مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثلاثون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1984 إلى آخر فبراير سنة 1985) - صـ 417

(71)
جلسة 13 من يناير سنة 1985

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد صالح الساكت - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة يوسف شلبي يوسف ومحمد فؤاد عبد الرازق الشعراوي ومحمد يسري زين العابدين والدكتور محمد عبد السلام مخلص - المستشارين.

الطعن رقم 1042 لسنة 28 القضائية

( أ ) دعوى - الحكم في الدعوى - الطعن في الأحكام.
حكم - الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري في أحكام المحكمة الإدارية لا يجوز الطعن فيها أمام المحكمة الإدارية العليا - يستثنى من هذه القاعدة حالتان يجوز فيهما لرئيس هيئة مفوضي الدولة وحده الطعن وهما:
أ - إذا صدر الحكم مخالفاً لما استقر عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا.
ب - إذا كان الفصل في الطعن يقتضي تقرير مبدأ قانوني جديد - تطبيق.
(ب) عمد ومشايخ - انتخابات - المراحل التي تمر بها - تحديد مفهوم المرشح الوحيد أن مفهوم المرشح الواحد طبقاً للمادة 75 من قانون العمد والمشايخ الصادر بالقانون رقم 59 لسنة 1964 يتحدد بكشف المرشحين النهائي فإذا لم يتضمن سوى اسم مرشح واحد فإنه يصبح كذلك وتحال الأوراق إلى لجنة العمد أما إذا تضمن أكثر من اسم فلا مفر من إجراء الانتخاب لاختيار أحدهم - تطبيق.
(جـ) عمد ومشايخ - انتخاب العمدة - مراحله - تحديد مفهوم المرشح الوحيد قانون العمد والمشايخ الصادر بالقانون رقم 59 لسنة 1964 - مراحل عملية انتخاب العمدة - مرحلة الترشيح ومرحلة الانتخاب - إذا لم يقبل الترشيح غير مرشح واحد فإن ذلك مؤداه أنه ليس في جمهور الناخبين الصلاحية للترشيح لوظيفة العمدة وأن إرادتهم قد تلاقت على اختيار هذا المرشح دون سواه - لا حاجة لولوج عملية الانتخاب - أساس ذلك: عملية الانتخاب تقتضي وجود أكثر من مرشح - كشف المرشحين النهائي هو العنصر الفاصل في تحديد مفهوم المرشح الوحيد فإذا لم يتضمن الكشف سوى اسم مرشح واحد فإنه يصبح كذلك وتحال الأوراق للجنة العمد والمشايخ لتقرير تعيينه - إذا تضمن الكشف أكثر من اسم فلا مفر من إجراء الانتخاب لاختيار أحدهم - تطبيق.


إجراءات الطعن

بتاريخ 18 من مايو سنة 1982 أودع الأستاذ المستشار رئيس هيئة مفوضي الدولة قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها برقم 1042 لسنة 28 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الدائرة الاستئنافية) بجلسة 31 من مارس سنة 1982 في الطعنين رقم 883 ورقم 929 لسنة 13 ق. س المقام أولهما من وزير الداخلية ضد أبو الفضل خاطر خليفة وثانيهما من عمر مختار محمود عبد الرحمن ضد أبو الفضل خاطر خليفة ووزير الداخلية والذي قضى:
أولاً: بعدم قبول تدخل عمر مختار محمود عبد الرحمن لانتفاء شرط المصلحة وإلزامه مصروفات التدخل.
