أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 51 - صـ 549

جلسة 19 من سبتمبر سنة 2000

برئاسة السيد المستشار/ صلاح عطية نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ رضوان عبد العليم ومحمد شعبان باشا وطه سيد قاسم نواب رئيس المحكمة ومحمد سامي إبراهيم.

(108)
الطعن رقم 3199 لسنة 68 القضائية

(1) نقض "التقرير بالطعن وإيداع الأسباب".
التقرير بالطعن بالنقض في الميعاد دون إيداع الأسباب. أثره: عدم قبول الطعن شكلاً.
(2) خطف جريمة "أركانها". قصد جنائي.
القصد الجنائي في جريمة خطف الأطفال. تحققه: بتعمد الجاني انتزاع المخطوف من أيدي ذويه اللذين لهم حق رعايته وقطع صلته بهم. مهما كان غرضه من ذلك.
(3) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
الدفع بنفي الاتهام أو تلفيقه. موضوعي. لا يستوجب رداً صريحاً. استفادة الرد من القضاء بالإدانة لأدلة الثبوت التي أوردها الحكم.
(4) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
وزن أقوال الشهود وتقديرها. موضوعي.
تناقض الشاهد في بعض التفاصيل. لا يعيب الحكم. ما دام استخلص الإدانة من أقواله بما لا تناقض فيه.
لمحكمة الموضوع الأخذ بأقوال الشاهد في أية مرحلة من مراحل الدعوى. ولو تخالفت. ما دامت أسست الإدانة في حكمها بما لا تناقض فيه.
الجدل الموضوعي في تقدير الأدلة. غير جائز أمام النقض.
(5) خطف. جريمة "أركانها". إثبات "بوجه عام".
جريمة الخطف. لم يجعل القانون لإثباتها طريقاً خاصاً.
تساند الأدلة في المواد الجنائية. مؤداه؟
(6) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً ومباشراً على الواقعة المراد إثباتها. كفاية أن يكون استخلاصها باستنتاج سائغ تجريه المحكمة.
(7) إثبات "بوجه عام".
للقاضي تكوين عقيدته من أي دليل أو قرينة يرتاح إليها. ما لم يقيده القانون بدليل معين.
(8) إثبات "بوجه عام". إجراءات "إجراءات التحقيق". استعراف. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم رسم القانون صورة خاصة للتعرف على المتهم.
لمحكمة الموضوع الأخذ بتعرف الشاهد على المتهم ولو لم يجر عرضه في جمع من أشباهه. متى اطمأنت إليه. علة ذلك؟
عدم التزام المحكمة بالرد على كل شبهة يثيرها المتهم في دفاعه الموضوعي. استفادة الرد عليها من القضاء بالإدانة استناداً لأدلة الثبوت.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. استقلال محكمة الموضوع بالفصل فيه بغير معقب.
(9) فاعل أصلي. اشتراك. إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
مساواة القانون بين الفاعل والشريك في جريمة الخطف. اعتبار مرتكبها فاعلاً أصلياً. سواء ارتكبها بنفسه أو بواسطة غيره.
نعى الطاعن على الحكم قصوره في استظهار اتفاقه مع المتهمين الآخرين على ارتكاب جريمة الخطف. جدل موضوعي. غير جائز أمام النقض.
(10) أسباب الإباحة وموانع العقاب "الإعفاء من العقاب". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم التزام محكمة الموضوع بتقصي أسباب إعفاء المتهم من العقاب إلا إذا دفع بذلك أمامها. أثر ذلك؟
1 - لما كان الطاعن الثاني وإن قرر بالطعن بالنقض في الميعاد إلا أنه لم يقدم أسباباً لطعنه فيكون الطعن المقدم منه غير مقبول شكلاً لما هو مقرر من أن التقرير بالطعن هو مناط اتصال المحكمة به وأن تقديم الأسباب التي بني عليها في الميعاد الذي حدده القانون هو شرط لقبوله وأن التقرير بالطعن وتقديم أسبابه يكونان معاً وحدة إجرائية لا يقوم أحدهما مقام الآخر ولا يغني عنه.
2 - لما كان القصد الجنائي في جريمة خطف الأطفال إنما يتحقق بتعمد الجاني انتزاع المخطوف من أيدي ذويه اللذين لهم حق رعايته، وقطع صلته بهم مهما كان غرضه من ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أورد الواقعة في بيان تتحقق فيه الأركان والعناصر القانونية لجريمة الخطف التي دان الطاعنين بها وبين نية الطاعنين في اختطاف المجني عليه وإبعاده عن ذويه مما يتوافر به القصد الجنائي وتتحقق به الجريمة التي دين بها الطاعنان ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن الأول في هذا الوجه يكون على غير أساس.
