مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة والثلاثون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1991 إلى آخر سبتمبر سنة 1991) - صـ 803

(82)
جلسة 16 من مارس سنة 1991

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ عبد المنعم عبد الغفار فتح الله - نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ يحيى السيد الغطريفي ومحمد مجدي محمد خليل ومحمد عبد الغني حسن ود. فاروق عبد البر السيد - المستشارين.

الطعن رقم 3147 لسنة 32 القضائية

تعويض - (اختصاص) (عاملون مدنيون بالدولة) (مسئولية الإدارة).
متى تبين أن القرار المطعون فيه جاء في ظاهره نقلاً إلا أنه في الحقيقة قد تضمن جزاء تأديبياً مكملاً لجزاء سبق توقيعه على الطاعن بخصم يومين من راتبه فإن هذا القرار يكون معيباً بعيب مخالفة القانون - إلغاء قرار النقل - توافر أركان المسئولية التقصيرية الموجبة للتعويض عن الآثار المادية من جراء قرار النقل - التعويض عن الأضرار الأدبية - إلغاء قرار النقل وإعادة الموظف إلى عمله خير تعويض عما يكون قد لحق به من ضرر أدبي من ذلك القرار- تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق 26/ 7/ 1986 أودع الأستاذ/ نبيل حسن متولي المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعن...... قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 3147 لسنة 32 ق، وذلك طعناً في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لوزارة التربية والتعليم بجلسة 27/ 5/ 1986 في الطعن رقم 2 لسنة 20 ق المقام من الطاعن ضد المطعون ضده بصفته والذي قضى برفض التعويض عن قرار نقل الطاعن رقم 5/ 1322 لسنة 1978.
وطلب الطاعن - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلزام المطعون ضده بصفته بدفع ثلاثين ألفاً من الجنيهات المصرية للطاعن مع إلزامه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي.
وقد أعلن الطعن للمطعون ضده بصفته بتاريخ 1/ 9/ 1986 على الوجه الوارد بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً برأيها ارتأت فيه - للأسباب الواردة به - الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من رفض طلب التعويض عن القرار رقم 5/ 1322 لسنة 1978 وبإلزام الجهة الإدارية بأن تؤدي للطاعن التعويض الذي تراه المحكمة مناسباً.
وحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 11/ 4/ 1990 وتدوول على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 14/ 11/ 1990 قررت تلك الدائرة إحالة الطعن إلى هذه المحكمة لنظره أمامها بجلسة 1/ 2/ 1990 فنظر أمامها بهذه الجلسة وما تلاها من الجلسات على النحو الثابت بالمحاضر حتى قررت بجلسة 16/ 2/ 1991 إصدار الحكم بجلسة اليوم، حيث صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماح الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى سائر أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن واقعات النزاع تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أن الطاعن كان قد أقام الدعوى رقم 5031 لسنة 37 ق أمام محكمة القضاء الإداري (دائرة العقود والتعويضات) بتاريخ 9/ 8/ 1983 طالباً الحكم بأحقيته في تعويض قدره ثلاثون ألفاً من الجنيهات عما أصابه من أضرار مادية وأدبية بسبب قرارات الهيئة المدعى عليها المخالفة للقانون وقال في بيان دعواه إنه يعمل بالهيئة المدعى عليها، وبتاريخ 22/ 2/ 1971 أصدرت الهيئة قراراها رقم 5/ 501 بنقله من إدارة التوزيع إلى إدارة التخطيط وذلك بقصد إخلاء درجة بإدارة التوزيع لترقية السيد/......... إلى وظيفة مدير هذه الإدارة فطعن على هذا القرار بالدعوى رقم 1794/ 25 ق أمام محكمة القضاء الإداري التي قضت فيها بجلسة 27/ 3/ 1985 بإلغاء القرار المشار إليه، إلا أن الهيئة المذكورة لم تقم بتنفيذ هذا الحكم فأقام الدعوى رقم 1293/ 31 ق طالباً الحكم بأحقيته في شغل وظيفة مدير إدارة التوزيع وبإلغاء قرار الهيئة الصادر بترقية..... إلى وظيفة مراقب عام التوزيع، وبجلسة 24/ 3/ 1983 قضت المحكمة بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد، وأنه بتاريخ 28/ 8/ 1978 أصدرت الهيئة قرارها رقم 5/ 1322 بنقله مرة أخرى من وظيفة مدير إدارة التوزيع للعمل عضواً للجنة المعاينة، فطعن على هذا القرار أمام المحكمة التأديبية للعاملين بوزارة الزراعة طالباً الحكم بإلغائه فقضت المحكمة بجلسة 27/ 11/ 1979 بإلغائه باعتباره جزاء مقنعاً، فقامت الهيئة بإصدار القرار رقم 5/ 294 بتاريخ 20/ 2/ 1982 بإلغاء القرار المشار إليه وإعادته مديراً للتوزيع مرة أخرى.
