مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثلاثون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1984 إلى آخر فبراير سنة 1985 ) - صـ 320

(57)
جلسة 5 من يناير سنة 1985

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمود عبد العزيز الشربيني - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة عادل عبد العزيز بسيوني وعبد العزيز أحمد سيد حمادة وثروت عبد الله أحمد عبد الله وعادل محمود فرغلي - المستشارين.

الطعن رقم 484 لسنة 26 القضائية

( أ ) اختصاص - ما يدخل في اختصاص القضاء الإداري.
بصدور القانون رقم 47 لسنة 1972 أصبح القضاء الإداري يختص بكافة المنازعات الإدارية ومن بينها القرارات الصادرة بنقل العاملين وندبهم من وحدة إدارية إلى وحدة إدارية أخرى - رقابة القضاء الإداري تجد حدها الطبيعي في التأكد مما إذا كانت هذه القرارات قد صدرت من الجهة المختصة في حدود السلطة المخولة لها ولا تحركها في إصدارها سوى حوافز الصالح العام وحسن التنظيم المرفقي المبرر لإعادة توزيع المرافق العامة أو ما إذا كانت الجهة الإدارية ترمي من وراء إصدارها إلى غمط حقوق أصحاب الشأن بإلحاقهم بوحدات إدارية للتنزيل من وظائفهم أو التهوين من مراكزهم أو استبعادهم من دائرة المتطلعين للترقية أو زعزعة الثقة في قدراتهم - إذا أساءت الإدارة سلطتها كان قرار النقل أو الندب معيباً بحسبانه وسيلة مستورة للأضرار بأصحاب الشأن وحرمانهم من المزايا المادية والأدبية - تطبيق.
(ب) قرار إداري - عيوبه - عيب إساءة استعمال السلطة.
شواهد الانحراف بالسلطة بحسبانه عيب قصدي يقوم بمصدر القرار - ينبغي أن توجه إلى ما شاب مسلكه في إصدار القرار المطعون فيه دون أن يجاوزه إلى تقويم سلوك مصدر القرار - أساس ذلك: لا يجوز مجاوزة القضاء الإداري حدود اختصاصه في الرقابة على القرارات الإدارية إلى التغول في اختصاص السلطة التنفيذية في أداء وظيفتها الدستورية - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الثلاثاء 19/ 2/ 1980 أودع الأستاذ مصطفى خفاجي المحامي نيابة عن الطاعن قلم كتاب المحكمة تقرير طعن قيد بسجلاتها تحت رقم 484 لسنة 26 ق وذلك في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 27/ 12/ 1979 والقاضي أولاً: برفض طلب المدعي بإلغاء القرار المطعون فيه وإلزامه مصروفات الطلب ثانياً: بإثبات ترك المدعي للخصومة فيما يتعلق بطلب التعويض في ذلك في الدعوى رقم 1079 لسنة 33 ق المقامة من الطاعن..... ضد رئيس مجلس الوزراء، وطلب في ختام طعنه وللأسباب المبينة بتقرير الطعن الحكم بإلغاء حكم محكمة القضاء الإداري المطعون فيه وبإلغاء القرار رقم 654 لسنة 1978 الصادر من رئيس مجلس الوزراء فيما تضمنه من نقل الطاعن من وظيفة الأمين العام المساعد لمجلس الوزراء إلى أمانة شئون السودان مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية المصروفات وأتعاب المحاماة.
