مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثلاثون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1984 إلى آخر فبراير سنة 1985 ) - صـ 559

(87)
جلسة 5 من فبراير سنة 1985

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد محمد عبد المجيد - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة عبد الرؤوف محمد محيي الدين وعبد اللطيف أحمد أبو الخير وعلي محمد حسن وفاروق علي عبد القادر - المستشارين.

الطعن رقم 1772 لسنة 29 القضائية

( أ ) عقد إداري - تنفيذه - الجزاءات التي توقعها الإدارة على المتعاقد المقصر - غرامة التأخير.
غرامة التأخير لا تعدو أن تكون تعويضاً اتفاقياً جزائياً عما أصاب المرفق العام من ضرر مرده إخلال المتعاقد بحسن سيره وهو ضرر مفترض يجيز للإدارة جبره بفرض الغرامة متى توافرت شروط استحقاقها - للإدارة أن تستنزل قيمة الغرامة من المبالغ التي قد تكون مستحقة للمتعاقد دون أن تلتزم بإثبات حصول الضرر - لا يقبل من المتعاقد إثبات عدم حصول الضرر - أساس ذلك: أن جهة الإدارة في تحديدها مواعيد معينة لتنفيذ العقد يفترض أنها قد قدرت أن حاجة المرفق تستوجب التنفيذ في هذه المواعيد دون أي تأخير حرصاً على حسن سير المرفق العام - تطبيق.
(ب) عقد إداري - تنفيذه - المبادئ العامة في تنفيذ العقود الإدارية - التأمين النهائي.
التأمين النهائي لا يخرج عن أن يكون ضماناً لجهة الإدارة لتوقي الأخطاء التي قد تصدر من المتعاقد معها كما يضمن ملاءة المتعاقد معها عند مواجهة المسئوليات التي قد يتعرض لها من جراء إخلاله بتنفيذ أحكام العقد الإداري - لا يمكن قيام هذا الضمان ما لم يكن للإدارة حق مصادرة التأمين أي اقتضاء قيمته بطريق التنفيذ المباشر - للإدارة المطالبة بالتعويضات المقابلة للأضرار الأخرى التي تكون لحقتها من جراء إخلال المتعاقد بتنفيذ شروط العقد - للإدارة الحق في توقيع غرامة التأخير كما أن لها الحق في مصادرة التأمين عند وقوع الإخلال دون حاجة لإثبات ركن الضرر - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأحد الموافق 24/ 4/ 1983 أودعت إدارة قضايا الحكومة نيابة عن وزير الدفاع - قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا - تقريراً بالطعن قيد بجدولها تحت رقم 1772 لسنة 29 ق عليا في الحكم الصادر بجلسة 27/ 2/ 1983 من محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 865 لسنة 36 ق المقامة من المطعون ضده ضد وزير الدفاع - والذي قضى بإلزام المدعى عليه بصفته بأن يدفع للمدعى بصفته بمبلغ 845 مليم و10708 جنيه - ورفض ما عدا ذلك من طلبات وإلزام كل من المدعي والمدعى عليه مناصفة بالمصروفات.
وطلب الطاعن للأسباب التي أوردها في صحيفة الطعن - الحكم بوقف تنفيذ شق الحكم المطعون فيه وقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء شق الحكم المطعون فيه والقضاء برفض دعوى المطعون ضده في خصوصه مع إلزامه المصروفات عن درجتي التقاضي.
وتم تحضير الطعن وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً برأيها في الطعن انتهت فيه إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه ليكون بإلزام الطاعن بصفته بأن يدفع إلى المطعون ضده بصفته مبلغ 10048.024 جنيه ورفض ما عدا ذلك من طلبات وإلزام كل من الطاعن والمطعون ضده المصروفات مناصفة.
