مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة والثلاثون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1991 إلى آخر سبتمبر سنة 1991) - صـ 958

(99)
جلسة 26 من مارس سنة 1991

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ عبد العزيز أحمد حمادة - نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ حنا ناشد مينا حنا والدكتور أحمد مدحت علي ومحمد عبد الرحمن سلامة والدكتور أحمد محمود جمعة - المستشارين.

الطعن رقم 4563 لسنة 35 القضائية

عاملون بالقطاع العام - تأديب - دعوى تأديبية - عدم جواز نظرها.
عدم جواز معاقبة العامل عن الذنب الإداري مرتين - مجازاة العامل بقرار رئيس مجلس إدارة الشركة في تاريخ سابق على تولي النيابة الإدارية التحقيق في ذات المخالفة بناء على طلب النيابة العامة - لا يجوز إقامة الدعوى التأديبية ضد العامل عن ذات الواقعة التي سبق أن جوزي عنها - لا يغير من ذلك أن تكون الشركة قد قررت سحب هذا الجزاء بعد إقامة الدعوى التأديبية وقبل صدور الحكم فيها ما دامت السلطة التأديبية الرئاسية قد استنفدت سلطتها التأديبية - لا ينتج السحب أي أثر في تصحيح بطلان رفع الدعوى التأديبية الصادر فيها الحكم المطعون فيه - يجوز للعامل أن يدفع أمام المحكمة التأديبية بعدم جواز نظرها لسابقة مجازاته عن ذات المخالفة التي أحيل بشأنها للمحاكمة التأديبية - لا يسقط حق العامل في إبداء هذا الدفع أن تكون السلطة التأديبية الرئاسية قد قامت بسحب الجزاء بعد إقامة الدعوى التأديبية وقبل صدور الحكم فيها إذ يحق له أن يوجه طعنه عندئذ ضد القرار الساحب للجزاء باعتباره غير مشروع ولا يرتب أي أثر على الدعوى التأديبية - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الخميس الموافق 24 من أغسطس سنة 1989 أودعت الأستاذة/........ المحامية بصفتها وكيلة عن السيد/....... قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 4563 لسنة 35 قضائية في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بطنطا في الدعوى التأديبية رقم 1115 لسنة 16 قضائية المقامة من النيابة الإدارية ضد السيد/........ (الطاعن)، والذي قضى بجلسة 25/ 6/ 1989 بمجازاته بالوقف عن العمل لمدة ستة أشهر، مع صرف نصف المرتب خلال مدة الوقف.
وطلب الطاعن للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بعدم جواز نظر الدعوى التأديبية، وإلزام النيابة الإدارية المصروفات.
وبعد أن تم إعلان تقرير الطعن إلى النيابة الإدارية (المطعون ضدها)، قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.
وحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) جلسة 3/ 5/ 1990 حيث نظرته بهذه الجلسة والجلسات التالية، وبجلسة 3/ 10/ 1990 قررت الدائرة إصدار الحكم بجلسة 17/ 10/ 1990 وصرحت بتقديم مذكرات دفاع خلال أسبوع، وبتاريخ 8/ 10/ 1990 أودعت النيابة الإدارية قلم كتاب المحكمة مذكرة دفاع طلبت فيها الحكم برفض الطعن، وبهذه الجلسة قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) لنظره بجلسة 20/ 11/ 1990 حيث نظرته المحكمة بهذه الجلسة والجلسات التالية على النحو الوارد بمحاضر الجلسات ثم أرجأت إصدار الحكم لجلسة اليوم حيث صدر فيها الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قدم في الميعاد واستوفى باقي أوضاعه الشكلية فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إنه عن موضوع الطعن فإن وقائعه تتحصل حسبما هو ثابت من الأوراق في أن النيابة الإدارية أقامت الدعوى التأديبية رقم 1115 لسنة 16 قضائية بأن أودعت قلم كتاب المحكمة التأديبية بطنطا بتاريخ 1/ 8/ 1988 تقرير اتهام ضد السيد/..... (الطاعن) الموظف بقسم المراجعة بإدارة بيع القليوبية بالشركة العامة لتجارة السلع الغذائية بالجملة حالياً وسابقاً أمين عهدة مخزن زيت بلدة برشوم التابع للشركة المذكورة بالدرجة الثالثة، لما نسبته إليه بأنه في خلال المدة من 15/ 8/ 1987 وحتى 18/ 10/ 1987 بدائرة الشركة (إدارة بيع محافظة القليوبية) خرج على مقتضى واجبه الوظيفي ولم يؤد العمل المنوط به بأمانة ولم يحافظ على أموال وممتلكات الشركة التي يعمل بها وذلك بأن: -
1 - حقق عجزاً بعهدته مقداره 1.441 طناً من الزيت الحر البالغ قيمته 1080.750 جنيهاً.
