أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 51 - صـ 686

جلسة 8 من نوفمبر سنة 2000

برئاسة السيد المستشار/ رضوان عبد العليم نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ حسين الجيزاوي وعبد الرؤوف عبد الظاهر نائبي رئيس المحكمة وسمير سامي ومحمد رأفت.

(137)
الطعن رقم 4797 لسنة 62 القضائية

(1) تزوير. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تغيير الحقيقة المجردة في المحرر. غير كاف للعقاب. وجوب أن يكون التغيير في جزء من أجزائه المعدة لإثباته.
(2) إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تشكك القاضي في صحة إسناد التهمة. كفايته للقضاء بالبراءة ما دام الحكم قد أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة.
النعي على المحكمة قضاءها بالبراءة لاحتمال ترجح لديها بدعوى احتمالات أخرى تصح لدى غيرها. لا يقبل. أساس ذلك؟
1 - من المقرر أنه لا يكفي للعقاب أن يكون الشخص قد غير الحقيقة في المحرر سواءً كان المحرر رسمياً أو عرفياً بل يجب أن يكون التغيير قد وقع في جزء من أجزاء المحرر الجوهرية التي من أجلها أعد المحرر لإثباته وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر إذ اعتبر أن إضافة عبارة "لسداد الشيك" على صور قسائم الإيداع التي سلمها البنك له بفرض صحتها ليست بياناً جوهرياً في خصوص هذه المحررات التي أعدت لإثبات وقائع إيداع المبالغ المدونة بها في الحساب الجاري لدى البنك وليس من بياناتها الجوهرية التي أعدت لإثباته ذكر الغرض الذي أودع العميل من أجله قيمة هذه القسيمة فإن النعي عليه بالخطأ في تطبيق القانون يكون غير سديد.
2 - من المقرر أنه يكفي في المحاكمة الجنائية أن يتشكك القاضي في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي يقضي بالبراءة. إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما يطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام الظاهر من الحكم أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أن المحكمة لم تقض بالبراءة إلا بعد أن أحاطت بظروف الدعوى وألمت بها وبالأدلة المقدمة فيها، وانتهت بعد أن وازنت بين أدلة الإثبات والنفي إلى عدم ثبوت التهمة في حق الطاعن - وكان لا يصح النعي على المحكمة أنها قضت ببراءة المتهم بناء على احتمال ترجح لديها بدعوى قيام احتمالات أخرى قد تصح لدى غيرها لأن ملاك الأمر كله يرجع على وجدان قاضي الدعوى وما يطمئن إليه ما دام قد أقام قضاءه على أسباب تحمله، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أفصح عن عدم اطمئنان المحكمة إلى أدلة الثبوت للأسباب السائغة التي أوردها والتي تكفي لحمل النتيجة التي خلص إليها، وكان لا يشترط تضمين حكم البراءة أموراً أو بيانات معينة، فإن الحكم المطعون فيه يكون بريئاً من قالة القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، ويكون الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه ارتكب تزويراً في محررات لإحدى الشركات التي تساهم الدولة في مالها "بنك....." هي ثلاث عشر صورة كربونية لقسائم إيداع نقدية صادرة من ذلك البنك في تواريخ سابقة عن عمليات أخرى خاصة بالمتهم وهي أرقام....... وكان ذلك بطريق الإضافة بأن أثبت على كل صورة كربونية منها بيانات مزورة تفيد إيداعه المبلغ المستحق عليه في إحدى الشيكات الثلاثة عشر السابق إصدارها لصالح البنك سالف الذكر والبالغ قيمتها 91000 جنيهاً وذلك بتاريخ يفيد أن الإيداع والسداد تم قبل تاريخ استحقاق كل شيك على حده واستعمل هذه المحررات المزورة مع علمه بتزويرها بأن قدمها لمحكمة جنح....... وأحالته إلى محكمة جنايات....... لمحاكمته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً ببراءته.
فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض...... إلخ.