ثانياً: بقبول الطعن رقم 833 لسنة 13 ق. س شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض دعوى المطعون ضده وإلزامه المصروفات عن درجتي التقاضي - وطلبت الهيئة الطاعنة - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبتعيين أبو الفضل خاطر خليفة عمدة لناحية الجبيرات مركز طهطا محافظة سوهاج باعتباره المرشح الوحيد مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 27 من فبراير سنة 1984 وفيها قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثانية) حيث تحدد لنظره أمامها جلسة أول إبريل سنة 1983، وبعد تداول الطعن على النحو الموضح بمحاضر الجلسات وسماع ما رأت المحكمة لزوم سماعه من إيضاحات ذوي الشأن قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم حيث صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - على ما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 6 من يونيه سنة 1978 أقام أبو الفضل خاطر خليفة الدعوى رقم 141 لسنة 35 القضائية أمام المحكمة الإدارية لرئاسة الجمهورية ضد وزير الداخلية طالباً الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار وزير الداخلية السلبي بعدم تعيينه عمدة لناحية الجبيرات بطهطا محافظة سوهاج وفي الموضوع بإلغاء القرار المذكور وإلزام المطعون ضده المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة - وقال شرحاً للدعوى أنه خلت وظيفة عمدية ناحية الجبيرات مركز طهطا محافظة سوهاج فتقدم هو وأبو حنيف حسن أحمد لشغل هذه الوظيفة وأسفرت عملية الانتخاب عن فوز أبو حنيف حسن أحمد، فقدم المدعي طعناً في عملية الانتخاب وأثناء نظر الطعن وقبل الفصل فيه توفى المرشح الفائز في الانتخاب مما حدا بوزارة الداخلية إلى استطلاع رأي إدارة الفتوى لوزارة الداخلية التي ارتأت حفظ الطعن المقدم من المدعي والنظر في تعيينه عمدة للناحية المذكورة على أساس أنه مرشح وحيد ولا مجال لإعادة فتح باب الترشيح من جديد لأن ذلك يتطلب أن تكون العمدية قد تم التعيين فيها ثم خلت لأي سبب من الأسباب، وأشار المدعي إلى أنه كان يتعين على وزارة الداخلية أن تستجيب لأعمال هذه الفتوى إلا أنها وقفت موقفاً سلبياً ولم تصدر القرار الذي كان القانون يحتم عليها إصداره. ونظراً لأنه تظلم من القرار السلبي في 8 من مايو سنة 1978 إلا أن الجهة الإدارية لم تحرك ساكناً الأمر الذي يشكل مخالفة للقانون وينزل به أضراراً مادية وأدبية يتعذر تداركها، ولهذا أقام دعواه للحكم بما سلف بيانه.
وبموجب عريضة معلنة إلى وزارة الداخلية في 19 من نوفمبر سنة 1978 أضاف المدعي طلباً جديداً هو الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار الصادر من وزير الداخلية في 31 من مايو سنة 1978 بفتح باب الترشيح للعمدية المذكورة وفي الموضوع بإلغاء هذا القرار.
وبجلسة 23 من سبتمبر سنة 1979 حكمت المحكمة:
أولاً: برفض الدفع المبدى من الحكومة بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى بعد تعديل المدعي طلباته وباختصاصها.
ثانياً: برفض الدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً لعدم سابقة التظلم وبقبولها.
ثالثاً: برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه الصادر بتاريخ 31 من يوليو سنة 1978 وإلزام المدعي مصروفات هذا الشق ومبلغ خمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة.
رابعاً: بإلغاء القرار المطعون فيه الصادر في 31 من يوليو سنة 1978 وتعيين المدعي عمدة لناحية الجبيرات مركز طهطا باعتباره المرشح الوحيد مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المدعى عليه مصروفات هذا الشق ومبلغ خمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة.
وبتاريخ 20 من نوفمبر سنة 1979 أودعت إدارة قضايا الحكومة نيابة عن وزير الداخلية قلم كتاب محكمة القضاء الإداري (الدائرة الاستئنافية) تقريراً بالطعن في الحكم سالف الذكر قيد بجدولها برقم 15 لسنة 12 ق. س طالبة الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وفي الموضوع بإلغائه والقضاء أصلياً: بعدم اختصاص المحكمة الإدارية لرئاسة الجمهورية محلياً بنظر الدعوى وإحالتها إلى المحكمة الإدارية لمدينة أسيوط واحتياطياً: برفض الدعوى مع إلزام المطعون ضده المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي.
وأثناء نظر الطعن وبموجب عريضة معلنة في 14 من فبراير سنة 1980 تدخل كل من أحمد ناصر عبد الرحمن وعمر مختار محمود عبد الرحمن تدخلاً انضمامياً إلى جانب وزارة الداخلية.
وبجلسة 5 من مارس سنة 1980 قرر الحاضر عن طالبي التدخل ترك الخصومة بالنسبة لتدخل أحمد ناصر عبد الرحمن والاستمرار فيها بالنسبة لتدخل عمر مختار محمود عبد الرحمن.
وبجلسة 9 من إبريل سنة 1980 حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع:
أولاً: بإثبات ترك الخصومة بالنسبة لطالب التدخل أحمد ناصر عبد الرحمن وإلزامه مصروفات التدخل.