وقد نظرت محكمة القضاء الإداري الدعوى بطلب التعويض رقم 5031/ 37 ق على النحو المبين بمحاضر الجلسات، وبجلسة 2/ 6/ 1985 أصدرت حكمها الذي قضى برفض طلب التعويض عن قرار نقل المدعي الصادر في 22/ 2/ 1971 وألزمت المدعي بمصروفات هذا الشق، وبإحالة الدعوى بحالتها للمحكمة التأديبية للعاملين بوزارة الزراعة والإصلاح الزراعي للفصل في طلب التعويض عن القرار التأديبي الصادر في 28/ 8/ 1978، فأحيلت الدعوى للمحكمة التأديبية للتربية والتعليم وقيدت طعناً برقم 2/ 20 ق وتدوولت بالجلسات حتى حكمت المحكمة بجلسة 27/ 5/ 1986 برفض طلب التعويض عن قرار نقل الطاعن رقم 5/ 1322 لسنة 1978، وقد أقامت المحكمة قضاءها في ذلك على أن الهيئة المطعون ضدها قد أجرت مع الطاعن التحقيق رقم 11 لسنة 1978 الذي انتهى إلى صدور قرار بمجازاته بخصم يومين، وبناء على هذا الجزاء صدر القرار رقم 5/ 1322 لسنة 1978 بنقله على النحو المشار إليه، وبالتالي يكون القرار قد صدر غير مصطبغ بخطأ شخصي من مصدره، إذ رأت الجهة الإدارية أنه بناء على قرار الجزاء لا يصلح الطاعن لشغل وظيفة مدير إدارة التوزيع فأصدرت قرار النقل مستهدفة الصالح العام خاصة وأنه لا يبين من الأوراق أن الجهة الإدارية قد أساءت استعمال السلطة بالنسبة لهذا القرار، ويكون الطعن عليه قد أقيم على غير سند من القانون، وانتهت إلى إصدار حكمها المطعون فيه.
ومن حيث إن الطعن قد أقيم تأسيساً على أن الحكم المطعون في قضائه برفض طلب التعويض بمقولة عدم توافر الانحراف بالسلطة والخطأ الشخصي قد خلط بين مسئولية الموظف ومسئولية جهة الإدارة، وأن ركن الانحراف بالسلطة يتوافر في القرار المطعون عليه والقرارات الأخرى التي أصدرتها الجهة الإدارية ولم تتغيا فيها الصالح العام وإنما أرادت التنكيل بالطاعن وفقاً للثابت من حافظة المستندات التي قدمها للمحكمة التأديبية وما حوته من قرارات صدرت ضده بقصد الاضطهاد وتضييق سبل العيش والراحة في وجهه، وأن أركان المسئولية التقصيرية متوافرة في حق الجهة الإدارية.
ومن حيث إن الطعن الماثل ينصب على حكم المحكمة التأديبية لوزارة التربية والتعليم بجلسة 27/ 5/ 1986 (في الطعن المقيد أمامها برقم 2 لسنة 20 ق والمحال إليها بموجب حكم محكمة القضاء الإداري الصادر بجلسة 2/ 6/ 1985 في الدعوى رقم 5031/ 37 ق حيث قضت المحكمة الأخيرة بإحالة طلب التعويض من القرار التأديبي الصادر ضد المدعي في 28/ 8/ 1978 للمحكمة التأديبية للفصل فيه) والقاضي برفض طلب التعويض عن قرار نقل الطاعن رقم 5/ 1322 لسنة 1978.
