أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 26 - صـ 1618

جلسة 10 من ديسمبر سنة 1975

برياسة السيد المستشار محمود عباس العمراوي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: مصطفى كمال سليم، مصطفى الفقي، ومحمد البنداري العشري، أحمد سيف الدين سابق.

(303)
الطعن رقم 432 لسنة 41 القضائية

(1) دعوى "تكييف الدعوى". محكمة الموضوع "تكييف الدعوى".
لمحكمة الموضوع حق فهم الدعوى على حقيقتها وإعطائها الوصف القانوني الصحيح. عدم تقيدها في ذلك بتكييف الخصوم.
(2) قضاة "نقل أحد أعضاء الهيئة". حكم.
نقل القاضي للعمل بدائرة أخرى في ذات المحكمة. لا تزول به ولايته. جواز اشتراكه في المداولة في الأحكام الصادرة في الدعاوى التي سمع فيها المرافعة بالدائرة السابقة.
(3) تقادم "التقادم المسقط". دفع غير المستحق. دعوى.
سقوط الحق في استرداد ما دفع بغير وجه حق. مدته. انقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي يعلم فيه الدافع بحقه في الاسترداد أو بانقضاء خمس عشرة سنة من يوم الوفاء بالالتزام أيهما أقصر. م 187 مدني.
(4) دفع غير المستحق. عقد "الإكراه".
رد ما دفع بغير وجه حق. لا محل له إذا كان الموفى يعلم أنه غير ملزم بالوفاء. الإكراه المبطل للوفاء المسوغ للرد. شرطه. تنفيذ حكم قبل إلغائه. عمل مشروع لا يتضمن إكراهاً على الوفاء.
1 - لما كان تكييف الخصوم للدعوى لا يقيد المحكمة ولا يمنعها من فهم الدعوى على حقيقتها وإعطائها التكييف الصحيح، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى أن النزاع في الدعوى الحالية من المنازعات المدنية فلا يسري في شأنه حكم المادتين 88 و187 من قانون المرافعات ولا الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون رقم 628 لسنة 1955 التي توجب تدخل النيابة العامة في دعاوى الأحوال الشخصية - التي لا تدخل في اختصاص المحكمة الجزئية - مما كانت تختص بها المحاكم الشرعية وأصبح الاختصاص بنظرها للمحاكم العادية عملاً بالقانون رقم 462 لسنة 1955 الصادر بإلغاء المحاكم الشرعية، فإن النعي على الحكم المطعون فيه يكون في غير محله.
2 - إذ كان نقل أحد المستشارين للعمل بدائرة أخرى في ذات محكمة الاستئناف لا يترتب عليه زوال ولايته ولا يحول دون اشتراكه في المداولة في الأحكام الصادرة في الدعاوى التي سمع فيها المرافعة بالدائرة السابقة التي كان يجلس عضواً في هيئتها، وكان الثابت بالأوراق أن المستشار...... كان عضواً بالهيئة التي سمعت المرافعة وحجزت الدعوى للنطق بالحكم وأن السيد المستشار اشترك في المداولة ووقع على مسودة الحكم ولم يتمكن من حضور جلسة النطق به لنقله للعمل بدائرة أخرى بذات المحكمة، فإن النعي على الحكم بالبطلان يكون في غير محله.
3 - النص في المادة 187 من القانون المدني على أن "تسقط دعوى استرداد ما دفع بغير حق بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي يعلم فيه من دفع غير المستحق بحقه في الاسترداد، وتسقط الدعوى كذلك في جميع الأحوال بانقضاء خمس عشرة سنة من اليوم الذي ينشأ فيه هذا الحق" مقتضاه أن الحق في الاسترداد يسقط بالتقادم بانقضاء أقصر المدتين إما بانقضاء ثلاث سنوات تسري من اليوم الذي يعلم فيه الدافع بحقه في الاسترداد أو بانقضاء خمس عشرة سنة من يوم قيام الالتزام أي من يوم الوفاء به.