2 - أخل بنظام توزيع سلعة الزيت المعهود إليه توزيعها وذلك بتصرفه في كمية مقدارها 533.600 كيلو جراماً من الزيت لأحد التجار تزيد عن المستحق له، وأنه بذلك يكون قد ارتكب المخالفة المالية المنصوص عليها في المادتين 78/ 1، 4 و80/ 1 من قانون نظام العاملين بالقطاع العام الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1978.
وطلبت النيابة الإدارية لذلك محاكمته تأديبياً عملاً بهاتين المادتين والمادتين 82 و84 من هذا القانون، والمادة 14 من القانون رقم 117 لسنة 1958 بشأن تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية المعدل بالقانون رقم 171 لسنة 1981 والمادتين 15 (أولاً) و19/ 1 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 والمادة الأولى من القانون رقم 19 لسنة 1959 بشأن سريان أحكام قانون النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية على موظفي المؤسسات والهيئات العامة المعدل بالقانون رقم 172 لسنة 1981.
وبجلسة 20/ 11/ 1988 قدم المحال (الطاعن) حافظة مستندات تضمنت صورة القرار رقم 609 لسنة 1988 والمتضمن بمجازاته بخصم شهر من أجره لما نسب إليه بوجود عجز مقداره 1.420 طناً زيت اكتشف بواسطة لجنة التموين التي قامت بجرد العهدة يوم 30/ 9/ 1987 حيث حرر محضر برقم 559 لسنة 1987 أمن دولة طوارئ حيث اتهم ببيعه عدد 21 صفيحة زيت بدون فاتورة، والمحضر رقم 555 لسنة 1987 لبيعه صفيحة زيت بها 18.400 كيلو جراماً على أنها 19 كيلو جراماً والمحضر رقم 560 لسنة 1987 بضبط عدد 40 صفيحة زيت خارج المخزن، كما تضمن القرار أيضاً تحميله ما تسفر عنه المحاضر المشار إليها جنائياً أو مدنياً، كما تضمنت حافظة المستندات المشار إليها إيصالين يفيدان قيام المحال (الطاعن) بسداد قيمة العجز الأول وقيمته 1212.02مليمجـ والثاني قيمته 18.38 مليمجـ، ودفع المحال بالجلسة بعدم جواز نظر الدعوى التأديبية لسابقة مجازاته بالجزاء الذي تضمنه القرار رقم 609 لسنة 1988 المشار إليه، وبالجلسة التالية المنعقدة في 8/ 1/ 1989 قدم المحال مذكرة دفاع صمم فيها على الدفع المشار إليه، وبجلسة 30/ 4/ 1989 قدم المحال مذكرة دفاع وحافظة مستندات تضمنت صورة القرار رقم 40 لسنة 1989 الصادر في 7/ 1/ 1989 الذي تضمن سحب القرار رقم 609 لسنة 1988 الصادر في 22/ 6/ 1988.
