أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 26 - صـ 1537

جلسة 3 من ديسمبر سنة 1975

برياسة السيد المستشار محمد أسعد محمود، وعضوية السادة المستشارين: محمد محمد المهدي، وسعد الشاذلي، وحسن مهران حسن، ومحمد الباجوري.

(288)
الطعن رقم 8 لسنة 40 القضائية

(1، 2) دعوى "المصلحة". نقض.
(1) المصلحة التي يقرها القانون. شرط لقبول الخصومة أمام القضاء. عدم خروج الطعن بالنقض على هذا الأصل. مثال بشأن عدم المنازعة في الطلبات.
(2) المصلحة في الطعن. مناطها.
(3) استئناف "نطاق الاستئناف". حكم "استنفاد الولاية".
حكم محكمة أول درجة في موضوع الدعوى. قضاء تستنفد به ولايتها. وجوب تصدي محكمة الاستئناف للنزاع. ليس في ذلك تفويت لإحدى درجات التقاضي.
(4) إيجار "التزامات المؤجر". تعويض. دعوى. "الطلبات في الدعوى".
طلب المستأجر تمكينه من الانتفاع بباقي العين المؤجرة. القضاء بإنقاص الأجرة كبديل للتعويض النقدي لما ينطوي عليه التنفيذ العيني من إرهاق. م 203/ 2 مدني لا يعد قضاء بما لم يطلبه الخصوم.
(5) حكم "الأسباب الزائدة". قوة الأمر المقضي. نقض.
لا تحوز حجية الشيء المقضي. انتفاء المصلحة في النعي عليها.
1 - إذ كان شرط قبول الخصومة أمام القضاء قيام نزاع بين أطرافها على الحق موضوع التقاضي حتى تعود على المدعي منفعة من اختصام المدعى عليه للحكم عليه بطلبه مما وصفته المادة الثالثة من قانون المرافعات بأنه المصلحة القائمة التي يقرها القانون، وكان الطعن بالنقض لا يخرج على هذا الأصل، فإنه لا يكفي لقبوله مجرد أن يكون المطعون عليه طرفاً في الخصومة أمام المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه، بل يجب أيضاً أن يكون قد نازع خصمه أمامها في طلباته أو نازعه خصمه في طلباته هو [(1)].
2 - مناط المصلحة في الطعن أن يكون الطاعن طرفاً في الحكم وألزمه الحكم بشيء ما، وإذ حكم على الطاعن بإنقاص الأجرة فقد توافرت مصلحته في الطعن.
3 - إذ كانت محكمة أول درجة قد استنفدت ولايتها بالحكم في موضوع الدعوى، وكان من حق محكمة الاستئناف وهي تعرض للموضوع من جديد سلطة بحث الوقائع وإنزال الحكم الصحيح للقانون عليها، فإنه لا يجوز لها أن تعيد الدعوى لمحكمة أول درجة بل يتعين عليها أن تمضي في نظرها متصدية للنزاع مطبقة القاعدة القانونية التي تراها صحيحة على واقعة الدعوى دون أن يعد ذلك منها تفويتاً لدرجة من درجات التقاضي.
4 - متى كان البين من تقريرات الحكم المطعون فيه أنه بعد أن خلص إلى أن التغيير الذي أحدثه الطاعن بالطابق الثالث وهو جزء من العين المؤجرة يعد تغييراً جوهرياً في طبيعته وكيانه الأصلي، وأنه يعتبر بهذه المثابة تعرضاً مادياً من جانب المؤجر في معنى المادة 571/ 1 من القانون المدني، وأن ما طلبه المطعون عليه الأول - المستأجر - من تنفيذ عيني يتمثل في صحة عقد الإيجار المبرم بينه وبين الطاعن وتمكينه من الانتفاع بالعين المؤجرة كجزاء على الإخلال بضمان المؤجر يقتضي إعادة الحال إلى أصله وينطوي على رهق للمؤجر ويلحق به خسارة جسيمة تزيد على الفائدة التي يجنبها المستأجر، فلم يحكم بالتنفيذ العيني واقتصر على أن يقضي للمستأجر بإنقاص الأجرة، فإن هذا الذي قرره الحكم هو حق للقاضي منصوص عليه صراحة في الفقرة الثانية من المادة 203 من القانون المدني التي تنص "على أنه إذا كان في التنفيذ العيني إرهاق للمدين جاز له أن يقتصر على دفع تعويض نقدي إذا كان ذلك لا يلحق بالدائن ضرراً جسيماً" ويكون القضاء بإنقاص الأجرة في هذا الصدد كبديل للتعويض النقدي المنصوص عليه في تلك المادة. لما كان ذلك، وكان التعويض المشار إليه فيها ليس التزاماً تخييرياً أو بدلياً بجانب التنفيذ العيني بل محلهما واحد هو عين ما التزم به المؤجر من تنفيذ عيني، فإن طلب المطعون عليه الأول التنفيذ العيني بتمكينه من شقة الطابق الثالث يفترض معه ضمناً طلبه التعويض حال تعذر التنفيذ، ولا يعد القضاء له في هذه الحالة بإنقاص الأجرة قضاء بما لم يطلبه الخصوم [(2)]".