4 - النص في المادة 181 من القانون المدني على أنه: "1 - كل من تسلم على سبيل الوفاء ما ليس مستحقاً له وجب عليه رده 2- على أنه لا محل للرد إذا كان من قام بالوفاء يعلم أنه غير ملزم بما دفعه إلا أن يكون ناقص الأهلية أو يكون قد أكره على هذا الوفاء" يدل على أنه لا محل للرد إذا كان الدفع عن بصيرة وترو أي عن علم الدافع بأنه غير ملزم بما دفعه، وأن الإكراه الذي عناه المشرع بهذا النص المبطل للوفاء الذي حصل بناء عليه والمسوغ للرد هو ذات الإكراه الذي يجيز إبطال العقد والمنصوص عليه في المادة 117 من القانون المدني، وشرط تحققه أن يكون الإكراه قد بعث الرهبة في نفس المكره بغير وجه حق باعتبار أن الأعمال المشروعة قانوناً لا يمكن أن يترتب عليها إبطال ما ينتج عنها، لما كان ذلك، وكان تنفيذ حكم صادر بالنفقة على المحكوم عليه - وقبل إلغاء هذا الحكم - هو عمل مشروع قانوناً فإن الوفاء تنفيذاً له لا يتضمن إكراهاً على هذا الوفاء لأنه تم بوجه حق، كما أن وفاء المطعون ضده الأول للطاعنة بما أقره لها طواعية واختياراً من نفقة دون صدور حكم يلزمه بها وفي تاريخ لاحق على الحكم النهائي ببطلان عقد زواجه منها وعلمه بأنه غير ملزم بما أقره ودفعه لها، فإن هذا الوفاء لا يتضمن إكراهاً وقام به وهو يعلم أنه غير ملزم بدفعه فلا يسوغ له استرداده.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضده الأول رفع الدعوى رقم 460 لسنة 1960 مدني كلي إسكندرية على الطاعنة طالباً الحكم بإلزامها في مواجهة المطعون ضده الثاني بأن تدفع له مبلغ 405 جنيهات والفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية حتى السداد وبطلان الحجوز التنفيذية الموقعة تحت يد المطعون ضده الثاني، وقال شرحاً لها أنه بتاريخ 26/ 10/ 1954 قضت محكمة العطارين الشرعية في الدعوى رقم 974 لسنة 1953 بفرض نفقة زوجية للطاعنة مقدارها 13 جنيهاً شهرياً ابتداء من 1/ 1/ 1952 وقد تأيد هذا الحكم في الاستئناف رقم 197 سنة 1954 الإسكندرية، وتنفيذاً لهذا الحكم أوقعت الطاعنة حجوزاً تنفيذية على مرتب المطعون ضده الأول لدى المطعون ضده الثاني وقبضت مبالغ مجموعها 405 جنيهات. استصدر المطعون ضده الأول حكماً من المجلس الملي لطائفة الروم الكاثوليك بتاريخ 28/ 1/ 1955 قضى ببطلان عقد زواجه من الطاعنة واعتباره كأن لم يكن بسبب القرابة الروحية وتأيد هذا الحكم من المحكمة الاستئنافية العليا لبطريركية الروم الكاثوليك بتاريخ 24/ 3/ 1955 ومن ثم فقد أضحى حكم النفقة الصادر للطاعنة من المحكمة الشرعية معدوم الأثر لصدوره من محكمة لا ولاية لها ويكون ما قبضته نفاذاً لذلك الحكم وقدره 405 جنيهات بغير حق ويحق له استرداده عملاً بالمادة 181 من القانون المدني كما تكون الحجوز الموقعة منها تحت يد المطعون ضده الثاني وفاء للنفقة المستحقة ابتداء من 4 مارس سنة 1955 تنفيذاً لحكم النفقة المشار إليه لا سند لها، ولهذا فقد أقام المطعون ضده الأول الدعوى بطلباته السابقة ودفعت الطاعنة بسقوط حق