ثانياً: بعدم قبول تدخل عمر مختار محمود عبد الرحمن لانتفاء شرط المصلحة وإلزامه مصروفات التدخل.
ثالثاً: بإلغاء الحكم المطعون فيه وإحالة الدعوى بحالتها إلى المحكمة الإدارية بمدينة أسيوط وأبقت الفصل في المصروفات.
ووردت الدعوى إلى المحكمة الإدارية بمدينة أسيوط حيث قيدت بجدولها برقم 229 لسنة 7 القضائية، وأثناء نظرها بجلسة 7 من فبراير سنة 1981 طلب الأستاذ مهاب كامل المحامي بصفته وكيلاً عن عمر مختار محمود عبد الرحمن بقبوله خصماً منضماً في الدعوى إلى جانب وزارة الداخلية.
وبجلسة 30 من يونيه سنة 1981 أصدرت المحكمة الإدارية بمدينة أسيوط حكمها ويقضي:
أولاً: بعدم قبول تدخل عمر مختار محمود عبد الرحمن لانتفاء شرط المصلحة وإلزامه مصروفات التدخل.
ثانياً: بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه الصادر في 31 من يوليو سنة 1978 وتعيين المدعي عمدة لناحية الجبيرات مركز طهطا باعتباره المرشح الوحيد مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المدعى عليه المصروفات ومبلغ خمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة.
وبتاريخ 29 من يوليو سنة 1978 أودعت إدارة قضايا الحكومة نيابة عن وزارة الداخلية قلم كتاب محكمة القضاء الإداري (الدائرة الاستئنافية) تقريراً بالطعن في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية بمدينة أسيوط سالف الذكر قيد برقم 883 لسنة 13 ق. س طالبة الحكم بقبول الطعن شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وفي الموضوع بإلغائه وبرفض دعوى المطعون ضده وإلزامه المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي.
كما أنه بتاريخ 20 من أغسطس سنة 1978 أودع الأستاذ سامي عازر جبران المحامي بصفته وكيلاً عن عمر مختار عبد الرحمن قلم كتاب محكمة القضاء الإداري (الدائرة الاستئنافية) تقريراً بالطعن في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية بمدينة أسيوط سالف الذكر قيد برقم 929 لسنة 13 ق. س طالباً الحكم بقبول الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه وبقبول تدخله تدخلاً انضمامياً بجانب الجهة الإدارية وبرفض الدعوى وإلزام رافعها المصروفات عن درجتي التقاضي.
وبجلسة 9 من ديسمبر سنة 1981 قررت المحكمة ضم الطعن رقم 929 لسنة 13 ق. س إلى الطعن رقم 883 لسنة 13 ق. س ليصدر فيهما حكم واحد.
وبجلسة 31 من مارس سنة 1982 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه بالطعن الماثل ويقضي:
أولاً: بعدم قبول تدخل عمر مختار محمود عبد الرحمن لانتفاء شرط المصلحة وإلزامه مصروفات التدخل.
ثانياً: بقبول الطعن رقم 833 لسنة 13 ق. س شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض دعوى المطعون ضده وإلزامه المصروفات عن درجتي التقاضي، وشيدت قضاءها بالنسبة للأمر الأول عن أنه ليس للمتدخل مصلحة شخصية مباشرة من وراء تدخله إذ أن اسمه لم يكن مدرجاً بكشف الناخبين، وقد قصر المشرع الطعن في هذا الكشف على من كان اسمه مقيداً به فحسب - كما أقامت قضاءها بالنسبة للأمر الثاني على أنه باستعراض نصوص القانون رقم 59 لسنة 1964 في شأن العمد والمشايخ يبين أن عملية اختيار وتعيين العمدة تبدأ أولاً بصدور قرار بخلو الوظيفة ثم فتح باب الترشيح لها وعرض القرار في الأماكن التي تحدد به، وثم تقديم طلبات الترشيح خلال مدة معينة بعدها يقفل باب الترشيح ويتحقق مدير الأمن من توافر شروط الترشيح في كل مرشح ثم تدرج أسماء المرشحين الذين توافرت فيهم تلك الشروط بكشف المرشحين - ويجوز الطعن في هذا الكشف ممن تقدم للترشيح سواء برفض قيد اسمه أو لحذف من قيد بدون وجه حق، وتفصل في هذه الطعون لجنة خاصة تكون قراراتها نهائية ويخطر بها ذوو