أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 26 - صـ 1600

جلسة 9 من ديسمبر سنة 1975

برياسة السيد المستشار أحمد حسن هيكل نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم السعيد ذكري، وعثمان حسين عبد الله، ومحمد صدقي العصار، ومحمود عثمان درويش.

(300)
الطعن رقم 88 لسنة 41 القضائية

(1) إفلاس. أعمال تجارية. محكمة الموضوع "مسائل الواقع". بطلان. نقض.
علم المتصرف إليه باختلال إشغال المتصرف. م 228 من قانون التجارة من مسائل الواقع التي يستقل بها قاضي الموضوع. لا معقب عليه من محكمة النقض متى كان استخلاصه سائغاً.
(2) بطلان "بطلان التصرفات". حكم "التناقض". صورية. إفلاس.
الصورية المطلقة في العقود. اختلافها عن عدم نفاذ التصرف الصادر من المدين قبل إشهار إفلاسه المنصوص عليه في المادة 228 من قانون التجارة. رفض الدفع بصورية العقد والقضاء بعدم نفاذ هذا التصرف في حق الدائن. لا تناقض.
1 - العلم باختلال أشغال المدين هو من مسائل الواقع التي يستخلصها قاضي الموضوع من الأدلة والقرائن القائمة في الدعوى بلا معقب عليه من محكمة النقض ما دام استخلاصه سائغاً.
2 - إذا كانت الصورية المطلقة تتناول وجود العقد ذاته فلا يكون له وجود في الحقيقة، وهي مغايرة للبطلان المنصوص عليه في المادة 228 من قانون التجارة لأن البطلان في هذه الحالة لا يستند إلى عيب في التصرف إذ يبقى صحيحاً بين عاقديه ومنتجاً لكل آثاره غير أنه لا يحتج به على جماعة الدائنين، فيصبح غير نافذ في حقهم. ولما كان يبين من الحكم المطعون فيه أنه انتهى إلى أنه لم يجد فيما ساقه المطعون عليه الأول من قرائن ما يكفي لإثبات صورية عقد البيع الصادر من المطعون عليها الثانية إلى الطاعن صورية مطلقة، ثم استخلص الحكم من أقوال شاهد المطعون عليه الأول ومن القرائن التي أشار إليها أن الطاعن كان يعلم باختلال أشغال المطعون عليها الثانية وقت صدور التصرف ورتب على ذلك قضاءه بعدم نفاذ التصرف في حق الدائنين عملاً بحكم المادة 228 من قانون التجارة وهو ما لا يتعارض مع ما قرره من عدم توافر الدليل على صورية العقد، إذ التناقض الذي يبطل الحكم هو ما تتعارض فيه الأسباب وتتهاتر فتتماحى ويسقط بعضها بعضاً بحيث لا يبقى منها ما يقيم الحكم ويحمله، لما كان ذلك، فإن النعي - على الحكم بتناقض أسبابه - يكون في غير محله.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعن أقام ضد المطعون عليها الثانية الدعوى رقم 469 سنة 1962 المنصورة الابتدائية طلب فيها الحكم بصحة ونفاذ العقد المؤرخ 15/ 1/ 1962 المتضمن بيعها له المنزل المبين بصحيفة الدعوى والعقد بثمن قدره 5000 ج، وإذ أشهر إفلاس المطعون عليها الثانية فقد حكمت المحكمة بانقطاع سير الخصومة ووجه الطاعن طلباته إلى المطعون عليه الأول بصفته وكيلاً لدائني التفليسة، ودفع الأخير بصورية العقد وببطلانه لوقوعه في فترة الريبة، أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المطعون عليه الأول صورية العقد، غير أنه لم يشهد أحداً. وبتاريخ 23/ 6/ 1966 حكمت المحكمة للطاعن بطلباته، استأنف المطعون عليه الأول بصفته هذا الحكم بالاستئناف رقم 316 سنة 18 ق مدني المنصورة، وبتاريخ 6/ 3/ 1967 حكمت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المطعون عليه الأول أن العقد المؤرخ 15/ 1/ 1962 صوري صورية مطلقة، ولم ينفذ هذا الحكم ثم أحالت الدعوى إلى التحقيق في 10/ 3/ 1970 ليثبت المطعون عليه الأول أن الطاعن كان يعلم حين صدور العقد المذكور باختلال أشغال المطعون عليها الثانية واضطراب أعمالها، وبعد أن سمعت المحكمة شهادة شاهد المطعون عليه الأول حكمت بتاريخ 10/ 1/ 1971 بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم نفاذ العقد موضوع الدعوى لجماعة الدائنين. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وعرض الطعن على هذه الدائرة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب ينعى الطاعن بالأول والثالث والرابع منها على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب، ويقول في بيان ذلك أن الحكم أقام قضاءه بعلم الطاعن باختلال أشغال المطعون عليها الثانية وتوقفها عن الدفع على صلة القرابة بينهما ووجود محليهما في شارع واحد، في حين أن الطاعن أنكر هذه الصلة وقرر أن مجرد وجود المحال في نفس الشارع ليس بدليل على هذا العلم كما أن الحكم اعتبر الطاعن عالماً بحالة المطعون عليها الثانية لأن التصرف المطعون فيه تم بعد تاريخ التوقف عن الدفع ببضعة أشهر مما مقتضاه أن الحكم افترض أن الطاعن يطلع على دفتر البروتستات بالمحكمة وهو أمر مستبعد، واستند الحكم إلى التواطؤ والإسراع بعدم بيان حدود العقار واختلاف الثمن الوارد في العقد عن صحيفة الدعوى وإلى أقوال شاهد المطعون عليها الأول مع إنها مجرد استنتاجات، هذا إلى أن المطعون عليها الثانية سيدة محجبة لا يعلم الطاعن من أمرها شيئاً ولم يقدم دليل على أنها كانت تدير شركة البشبيشي أو أن ثمة بروتستات وجهت إليها، وكلها قرائن لا تصلح أساساً لقضاء الحكم مما يشوبه بالقصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي مردود بأنه لما كان العلم باختلال أشغال المدين هو من مسائل الواقع التي يستخلصها قاضي الموضوع من الأدلة والقرائن القائمة في الدعوى بلا معقب عليه من محكمة النقض ما دام استخلاصه سائغاً، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بثبوت علم الطاعن باختلال أشغال المطعون عليها الثانية وقت إبرام عقد البيع موضوع الدعوى على قوله "أنه يبين من مطالعة دعوى الإفلاس المنضمة رقم 3 سنة 1962 المنصورة والتي رفعت في 24/ 1/ 1962 وصدر الحكم فيها لجلسة 8/ 5/ 1962 بإشهار إفلاس شركة...... و...... و..... و...... والمستأنف عليها الثانية - المطعون عليها الثانية - محمد أحمد البشبيشي بوصفهما الشريكين المتضامنين في الشركة وتحديد يوم 26/ 3/ 1961 تاريخاً مؤقتاً للتوقف عن الدفع، أن المحكمة كانت قد قررت بجلسة 10/ 4/ 1962 تحديد يوم 24/ 4/ 1962 ميعاداً للنطق بالحكم قبل مده إلى يوم 8/ 5/ 1962 وكان الثابت من مطالعة صحيفة دعوى صحة العقد أن المستأنف عليه الأول - الطاعن - كان قد قدم لقلم الكتاب في يوم 23/ 4/ 1992 السابق مباشرة على اليوم المحدد أصلاً للنطق بالحكم صحبة تلك الدعوى لتقدير الرسم المستحق عليها. وكان الثابت أيضاً من حافظة مستندات المستأنف عليه الأول أنه كان قد قدم في نفس يوم 23/ 4/ 1962 طلباً للمساحة لتحديد العقار المبيع تمهيداً لإجراء الشهر، وكان الثابت من جهة أخرى أن بيانات صحيفة الدعوى فيما يتعلق بالثمن اختلفت في دعوى صحة العقد عنها في صلب العقد...... وكان الثابت بصدد العقد أن حدود ومعالم العقار المبيع وهو منزل واحد مقام على قطعة أرض فضاء مساحتها 568 متراً قد ذكرت بذيل العقد، في حين أنه لم يرد ذكر لهذه الحدود أو المعالم بأي جزء من أجزاء العقد، فإن المحكمة تستخلص من ذلك أنه عندما تبينت المستأنف عليها الثانية أن الحكم بإشهار إفلاسها أصبح وشيك الصدور بعد أن قررت