5 - إذ كان ما قرره الحكم لا يعدو أن يكون تزيداً فيما لم يطلب منه القضاء به، فلا تحوز أسبابه حجية الشيء المقضي وتنتفي المصلحة في النعي عليها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه الأول أقام ضد الطاعن وباقي المطعون عليهم الدعوى رقم 321 لسنة 1966 مدني بندر سوهاج بطلب الحكم بنفاذ عقد الإيجار المؤرخ 29/ 11/ 1960 وتمكينه من الشقة الكائنة بالدور الثالث من المنزل المبين بالعريضة في مواجهة باقي المطعون عليهم، وقال شرحاً لها أنه بموجب عقد إيجار مؤرخ 29/ 11/ 1960 استأجر من الطاعن الدورين الثاني والثالث بالمنزل المشار إليه مقابل أجرة قدرها 2 ج و750 م، وأنه شغل فعلاً الدورين المؤجرين له، إلا أن الطاعن قام بهدم الدور الثالث وإعادة بنائه وإذ رفض الطاعن تمكينه من الشقة الكائنة بالدور الثالث فقد أقام الدعوى بالطلبات سالفة البيان، وبتاريخ 23/ 2/ 1967 قضت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وإحالتها إلى محكمة سوهاج الابتدائية قيدت بجدولها تحت رقم 157 لسنة 1967 وبتاريخ 1/ 11/ 1967 حكمت المحكمة بصحة عقد الإيجار سالف الذكر بالنسبة للشقة بالدور الأول العلوي المسمى بالثاني في العقد ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات. استأنف المطعون عليه الأول هذا الحكم بالاستئناف رقم 269 سنة 42 ق أسيوط طالباً إلغاءه في شطره الثاني المتعلق برفض طلبه صحة ونفاذ العقد والتمكين بالنسبة للشقة بالدور الثالث من المنزل المبين بالعريضة وتمكينه منها، وبتاريخ 3/ 6/ 1968 حكمت محكمة الاستئناف بندب خبير لبيان ما إذا كان التغيير الذي أحدثه الطاعن بالطابق الثالث يعتبر تغييراً جوهرياً أدى إلى هدمه وإعادة بنائه أم أنه مجرد ترميمات لم تغير من طبيعته، وبعد أن قدم الخبير تقريره قضت المحكمة بتاريخ 8/ 11/ 1969 بتعديل الحكم المستأنف والقضاء بنفاذ عقد الإيجار المؤرخ 29/ 11/ 1960 بالنسبة للطابق العلوي الأول المسمى بالعقد بالدور الثاني وبإنقاص الأجرة المتفق عليها بالعقد المذكور إلى مبلغ 135 قرشاً شهرياً ورفض ما عدا ذلك من الطلبات. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض. دفع المطعون عليه الأول بعدم قبول الطعن، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بعدم قبول الطعن بالنسبة للمطعون عليهم من الثاني إلى الأخير وبنقض الحكم المطعون فيه. وعرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر، وبالجلسة المحددة التزمت النيابة برأيها.
وحيث إن مبنى دفع النيابة بعدم قبول الطعن بالنسبة إلى المطعون عليهم من الثاني إلى الأخير أن هؤلاء ليسوا خصوماً للطاعن ولم ينازعوه في طلباته مما لا يجيز له اختصامهم أمام محكمة النقض.