وبعد أن تم إعلان الطعن إلى أصحاب الشأن على الوجه المبين بالأوراق أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانون انتهت فيه إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الحكومة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وقد حدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالدائرة الثالثة جلسة 2/ 11/ 1983 حيث نظرته الدائرة بالجلسة المذكورة والجلسات التالية وبجلسة 1/ 2/ 1984 قررت إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا - "الدائرة الثانية" - لنظره بجلسة 13/ 3/ 1984 وبجلسة 2/ 10/ 1984 قررت هذه الدائرة إحالة الطعن إلى الدائرة الرابعة لنظره بجلسة 29/ 5/ 1984، وقد استمعت المحكمة بالجلسة المذكورة والجلسات التالية ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات وقررت إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم بعد أن أودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يتضح من الأوراق في أنه بتاريخ 12/ 8/ 1978 أقام الطاعن الدعوى رقم 6 لسنة 12 ق أمام المحكمة التأديبية لمستوى الإدارة العليا بتاريخ 12/ 8/ 1978 طلب في ختامها الحكم بإلغاء قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 654 لسنة 1978 الصادر في 19/ 7/ 1978 فيما تضمنه من نقله من وظيفة الأمين العام المساعد إلى وظيفة بالأمانة العامة لشئون السودان مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المدعى عليه المصروفات وقال شرحاً لدعواه بأنه عين في وظيفة أمين عام مساعد لمجس الوزراء بدرجة وكيل وزارة في عام 1972، وبتاريخ 18/ 7/ 1977 رقي إلى وظيفة وكيل أول وزارة وكان حريصاً دائماً على القيام بواجبات وظيفته ومسئولياتها وما تستلزمه من أعباء وقد أدت يقظته الدائبة إلى صدور عدة قرارات تسيء إلى المدعي، فقد منعته الجهة الإدارية من ممارسة اختصاصات وظيفته فاضطر إلى رفع الدعوى رقم 822/ 31 ق طالباً إلغاء القرار السلبي بعدم تمكنيه من ممارسة اختصاصاته ثم لجأت إلى تنزيله في الوظيفة فأصدرت قراراً بترقية أحد مرؤوسيه إلى درجة أعلى في جهة أخرى على الورق ثم عادت وعينته في وظيفة بالمجلس، فاضطر المدعي إلى رفع الدعوى رقم 1033 لسنة 31 ق لإلغاء القرار الصادر بالتحايل على القانون إضراراً بوضعه الوظيفي، كما لجأت إلى محاولة أخرى لتنزيله في الوظيفة فنقلت أحد وكلاء وزارة الأوقاف بدرجته إلى المجلس وأصدر القضاء الإداري حكمه بإلغاء ترقية هذا الوكيل المنقول إلغاء مجرداً ثم عادت الإدارة إلى ترقية الوكيل المذكور بالمخالفة للقانون مما اضطره إلى رفع الدعوى رقم 88 لسنة 32 ق بطلبه إلغاء هذه الترقية وما زالت الدعاوى الثلاث المذكورة منظورة أمام القضاء الإداري، وكما تبين له بصفته الوظيفية بعض الجرائم التي تقع تحت طائلة القانون العام، تتلخص في اختلاس أموال عامة وفي تغيير الحقيقة بالكشط في سجل قيد قرارات رئيس مجلس الوزراء وإزالة قرارين بتحشير قرار باطل بمد خدمة السيد.... وكيل أول وزارة سابق بمجلس الوزراء لمدة عام آخر من تاريخ انتهاء خدمته في شهر ديسمبر سنة 1978، وذلك لصدوره بعد العمل بأحكام القانون رقم 47 لسنة 1978 الذي منع مد الخدمة وقد تم الكشط والتحشير ليكون الإصدار بتاريخ سابق على صدور القانون الجديد وقد عرض المدعي الأمر على الوزير المختص فلما لم يحرك ساكناً أبلغ النائب العام في 13/ 7/ 1978 وبتاريخ 18/ 7/ 1978 وافق كل من وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء ووزير المالية على نقل المدعي بدرجته إلى أمانة شئون السودان للصالح العام بدعوى أن درجته تفيض عن حاجة مجلس الوزراء وبتاريخ 19/ 7/ 1978 صدر القرار المطعون فيه بنقل المدعي إلى الأمانة العامة لشئون السودان ونعى المدعي على القرار المطعون فيه صدوره مخالفاً للقانون، ومشوباً بإساءة استعماله السلطة لعدم استهدافه وجه الصالح العام.