وبعد اتخاذ الإجراءات القانونية نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه الدائرة التي قررت بجلسة 21/ 11/ 1984 بإحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) لنظره بجلسة 11 من ديسمبر سنة 1984 وفي هذه الجلسة سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن - وقررت النطق بالحكم بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن وقائع النزاع تخلص في أن إدارة المهمات بالقوات المسلحة تعاقدت مع مؤسسة التنمية الأسرية والسكانية (وحدة مصنع بدر للملابس الجاهزة) - على تصنيع مائة ألف بدلة كاكي بسعر البدلة الواحدة 345 مليماً، وكذا 280.000 طاقية درك كاكي بسعر 200 مليماً للواحدة. على أن تسلم الإدارة الخامات الأساسية للمؤسسة ثم يعاد بعد تصفيتها إلى مخازن الإدارة وتتسلم المؤسسة كمية من الناشر مقابل ما يتم توريده. وصدر أمر التوريد بالنسبة للبدل في 11/ 5/ 1978 على أن يتم تشغيل وتوريد الكمية كلها قبل 31/ 3/ 1979. كما صدر أمر توريد الطواقي في 2/ 7/ 1978 على أن يتم تصنيع وتوريد الكمية في موعد غايته 31/ 12/ 1978 وتسلمت المؤسسة العينات النموذجية وشرع في التنفيذ بعد دفع التأمين المطلوب ومقداره 30000 (ثلاثون ألف جنيه) وبعد أن تم اتخاذ 13000 بدلة تم نقلها إلى مخازن الإدارة فوجئت المؤسسة برفضها جميعاً لعدم مطابقتها للمواصفات - وتبين بعد ذلك أن الإدارة قامت - بتغيير المواصفات إلى مواصفات أكثر كلفة ولم تخطرها بذلك - واضطرت المؤسسة إزاء إصرار الإدارة إلى سحب البدل ونقلها وإدخال التعديلات المطلوبة عليها وإعادتها إلى مخازن الإدارة. وعندما سلمت المؤسسة أول دفعة من البدل وتسلمت ما يتابعها من أقمشة فوجئت بنقص عرض الأقمشة عما سبق تسلمه فضلاً عن تغيير لون القماش من كاكي إلى زيتي مما تكلف نفقات كثيرة نتجت عن الخامات التي تم شراؤها واستبدالها بخامات تتفق مع اللون الجديد. هذا بالإضافة إلى أن لجنة الفحص تأخرت في فحص الكميات التي يتم توريدها مما نتج عنه تراخي تسليم مصنع المؤسسة الأقمشة المعدة للتشغيل الأمر الذي أسهم في ارتباك العمل - ورغم كل هذه العقبات سارع مصنع المؤسسة بزيادة التأمين المدفوع من 30 ألف جنيه إلى 65 ألف جنيه سعياً منه نحو استلام كميات إضافية من الأقمشة - وقد سجل المصنع على الإدارة كل هذه النفقات بموجب مكاتبات متعاقبة - ورغم ذلك فوجئت المؤسسة بالإدارة تصر على أن تتم المحاسبة عن أية كمية يتم توريدها وبها نقص بسبب عدم مطابقتها للمواصفات على أساس 155 مليماً للبدلة، 174 مليماً للطاقية باعتبار أن ذلك يمثل القيمة السوقية لثمن تشغيل البدلة والطاقية غير المطابقة للمواصفات. الأمر الذي دعا المؤسسة إلى التظلم من طريقة المحاسبة هذه - وانتهى الأمر بعرض التظلم على إدارة الفتوى والتشريع المختصة بمجلس الدولة التي انتهت إلى أن احتساب قيمة 155 مليماً لتشغيل البدلة - يخالف التفسير السليم لنص المادة 137 من لائحة المناقصات ولا يتفق مع القيمة السوقية الحقيقية للأصناف غير المطابقة للمواصفات التي تعتمد على قانون العرض والطلب ولإصرار الإدارة على وجهة نظرها في هذا الشأن وامتناعها عن صرف مستحقات المؤسسة مما أدى إلى نقص السيولة المالية لديها وعدم قيامها بالتوريد في المواعيد المقررة.
وأخيراً قامت الإدارة بفسخ العقد وحبست لديها مبلغ 30 ألف جنيه بحجة أن المؤسسة مدينة للإدارة بمبلغ 292 مليم و1602 جنيه - كل ذلك دعا المؤسسة إلى الالتجاء إلى محكمة القضاء الإداري (دائرة العقود والتعويضات) بالدعوى رقم 865 لسنة 36 ق طالبة إلزام الإدارة بصرف ما خصم من مستحقاتها دون وجه حق والبالغ مجموعها 235 مليم و12159 جنيه - فضلاً عن مبلغ 16205 جنيه قيمة ما تقدره المؤسسة كتعويض جبراً للأضرار التي لحقت بها.