وحيث إن هذا الدفع سديد، ذلك أنه لما كان شرط قبول الخصومة أمام القضاء قيام نزاع بين أطرافها على الحق موضوع التقاضي حتى تعود على المدعي منفعة من اختصام المدعى عليه للحكم عليه بطلبه مما وصفته المادة الثالثة من قانون المرافعات بأن المصلحة القائمة التي يقرها القانون، وكان الطعن بالنقض لا يخرج على هذا الأصل، فإنه لا يكفي لقبوله مجرد أن يكون المطعون عليه طرفاً في الخصومة أمام المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه، بل يجب أيضاً أن يكون قد نازع خصمه أمامها في طلباته أو نازعه خصمه في طلباته هو، ولما كان البين من وقائع الدعوى آنفة الذكر في خصوص موقف المطعون عليهم من الثاني إلى الأخير أنه لم تبد منهم منازعة للطاعن أمام محكمة الموضوع بل طلبوا رفض الدعوى لصالحه، كما لم يوجه هو - أو المطعون عليه الأول - إليهم طلبات ما، فإنه لا يكون للطاعن مصلحة في اختصامهم أمام محكمة النقض، مما يوجب الحكم بعدم قبول الطعن بالنسبة إليهم، ولا يغير من ذلك أنهم يقيمون بذات المنزل وأن الطابق الثالث مؤجر إلى المطعون عليهما الثاني والثالث بعد إعادة بنائه، إذ لم يمس الحكم المطعون فيه مركزهم القانوني في هذا الشأن.
وحيث إن مبنى دفع المطعون عليه الأول بعدم قبول الطعن هو انعدام مصلحة الطاعن في الطعن على إنقاص الأجرة طالما أنها الأجرة القانونية.
وحيث إن الدفع مردود، ذلك أن مناط المصلحة في الطعن أن يكون الطاعن طرفاً في الحكم وألزمه الحكم بشيء ما، وإذ حكم على الطاعن بإنقاص الأجرة فقد توافرت مصلحته في الطعن.
وحيث إن الطعن بالنسبة للمطعون عليه الأول قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب، ينعى الطاعن بالأسباب الأول والثاني والرابع منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، وفي بيان ذلك يقول أن الحكم قضى بإنقاص الأجرة مع أن طلبات المطعون عليه الأول أمام محكمة الاستئناف كانت محددة بصحة ونفاذ عقد الإيجار والتمكين بالنسبة لشقة الطابق الثالث، وإذ رفض الحكم هذه الطلبات وقضى بإنقاص الأجرة مستهدياً في ذلك بالمادتين 203/ 2 و571/ 1 من القانون المدني فإنه يكون قد قضى بغير الطلبات، وفصل في أمر غير مطروح عليه، ولم يبد الخصوم دفاعهم بشأنه وهو أمر لا يملكه. وإذ كانت المادتان المشار إليهما لم تعرض لهما محكمة أول درجة فقد كان على محكمة الاستئناف أن تعيد القضية إليها وإلا فوتت على الطاعن درجة من درجات التقاضي، بالإضافة إلى أن الحكم رغم قضائه بإنقاص الأجرة على سبيل التعويض وفق المادة 203/ 2 سالفة الإشارة احتفظ للمطعون عليه الأول بالحق في المطالبة بالتعويض بدعوى على حدة، وبذلك خول له الحق في أن يتقاضى التعويض مرتين، وهو ما يعيبه بمخالفة القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه ما دامت محكمة أول درجة قد استنفدت ولايتها بالحكم في موضوع الدعوى، وكان من حق محكمة الاستئناف وهي تعرض للموضوع من جديد سلطة بحث الوقائع وإنزال الحكم الصحيح للقانون عليها، فإنه لا يجوز لها أن تعيد الدعوى لمحكمة أول درجة بل يتعين عليها أن تمضي في نظرها متصدية للنزاع مطبقة القاعدة القانونية التي تراها صحيحة على واقعة الدعوى دون أن يعد ذلك منها تفويتاً لدرجة من درجات التقاضي. ولما