وبجلسة 25/ 6/ 1989 أصدرت المحكمة التأديبية بطنطا حكمها المطعون فيه والذي قضى بمجازاة المحال (الطاعن) بالوقف عن العمل لمدة ستة أشهر، مع صرف نصف المرتب خلال مدة الوقف. وأقامت قضاءها على أن الثابت من التحقيقات أن المحال قد اعترف بوجود العجز المنسوب إليه في كمية الزيت محل التحقيق، وقد برر ذلك بكثرة العمل كما قام بسداد قيمة العجز، وأن ذلك ثبت أيضاً في حقه بشهادة كل من: -......... رئيس مكتب تموين برشوم و....... و....... مفتشي تموين بمكتب برشوم، وأنه بذلك يكون الاتهام الأول قد ثبت يقينياً في حقه، وأنه بالنسبة للاتهام الثاني فقد ثبت في حق المحال وذلك بشهادة....... بتحقيقات النيابة العامة حيث قرر بأن المحال قام بإنقاص كميات الزيت الحر الإضافي المسلمة للتجار المقيدين على الفرع عن الحصص المقررة لهم، وتصرفه في الحصص الزائدة لغير المستحقين لها إذ ضبط حال قيامه ببيع كمية مقدارها 533.600 جراماً من الزيت للتاجر/........ تفوق المستحق له وأنه تحرر عن ذلك المحضران رقما 555 و556 لسنة 1987 أمن دولة طوارئ....... ضد المحال والتاجر المذكور حيث حكم على المحال بتغريمه بمبلغ مقداره مائة جنيه والمصروفات الجنائية. وخلصت المحكمة من ذلك إلى ما نسب للمحال يقين في حقه على النحو المتقدم وأن ذلك يشكل في حقه إخلالاً جسيماً بواجبات وظيفته والتي اتخذ منها منفذاً للربح الحرام والمتاجرة في أقوات الناس، وأنه لذلك يتعين مجازاته وأخذه بالشدة زجراً له على ما قدمت يداه وردعاً لأمثاله من ضعاف النفوس.
ومن حيث إن الطاعن يؤسس طعنه الماثل بالنعي على الحكم المطعون فيه بمخالفته للقانون استناداً إلى أنه قد شابه القصور والإخلال بحق الدفاع لأنه دفع أمام المحكمة التأديبية بجلستها المنعقدة في 20/ 11/ 1988 بعدم جواز نظر الدعوى التأديبية لسابقة مجازاته بمقتضى القرار رقم 609 لسنة 1988 بخصم شهر من أجره والذي صدر في 22/ 6/ 1988 قبل إقامة الدعوى التأديبية ضده بتاريخ 1/ 8/ 1988، وأنه مع ذلك لم ترد المحكمة التأديبية على هذا الدفع على الرغم من أن صدور القرار رقم 40 لسنة 1989 في 7/ 1/ 1989 المتضمن سحب القرار رقم 609 لسنة 1988 لا يسقط حقه في هذا الدفع.
ومن حيث إنه عما ينعى به الطاعن على الحكم المطعون فيه على الوجه سالف البيان، فإن الثابت من الأوراق أن النيابة العامة باشرت التحقيق مع الطاعن فيما نسب إليه بوجود عجز في عهدته من الزيت الحر بوصفه أميناً للعهدة بفرع الشركة الذي يعمل فيه وذلك في القضية رقم 559 لسنة 1987 جنح أمن دولة طوارئ....... ثم بتاريخ 21/ 4/ 1988 قرر رئيس مجلس إدارة الشركة الموافقة على ما انتهى إليه التحقيق المالي رقم 14 لسنة 1988 الذي أجري مع الطاعن بمجازاته تأديبياً بخصم أجر شهر قبل انتهاء التحقيق الجنائي المشار إليه عن ذات الواقعة محل هذا التحقيق ثم بتاريخ 24/ 4/ 1988 قررت النيابة العامة الاكتفاء بمحاكمته تأديبياً لما نسب إليه في القضية رقم 559 لسنة 1987 جنح أمن دولة طوارئ...... ثم بتاريخ 9/ 5/ 1988 أرسلت النيابة العامة كتابها رقم 4588 مرفقاً به أوراق هذه القضية إلى النيابة الإدارية لمحاكمته تأديبياً، ثم بتاريخ 22/ 6/ 1988 أصدر السيد/ رئيس القطاع الإداري بالشركة القرار رقم 609 لسنة 1988 متضمناً الجزاء المشار إليه تنفيذاً لقرار رئيس مجلس إدارة الشركة الصادر في 21/ 4/ 1988 ثم بتاريخ 1/ 8/ 1988 أقامت النيابة الإدارية الدعوى التأديبية رقم 1115 لسنة 16 قضائية الصادر فيها الحكم المطعون فيه، وقبل أن يصدر فيها الحكم بجلسة 25/ 6/ 1989 أصدر رئيس القطاع الإداري بالشركة القرار رقم 40 لسنة 1989 متضمناً سحب القرار رقم 60 لسنة 1988 تنفيذاً لقرار رئيس مجلس إدارة الشركة الصادر بتاريخ 4/ 1/ 1989.