وبجلسة 27/ 2/ 1983 قضت المحكمة المذكورة بإلزام المدعى عليه الأول (وزير الدفاع) بأن يدفع للمدعي بصفته (المؤسسة) - مبلغ 10708.845 ج ورفض ما عدا ذلك من طلبات وإلزام كل من المدعي والمدعى عليه بالمصروفات مناصفة - وأسست المحكمة قضاءها على أن فسخ العقد قد تم صحيحاً، وفقاً لنص المادة 16 من شروط التشغيل التي تعطي للإدارة هذا الحق في حالة إخلال المصنع بأي من شروط التشغيل ومن بينها مدة التوريد. والحال أن المصنع قد عجز عن توريد ما يقرب من نصف الكمية المتعاقد على تشغيلها من البدل في مدة بلغت ضعف المدة المتعاقد عليها إذ أن مدة توريد البدل كانت تنتهي في 31/ 3/ 1979 ومدة توريد الطاقية تنتهي في 31/ 12/ 1978 - وقد تم منح المدعي مهلة إضافية قدرها سبعة أشهر ومن ثم فإنه يكون قد أخل بالتزامه ولم يقم بإنجاز الأعمال المسندة إليه في مواعيدها الأمر الذي استوجب فسخ العقد وإلزام المؤسسة بغرامة الفسخ ومقدارها 292 مليم و1602 جنيه - أما عن غرامة التأخير التي فرضتها الإدارة ومقدارها 821 مليم و660 جنيه فقد انتهت المحكمة إلى أنه لا يجوز الجمع بينها وبين غرامة فسخ العقد ومن ثم ذهبت إلى عدم جواز فرضها - أما النزاع حول السعر الذي تم على أساسه حساب الأصناف غير المطابقة للمواصفات - فقد ذهبت المحكمة إلى أنه وقد قررت الجهة الإدارية قبول هذه الأصناف بالرغم من عيوبها وبالرغم من اعتراض المدعي على السعر الذي حددته بواقع 155 مليماً عن البدلة الواحدة قياساً على بعض العروض التي كانت قائمة مع الإدارة في هذا الوقت فإنه لا مناص من تطبيق حكم المادة 137 من لائحة المناقصات والمزايدات التي تقضي بأنه يجوز لرئيس المصلحة أو السلاح - بموافقة لجنة البت في العطاءات قبول الأصناف غير المطابقة إذا كانت نسبة النقص أو المخالفة لا تزيد عن 10% عما هو مطلوب بالمواصفات المتعاقد على أساسها - بشرط أن يكون السعر بعد الخفض مناسباً لمثيله في السوق.
وقد حددت هذه المادة نسبة الخصم في تلك الأصناف على الوجه الآتي:
( أ ) الأصناف التي تكون نسبة النقص فيها 3% يكون قبولها بخصم النسبة ذاتها التي قدرتها اللجنة الفنية المختصة.
(ب) الأصناف التي تكون نسبة النقص فيها أكثر من 3% لغاية 10% يكون قبولها بخصم النسبة المقررة ذاتها مضافاً إليها غرامة مقدارها 50% من هذه النسبة ما لم تكن نسبة الخفض تجعل قيمتها السوقية أقل من ذلك فتخفض إلى ما يقل عن القيمة السوقية بمقدار 10%.