ومن حيث إن الثابت بالأوراق أن المحكمة التأديبية للعاملين بوزارة الزراعة والإصلاح الزراعي قد حكمت - بجلسة 27/ 11/ 1979 في الطعن 1 لسنة 13 ق المقام من الطاعن ضد الهيئة العامة للإصلاح الزراعي - بإلغاء القرار رقم 5/ 1322 المشار إليه بنقل الطاعن من إدارة التوزيع إلى لجنة معاينة الأراضي، وأقامت هذا القضاء على أساس أن ذلك القرار صدر مستنداً إلى ذات الأسباب التي جوزي الطاعن من أجلها بخصم يومين من راتبه، الأمر الذي وجدته المحكمة لا يدع محلاً للشك في أن مصدر القرار قصد به توقيع جزاء على الطاعن مكمل للجزاء الأول، فيكون القرار وإن كان ظاهره نقلاً إلا أنه يستر جزاء تأديبياً لم يرد ضمن الجزاءات المنصوص عليها من القانون حصراً.
ومن حيث إن مناط مسئولية الإدارة عن قرارتها الإدارية هو قيام خطأ من جانبها بأن يكون القرار الإداري غير مشروع لعيب أو أكثر شابه من العيوب المنصوص عليها في المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 وأن يلحق صاحب الشأن ضرر، وأن تقوم علاقة السببية بين الخطأ والضرر.
ومن حيث إن مقتضى حجية حكم إلغاء قرار النقل المشار إليه (الحكم الصادر بجلسة 27/ 11/ 1979 في الطعن رقم 1/ 13) أن هذا القرار وإن جاء ظاهره نقلاً إلا أنه في الحقيقة قرار بجزاء تأديبي مكمل للجزاء السابق توقيعه على الطاعن (خصم يومين من الراتب) ولما كانت القاعدة أنه لا يجوز معاقبة الموظف مرتين عن ذات الفعل، فإن القرار بذلك يكون قد جاء معيباً بعيب مخالفة القانون وهو ما يوفر بذاته ركن الخطأ في مجال مساءلة الإدارة عنه.
ومن حيث إن الهيئة المطعون ضدها لم تنكر ما ذهب إليه الطاعن في مذكرته المقدمة بجلسة 11/ 4/ 1990 من أنه حرم نتيجة للنقل المشار إليه من العلاوات التشجيعية والمكافآت السنوية والأجر الإضافي الثابت لمديري الإدارات طوال مدة وجوده بعيداً عن إدارة التوزيع (من 28/ 8/ 1978 حتى 20/ 2/ 1982) فإن الطاعن سيكون وبلا شك قد أصيب بضرر مادي يتمثل في تلك الرواتب، وإذ جاء هذا الضرر نتيجة للخطأ الثابت حيال الإدارة، فإن رابطة السببية تكون هي الأخرى قد توافرت، وبذلك تكون قد تحققت أركان المسئولية التقصيرية الموجبة للتعويض عن الأضرار المادية التي أصابت الطاعن من جراء قرار النقل المشار إليه.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى ما يطالب به الطاعن من تعويض عما أصابه من ضرر أدبي فإن الأوراق قد خلت من بيان عناصر هذا الضرر، فإذا أضيف إلى ذلك أنه بعد صدور الحكم بإلغاء قرار النقل المشار إليه أصدرت الهيئة القرار رقم 5/ 294 في 20/ 2/ 1982 بإعادة الطاعن مديراً للتوزيع فإن ذلك يكون خير تعويض عما قد يكون قد لحق به من ضرر أدبي من جراء ذلك القرار.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قضى برفض طلب التعويض عن قرار نقل الطاعن سالف الذكر بما في ذلك التعويض عن الضرر المادي، فإنه يكون قد خالف صحيح حكم القانون، مما يستوجب الحكم بإلغائه والقضاء للطاعن بمبلغ ألفين من الجنيهات تعويضاً جزافياً تقدره المحكمة عما أصابه من أضرار مادية نتيجة قرار النقل المشار إليه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإلزام الهيئة المطعون ضدها بأن تؤدي للطاعن مبلغاً مقداره ألفان من الجنيهات تعويضاً عما أصابه من أضرار مادية نتيجة قرار النقل رقم 5/ 1322 الصادر في 28/ 8/ 1978.