الشأن وبعد ذلك يصبح كشف المرشحين نهائياً ثم تبدأ مرحلة ثانية هي اختيار العمدة ويتم ذلك في إحدى صورتين إما ألا يقبل للترشيح سوى مرشح واحد وعندئذ تحال الأوراق إلى لجنة العمد والمشايخ لتقرير تعيينه حيث تكون إرادة الناخبين قد اتضحت في ألا منافس لهذا المرشح، وإما أن يتقدم لشغل وظيفة العمدة أكثر من مرشح، وفي هذه الحالة يعبر جمهور الناخبين عن رأيهم بطريق إيجابي في اختيار أحد المرشحين، ففي كلتا الحالتين يكون رأي الناخبين محل اعتبار المشرع وأنه بإجراء الانتخاب لم يصبح هناك مرشحون إذ جعل الانتخاب من المرشحين الذين كانوا يشغلون مركزاً قانونياً واحداً فريقين الأول يضم الفائز في الانتخاب والثاني يضم كل من أخفق فيها، وأنه بإتمام عملية الانتخاب لم يعد ثمة مجال للقول بوجود مرشح واحد فمجال هذا الفرض يكون قبل إجراء الانتخاب فقط.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه أخطا في تطبيق القانون وتأويله ذلك أن تحديد مفهوم المرشح الوحيد الوارد في المادة 7 من القانون رقم 59 لسنة 1964 في شأن العمد والمشايخ قد أثار جدلاً إذ اعتنق رأي الأسانيد والحجج التي استند إليها الحكم المطعون فيه بينما ذهب رأي آخر إلى أنه يجب على الجهة الإدارية بمجرد وفاة المرشح الفائز في الانتخاب الامتناع عن السير في إجراءات تعيينه وإعادة الإجراءات من آخر إجراء صحيح وهو صيرورة كشف المرشحين نهائياً بعد استبعاد اسم المرشح المتوفى من الكشف وعلى ذلك فإنه بالنسبة للحالة المعروضة يصبح أبو الفضل خليفة (المدعي) هو المرشح الوحيد المقبول للترشيح لوظيفة العمدية الأمر الذي كان يتعين معه إحالة الأوراق إلى لجنة العمد والمشايخ لتقرير تعيينه بلا حاجة إلى اتباع إجراءات جديدة بالنسبة إليه إذ أن واقعة الوفاة يترتب عليها بحكم اللزوم انقضاء المركز القانوني للمتوفى أياً ما كان وصفه مرشحاً أم منتخباً واستكمال باقي الإجراءات بعد استبعاد اسمه، أما القول بأن إرادة جمهور الناخبين كانت محل اعتبار المشرع في كل من مرحلتي الترشيح والاختيار لوظيفة العمدة، وأنه في حالة وجود مرشح واحد فإن الإرادة الشعبية لجمهور الناخبين تكون قد أجمعت على ألا منافس لهذا المرشح فإنه مسايرة مع هذا المنطق فإن إرادة جمهور الناخبين أيضاً كانت محل اعتبار في حالة إقفال باب الترشيح على مرشحين اثنين ذلك أن إرادة جمهور الناخبين تكون قد ارتأت أنه لا يصلح لشغل منصب العمدية سوى واحد منهما وأن إجراء الانتخاب لا يكون القصد منه سوى ترجيح أحدهما على الآخر، فإذا استحال استكمال باقي إجراءات التعيين بالنسبة لأحدهما فإن الآخر يضحى مرشحاً وحيداً جائزاً لثقة جمهور الناخبين.
وقدم المدعي مذكرة بدفاعه لجلسة 21 من أكتوبر سنة 1984 أوضح فيها أن الحكم المطعون فيه لم يفصل في الطلب الأصلي له إذ كان قد قدم مذكرة بجلسة 10 من فبراير سنة 1982 أمام محكمة القضاء الإداري (الدائرة الاستئنافية) في الطعن رقم 883 لسنة 13 ق. س طلب فيها الحكم بصفة أصلية باعتبار الخصومة في الدعوى منتهية بعد إذ استجابت وزارة الداخلية إلى طلباته وأصدرت قراراً بتعيينه عمدة لمدة خمس سنوات، وبصفة احتياطية برفض الدعوى، وقد أغفلت المحكمة الطلب الأصلي وفصلت في موضوع الطلب الاحتياطي مما يجعل حكمها معيباً مخالفاً للقانون كما أشار المدعي بالنسبة إلى الطلب الاحتياطي إلى أن وفاة المرشح الفائز في الانتخاب قبل صدور قرار تعيينه من شأنه انقضاء المركز القانوني للمتوفى ويتعين استكمال الإجراءات من آخر إجراء تم صحيحاً وهو صيرورة كشف المرشحين نهائياً وباستبعاد اسم المرشح المتوفى يصبح المدعي هو المرشح الوحيد، وطلب المدعي في ختام مذكرته الحكم:
أولاً: برفض طلب التدخل المقدم من عمر مختار محمود عبد الرحمن.
