مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثلاثون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1984 إلى آخر فبراير سنة 1985) - صـ 352

(62)
جلسة 12 من يناير سنة 1985

برئاسة السيد الأستاذ المستشار عبد الفتاح محمد إبراهيم صقر - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة عبد المنعم عبد الغفار فتح الله وحسن حسنين علي ومحمود مجدي أبو النعاس وفاروق عبد الرحيم غنيم - المستشارين.

الطعن رقم 41 لسنة 23 القضائية

صناعة - تنظيم الصناعة وتشجيعها - اختصاصات وزير الصناعة في هذا الشأن. ترخيص – طبيعته - أثره.
القانون رقم 21 لسنة 1958 بشأن تنظيم الصناعة وتشجيعها - قرار وزير الصناعة باعتماد توصيات اللجنة المشكلة لمعاينة مصانع الصابون التي تعمل على البارد - يدخل في حدود السلطة المخولة لوزير الصناعة بمقتضى المادة 15 من القانون رقم 21 لسنة 1958 في شأن تنظيم الصناعة وتشجيعها - القرار يتضمن تعديلاً في مواصفات وخامات إنتاج الصابون وتنبيهاً إلى إلغاء التراخيص المتعلقة بالمصانع التي لا تستجيب لهذا التعديل - القرار يتضمن بذلك تعديلاً لشروط التراخيص - جواز ذلك - الترخيص الصادر من جهة الإدارة تصرف إداري لا يكسب صاحبه أي حق يمتنع معه على الإدارة سحبه أو إلغاؤه أو تنظيمه أو الحد منه طبقاً لسلطتها التقديرية - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأحد الموافق 28 من نوفمبر سنة 1976 أودعت إدارة قضايا الحكومة نيابة عن كل من وزير الصناعة ووزير التموين ومدير عام المشروعات الغذائية، قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 41 لسنة 23 القضائية ضد عبد العزيز آدم أحمد عن الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية بجلسة 29 من سبتمبر سنة 1976 في الدعوى رقم 217 لسنة 27 القضائية المقامة من المطعون ضده ضد الطاعنين الذي قضى بقبول الدعوى شكلاً وبإلغاء القرار الصادر بمنح المدعي مهلة لتطوير مصنع الصابون المرخص له في إقامته غايتها صرف الخامات المقررة له في الجمعية المقررة لمصنعه لشهر أكتوبر سنة 1974 وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت وزارة الصناعة بالمصروفات.
وطلب الطاعنون للأسباب المبينة في تقرير طعنهم الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض دعوى المدعي مع إلزامه المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وعقبت هيئة مفوضي الدولة على الطعن بتقرير بالرأي القانوني مسبباً ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً مع إلزام الطاعنين المصروفات.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 7 من يناير سنة 1980 وبجلسة الأول من ديسمبر سنة 1980 قدم الحاضر عن آدم أحمد عوض بصفته وارثاً للمطعون ضده صورة رسمية من قرار محكمة العطارين للأحوال الشخصية بتاريخ 27/ 8/ 1977 وتحقق وفاة المطعون ضده إلى رحمة الله بتاريخ 3/ 6/ 1977 وانحصار إرثه الشرعي في والده آدم أحمد عوض، وبجلسة 19 من أكتوبر سنة 1981 حكمت الدائرة بانقطاع سير الخصومة في الطعن، وبعد أن تم تصحيح شكل الطعن بتوجيهه ضد وارث المطعون ضده استأنف الطعن سيره أمام الدائرة إلى أن قررت بجلسة 7 من فبراير سنة 1983 إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى) لنظره بجلسة 26 من مارس سنة 1983، فنظرته المحكمة على الوجه المبين بمحاضرها وبعد أن سمعت ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن في أنه بتاريخ 24/ 9/ 1973 أقام عبد العزيز آدم أحمد الدعوى رقم 217 لسنة 27 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية ضد كل من وزير الصناعة ووزير التموين ومدير عام المشروعات الغذائية طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر بتحديد مهلة حتى شهر أكتوبر سنة 1973 لتطوير مصنع الصابون المملوك له وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الإدارة بالمصروفات، واستند في ذلك إلى أن الهيئة العامة للتصنيع (المشروعات الغذائية) أخطرته بكتابها رقم 16395 المؤرخ في 15/ 7/ 1973 بأن وزير الصناعة وافق على صرف جميع الخامات المقررة له حتى حصة أكتوبر سنة 1973 كمهلة أخيرة لتطوير صناعة الصابون التي يقوم بها منفرداً أو مع آخرين طبقاً للشروط والمواصفات الواردة بكتاب الهيئة المشار إليه، وإذا كانت المادة 15 ( أ ) من القانون رقم 21 لسنة 1958 الخاص بتنظيم الصناعة وتشجيعها تعطي لوزير الصناعة سلطة اتخاذ قرارات ملزمة للمنشآت الصناعية فيما يتعلق بإيجاد وسائل موحدة تطبقها هذه المصانع في عملياتها الإنتاجية فإن وسائل التطوير التي ترى الهيئة العامة للتصنيع تطبيقها على مصنع المدعي تتجاوز نطاق هذا المصنع الصغير إلى تحديد قدراته مما يؤدي إلى إرهاق المدعي في تطبيق تلك الوسائل وإلى المساس بموجودات مصنعه الذي يلتزم طبقاً لترخيص إنشائه بإنتاج كميات معينة من الصابون حسب كمية الخامات المسلمة إليه وبمواصفات محددة سلفاً كما يخضع المصنع في إنتاجه لإشراف كل من مصلحة الرقابة الصناعية ومراقبة الغش التجاري بوزارة التموين ولم تثبت مخالفته لشروط ومواصفات صناعة الصابون ومتى كان الأمر كذلك فإن تحديد مهلة لتطوير المصنع حتى نهاية أكتوبر سنة 1973 ينطوي على تهديد مباشر للمدعي حيث يؤدي إلى أيلولة مصنعه الصغير إلى أصحاب المصانع الكبيرة مما يجعل القرار المطعون فيه مخالفاً للقانون وهو ما ذهب إليه قسم التشريع بمجلس الدولة بكتابه رقم 83/ 1970 بمناسبة توليه أمر مراجعة مشروع القرار المطعون فيه بجلسته المنعقدة في 24/ 11/ 1970.
وعقبت الجهة الإدارية على الدعوى بأنه مراعاة لما تهدف إليه الدولة من جودة الإنتاج مسايرة لركب التطور الصناعي أصدر وزير الصناعة القرار رقم 206 في 6/ 3/ 1972 بتشكيل لجنة لمعاينة مصانع الصابون التي تعمل على البارد منذ عام 1965 وبتاريخ 25/ 7/ 1972 وافق الوزير على التوصيات التي انتهت إليها اللجنة ومن بينها عدم إمكان إنتاج صابون مطابق للمواصفات باستخدام التصبين على البارد ومنح مهلة مدتها سنة لأحد عشر مصنعاً للتطور بمقرراتها المحددة على أن يترك لها الخيار بين أن تعمل منفردة أو تتجمع مع غيرها وبعد فترة الانتقال تعتمد المصانع المتطورة وتلغى تراخيص المصانع التي لم تتطور. وقد قامت الهيئة بإخطار أصحاب المصانع التي تعمل على البارد ومن بينهم المدعي بتوصيات اللجنة لتطوير مصانعهم من الناحية الفنية محددة نهاية شهر أكتوبر سنة 1973 موعداً للتطوير ودون أن يقصد من ذلك إغلاق تلك المصانع أو يطلب منها الاندماج مع مصانع أخرى كبيرة أو التوقف عن العمل بل قصد تنظيم صناعة الصابون التي يستخدم فيها التصبين على البارد. وفيما يتعلق بالمهلة المشار إليها فقد صدر قرار من وزير الصناعة في 8/ 10/ 1973 بمدها سنة أخرى تنتهي في أكتوبر سنة 1974 الأمر الذي يجعل طلب المدعي إلغاء القرار المطعون فيه فاقداً لعنصر المنازعة وبالتالي تعتبر الخصومة منتهية.