وانتهت المحكمة إلى أنه لما كان الثابت من الأوراق أن المدعي قد ورد عدداً من البدل بنقص يقل عن 3% خلال المدة الأصلية للتعاقد ومنها ما ثبت أن نسبة العيب 2%، وبعضها 1% - فإنه بإعمال حكم المادة 137 المشار إليها على تلك الصفقات يبين أن المبلغ الذي كان يجب دفعه بعد إجراء الخصم ثمناً لهذه الدفعات هو مبلغ 742 مليم و5786 جنيه وذلك على الوجه الوارد تفصيلاً بأوراق الدعوى في حين أنه لم يصرف سوى مبلغ 820 مليم و2516 جنيه للمدعي وبذلك يكون الفرق المستحق للمدعي هو مبلغ 932 مليم و3269 جنيه كما ورد المدعي دفعات بعد انتهاء المدة الأصلية بعيوب تقل عن 3% تبلغ قيمتها وفقاً لحكم المادة 137 المشار إليها 600 مليم و786 جنيه على حين لم يصرف له سوى مبلغ 810 مليم و327 جنيه ومن ثم يكون الفرق المستحق له مبلغ 790 مليم و458 جنيه - وما تم توريده بنقص يتراوح بين 3%، 10% خلال المدة الأصلية للتعاقد تبلغ قيمتها وفقاً لحكم المادة 137 - 623 مليم و3065 جنيه على حين لم يصرف له إلا مبلغ 392 مليم و1345 جنيه - فيكون المستحق له مبلغ 321 مليم و1720 جنيه - وما تم توريده بنقص يتراوح بين 3%، 10% بعد انتهاء مدة التعاقد تبلغ قيمته وفقاً لحكم المادة 137 المشار إليها 213 مليم و4234 جنيه على حين لم يصرف له إلا مبلغ 057 مليم و1790 جنيه من ثم يكون الفرق المستحق له مبلغ 156 مليم و2442 جنيه وبذلك تكون جملة المبالغ المستحقة للمدعي عن البدل هي 932 مليم و3269 جنيه + 790 مليم و458 + 231 مليم و1720 جنيه + 156 مليم و2442 جنيه = 109 مليم و7891 جنيه وبالنسبة للطواقي فقد تبين من أوراق الدعوى أن ما تم توريده من المدعي وتسري عليه حكم المادة 137 المشار إليها تبلغ 850 مليم و10756 جنيه على حين لم يصرف له سوى 935 مليم و9199 جنيه فيكون الفرق المستحق له 915 مليم و1556 جنيه - ومن ثم تكون جملة المبالغ المستحقة للمدعي عن البدل والطواقي التي تم توريدها وطبقت في شأنها المادة 137 المشار إليها هي 109 مليم و7891 جنيه + 915 مليم و1556 جنيه = 024 مليم و 9448 جنيه.
وهذا المبلغ هو ما قرر الدفاع عن المدعي قبوله - أما بالنسبة لما يطالب به المدعي كتعويض عن الأضرار الناشئة عن تغيير المواصفات عن النموذج المتفق عليه - وقيامه بتصنيع 13 ألف بدلة أعيدت إليه لإعادة تصنيفها طبقاً لمواصفات جديدة وتغيير الألوان - فقد ترتب على ذلك نقل البدل للمخازن وإعادة نقلها للمصنع وتغيير لون الزراير والخيوط والخامات بعد تغيير اللون من كاكي إلى زيتي وهو ما تقدره المحكمة بواقع 20 مليماً عن كل بدلة بحيث تكون جملة المبالغ المطالب بها 2600 جنيه - إلا أنه لما كانت عناصر التعويض المطالب بها في هذه الخصومة وفقاً لعريضة الدعوى تتمثل في نقل الأصناف التي كان قد تم تصنيعها من مخازن الجهة الإدارية إلى مصانع المدعي في مديرية التحرير ثم إعادة نقلها بعد تغيير خامات الألوان واستبدالها باللون الزيتي حيث ثابت من عريضة الدعوى أن مصانع المدعي أعادت الخامات الأولى واستبدلت بها خامات جديدة - ومن ثم ينحصر التعويض في نفقات النقل الأمر الذي قدرت له المحكمة 600 جنيه فقط.
أما بالنسبة لما يطالب به المدعي من تعويض عن الفوائد المصرفية عن المبالغ التي اضطر التي افتراضها بسبب حبس جهة الإدارة لبعض مستحقاته فقد ذهبت المحكمة إلى أن ذلك كان له ما يبرره بسبب تأخر المدعي في إنهاء الأعمال المسندة إليه ومن ثم فلا يستحق تعويضاً عن ذلك. كما رفضت المحكمة أحقيته في التعويض عما فاته من كسب بسبب إلغاء التعاقد إذ أن هذا الإلغاء تم إعمالاً لشروط التعاقد بسبب تراخيه في إنجاز الأعمال المسندة إليه في المواعيد المتفق عليها وأخيراً فإن المحكمة رفضت الجمع بين غرامة فسخ العقد وغرامة التأخير على سند أنه إذا كانت غرامة الفسخ قد قامت على سبب صحيح هو إخلال المدعي بالتزامه في إنجاز العمل في مدة التوريد - إلا أن ذلك لا يستوجب توقيع غرامة التأخير ومقدارها 820 مليم و660 جنيه عن المهلة التي منحت له.