ثانياً: بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبصفة أصلية باعتبار الخصومة منتهية في الدعوى وبصفة احتياطية بإلغاء القرار الصادر في 31 من يوليو سنة 1978 وتعيين المدعي عمدة لناحية الجبيرات واعتباره مرشحاً وحيداً مع ما يترتب على ذلك من آثار.
كما قدم عمر مختار محمود عبد الرحمن مذكرة لجلسة 16 من ديسمبر سنة 1984 أبان فيها أنه وإن كان يشترط لقبول التدخل أن يكون للمتدخل مصلحة شخصية يستهدف حمايتها حسبما يتطلب قانون المرافعات إلا أن هذا النظر لا يتفق مع مفهوم دعوى الإلغاء في فقه القضاء الإداري بحسبان أن رافعها يستند إلى قرار إداري من حالة قانونية أنشأت له مصلحة مادية أو أدبية في طلب إلغائه.... كما أنه وإن كان الحكم المطعون فيه قد أغفل الفصل في الطلب الأصلي للمدعي - حسبما يقرر - فإن تدارك ذلك يكون عن طريق الالتجاء إلى المحكمة التي أصدرت الحكم ثم أضاف أن ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه هو التفسير السليم لحكم القانون وطلب في ختام مذكرته الحكم:
أولاً: بقبول تدخله في الدعوى.
ثانياً: بعدم قبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بتأييد الحكم المطعون فيه فيما انتهى إليه.
ومن حيث إن المادة 23 من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة قررت أصلاً عاماً مؤداه أن الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري في الطعون المقامة أمامها في أحكام المحاكم الإدارية لا يجوز الطعن فيها أمام المحكمة الإدارية العليا، غير أن المشرع خرج على هذا الأصل وأجاز لرئيس هيئة مفوضي الدولة وحده دون غيره الطعن في تلك الأحكام خلال ستين يوماً من تاريخ صدور الحكم، ولكنه - في ذات الوقت - لم يجعل هذا الحق مطلقاً من كل قيد بل حصره عند تحقق إحدى حالتين دون سواهما أولاهما إذا صدر الحكم على خلاف ما جرى عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا وثانيهما إذا كان الفصل في الطعن يقتضي تقرير مبدأ قانوني لم يسبق لهذه المحكمة تقريره.
ومن حيث إنه تبعاً لذلك وإذ جاء بتقرير الطعن الماثل المقام من رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (بهيئة استئنافية) أن الفصل في المنازعة المطروحة يتطلب إرساء مبدأ قانوني من هذه المحكمة يسترشد به القضاء الإداري في شأن تحديد مفهوم المرشح الوحيد في ضوء أحكام قانون العمد والمشايخ رقم 59 لسنة 1964. وإزاء ذلك يقتصر الحال على النظر في تقرير هذا المبدأ دون التعرض لما أثير بعد إقامة الطعن أمام المحكمة من أمور طرحت سواء من جانب طالب التدخل عمر مختار محمود عبد الرحمن لقبوله خصماً منضماً إلى جانب الجهة الإدارية ورفض الطعن أو من جانب المدعي أبو الفضل خاطر خليفة للحكم له بصفة أصلية باعتبار الخصومة منتهية في الدعوى وبصفة احتياطية بإلغاء القرار الصادر في 31 من يوليو سنة 1978 وتعيين المدعي عمدة للناحية المذكورة مع ما يترتب على ذلك من آثار إذ تخرج هذه الأمور عن نطاق الطعن الماثل ومداه التزاما بالمادة 23 من القانون رقم 47 لسنة 1972 المشار إليه ولا يجوز الاحتماء بهذا الطعن لإثارتها من جانب المدعي أو طالب التدخل على حد سواء.... كما لا يجوز القول بأن الطعن المقام من رئيس هيئة مفوضي الدولة أمام هذه المحكمة يفتح المجال لها لبحث كل ما قد يثأر من منازعات يطرحها ذوو الشأن، ذلك أن المحكمة ما اتصلت بالمنازعة إلا بناء على هذا الطعن للنظر في تقرير مبدأ قانوني يحدد مفهوم المرشح الوحيد في ضوء أحكام قانون العمد والمشايخ رقم 59 لسنة 1964 ومن ثم أضحى لزاماً الالتزام بهذا الوجه من الطعن وهو ما يندرج تحت إحدى الحالتين اللتين حددتها المادة 23 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 عندما خولت رئيس هيئة المفوضين الحق في الطعن في أحكام محكمة القضاء الإداري بهيئة استئنافية، وبحسبان أن هذا الحق هو استثناء من أصل عام تقرر لمصلحة القانون وحده فلزم التقيد بحدوده ونطاقه دون ما توسع أو قياس.