وبجلسة 29 من سبتمبر سنة 1976 أصدرت المحكمة حكمها موضوع الطعن الماثل الذي قضى بإلغاء القرار الصادر بمنح المدعي مهلة لتطوير مصنع الصابون المرخص له في إقامته غايتها صرف الخامات المقررة له حتى الحصة المقررة لمصنعه عن شهر أكتوبر سنة 1974 وما يترتب على ذلك من آثار وأقامت قضاءها على أن القرار الصادر بمد مهلة تطوير مصانع الصابون إلى أكتوبر سنة 1974، لا يعني الاستجابة إلى طلبات المدعي بالاستمرار في منحه الصحة المقررة لمصنعه طبقاً للكميات المحددة له، فقرار مد المهلة هو امتداد للقرار الأول ومكمل له وقد اختصمه المدعي أثناء تحضير الدعوى وفي مذكرة لاحقة، وعلى ذلك فلا سند من القانون لاعتبار الخصومة منتهية - وأنه ولئن كانت المادة 15 من القانون رقم 21 لسنة 1958 في شأن تنظيم الصناعة وتشجيعها قد خولت وزير الصناعة سلطة إصدار قرارات ملزمة للمنشآت الصناعية في مجال إيجاد معايير موحدة تطبقها الصناعة في عملياتها الإنتاجية وتحديد مواصفات المنتجات والخامات المستعملة في الصناعة بقصد أن تكون السلع أو المواد أو المنتجات على مستوى من الجودة لتساير مثيلاتها في الدول الأخرى ولتكون أكثر ملاءمة لحاجة البلاد وجمهور المستهلكين، إلا أن هذه السلطة يحدها الغرض الذي شرعت من أجله ولا تتعدها إلى تحديد القدرات الإنتاجية للمصانع القائمة المرخص في إقامتها طبقاً للبيانات الواردة في طلب الترخيص ولما كان القرار الصادر بتحديد مهلة لتطوير مصنع الصابون المملوك للمدعي بالتطبيق للمادة 15 من القانون رقم 21 لسنة 1958 هو في حقيقته تحديد لقدرات هذا المصنع القائمة والمنتجة للصابون في حدود الترخيص السابق منحه للمدعي في إقامته فضلاً عن أن هذا القرار ينطوي على تجميع للوحدات المنتجة للصابون بقدرات معينة في وحدة واحدة الأمر الذي ينعكس أثره على كيان المنشأة ذاتها بما فيه من مساس بموجوداتها مما يمكن معه القول بانطوائه على إلغاء الترخيص الصادر بإقامتها في غير الحالات المنصوص عليها في المادة الرابعة من القانون المشار إليه. ومن ثم يكون القرار المطعون فيه مخالفاً للقانون متعيناً إلغاؤه.
ومن حيث إن الطعن ينعى على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه استناداً إلى أن القرار مثار النزاع قد صدر في حدود السلطة المخولة لوزير الصناعة طبقاً للمادة 15 من القانون رقم 21/ 1958 مستهدفاً تحقيق الغايات التي قصد إليها المشرع إلا وهي رفع مستوى الإنتاج وتطوير الصناعة، وممارسة الوزير لهذه السلطة غير مقيدة بأن تكون قراراته التي تصدر في هذا الشأن في حدود قدرات المنشآت الصناعية لأن هذه القدرات لا يجوز أن تقف حائلاً دون تحقيق المصلحة العامة وإذ خلا القرار المذكور من إساءة استعمال السلطة فإنه يكون قراراً صحيحاً بمنأى عن الإلغاء.