المحكمة

ومن حيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى ببراءة المطعون ضده من جريمتي التزوير في محررات إحدى الشركات التي تساهم الدولة في مالها بنصيب واستعمالها مع علمه بتزويرها قد شابه القصور في التسبيب والخطأ في القانون ذلك بأن المحكمة بنت قضاءها بالبراءة على عدم توافر أركان الجريمة لأن العبث بالمحرر تم في بيان لم يعد المحرر لإثباته مع أن تغيير الحقيقة في المحرر العرفي محل التزوير يعد تزويراً معاقباً عليه كلما كان المحرر صالحاً لأن يتخذ أساساً لحق من الحقوق وهو ما كان يوجب على المحكمة أن تستظهر في حكمها ما ترتب على هذا التغيير من ضرر فعلي أو محتمل وأن تقول كلمتها فيه وإذ هي لم تفعل فإن حكمها يكون معيباً بما يستوجب نقضه والإعادة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى كما صورها الاتهام قال تبريراً لقضائه بالبراءة: "وحيث إن جريمة التزوير المقدم بها المتهم في هذه الدعوى الماثلة لا تكتمل إلا إذا كان تغيير الحقيقة في المحرر قد تم في إحدى البيانات الجوهرية التي أعد المحرر لإثباتها وأنه لا عبرة بما يقع في الورقة من تغيير في إحدى البيانات الأخرى التي لم تعد الورقة لإثباتها أصلاً إذ لا تكتمل أركان جريمة التزوير إذا كان التغيير في المحرر قد وقع في مثل تلك البيانات الثانوية التي لم تعد الورقة أصلاً لإثباتها، متى كان ذلك وإذ كان الثابت للمحكمة من التحقيقات والأوراق أن قسائم الإيداع إنما تحرر للعميل بمعرفة موظف البنك لإثبات أنه قام بإيداع المبلغ المدون بها في حسابه الجاري لدى البنك في التاريخ المذكور بها وأنه ليس من بياناتها الجوهرية التي أعدت لإثباته ذكر الغرض الذي أودع العميل من أجله قيمة هذه القسيمة لدى البنك إذ لا تعد هذه الورقة حجة في هذا الصدد سيما وأن إثبات سداد قيمة الشيكات المسحوبة على العميل لمصلحة البنك له وسائل إثبات أخرى مستقلة عن مثل هذه القسائم التي يصدرها البنك فقط لإثبات واقعة الإيداع في الحساب وتاريخه ومن ثم فإنه وإن ثبت جدلاً أن المتهم قد قام بكتابة عبارة - "لسداد الشيك" - على صور قسائم الإيداع التي سلمها البنك له، فإن هذه الإضافة على تلك الصور لا تعد من مثل التزوير في هذه المحررات طالما أن الثابت أن بيانات هذه الأوراق الأساسية سليمة على النحو الذي حررت به الورقة عن البنك سواء من حيث قيمة المبلغ الثابت بها وتاريخه وما وضع عليها من توقيعات بيد موظف البنك وهو ما ثبت فعلاً من أقوال الشهود سالفي الذكر - متى كان ذلك وإذ كانت أركان جريمة التزوير المقدم بها المتهم في هذه الدعوى غير مكتملة على النحو سالف بيانه ومن ثم فإن المحكمة لا تساير النيابة العامة فيما أسندته للمتهم من تزوير صور تلك القسائم بما يتعين معه والحال كذلك الحكم ببراءة المتهم من هذا الاتهام وذلك عملاً بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية". لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يكفي للعقاب أن يكون الشخص قد غير الحقيقة في المحرر سواءً كان المحرر رسمياً أو عرفياً بل يجب أن يكون التغيير قد وقع في جزء من أجزاء المحرر الجوهرية التي من أجلها أعد المحرر لإثباته وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر إذ اعتبر أن إضافة عبارة "لسداد الشيك" على صور قسائم الإيداع التي سلمها البنك له بفرض صحتها ليست بياناً جوهرياً في خصوص هذه المحررات التي أعدت لإثبات وقائع إيداع المبالغ المدونة بها في الحساب الجاري لدى البنك وليس من بياناتها الجوهرية التي أعدت لإثباته ذكر الغرض الذي أودع العميل من أجله قيمة هذه القسيمة فإن النعي عليه بالخطأ في تطبيق القانون يكون غير سديد. هذا إلى ما هو مقرر من أنه يكفي في المحاكمة الجنائية أن يتشكك القاضي في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي يقضي بالبراءة. إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما يطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام الظاهر من الحكم أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أن المحكمة لم تقض بالبراءة إلا بعد أن أحاطت بظروف الدعوى وألمت بها وبالأدلة المقدمة فيها، وانتهت بعد أن وازنت بين أدلة الإثبات والنفي إلى عدم ثبوت التهمة في حق الطاعن - وكان لا يصح النعي على المحكمة أنها قضت ببراءة المتهم بناء على احتمال ترجح لديها بدعوى قيام احتمالات أخرى قد تصح لدى غيرها لأن ملاك الأمر كله يرجع إلى وجدان قاضي الدعوى وما يطمئن إليه ما دام قد أقام قضاءه على أسباب تحمله، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أفصح عن عدم اطمئنان المحكمة إلى أدلة الثبوت للأسباب السائغة التي أوردها والتي تكفي لحمل النتيجة التي خلص إليها، وكان لا يشترط تضمين حكم البراءة أموراً أو بيانات معينة، فإن الحكم المطعون فيه يكون بريئاً من قالة القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، ويكون الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.