ومن حيث إنه يبين من ذلك أن رئيس مجلس إدارة الشركة بوصفه السلطة التأديبية الرئاسية قد استنفدت سلطتها التأديبية في تقدير المخالفة التأديبية المنسوبة للطاعن والجزاء الملائم عنها قبل أن تتولى النيابة الإدارية التحقيق مع الطاعن إذ يجوز للشركة أن تقرر مجازاته تأديبياً دون انتظار نتيجة التحقيق الجنائي لاختلاف الغاية من الجزاء في المجالين التأديبي والجنائي فهو في الأول مقرر لحماية الوظيفة أما في الثاني فهو قصاص من المجرم لحماية المجتمع، وما دامت النيابة الإدارية لم تكن قد تولت التحقيق عن ذات الواقعة التي جوزي من أجلها إذ الثابت أنه تقرر مجازاة الطاعن بقرار رئيس مجلس إدارة الشركة بتاريخ 21/ 4/ 1988 فيما تولت النيابة الإدارية التحقيق بشأنها بناء على ما طلبته النيابة العامة بكتابها رقم 4588 بتاريخ 9/ 5/ 1988 وليس بناء على طلب الشركة كما ذهبت إلى ذلك النيابة الإدارية في معرض دفاعها في الطعن الماثل، ومن ثم فإنه ما كان يجوز قانوناً إقامة الدعوى التأديبية ضد الطاعن بعد ذلك عن ذات الواقعة التي سبق أن جوزي عنها، ولا يغير من ذلك أن تكون الشركة قد قررت سحب هذا الجزاء بعد إقامة الدعوى التأديبية وقبل صدور الحكم فيها ما دامت السلطة التأديبية الرئاسية قد استنفدت سلطتها التأديبية على النحو سالف البيان، إذ لا ينتج هذا السحب أي أثر يصحح بطلان رفع الدعوى التأديبية الصادر فيها الحكم المطعون فيه، ويحق للطاعن في هذه الحالة أن يدفع أمام المحكمة التأديبية بعدم جواز نظرها لسابقة مجازاته عن ذات المخالفة التي أحيل بشأنها للمحاكمة التأديبية ولا يسقط حقه في إبداء هذا الدفع أن تكون السلطة التأديبية الرئاسية قد قامت بسحب الجزاء المشار إليه بعد إقامة الدعوى التأديبية وقبل صدور الحكم فيها إذ يحق له أن يوجه طعنه عندئذ ضد القرار الساحب للجزاء باعتباره غير مشروع ولا يترب أي أثر على الدعوى التأديبية وذلك عن طريق إبداء هذا الدفع لأنه من الأصول المسلمة التي تقتضيها العدالة الطبيعية أنه لا يجوز المحاكمة التأديبية عن مخالفة سبق أن جوزي عنها العامل تأديبياً إعمالاً لمبدأ عدم جواز معاقبة العامل عن الذنب التأديبي الواحد مرتين، ومتى كان ذلك وكان الثابت أن الطاعن قد دفع فعلاً أمام المحكمة التأديبية بعدم جواز نظر الدعوى التأديبية لسابقة مجازاته عن ذات المخالفة المنسوبة إليه بتقرير الاتهام، ولم ترد المحكمة التأديبية على هذا الدفع، على حين أنه ينبئ عن دفاع جوهري تلتزم المحكمة عند إبدائه بالرد عليه لأنه يغير وجه الحكم في الدعوى وإنما تصدت المحكمة لمجازاته عنها فإن الحكم المطعون فيه يكون على هذا الوجه قد أخل بحقه في الدفاع الأمر الذي جعله مشوباً بالقصور في التسبيب الذي يبطله.
ومن حيث إنه لما كان الدفع المشار إليه في محله قانوناً على النحو السالف البيان بحسبان أن سحب الجزاء غير مشروع ولا يؤثر على وجود هذا الجزاء بالنسبة للطاعن، فإنه يتعين الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بعدم جواز نظر الدعوى التأديبية المقامة ضد الطاعن والصادر فيها الحكم المطعون فيه. وغني عن البيان أن إلغاء الحكم المطعون فيه لا يؤثر على الاستمرار في تنفيذ الجزاء الصادر من رئيس مجلس إدارة الشركة بتاريخ 21/ 4/ 1988 بمجازاة الطاعن بخصم أجر شهر.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبعدم جواز نظر الدعوى التأديبية المقامة ضد الطاعن.