المطعون ضده الأول في استرداد هذا المبلغ بالتقادم الثلاثي المنصوص عليه في المادة 187 من القانون المدني وطلبت رفض الدعوى، وبتاريخ 30 يناير 1964 قضت المحكمة بإلغاء الحجوز التنفيذية الموقعة على مرتب المطعون ضده الأول تحت يد المطعون ضده الثاني نفاذاً لحكم النفقة رقم 974 لسنة 1963 العطارين الشرعية واستئنافه وذلك بالنسبة للنفقة المستحقة للطاعنة اعتباراً من 24 مارس سنة 1955 وبرفض الدعوى بالنسبة لطلب رد مبلغ 405 جنيهات، فاستأنف المطعون ضده الأول هذا الحكم بالاستئناف رقم 207 سنة 20 ق الإسكندرية طالباً إلغاءه، وبتاريخ 17 يناير سنة 1965 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف، فطعن المطعون ضده الأول في هذا الحكم بطريق النقض وقيد طعنه برقم 182 سنة 35 ق وبتاريخ 20 مارس سنة 1969 قضت المحكمة بنقض الحكم المطعون فيه وأحالت القضية إلى محكمة استئناف إسكندرية تأسيساً على أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون إذ اعتد بالحكم الشرعي الصادر للطاعنة بالنفقة على الرغم من صدوره من محكمة لا ولاية لها لاتحاد الطرفين في الملة فهما ينتميان إلى طائفة الروم الكاثوليك، وبعد تعجيل الدعوى عادت الطاعنة وتمسكت بسقوط حق المطعون ضده الأول في استرداد ما قبضته من نفقة بالتقادم الثلاثي طبقاً لنص المادة 187/ 1 من القانون المدني، وبتاريخ 25 إبريل سنة 1971 قضت محكمة استئناف إسكندرية بإلغاء الحكم المستأنف وإلزام الطاعنة في مواجهة المطعون ضده الثاني بأن تدفع للمطعون ضده الأول مبلغ 405 جنيهات والفوائد بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة الرسمية الحاصلة في 23/ 2/ 1960. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه وإذ عرض الطعن على المحكمة في غرفة المشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطاعنة تنعى على الحكم المطعون فيه بالسبب الأول البطلان من وجهين، وفي بيان الوجه الأول تقول أن هذه الدعوى وإن كان موضوعها إلزامها برد ما قبضته من نفقة بغير وجه حق إلا أن النزاع دار حول مسألة أولية هي مدى أحقية المطعون ضده الأول في استرداد ما دفعه من نفقة وهي مسألة تتعلق بصميم الأحوال الشخصية التي أوجبت المادتان 88، 178 من قانون المرافعات والفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون رقم 628 سنة 1955 تدخل النيابة العامة فيها وفيما لا تختص به المحاكم الجزئية وإلا كان الحكم باطلاً، وعلى الرغم من ذلك فإن النيابة العامة لم تتدخل في هذه الدعوى فجاء حكمها باطلاً، وحاصل الوجه الثاني أن أحد مستشاري الهيئة الاستئنافية التي سمعت المرافعة ووقع على مسودة الحكم المطعون فيه قد زالت عنه ولاية الفصل في الدعوى لنقله إلى دائرة أخرى من دوائر المحكمة التي يعمل بها فلم يحضر جلسة النطق بالحكم وهذا النقل لا يعتبر من الموانع القهرية التي يجيز أن يحل محله غيره عند النطق بهذا الحكم بل كان يتعين إعادة نظر الدعوى من جديد أمام الدائرة بتشكيلها الجديد.