3 - الدفع بنفي الاتهام أو تلفيقه من الدفوع الموضوعية التي لا تستوجب في الأصل رداً صريحاً من الحكم ما دام الرد مستفاداً ضمناً من القضاء بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردها.
4 - وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه دون رقابة لمحكمة النقض عليها، وكان تناقض الشاهد في بعض التفاصيل - بفرض صحة وجوده - لا يعيب الحكم ما دام قد استخلص الإدانة من أقواله استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه ولم يورد تلك التفصيلات أو يركن إليها في تكوين عقيدته، وإذ كان ذلك، وكان ما حصله الحكم من أقوال المجني عليه قد خلا من شبهة أي تناقض، وكان لمحكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال الشاهد في أية مرحلة من مراحل الدعوى ولو تخالفت ما دامت قد أسست الإدانة في حكمها بما لا تناقض فيه، ومن ثم فإن كل ما يثيره الطاعن الأول في هذا الشأن ينحل إلى جدل موضوعي حول حق محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى بما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
5 - القانون الجنائي لم يجعل لإثبات جرائم الخطف طريقاً خاصاً, وكان لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة، فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.
6 - لا يلزم لصحة الحكم أن يكون الدليل الذي تستند إليه المحكمة صريحاً ومباشراً في الدلالة على ما تستخلصه منه، بل لها أن تركن في تكوين عقيدتها عن الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى واستظهار الحقائق القانونية المتصلة بها إلى ما تستخلصه من جماع العناصر المطروحة بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام استخلاصها سليماً لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي - وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره.
7 - الأصل في المحاكمات الجنائية هو اقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه، فله أن يكون عقيدته من أي دليل أو قرينة يرتاح إليها إلا إذا قيده القانون بدليل معين.
8 - القانون لم يرسم للتعرف صورة خاصة يبطل إذا لم يتم عليها، وكان من حق محكمة الموضوع أن تأخذ بتعرف الشاهد على المتهم ولو لم يجر عرضه في جمع من أشباهه ما دامت قد اطمأنت إليه، إذ العبرة هي باطمئنان المحكمة إلى صدق الشاهد نفسه، فلا على المحكمة إن هي عولت ضمن أدلة الدعوى على الدليل المستمد من تعرف المجني عليه على الطاعن الأول ما دام تقدير قوة الدليل من سلطة محكمة الموضوع وحدها ولا على المحكمة إن هي التفتت عما أثاره الدفاع من تشكيك في عملية العرض التي أجرتها النيابة العامة إذ المقصود به هو إثارة الشبهة في الدليل المستمد منها والذي اطمأنت إليه ووثقت فيه محكمة الموضوع وتساندت إليه بجانب الأدلة الأخرى القائمة في الدعوى، وذلك لما هو مقرر من أن محكمة الموضوع لا تلتزم بحسب الأصل بالرد على كل شبهة يثيرها المتهم في دفاعه الموضوعي إنما يستفاد الرد عليها دلالة من قضاء المحكمة بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت وتضحي عودة الطاعن الأول إلى ما يثيره في هذا الخصوص من قبيل الجدل الموضوعي في تقدير الدليل مما تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيه بغير معقب عليها.
9 - القانون يسوي بين الفاعل والشريك في جريمة الخطف ويعتبر مرتكبها فاعلاً أصلياً سواء ارتكبها بنفسه أو بواسطة غيره، فإنه لا جدوى ولا وجه لما يثيره الطاعن الثالث نعياً على الحكم بقالة القصور في استظهار اتفاقه مع باقي المتهمين على ارتكاب الجريمة ولا يخرج منعاه في هذا الصدد عن كونه جدلاً موضوعياً وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
10 - المحكمة لا تلتزم بتقصي أسباب إعفاء المتهم من العقاب في حكمها إلا إذا دفع بذلك أمامها، فإذا هو لم يتمسك أمامها بسبب الإعفاء فلا يكون له أن ينعى على حكمها إغفاله التحدث عنه، وإذ كان الثابت أن الطاعن الثالث لم يتمسك أمام المحكمة بحقه في الإعفاء عملاً بالمادة 48 من قانون العقوبات فليس له أن ينعى على حكمها إغفال التحدث عنه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخرين سبق الحكم عليهم بأنهم خطفوا الطفل....... والذي لم يبلغ من العمر ست عشرة سنة كاملة وكان ذلك بطريق الإكراه الواقع على المجني عليه بأن قاموا بإجباره على استقلال السيارة رقم...... إلى قرية. وأحالتهم إلى محكمة جنايات....... لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة 288 من قانون العقوبات بمعاقبتهم بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات لما أُسند إليهم.
فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض...... إلخ.


المحكمة

من حيث إن الطاعن الثاني...... وإن قرر بالطعن بالنقض في الميعاد إلا أنه لم يقدم أسباباً لطعنه فيكون الطعن المقدم منه غير مقبول شكلاً لما هو مقرر من أن التقرير بالطعن هو مناط اتصال المحكمة به وأن تقديم الأسباب التي بني عليها في الميعاد الذي حدده القانون هو شرط لقبوله وأن التقرير بالطعن وتقديم أسبابه يكونان معاً وحدة إجرائية لا يقوم أحدهما مقام الآخر ولا يغني عنه.
وحيث إن مبنى الطعن المقدم من الطاعن الأول...... هو أن الحكم المطعون فيه إذ دانه بجريمة خطف طفل لم يبلغ سنه ست عشرة سنة كاملة بطريق الإكراه قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال وانطوى على الإخلال بحق الدفاع. ذلك بأنه أغفل دفاعه القائم على انتفاء القصد الجنائي لديه فضلاً عن أن المتهمين جميعاً أنكروا الواقعة برمتها فإن التهمة ملفقة لوجود خلافات سابقة بين المتهم الأول (سبق الحكم عليه) ووالد المجني عليه بسبب ارتكاب الأخير لسرقة الأول. كما قضى الحكم بإدانته رغم خلو الدعوى من شاهد رؤية، وعول في قضائه على أقوال المجني عليه بالرغم من تناقض ما قرره بمحضر الضبط مع ما قرره بتحقيقات النيابة بشأن لون السيارة. هذا إلى أن المحكمة التفتت عما أثاره الطاعن بشأن ما شاب عملية العرض التي أجرتها النيابة العامة. مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن مبنى الطعن المقدم من الطاعن الثالث....... هو أن الحكم المطعون فيه إذ دانه بالجريمة آنفة الذكر قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون. ذلك بأن الحكم لم يدلل على قيام اتفاق بين الطاعن والمتهمين الآخرين على ارتكاب الحادث، بل الثابت من الأوراق أنه لا تربطه بهم أية صلة ولم يكن هناك ثمة اتفاق بينه وبينهم على مقارفة الجريمة. ولم تتفطن المحكمة إلى أحقيته في الإعفاء من العقاب عملاً بالمادة 48 من قانون العقوبات إذ اعتبرته النيابة العامة - أثناء استجوابه - شاهد إثبات وارتكنت إليه في توجيه الاتهام إلى باقي المتهمين وأخلت سبيله دونهم. مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى في قوله إن...... من قرية....... كان قد ظن أن والد المجني عليه...... بمكنته أن يرشد عن سارق نقوده بسوق...... يوم 1/ 8/ 1996 ولما لم يفعل اتفق ابنه..... والسابق الحكم عليه والمتهمون.....، ....... و........ على خطف صغيره....... ذي الأحد عشر ربيعاً رهينة حتى يرشد عن السارق أو يحضر النقود المسروقة ونفاداً لهذا الاتفاق قد استقلوا سيارتين قيادة المتهمين الأخيرين وتوجهوا إلى قرية...... محل إقامة المستهدف حيث التقوا بالصغير المذكور الذي اصطحبه المتهم....... وكمم فاه وعادوا إلى قرية........ بإحدى السيارتين في حراسة الثانية وشاء القدر أن يغفلوا عن تولي حراسة الرهينة في أحد المنازل ليتمكن الصغير من الهرب والعودة إلى ذويه. وأورد الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة أدلة مستمدة من أقوال الرائد......, وما قرره المتهم........ فضلاً عما قرره المجني عليه، وهي أدلة كافية وسائغة لا يجادل الطاعنان في أن لها أصلها الصحيح الثابت بالأوراق. لما كان ذلك، وكان القصد الجنائي في جريمة خطف الأطفال إنما يتحقق بتعمد الجاني انتزاع المخطوف من أيدي ذويه الذين لهم حق رعايته، وقطع صلته بهم مهما كان غرضه من ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أورد الواقعة في بيان تتحقق فيه الأركان والعناصر القانونية لجريمة الخطف التي دان الطاعنين بها وبين نية الطاعنين في اختطاف المجني عليه وإبعاده عن ذويه مما يتوافر به القصد الجنائي وتتحقق به الجريمة التي دين بها الطاعنان ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن الأول في هذا الوجه يكون على غير أساس. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الدفع بنفي الاتهام أو تلفيقه من الدفوع الموضوعية التي لا تستوجب في الأصل رداً صريحاً من الحكم ما دام الرد مستفاداً ضمناً من القضاء بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردها, وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه دون رقابة لمحكمة النقض عليها، وكان تناقض الشاهد في بعض التفاصيل - بفرض صحة وجوده - لا يعيب الحكم ما دام قد استخلص الإدانة استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه ولم يورد تلك التفصيلات أو يركن إليها في تكوين عقيدته، وإذ كان ذلك، وكان ما حصله من أقوال المجني عليه قد خلا من شبهة أي تناقض، وكان لمحكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال الشاهد في أية مرحلة من مراحل الدعوى ولو تخالفت ما دامت قد أسست الإدانة في حكمها بما لا تناقض فيه، ومن ثم فإن كل ما يثيره الطاعن الأول في هذا الشأن ينحل إلى جدل موضوعي حول حق محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. وكان من المقرر أن الأصل في المحاكمات الجنائية هو اقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه، فله أن يكون عقيدته من أي دليل أو قرينة يرتاح إليها إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه، ولما كان القانون الجنائي لم يجعل لإثبات جرائم الخطف طريقاً خاصاً, وكان لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة، فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، وكان لا يلزم لصحة الحكم أن يكون الدليل الذي تستند إليه المحكمة صريحاً ومباشراً في الدلالة على ما تستخلصه منه، بل لها أن تركن في تكوين عقيدتها عن الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى واستظهار الحقائق القانونية المتصلة بها إلى ما تستخلصه من جماع العناصر المطروحة بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام استخلاصها سليماً لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي - وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره - لما كان ذلك، وكان القانون لم يرسم للتعرف صورة خاصة يبطل إذا لم يتم عليها، وكان من حق محكمة الموضوع أن تأخذ بتعرف الشاهد على المتهم ولو لم يجر عرضه في جمع من أشباهه ما دامت قد اطمأنت إليه، إذ العبرة هي باطمئنان المحكمة إلى صدق الشاهد نفسه، فلا على المحكمة إن هي عولت ضمن أدلة الدعوى على الدليل المستمد من تعرف المجني عليه على الطاعن الأول ما دام تقدير قوة الدليل من سلطة محكمة الموضوع وحدها ولا على المحكمة إن هي التفتت عما أثاره الدفاع من تشكيك في عملية العرض التي أجرتها النيابة العامة إذ المقصود به هو إثارة الشبهة في الدليل المستمد منها والذي اطمأنت إليه ووثقت فيه محكمة الموضوع وتساندت إليه بجانب الأدلة الأخرى القائمة في الدعوى، وذلك لما هو مقرر من أن محكمة الموضوع لا تلتزم بحسب الأصل بالرد على كل شبهة يثيرها المتهم في دفاعه الموضوعي إنما يستفاد الرد عليها دلالة من قضاء المحكمة بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت وتضحي عودة الطاعن الأول إلى ما يثيره في هذا الخصوص من قبيل الجدل الموضوعي في تقدير الدليل مما تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيه بغير معقب عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد خلص إلي أن الطاعن الثالث ساهم أيضاً مع المتهمين الآخرين في الفعل المادي للخطف على ما سلف بيانه وتوافر فيه حكمة القصد الجنائي للجريمة - بوصفه فاعلاً أصلياً - للأدلة والاعتبارات السائغة التي أوردها، وكان القانون يسوي بين الفاعل والشريك في جريمة الخطف ويعتبر مرتكبها فاعلاً أصلياً سواء ارتكبها بنفسه أو بواسطة غيره، فإنه لا جدوى ولا وجه لما يثيره الطاعن الثالث نعياً على الحكم بقالة القصور في استظهار اتفاقه مع باقي المتهمين على ارتكاب الجريمة ولا يخرج منعاه في هذا الصدد عن كونه جدلاً موضوعياً وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن المحكمة لا تلتزم بتقصي أسباب إعفاء المتهم من العقاب في حكمها إلا إذا دفع بذلك أمامها، فإذا هو لم يتمسك أمامها بسبب الإعفاء فلا يكون له أن ينعى على حكمها إغفاله التحدث عنه، وإذ كان الثابت أن الطاعن الثالث لم يتمسك أمام المحكمة بحقه في الإعفاء بالمادة 48 من قانون العقوبات فليس له أن ينعى على حكمها إغفال التحدث عنه. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.