كان البين من تقريرات الحكم المطعون فيه أنه بعد أن خلص إلى أن التغيير الذي أحدثه الطاعن بالطابق الثالث يعد تغييراً جوهرياً في طبيعته وكيانه الأصلي وأنه يعتبر بهذه المثابة تعرضاً مادياً من جانب المؤجر في معنى المادة 571/ 1 من القانون المدني، وأن ما طلبه المطعون عليه الأول من تنفيذ عيني يتمثل في صحة عقد الإيجار المبرم بينه وبين الطاعن وتمكينه من الانتفاع بالعين المؤجرة كجزاء على الإخلال بضمان المؤجر، يقتضي إعادة الحال إلى أصله وينطوي على رهق للمؤجر ويلحق به خسارة جسيمة تزيد على الفائدة التي يجنيها المستأجر، فلم يحكم بالتنفيذ العيني واقتصر على أن يقضي للمستأجر بإنقاص الأجرة، فإن هذا الذي قرره الحكم هو حق للقاضي منصوص عليه صراحة في الفقرة الثانية من المادة 203 من القانون المدني التي تنص "على أنه إذا كان في التنفيذ العيني إرهاق للمدين جاز له أن يقتصر على دفع تعويض نقدي إذا كان ذلك لا يلحق بالدائن ضرراً جسيماً" ويكون القضاء بإنقاص الأجرة في هذا الصدد كبديل للتعويض النقدي المنصوص عليه في تلك المادة لما كان ذلك وكان التعويض المشار إليه فيها ليس التزاماً اختيارياً أو بدلياً بجانب التنفيذ العيني بل محلهما واحد هو عين ما التزم به المؤجر من تنفيذ عيني، فإن طلب المطعون عليه الأول التنفيذ العيني بتمكينه من شقة بالطابق الثالث يفترض معه ضمناً طلبه التعويض حال تعذر التنفيذ ولا يعد القضاء له في هذه الحالة بإنقاص الأجرة قضاء بما لم يطلبه الخصوم، لما كان ما تقدم وكان ما قرره الحكم بشأن أحقية المطعون عليه الأول - في رفع دعوى مبتدأة بالتعويض لا يعدو أن يكون تزيداً فيما لم يطلب منه القضاء به ولا تحوز أسبابه حجية الشيء المقضي وتنتفي المصلحة في الطعن عليها ويكون النعي بكافة وجوهه على غير أساس.
وحيث إن حاصل النعي بالسبب الثالث الإخلال بحق الدفاع وفي بيان ذلك يقول الطاعن أن الحكم المطعون فيه انتهى إلى إنقاص الأجرة استناداً إلى المقارنة بين الأجرة التي كانت مقدرة بعقد سابق مؤرخ 1/ 2/ 1958 وقت أن كان المطعون عليه الأول يستأجر الطابق الثاني وحده بالعقد موضوع التداعي المؤرخ 29/ 11/ 1960 الذي استأجر بموجبه الطابقين الثاني والثالث معاً، مع أن أول العقدين منصب على شقة واحدة فحسب بالطابق الثاني، في حين أن العقد محل النزاع خاص بالطابق الثاني بأكمله وهو مكون من شقتين لا شقة واحدة، ويكون إنقاص الحكم للأجرة بقدر الفرق بين الأجرة المحددة في العقدين دون مناقشة الطرفين إخلالاً بحق الدفاع.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه لما كان الطاعن لم يدع أمام محكمة الموضوع بأن المطعون عليه الأول يستأجر شقتين بالطابق الثاني وليس شقة واحدة، وكان مدار دفاعه في مرحلتي التقاضي يقوم على أساس أن كل طابق من طوابق المنزل الثلاث مكون من مسكن واحد وكان ما ورد بالعقد القديم من أن العين المؤجرة هي شقة بالدور الثاني لا يتنافى مع أنها الشقة الوحيدة فيه فإن نسبة الإخلال بحق الدفاع إلى الحكم تكون غير واردة.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن برمته.


[(1)] نقض 16/ 5/ 1972 مجموعة المكتب الفني السنة 23 ص 933.
[(2)] قارن نقض 1/ 2/ 1966 مجموعة المكتب الفني السنة 17 ص 221.