ومن حيث إنه متى كان الأمر كذلك فإنه بالنسبة إلى تحديد مفهوم المرشح الوحيد في ضوء أحكام قانون العمد والمشايخ رقم 59 لسنة 1964 - وهو القانون الذي يحكم وقائع المنازعة - فإنه بين من استقراء نصوصه أن المشرع نظم المراحل التي تتم فيها عملية انتخاب العمدة. وحدد لكل مرحلة مجالها ورسم الإجراءات الخاصة بها والحد الذي تنتهي عنده، فبعد خلو وظيفة العمدة يصدر مدير الأمن قراراً بفتح باب الترشيح، ويعرض هذا القرار لمدة عشرة أيام في الأماكن التي يحددها، ولكل من تتوافر فيه شروط الترشيح أن يتقدم بطلب لترشيح نفسه خلال الأيام العشرة التالية لانتهاء مدة العرض، ثم يتحقق مدير الأمن من توافر الشروط في المرشحين خلال الأيام العشرة التالية لانتهاء مدة الترشيح وإخطار من لم تقبل أوراق ترشيحه (المادة 4 من القانون). ثم يعرض كشف المرشحين الذين قبلت أوراق ترشيحهم لمدة الأيام العشرة التالية لمدة البت في طلبات الترشيح، ويجوز الطعن في هذا الكشف لمن رفض طلب ترشيحه أو من كان اسمه مقيداً به ويطلب حذف اسم من قيد اسمه بغير وجه حق (المادة 5 من القانون) وتفصل في هذه الطلبات لجنة مشكلة وفقاً للمادة 6 من القانون وتكون قراراتها نهائيا ويخطر بها ذوو الشأن. وعند ذلك تنتهي المرحلة الأولى ويصبح كشف المرشحين نهائياً. ثم تبدأ مرحلة أخرى وهي اختيار العمدة فإذا لم يقبل للترشيح لوظيفة العمدة غير شخص واحد فتحال الأوراق على لجنة العمد والمشايخ لتقرير تعيينه بلا حاجة إلى اتباع إجراءات الانتخاب بالنسبة إليه (المادة 7/ 3 من القانون) أما إذا تضمن كشف المرشحين النهائي أكثر من مرشح فيصدر مدير الأمن قراراً بدعوة الناخبين المقيدة أسماؤهم بجداول انتخاب القرية لانتخاب العمدة من بين المرشحين المقبولين ويتم الانتخاب بالاقتراع السري (المادة 7/ 1 و2 من القانون)، وبعد أن يبدي الناخبون رأيهم في انتخاب العمدة أمام اللجان المشكلة لهذا الغرض وعلى الوجه المتطلب يتم فرز أصوات الناخبين وتحديد المرشح الحاصل على الأغلبية المطلقة (المواد 8 و9 و10 من القانون) ثم يعرض محضر لجنة الانتخاب على لجنة العمد والمشايخ لتقرير تعيين المرشح الفائز (المادة 10 فقرة أخيرة من القانون) ثم رفع قرار اللجنة إلى وزير الداخلية لاعتماده بعد التحقق من سلامة الإجراءات ومطابقتها للقانون أو أن يعيد الأوراق إلى اللجنة مشفوعة بملاحظاته لتصحيح الإجراء (المادة 12 من القانون).