ومن حيث إن ذلك الحكم لم يلق قبولاً لدى جهة الإدارة عند تقدمها بالطعن الماثل استناداً إلى أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله لأسباب:
أولها: أنه جاء خالياً من العناصر التي احتسبت على أساسها الفروق المستحقة للمؤسسة المطعون ضدها إذ جوهر المنازعة يتعلق بتحديد سعر السوق للأصناف المخالفة للمواصفات - وهو السعر الذي يجرى على أساسه الخصم الذي بينته المادة 137 من لائحة المناقصات والمزايدات إذ أن سعر السوق لن يكون بالقطع السعر المتفق عليه للطاقية أو البدلة المطابقة للمواصفات والعينة النموذجية - وهو مبلغ 200 مليماً للطاقية، 345 مليماً للبدلة بل أنه أقل من ذلك لما في الأصناف الموردة من نقص وعيوب - ولما كان قد اعتبر السعر المتفق عليه هو سعر السوق فإنه يكون قد أخطأ وكان يتعين عليه أن يتحرى سعر السوق للأصناف غير المطابقة فيقيم عليه قضاءه.
الثاني: أن الحكم قد أخطأ إذ قضى بتعويض المؤسسة بمبلغ 600 جنيه مقابل نفقات نقل بعض الأصناف لإعادة تصنيعها بما يتلاءم مع لون القماش الجديد - إذ كان على المؤسسة أن تستخدم الخيوط والزراير والخامات المناسبة بغير تغيير اللون من كاكي إلى زيتي.
كما أنه لم يلتزم مقتضى القانون حين قضى بحق المؤسسة في استرداد غرامة التأخير الموقعة ضدها طالما أنها قصرت في أداء التزامها في المدة المتفق عليها ومن ثم استحقت عليها هذه الغرامة - وهي مشتملة على غرامة الفسخ المتمثلة في مصادرة التأمين عن الكمية التي قصرت المؤسسة في توريدها وليس هناك اتفاق أو نص قانوني يحول دون الجمع بين الغرامتين.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم جمعيه أن النزاع بين الطرفين يدور حول عدة أمور:
الأول: كيفية حساب قيمة البدل المخالفة للمواصفات إعمالاً لحكم المادة 137 من لائحة المناقصات والمزايدات الصادر بها قرار وزير المالية رقم 542 لسنة 1957. وهي اللائحة التي تم التعاقد في ظل العمل بها.
الثاني: مدى استحقاق المؤسسة لقيمة التعويض المقدر جبراً لنفقات نقل بعض الأصناف لإعادة تصنيعها بما يتلاءم مع القماش الجديد الذي فرضته الإدارة عليها.
الثالث: مدى جواز الجمع بين غرامة الفسخ وغرامة التأخير.
ومن حيث إنه عن الأمر الأول والثاني فإن الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فيما انتهى إليه بشأنهما للأسباب التي استند إليها والتي تأخذ بها المحكمة أسباباً لحكمها ولا ينال من ذلك بالنسبة للأمر الأول ما آثاره الطعن من أن الحكم المطعون فيه قد اعتبر السعر المتفق عليه هو سعر السوق - ذلك أن حقيقة الحال أن الحكم إنما اتخذ السعر المتفق عليه أساساً لإجراء الخصم إعمالاً لحكم المادة 137 من لائحة المناقصات والمزايدات وليس سعر السوق وهو ما يتفق وأحكام هذه المادة. أما عن الأمر الثالث فإنه من المسلمات في فقه القانون الإداري أن غرامة التأخير لا تعدو أن تكون تعويضاً اتفاقياً جزائياً عما أصاب المرفق العام من ضرر مرده إخلال المتعاقد بحسن سيره وهو ضرر مفترض يجيز للإدارة جبره بفرض الغرامة إذا توافرت شروط استحقاقها بحصول الإخلال من جانب المتعاقد معها فلها أن تستنزل قيمتها من المبالغ التي عساها تكون مستحقة له بموجب العقد دون أن تلتزم الإدارة بإثبات حصول الضرر كما لا يقبل ابتداء من المتعاقد إثبات عدم حصوله - على اعتبار أن جهة الإدارة في تحديدها مواعيد معينة لتنفيذ العقد يفترض فيها أنها قدرت أن حاجة المرفق تستوجب التنفيذ في هذه المواعيد دون أي تأخير فهي ضمان لتنفيذ العقد في المواعيد المتفق عليها حرصاً على حسن سير المرافق العامة بانتظام وإطراد.