وقد عقبت الجهة الإدارية على الدعوى بمذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى استناداً إلى أن الطاعن قد نقل نظراً إلى أن درجته تزيد على حاجة مجلس الوزراء حيث تضمنت ميزانية مجلس الوزراء أربع درجات وكيل أول وزارة وهي تزيد عن حاجة العمل الفعلي بالمجلس وقد نقل المدعي "الطاعن" إلى أمانة شئون السودان بدرجته المالية وإلى وظيفة من الفئة الممتازة وهي ذات الوظيفة التي كان يشغلها بالمجلس وقد صدر هذا القرار بالاتفاق بين وزير المالية ووزير الدولة لشئون مجلس الوزراء طبقاً للقانون مستهدفاً وجه الصالح العام وتحقيقاً لمصلحة العمل بالأمانة العامة لشئون السودان ولا ينطوي القرار على أي جزاء مقنع، وأن ما أثاره المدعي من أن القرار قد تضمن جزاء تأديبياً نظراً لأنه تقدم ببلاغ للنائب العام بوقائع معينة ضد موظف متغيب فإن ذلك ليس من شأنه أن يثير حفيظة الوزير المختص أو رئيس مجلس الوزراء ضده طالما أن البلاغ لم يتضمن إساءة إليه فضلاً عن أن المجلس لم يسبق له أن قام بالتحقيق في أية واقعة منسوبة إلى المدعي حتى يمكن القول أن القرار كان بمثابة قرار تأديبي كما أن المدعي قد استقال من عمله بالأمانة العامة لشئون السودان اعتباراً من 20/ 8/ 1978 وصدر قرار الوزير المختص بقبول استقالته الأمر الذي ينفي أية مصلحة له في الطعن في القرار المطعون فيه وبجلسة 17/ 3/ 1979 قضت المحكمة التأديبية بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وأمرت بإحالتها بحالتها إلى محكمة القضاء الإداري وتنفيذاً للحكم المذكور أحليت الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري حيث قيدت بجدولها تحت رقم 1079 لسنة 33 ق بعد أن أضاف المدعي "الطاعن" إليها طلباً جديداً متضمناً إلزام الجهة الإدارية بأن تدفع له قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت والذي تنازل عنه في أول جلسة من جلسات المرافعة.
وبجلسة 27/ 12/ 1979 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه القاضي برفض طلب المدعي الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه وإلزامه مصروفات الطلب وإثبات ترك المدعي للخصومة فيما يتعلق بطلب التعويض، وأقامت قضاءها على أنه ليس للعامل حق مكتسب في أن يبقى في وظيفة معينة بجهة معينة بل يجوز للجهة الإدارية أن تنقله إلى أية جهة أو أية وظيفة وفقاً للضوابط الواردة في المادة 26 من قانون العاملين كما يجوز لها طبقاً للمادة 27 من القانون المذكور وبعد موافقة وزير المالية نقل العامل من وحدة إلى أخرى إذا كان زائداً عن حاجة العمل بالوحدة فإذا كانت الجهة الإدارية قد نقلت المدعي وهو وكيل أول وزارة - بوظيفته ودرجته إلى الأمانة العامة لشئون السودان نظراً لأن وظيفته تزيد عن حاجة العمل الفعلي بالأمانة العامة لمجلس الوزراء طبقاً للإجراءات والضوابط الواردة بالمادتين 26، 27 من قانون العاملين فإن القرار الطعين يكون قائماً على سببه الذي يبرره قانوناً ولا يقدح في صحة هذا القرار قول المدعي أنه صدر مشوباً بالانحراف وإساءة استعمال السلطة ذلك أن هذا العيب عيب قصدي يقوم بنفس مصدر القرار وليس في الأوراق دليل على قيام نوازع الانحراف برئيس مجلس الوزراء، كما لا يجدي المدعي قوله أنه أبلغ النائب العام عن بعض المخالفات التي اكتشفها بحكم وظيفته وذلك أن التحقيق في البلاغ لم يتم بعد، ولم يقل المدعي بأن هذا التحقيق قد أسفر عن إدانة أحد وهو بالقطع لا يمس رئيس الوزراء.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل أن الحكم المطعون فيه قد جاء مشوباً بالقصور في الأسباب والخطأ في فهم الواقع والتطبيق القانوني وذلك للأسباب الآتية:
أولاً: أن الحكم الطعين قد انتهى إلى أن صدور القانون رقم 47 لسنة 1978 لا يؤثر على سلامة القرار أو صحته، مع أن القانون المذكور قد نص صراحة في المادة الثانية منه على إلغاء كل حكم ورد في القانون رقم 58 لسنة 1971 ومن ثم فإنه اعتباراً من 1/ 7/ 1978 تاريخ العمل بأحكام القانون رقم 47 المشار إليه، ألغى كل حكم في القانون 58 لسنة 1971 المشار إليه، ومن ثم فإن استناد القرار المطعون فيه إلى القانون رقم 58 لسنة 1971 في 19/ 7/ 1978 قبل نشر القانون الجديد بيوم واحد يدل على التسرع الواضح في إصدار القرار بقصد الإضرار بالطاعن ومؤشر مبدئي على الانحراف بالسلطة وعدم تغيي الصالح العام.
ثانياً: أنه من غير المستساغ منطقاً أو قانوناً أن تدعي رئاسة مجلس الوزراء أن الطاعن زائد عن حاجة العمل بها، وفي نفس الوقت وقبل أيام تعد مذكرة بمد خدمة السيد...... وكيل أول وزارة برئاسة مجلس الوزراء الذي بلغ سن الستين في يوم 7/ 12/ 1978 وكان يكفي إلغاء درجة من انتهت خدمته، إلا أن المحكمة أغفلت المستندات الجوهرية التي قدمها المدعي بما يفيد وجود هذه المذكرة.
ثالثاً: أنه كان يتعين على المحكمة أن تستشف الانحراف بالسلطة من واقع السرعة الزائدة التي لازمت القرار المطعون فيه، وفي عدم تحديد وظيفة ينقل إليها، إذ تقرر نقل المدعي قبل أن تحدد الوظيفة المنقول إليها وبعد أن أعد عدد من الوزراء مذكرات وأصدره رئيس مجلس الوزراء في ساعات قليلة.
رابعاً: أن المحكمة قد أغفلت أوجه الدفاع الجوهرية للمدعي والبيانات الهامة التي قدمها دليلاً على الانحراف ومن بينها على سبيل المثال ما نصت عليه المادة 95 من القانون رقم 47 لسنة 1978 التي استحدثت الحظر الخاص بعدم جواز مد الخدمة بعد بلوغ السن القانونية وهو القانون الذي أصبح معمولاً به اعتباراً من 1/ 7/ 1978، ولما لم تكن خدمة السيد........ قد مدت بصدور القرار قبل هذا التاريخ فقد حشر القرار في سجل القرارات الخاصة بمجلس الوزراء وكان يتعين على المحكمة أن تطلب هذا السجل لتطلع عليه وتتأكد من صدق أقوال المدعي.
ومن حيث إنه ولئن كانت رقابة القضاء الإداري قد أضحت بصدور القانون رقم 47 لسنة 1972 مبسوطة على كافة المنازعات الإدارية ومن بينها القرارات الصادرة بنقل العاملين وندبهم من وحدة إدارية إلى وحدة إدارية أخرى، إلا أن هذه الرقابة لا تزال تجد حدها الطبيعي في التأكد مما إذا كانت هذه القرارات قد صدرت من الجهة المختصة في حدود السلطة المخولة لها لا تحركها في إصدارها سوى حوافز الصالح وحسن التنظيم المرفقي المبرر لإعادة توزيع عمال المرافق العامة أو ما إذا كانت الجهة الإدارية ترمي من وراء إصدارها إلى غمط حقوق أصحاب الشأن من العاملين بإلحاقهم بوحدات إدارية للتنزيل من وظائفهم أو التوهين من مراكزهم أو استبعادهم من دائرة المتطلعين للترقية أو زعزعة الثقة في قدرتهم على الاضطلاع بوظائفهم تجاه المجتمع وفي هذه الأحوال يكون قرار النقل أو الندب معيباً بحسبانه وسيلة مستورة للأضرار بأصحاب الشأن وحرمانهم من المزايا المادية أو الأدبية التي يحصلون عليها في وظائفهم وما يتمتعون به من ثقة لا يجوز النيل منها أما إذا تم النقل وفقاً لمقتضيات الصالح العام ومتطلبات العمل فإن للإدارة الحق في أن تجريه بما تتمتع به من سلطة تقديرية بغير معقب عليها في ذلك ما دامت قد تغيت عند إصدار القرار وجه الصالح العام ولم تتعسف في استعمال سلطتها أو تخالف القانون.