ومن حيث إنه يتضح من هذه الإجراءات أن الأساس في تعيين العمدة هو الرجوع إلى مجموع الناخبين في القرية لإشراكهم في اختيار من يرعى أمورهم ويقوم على صون الأمن وإقرار النظام فيها، وهذا السبيل يتم سواء عند مرحلة الترشيح للعمدية واحتواء الكشف النهائي للمرشحين على مرشح واحد، أو عند مرحلة الانتخاب واحتواء الكشف على أكثر من مرشح، فعند المرحلة الأولى التي لم يقبل للترشيح فيها غير مرشح واحد، فإن مؤدى ذلك أنه ليس في جمهور الناخبين الصالحين للترشيح لوظيفة العمدة من يرغب في منافسة هذا المرشح مما يعني أن إرادة هؤلاء الناخبين قد تلاقت وأجمعت على اختيار هذا المرشح دون سواه ودون ما حاجة إلى الولوج إلى عملية الانتخاب التي تستلزم بطبيعة الحال وجود أكثر من مرشح، وفي هذا الصدد نصت الفقرة الأخيرة من المادة 7 من القانون رقم 59 لسنة 1964 المشار إليه على أنه "وفي جميع الأحوال إذا لم يقبل للترشيح لوظيفة العمدة غير شخص واحد فتحال الأوراق على لجنة العمد والمشايخ لتقرير تعيينه بلا حاجة إلى اتباع إجراءات الانتخاب بالنسبة إليه) - أما عند المرحلة الثانية فإن كشف المرشحين وقد احتوى أكثر من مرشح فلا مندوحة من الرجوع إلى جمهور الناخبين كي يبدوا رأيهم في اختيار من يرونه أصلح المرشحين لوظيفة العمدة، وعلى ذلك يكون رأي الناخبين هو الأساس والجوهر عند تعيين العمدة مما لا يجوز معه أن يفرض عليهم أو على غالبيتهم من لم يختارونه لما في ذلك من مجافاة للنظام الذي يقوم عليه أساساً اختيار العمدة وهو الرجوع إلى أهالي القرية ذاتها لاختيار ممثلهم.
ومن حيث إنه متى كان ذلك فإن كشف المرشحين النهائي يصبح هو العنصر الفاصل في تحديد مفهوم المرشح الوحيد فإذا لم يتضمن ذلك الكشف سوى اسم مرشح واحد فإنه يصبح كذلك وتحال الأوراق على لجنة العمد والمشايخ لتقرير تعيينه بلا حاجة إلى اتباع إجراءات الانتخاب بالنسبة إليه، إما إذا تضمن الكشف اسم أكثر من مرشح فلا مفر من إجراء الانتخاب لاختيار أحدهم، فإجراء الانتخاب إذن هو الحد الفاصل بين القول بوجود مرشح واحد أو أكثر بحيث إذا تمت عملية الانتخاب فليس بسائغ القول بعد ذلك بوجود مرشح واحد لان مجال ذلك يكون قبل إجراء عملية الانتخاب لا بعدها.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق في الحالة المعروضة أن كشف المرشحين لعمدية ناحية الجبيرات مركز طهطا كان قد تضمن اسمين هما المدعي (أبو الفضل خاطر خليفة) ومنافسه (أبو حنيف حسن أحمد) كمرشحين لهذه العمدية، وقد توفى الأخير بعد إجراء عملية الانتخاب وحصوله على الأغلبية المطلقة لعدد الأصوات الصحيحة التي أعطيت في الانتخاب وقبل أن تفصل لجنة العمد والمشايخ في الطعن المقدم من المدعي في عملية الانتخاب، فإنه ليس من شأن واقعة الوفاة بعد أن أجري الانتخاب فعلاً وعبر جمهور الناخبين عن إرادتهم في اختيار عمدتهم أن تغير الجهة الإدارية من مكنون كشف المرشحين النهائي وتحوله من كشف يضم اسمي مرشحين إلى كشف يضم اسم مرشح واحد إذ أن مفهوم المرشح الواحد في ضوء حكم المادة 7 من القانون رقم 59 لسنة 1964 سالف الذكر لا يكون إلا قبل بدء عملية الانتخاب وإبداء الناخبين رأيهم في انتخاب العمدة.
ومن حيث إنه تأسيساً على ذلك وإذ ذهب الحكم المطعون فيه هذا المذهب فإنه يكون قد صادف القانون في صحيحه مما يتعين معه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.