المحكمة في جلسة 10/ 4/ 1962 تحديد جلسة 24/ 4/ 1962 للنطق بالحكم، اتفقت مع المستأنف عليه الأول على أن تبيعه العقار بقصد الانتفاع بثمنه وحتى لا يدخل العقار في أموال التفليسة، وبادرا إلى تحرير العقد وتقديم صحيفة الدعوى بصحته لقلم الكتاب في يوم 23/ 4/ 1962 وجعلا له تاريخاً غير حقيقي هو 15/ 1/ 1962، ونسيا وهماً في عجلة من أمرهما أن يبينا حدود العقار المبيع، ومؤدى كل ذلك أنه كان يعلم وقت التصرف باختلال أشغال البائعة اختلالاً خطيراً - وليس عارضاً - أدى إلى رفع دعوى الإفلاس عليها لقعودها عن سداد ديونها التجارية وتحديد يوم 24/ 4/ 1962 للنطق بالحكم فيها، ومحاولة المستأنف عليها الثانية بالاتفاق مع المستأنف عليه الأول تفادي دخول المنزل في أموال التفليسة، ومما يؤكد ذلك صلة القرابة بين طرفي العقد،... كما وأن الثابت من صحيفة دعوى الإفلاس أن مركز شركة..... ومحل تجارة المستأنف عليه الأول يقعان في شارع واحد، فإذا أضيف إلى ذلك أن طبيعة المعاملات التجارية والسوق التجاري من شأنها إظهار ما يصيب أشغال التاجر من اختلال بحيث يكون الجهل به أمراً بعيد الاحتمال، لاسيما إذا استطالت المدة بين تاريخ التوقف عن الدفع المحدد له يوم 26/ 3/ 1961 تاريخ تحرير البروتستو الأول وبين تاريخ التصرف الذي وقع بعد ذلك بعدة شهور...... وقد جاءت شهادة شاهد المستأنف - المطعون عليه الأول - مؤيدة لعلم المستأنف عليه الأول باختلال أشغال المستأنف عليها الثانية وقت التصرف"، مما مفاده أن المحكمة - في حدود سلطتها الموضوعية - استخلصت علم الطاعن باختلال أشغال المطعون عليها الثانية وقت صدور التصرف المطعون فيه، من شهادة شاهد المطعون عليه الأول ومن جملة قرائن متساندة وكافية من شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها الحكم، لما كان ذلك فإن النعي عليه بهذه الأسباب لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه تناقض أسبابه ذلك أن المطعون عليه الأول عجز عن إثبات صورية العقد فاستبعدها الحكم غير أنه عاد واتخذ من القرائن الخاصة بالصورية دليلاً على العلم باختلال أشغال المطعون عليها الثانية وهو ما يشوبه بالتناقض.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كانت الصورية المطلقة تتناول وجود العقد ذاته فلا يكون له وجود في الحقيقة، وهي مغايرة للبطلان المنصوص عليه في المادة 228 من قانون التجارة لأن البطلان في هذه الحالة لا يستند إلى عيب في التصرف إذ يبقى صحيحاً بين عاقديه ومنتجاً لكل آثاره غير أنه لا يحتج به على جماعة الدائنين فيصبح غير نافذ في حقهم، ولما كان يبين من الحكم المطعون فيه أنه انتهى إلى أنه لم يجد فيما ساقه المطعون عليه الأول من قرائن ما يكفي لإثبات صورية عقد البيع المؤرخ 15/ 1/ 1961 الصادر من المطعون عليها الثانية إلى الطاعن صورية مطلقة ثم استخلص الحكم - وعلى ما سلف البيان - من أقوال شاهد المطعون عليه الأول ومن القرائن التي أشار إليها أن الطاعن كان يعلم باختلال أشغال المطعون عليها الثانية وقت صدور التصرف ورتب على ذلك قضاءه بعدم نفاذ التصرف في حق الدائنين عملاً بحكم المادة 228 من قانون التجارة، وهو ما لا يتعارض مع ما قرره من عدم توافر الدليل على صورية العقد، إذ التناقض الذي يبطل الحكم هو ما تتعارض فيه الأسباب وتتهاتر فتتماحى ويسقط بعضها بعضاً بحيث لا يبقى منها ما يقيم الحكم ويحمله، لما كان ذلك، فإن النعي بهذا السبب يكون في غير محله.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.