أما التأمين النهائي فلا يخرج هو الآخر عن أن يكون ضماناً لجهة الإدارة - يقيها الأخطاء التي قد تصدر من المتعاقد معها حين يباشر تنفيذ العقد الإداري - كما يضمن ملاءة المتعاقد معها عند مواجهة المسئوليات التي قد يتعرض لها من جراء إخلاله بتنفيذ أحكام العقد الإداري - وعلى ذلك فلا يمكن تصور قيام هذا الضمان ما لم يكن للإدارة حق مصادرة التأمين أي اقتضاء قيمته بطريق التنفيذ المباشر ودون حاجة إلى الالتجاء إلى القضاء في حالة عدم التنفيذ سواء نص أو لم ينص في الشروط على هذا الحق - وإلا لما كان هناك محل أصلاً لاشتراط إيداع التأمين مع العطاء وإذا كان التأمين ضماناً لجهة الإدارة شرع لمصلحتها ولحمايتها فلا يتصور أن يكون التأمين قيداً عليها أو ضاراً بحقوقها أو معوقاً لجبرها ومانعاً لها من المطالبة بالتعويضات المقابلة للأضرار الأخرى التي تكون لحقتها من جراء إخلال المتعاقد بتنفيذ شروط العقد الإداري كغرامة التأخير - فمن المسلم به أن لجهة الإدارة الحق في توقيع غرامة التأخير على المتعهد الذي يتأخر في تنفيذ التزاماته في المواعيد ومن المسلم أيضاً أن لها الحق في مصادرة التأمين عند وقوع الإخلال وذلك دون حاجة لإثبات ركن الضرر.
ومن حيث إنه إذا كان الثابت من الأوراق أن مصنع المطعون ضده قد أخل بالتزامه في توريد الكميات المتعاقد على تشغيلها في المواعيد المحددة لتمام التوريد والتي تنتهي في 31/ 12/ 1978 بالنسبة للطاقية، 31/ 3/ 1979 بالنسبة للبدل، وأنه بناء على طلب المطعون ضده وافقت جهة الإدارة على منحه مهلة إضافية لتنفيذ التزاماته في التوريد مع توقيع غرامة التأخير وقد بلغت هذه المهلة سبعة أشهر - ورغم ذلك لم يقم بتوريد سوى ما يقرب من نصف الكمية المتعاقد عليها مما حدا بجهة الإدارة إلى فسخ العقد ومصادرة التأمين بما يوازي 10% من قيمتها - فإنه إزاء ذلك وتطبيقاً لما تقدم يكون لجهة الإدارة الحق في الجمع بين مصادرة التأمين وغرامة التأخير - حيث إن لكل سببه المستقل عن الآخر - وبالتالي يكون الحكم المطعون فيه إذ لم يأخذ بهذا النظر قد جانبه الصواب في ذلك الأمر الذي يتعين معه الحكم بتعديله ليكون بإضافة غرامة التأخير وقدرها 821 مليم و660 جنيهاً بدلاً من خصمها وبذلك يكون جملة المستحق للمطعون ضده مبلغ 24 مليم و10048 جنيه ورفض ما عدا ذلك من طلبات وإلزام كل من جهة الإدارة والمطعون ضده المصروفات مناصفة بينهما عن الدرجتين.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه وبإلزام الطاعن بصفته بأن يؤدي للمطعون ضده بصفته مبلغ 024 مليم و10048 جنيه (عشرة آلاف وثمانية وأربعون جنيهاً وأربعة وعشرون مليماً) ورفض ما عدا ذلك من طلبات وإلزام كل من الطاعن والمطعون ضده المصروفات مناصفة.