ومن حيث إن الثابت في خصوصية هذه المنازعة أن كلاً من وزير الدولة لشئون السودان ووزير الدولة لشئون مجلس الوزراء قد رفعا مذكرة في 18/ 7/ 1978 إلى السيد رئيس الوزراء ذكرا فيها أنه تحقيقاً لصالح العمل في الأمانة العامة لمجلس الوزراء والأمانة العامة لشئون السودان سبق أن وافق السيد رئيس الوزراء من حيث المبدأ على اتخاذ إجراءات نقل السيد........ وكيل أول الوزارة....... للمعاونة في أعمال الأمانة العامة لشئون السودان خاصة وأنه توجد بموازنة رئاسة مجلس الوزراء أربع فئات وكيل أول وهي تزيد عن حاجة العمل الفعلي بالمجلس كما أرسل السيد وزير الدولة لشئون التنمية الإدارية خطاباً إلى السيد وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء يفيد موافقة الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة على هذا النقل كما أرسل السيد وزير المالية في ذات التاريخ خطاباً يفيد موافقته على نقل السيد...... إلى الأمانة العامة لشئون السودان تبعاً لنقل درجته طبقاً للمادة 14 من التأشيرات العامة المرافقة لقانون ربط الموازنة العامة للدولة واستناداً إلى هذه الإجراءات صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 654 لسنة 1978 المطعون فيه متضمناً نقل الطاعن بفئته المالية من الأمانة العامة لمجلس الوزراء إلى وظيفة من الفئة الممتازة وكيل أول وزارة بالأمانة العامة لشئون السودان.
ومن حيث إنه يبين من الإجراءات والضمانات التي أحاطت بها الجهة الإدارية قرارها الطعين أن رئيس مجلس الوزراء لم يستهدف من قرار النقل الإضرار بحقوق الطاعن المشروعة وحيث تم النقل إلى وظيفة لا تقل عن درجة وظيفته، وروعيت في إصداره كافة الإجراءات والقيود الواردة في شأن النقل بقانون العاملين، للإفادة بخبراته في الأمانة العامة لشئون السودان بعد نقل وظيفته إلى ميزانية الأمانة المذكورة لزيادته عن حاجة مجلس الوزراء الأمر الذي يشكل السبب الصحيح للقرار المذكور وينفي عن مصدر القرار قصد الإضرار بالطاعن إذ لا يكفي لإثبات هذا القصد في حق مصدر القرار الادعاء بسرعة اتخاذ الإجراءات الخاصة بإصداره حتى يصدر قبل نشر القانون رقم 47 لسنة 1978 بنظام العاملين المدنيين بالدولة الذي فرض قيوداً جديدة على نقل العاملين من وحدة إدارية إلى وحدة إدارية أخرى، ما دامت الجهة الإدارية قد حرصت على اتباع كافة الإجراءات الواردة في القانون الجديد ومن بينها الحصول على موافقة الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة الأمر الذي يجعل قرارها سواء طبقاً للقانون الملغي أو القانون المعمول به سليماً ومطابقاً للقانون وينفي عنها أي رغبة في الإفلات من أحكام القانون أو الإساءة للطاعن سيما وقد ثبت من الأوراق أن الإجراءات التي اتخذت لإصدار القرار قد تمت بعد موافقة سابقة من السيد رئيس الوزراء على نقل الطاعن تبعاً لنقل وظيفته إلى الأمانة العامة لشئون السودان، فما كانت السرعة في اتخاذ الإجراءات أو إصدار القرارات بذاتها سبباً في بطلانها أو مؤشراً يصم مصدرها بالانحراف أو إساءة استعمال السلطة.