ومن حيث إنه سبق لهذه المحكمة أن قضت بجلسة 28 من فبراير سنة 1981 في الطعنين رقمي 39، 40 لسنة 23 القضائية، بأن قرار وزير الصناعة باعتماد توصيات اللجنة المشكلة بناء على قراره رقم 206/ 1972 لمعاينة مصانع الصابون التي تعمل على البارد منذ عام 1965 استناداً إلى نص المادة 15 من القانون رقم 21 لسنة 1958 في شأن تنظيم الصناعة وتشجيعها، هو قرار مما يدخل في حدود السلطة المخولة لوزير الصناعة بمقتضى أحكام المادة المذكورة والتي تخوله قانوناً اتخاذ قرارات ملزمة للمنشآت الصناعية بإيجاد معايير موحدة تطبقها الصناعة في عملياتها الإنتاجية أو بتحديد مواصفات المنتجات والخامات المستخدمة في الصناعة، وأن تصوير هذا القرار تارة بأنه امتناع أو توقف عن صرف الخامات المقررة لمصنع المطعون ضده بعد انقضاء مهلة نهايتها شهر أكتوبر سنة 1974 وتارة أخرى بأنه ينطوي على تحديد للقدرات الإنتاجية لهذا المصنع القائمة والمنتجة للصابون في حدود الترخيص السابق قيام المصنع على مقتضاه مما ينعكس أثره على كيان المنشأة ذاتها بما فيه من مساس بموجوداتها الأمر الذي يتضمن إلغاء الترخيص الصادر بإقامتها في غير الحالات المنصوص عليها في المادة الرابعة من القانون رقم 21 لسنة 1958 - هذا التصوير - لا وجه له تأسيساً على أن القرار سالف الذكر لا يعدو أن يكون تعديلاً في مواصفات وخامات إنتاج الصابون وتنبيهاً في ذات الوقت إلى إلغاء التراخيص المتعلقة بالمصانع التي لا تستجيب لهذا التعديل وأنه لم يقصد بهذا القرار سوى تحقيق اعتبارات المصلحة العامة على وجه يكفل تطوير صناعة الصابون في البلاد، ومن ثم فإن كل ما يمكن أن يقال في شأن هذا القرار أنه تعديل لشروط التراخيص الخاصة بتصنيع الصابون على البارد وأنه تم بمقتضى السلطة المقررة لوزير الصناعة طبقاً لنص المادة 15 من القانون رقم 21/ 1958 لأغراض تتعلق بالصالح العام وما يمليه من ضرورة النأي بصناعة الصابون عن مجال الجمود والتخلف ودفع عجلتها نحو النمو والتقدم، ومن المبادئ المسلمة أن الترخيص الصادر من جهة الإدارة هو تصرف إداري يتم بالقرار الصادر بمنحه ولا يكسب صاحبه أي حق يمتنع معه على الإدارة سحبه أو إلغاؤه أو تنظيمه أو الحد منه طبقاً لسلطتها التقديرية ووفقاً لموجبات المصلحة العامة وبغير تعسف، وأنه لما كان القرار مثار النزاع - وهو ذات القرار التنازع فيه بمقتضى الدعوى والطعن الماثلين - قد صدر بناء على سلطة وزير الصناعة الثابتة له قانوناً على الوجه المبين فيما سبق وذلك لاعتبارات المصلحة العامة ودون شبهة إساءة استعمال السلطة فإنه يكون قراراً سليماً مطابقاً للقانون.
ومن حيث إنه نزولاً على مقتضى ما قضت به هذه المحكمة على الوجه سالف البيان فإن الحكم المطعون فيه الآخذ بنظر مخالف يكون قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه ويتعين القضاء بإلغائه ورفض الدعوى وإلزام المدعي المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المطعون ضده المصروفات.