وحيث إن هذا النعي في الوجه الأول منه مردود، ذلك بأن الثابت من الحكم المطعون فيه أن المطعون ضده الأول رفع الدعوى يطلب الحكم بإلزام الطاعنة بأن تدفع له مبلغ 405 جنيهات وفوائده القانونية وبطلان الحجوز التنفيذية الموقعة تحت يد المطعون ضده الثاني استناداً إلى أنه أوفاها هذا المبلغ نفاذاً لحكم نفقة زوجية صدر لصالحها من محكمة لا ولاية لها بنظر النزاع فيحق له استرداد ما دفعه بغير وجه حق عملاً بالمادة 181 من القانون المدني ودار النزاع بين الطرفين حول سقوط أو عدم سقوط حقه بالتقادم الثلاثي وفق المادة/ 187 من القانون المدني دون إثارة أي مسألة من مسائل الأحوال الشخصية، لما كان ذلك وكان تكييف الخصوم للدعوى لا يقيد المحكمة ولا يمنعها من فهم الدعوى على حقيقتها وإعطائها التكييف الصحيح، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى أن النزاع في الدعوى الحالية من المنازعات المدنية فلا يسري في شأنه حكم المادتين 88، 187 من قانون المرافعات ولا الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون رقم 628 لسنة 1955 التي توجب تدخل النيابة العامة في دعاوى الأحوال الشخصية - التي لا تدخل في اختصاص المحكمة الجزئية مما كانت تختص بها المحاكم الشرعية وأصبح الاختصاص بنظرها للمحاكم العادية عملاً بالقانون رقم 462 لسنة 1955 الصادر بإلغاء المحاكم الشرعية، فإن النعي على الحكم المطعون فيه بهذا الوجه يكون في غير محله، والنعي بالوجه الثاني منه مردود بأن نقل أحد المستشارين للعمل بدائرة أخرى في ذات محكمة الاستئناف لا يترتب عليه زوال ولايته ولا يحول دون اشتراكه في المداولة في الأحكام الصادرة في الدعاوى التي سمع فيها المرافعة بالدائرة السابقة التي كان يجلس عضواً في هيئتها، ولما كان الثابت بالأوراق أن المستشار...... كان عضواً بالهيئة التي سمعت المرافعة بجلسة 21 يناير 1971 وحجزت الدعوى للنطق بالحكم وأن السيد المستشار اشترك في المداولة ووقع على مسودة الحكم ولم يتمكن من حضور جلسة النطق به لنقله للعمل بدائرة أخرى بذات المحكمة، فإن النعي على الحكم بالبطلان يكون في غير محله.
وحيث إن مما تنعاه الطاعنة بالسبب الثاني بأوجهه الثلاثة على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك تقول أنها دفعت بسقوط حق المطعون ضده الأول في استرداد ما قبضته من نفقة بالتقادم الثلاثي المنصوص عليه في المادة 187/ 1 من القانون المدني تأسيساً على أنه رغم القضاء نهائياً في 24 مارس سنة 1955 ببطلان عقد زواجها فإن المطعون ضده الأول لم يرفع دعواه باسترداد ما دفعه من نفقة بغير حق إلا في 23 من مارس سنة 1960 أي بعد انقضاء ما يزيد على ثلاث سنوات، ولكن الحكم المطعون فيه رفض هذا الدفع وألزمها برد النفقة بمقولة أنها قبضتها جبراً عن المطعون ضده الأول نفاذاً لحجوز تنفيذية فلا يسقط الحق في استردادها إلا بانقضاء خمسة عشر سنة، في حين أن المادة 187/ 1 من القانون المدني لم تفرق في التقادم الثلاثي المنصوص عليه فيها بين الوفاء الاختياري والإجباري، كما أنه بعد صدور الحكم النهائي بتاريخ 24 مارس سنة 1955 ببطلان عقد زواجها قام المطعون ضده طواعية واختياراً بتحرير إقرار مؤرخ 28 سبتمبر سنة 1955 اعترف فيه بمديونيته للطاعنة بمبلغ 156 ج قيمة نفقتها عن سنة 1951 وهي سنة سابقة على صدور الحكم الشرعي بالنفقة ولم ترفع دعوى بشأنها وقبل خصمه من راتبه على أقساط شهرية، ولما كانت المادة 181 من القانون المدني تمنع رد ما دفع بغير حق إذا كان من قام بالوفاء يعلم أنه غير ملزم بما دفعه، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلزامها برد ما قبضته من نفقة عن هذا المبلغ يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي سديد، ذلك بأن النص في المادة 187 من القانون على أن "تسقط دعوى استرداد ما دفع بغير حق بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي يعلم فيه من دفع غير المستحق بحقه في الاسترداد، وتسقط الدعوى كذلك في جميع الأحوال بانقضاء خمسة عشرة سنة من اليوم الذي ينشأ فيه هذا الحق" مقتضاه أن الحق في الاسترداد يسقط بالتقادم بانقضاء أقصر المدتين: إما بانقضاء ثلاث سنوات تسري من اليوم الذي يعلم فيه الدافع بحقه في الاسترداد أو بانقضاء خمسة عشرة سنة من يوم قيام الالتزام أي من يوم الوفاء به، والنص في المادة 187 منه على أن "(1) كل من تسلم على سبيل الوفاء ما ليس مستحقاًً له وجب عليه رده. (2) على أنه لا محل للرد إذا كان من قام بالوفاء يعلم أنه غير ملزم بما دفعه إلا أن يكون ناقص الأهلية أو يكون قد أكره على هذا الوفاء" يدل على أنه لا محل للرد إذا كان الدافع عن بصيرة وترو أي عن علم الدافع بأنه غير ملزم بما دفعه، وأن الإكراه الذي عناه المشرع بهذا النص المبطل للوفاء الذي حصل بناء عليه والمسوغ للرد هو ذات الإكراه الذي يجيز إبطال العقد والمنصوص عليه في المادة 117 من القانون المدني، وشرط تحققه أن يكون الإكراه قد بعث الرهبة في نفس المكره بغير وجه حق باعتبار أن الأعمال المشروعة قانوناً لا يمكن أن يترتب عليها إبطال ما ينتج عنها. وإذا كان تنفيذ حكم صادر بالنفقة على المحكوم عليه - وقبل إلغاء هذا الحكم - هو عمل مشروع قانوناً فإن الوفاء تنفيذاً له لا يتضمن إكراهاً على هذا الوفاء لأنه تم بوجه حق، كما أن وفاء المطعون ضده الأول للطاعنة بما أقره لها طواعية واختياراً للنفقة عن سنة 1951 دون صدور حكم يلزمه بها وفي تاريخ لاحق على الحكم النهائي ببطلان عقد زواجه منها وعلمه بأنه غير ملزم بما أقره ودفعه لها، فإن هذا الوفاء لا يتضمن إكراهاً وقام به وهو يعلم أنه غير ملزم بدفعه فلا يسوغ له استرداده. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وجرى في قضائه برفض دفع الطاعنة بسقوط حق المطعون ضده الأول بمضي ثلاث سنوات على وفائه دون إكراه على قوله: "إن الدفع بالسقوط غير سديد وترفضه هذه المحكمة ذلك لأن الأداء تم نفاذاً لحجوز تنفيذية باطلة وتم الوفاء دون ما خيار من المستأنف (المطعون ضده الأول) كأثر لهذه الحجوز فتلزم المستأنف عليها الأولى (الطاعنة) رد ما استلمته من المستأنف بموجب هذه الحجوز الباطلة ولا يرد على حقه سقوط بعد إذ يمتد السقوط إلى مدة خمس عشرة سنة فإنه يكون أخطأ في تطبيق القانون بما يوجب نقضه.
ولما كان الطعن للمرة الثانية وكان الموضوع صالحاً للفصل فيه وكان المطعون ضده قد استصدر حكماً نهائياً ببطلان عقد زواجه من الطاعنة في 24 مارس سنة 1955 ومنه بدأ علمه بحقه في استرداد ما دفعه من نفقة، وكانت دعواه الحالية بالاسترداد لم ترفع إلا في 23 فبراير سنة 1960، فإن المبالغ التي أوفاها حتى يوم 23 مارس سنة 1958 ومجموعها 52 ج على ما يبين من الأوراق يكون حقه في استردادها قد سقط بانقضاء ثلاث سنوات، ولما كان المطعون ضده الأول قد حرر للطاعنة إقراراً على نفسه بدين نفقتها عن سنة 1951 وقدره 156 ج والذي لم يشمله حكم النفقة، وكان هذا الإقرار مؤرخ 28 سبتمبر سنة 1955 أي بعد أن قضي لصالحه نهائياً ببطلان عقد زواجه في 24 مارس 1955 وبما يدل على علمه بأنه غير ملزم بما دفعه فإنه لا يكون له حق طلب استرداده عملاً بالمادة 181/ 2 من القانون المدني. لما كان ما تقدم فإن الحكم المستأنف يكون قد أصاب فيما انتهى إليه من رفض طلب المطعون ضده الأول استرداد ما أوفاه للطاعنة من نفقة مما يتعين معه تأييده.