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى أن القرار المطعون فيه قد صدر سليماً مطابقاً للقانون قائماً على سببه الذي يبرره قانوناً وهو زيادة وظيفة الطاعن عن حاجة العمل بمجلس الوزراء فإنه يكون قد أصاب الحق فيما انتهى إليه من رفض الطلب المدعى بإلغائه ولا يكفي الطاعن للنعي عليه التحمل في أن رئيس الوزراء قد أصدر القرار المطعون فيه في الوقت الذي أصدر فيه قراراً آخر بمد مدة خدمة السيد...... وكيل أول الوزارة برئاسة مجلس الوزراء بعد بلوغه سن الستين وذلك أنه فضلاً عن أن هذا القرار لم يكن مطعوناً فيه أمام المحكمة فإن مد خدمة المذكور لا يتضمن تناقضاً مع القرار المطعون فيه لتعلقه بصميم اختصاص الإدارة في استيفاء العامل الذي يتوافر في حقه خبرات خاصة قد لا تتوافر في باقي العاملين وترى الإدارة أنها في حاجة إليها ما دامت لم تجد في خبرات الطاعن أو غيره من العاملين ما يعوضها عن هذه الخبرات التي أفصحت عن بعضها في المذكرة الإيضاحية المرافقة لقرار مد خدمته وهي على أية حال لا تنهض دليلاً على انحراف السلطة المختصة أو إساءتها لاستعمال سلطتها ذلك أن شواهد الانحراف بحسبانه عيب قصدي يقوم بمصدر القرار ينبغي أن توجه إلى ما شاب مسلكه في إصدار القرار المطعون فيه دون أن يجازوه إلى تقويم سلوكه في إصدار القرارات الإدارية وإلا يجاوز القضاء بذلك حدود اختصاصه في الرقابة على القرارات الإدارية ويغول على اختصاص السلطة التنفيذية في أداء وظائفها الدستورية.
ومن حيث إنه لا وجه لما نعاه الطاعن من أن الحكم الطعين قد أغفل تحقيق أوجه دفاعه الجوهرية وهي بينها الاطلاع على سجل قرارات رئيس مجلس الوزراء للتأكد من مدى صحة القرار الصادر بمد مدة خدمة السيد...... بعد بلوغه السن القانونية وذلك أن المحكمة غير ملزمة بتعقب دفاع الطاعن والمبادرة إلى تحقيق ما يشتهيه من طلبات ولو كانت غير منتجة في الدعوى وألا تكون قد تركت زمام المبادرة للخصوم يجروها معصوبة العينين إلى مستقر لها من مجهول بل إن للمحكمة أن توجه إجراءات الدعوى الإدارية على النحو الذي يكشف عن مقطع النزاع فيها ويجلو لها وجه الحق كاملاً بما يطمئن إليه وجدانها ويطرح عنه ما يتطرق إليه الشك فيها.
ومن ثم فإن المحكمة تكون قد أصابت في عدم الانصياع إلى طلبات المدعي في ضم سجلات لا جدوى من ورائها يفيد إلزامها بالبحث في سلامة قرار غير مطروح عليها وغير مؤثر في سلامة القرار المطعون فيه.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى سلامة القرار الصادر بنقل الطاعن إلى الأمانة العامة لشئون السودان قد صدر سليماً مطابقاً للقانون ويكون الطعن فيه غير قائم على أساس سليم من القانون خليقاً بالرفض.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وألزمت الطاعن بالمصروفات.


يراجع حكم المحكمة الإدارية العليا - الدائرة المنصوص عليها في المادة 54 مكرر من القانون رقم 47 لسنة 1972 الصادر بجلسة 15/ 12/ 1985 والذي يقضي بعدم اختصاص المحاكم التأديبية بنظر الطعون في قرارات النقل والندب.