطرق والميادين والحدائق والمتنزهات العامة بأملاك الدولة العامة"، وتنص المادة (10) من القانون المشار إليه على أن "يحظر بيع الأراضي المقسمة أو تأجيرها أو تحكيرها قبل صدور المرسوم المشار إليه في المادة السابقة وقبل إيداع قلم الرهون صورة مصدقاً عليها من هذا المرسوم ومن قائمة الشروط المشار إليها في المادة السابعة. ويحظر أيضاً إقامة مبان أو تنفيذ أعمال على الأراضي المقسمة قبل صدور المرسوم المذكور".
ومن حيث إن مفاد نصوص القانون رقم 52 لسنة 1940 المتقدمة الذكر، أنه لا يجوز إنشاء أي تقسيم إلا بعد الحصول على موافقة السلطة القائمة على أعمال التنظيم على مشروع التقسيم، وأنه يجب أن يرفق بطلب الموافقة على مشروع التقسيم المستندات المثبتة للملكية، وأنه يحظر بيع الأراضي المقدم عنها مشروع التقسيم أو إقامة أي مبان عليها قبل صدور القرار الخاص بالموافقة على التقسيم ونشره، فإذا وقع مثل هذا البيع أو أقيمت تلك المباني، فإن ذلك يكون مخالفاً لأحكام القانون رقم 52 لسنة 1940.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المدعى عليهم من الثالثة إلى الثامنة عندما تقدموا بطلب الموافقة على مشروع تقسيم الأرض موضوع النزاع لم يرفقوا به المستندات المثبتة لملكيتهم لهذه الأرض، ولذلك لم يصدر قرار بالموافقة على هذا التقسيم، ومن ثم فإن ما قام به المدعى عليهم المذكورون من بيع الأراضي المقسمة وإقامة مبان عليها يكون قد تم بالمخالفة لأحكام القانون رقم 52 لسنة 1940.
ومن حيث إن القانون رقم 29 لسنة 1966 في شأن الأبنية والأعمال التي تمت بالمخالفة لأحكام قوانين تنظيم المباني وتقسيم الأراضي المعدة للبناء وتنظيم وتوجيه أعمال البناء والهدم، قضى في المادة (1) منه بعدم جواز إصدار قرارات أو أحكام بإزالة أو بهدم أو بتصحيح الأبنية والأعمال التي تمت بالمخالفة لأحكام القانون رقم 52 لسنة 1940 من تاريخ نفاذه حتى تاريخ العمل بهذا القانون، ونص في المادة (2) على أن "يلحق بالمنافع العامة بدون مقابل الشوارع والطرق والميادين والمتنزهات المنشأة في التقاسيم أو أجزاء التقاسيم التي تمت بالمخالفة لأحكام القانون رقم 52 لسنة 1940 بتقسيم الأراضي المعدة للبناء، في الفترة المبينة بالمادة الأولى، والتي ترى السلطة القائمة على أعمال التنظيم أنها تحددت على الطبيعة بإقامة مبان عليها بكيفية يتعذر معها تطبيق القانون المشار إليه، ويصدر بإجراءات التنفيذ قرار من المحافظ المختص بعد أخذ رأي المجلس المحلي..".
ومن حيث إنه وفقاً لنص المادة (2) من القانون رقم 29 لسنة 1966 المشار إليه، إذ تبين للجهة الإدارية القائمة على أعمال التنظيم تعذر تطبيق القانون رقم 52 لسنة 1940، وذلك بقيام تقسيم تحددت معالمه على الطبيعة بإقامة مبان على الأرض المقسمة بالمخالفة لأحكام هذا القانون، فإنه في هذه الحالة يصدر المحافظ المختص - بعد أخذ رأي المجلس المحلي - قراراً بإلحاق الشوارع والطرق والميادين والمنتزهات المنشأة في التقسيم المخالف بالمنافع العامة بدون مقابل.
ومن حيث إن المدعى عليهم المذكورين قاموا ببيع الأراضي المقسمة وإقامة مبان عليها دون أن يصدر قرار بالموافقة على مشروع التقسيم المقدم منهم، وذلك بالمخالفة لأحكام القانون رقم 52 لسنة 1940، وبعرض الأمر على مجلس محافظة الإسكندرية وافق بجلستيه المنعقدتين في 12/ 2/ 1968، 29/ 4/ 1968 على إلحاق الشوارع والطرق والميادين والمنتزهات المنشأة في تقاسيم المدعى عليهم المذكورين وغيرهم بالمنافع العامة بدون مقابل، وصدر بذلك قرارا محافظ الإسكندرية رقما 65 لسنة 1968، 89 لسنة 1968 المطعون فيهما، ومن ثم فإن هذين القرارين يكونان قد صدرا تطبيقاً لنص المادة (2) من القانون رقم 29 لسنة 1966 ممن يملك سلطة إصدارهما، ويكونان بذلك متفقين مع ما يقضي به صحيح حكم القانون، وينتفي عنهما ما يصمهما بعيب عدم المشروعية، وبالتالي يتخلف أحد العناصر اللازمة لقيام مسئولية الإدارة، وهو عنصر الخطأ. ولا يغير من ذلك كون الذين قاموا بإجراء التقسيم بالمخالفة لأحكام القانون رقم 52 لسنة 1940 هم الملاك الحقيقيون للأرض موضوع التقسيم أم أنهم ليسوا كذلك، إذ أن القانون رقم 29 لسنة 1966 صدر بقصد مواجهة الحالات التي تمت فيها الأبنية والأعمال بالمخالفة لأحكام بعض القوانين ومنها القانون رقم 52 لسنة 1940، بغض النظر عن صفة من وقعت منه المخالفة، كما أن صدور القرارين المطعون فيهما بأسماء الأشخاص الذين تقدموا بطلب الموافقة على التقسيم لا يكسب هؤلاء الأشخاص حقاً غير ثابت لهم في ملكية الأرض موضوع التقسيم إنما يقتصر أثره على تحديد التقاسيم المخالفة التي يتناولها هذان القراران بإلحاق الشوارع والطرق والميادين والمتنزهات المنشأة فيها بالمنافع العامة بدون مقابل، إعمالاً لأحكام القانون رقم 29 لسنة 1966.
ومن حيث إنه يترتب على تخلف عنصر الخطأ في جانب الإدارة - على النحو السابق - عدم تحقق مسئوليتهما الموجبة للتعويض عن إصدار القرارين المطعون فيهما، فإن طلب التعويض عن الأضرار التي يدعي الطاعن أنها أصابته من جراء صدور هذين القرارين يكون غير قائم على أساس سليم من القانون، بغض النظر عن مدى جسامة هذا الضرر ومدى قيام علاقة السببية بينها وبين القرارين المشار إليهما، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض طلب التعويض عن القرارين المطعون فيهما يكون صحيحاً ومتفقاً مع أحكام القانون، ويكون الطعن عليه قائماً على غير سند صحيح، ويتعين الحكم برفضه وإلزام الطاعن المصروفات.

فلهذه الأسباب

"حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً، وإلزام الطاعن المصروفات.