أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 51 - صـ 740

جلسة 19 من نوفمبر سنة 2000

برئاسة السيد المستشار/ الصاوي يوسف نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد طلعت الرفاعي وعادل الشوربجي وأنس عمارة وفرغلي زناتي نواب رئيس المحكمة.

(147)
الطعن رقم 10717 لسنة 68 القضائية

(1) إثبات "خبرة". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
تقدير آراء الخبراء والمفاضلة بينهم. موضوعي.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. غير جائز أمام النقض.
(2) إجراءات "إجراءات المحاكمة". إثبات "خبرة" "شهود".
من أدى يميناً عند مباشرته لوظيفته يغني عن تحليفه في كل قضية يحضر فيها أو تندبه المحكمة للقيام بمهمة بها.
(3) إجراءات "إجراءات التحقيق". إثبات "خبرة". استدلال. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الاستعانة بأهل الخبرة بغير حلف يمين. جائز. ما دام التقرير المقدم منهم ورقة من أوراق الاستدلال في الدعوى المنظورة وعنصراً من عناصرها مطروحة على بساط البحث وتناولها الدفاع بالمناقشة.
(4) إجراءات "إجراءات المحاكمة". إثبات "خبرة". بطلان. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
قرار المحكمة في غيبة الطاعن باستمرار إيداعه مستشفى الأمراض العقلية والعصبية لاستكمال المراقبة والفحص. لا يبطله. ما دام يمكنه التمسك لدى المحكمة بما يكون قد لحق القرار من نقص أو عيب.
(5) إثبات "بوجه عام" "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
لمحكمة الموضوع أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بالتقرير الطبي كقرينة معززة لما ساقته من أدلة أخرى.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. غير مقبول أمام النقض.
(6) إجراءات "إجراءات المحاكمة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
النعي على التفات المحكمة طلب الطاعن ضم ملف خدمته العسكرية للوقوف على حالته العقلية والنفسية. غير سديد. علة ذلك؟
(7) إثبات "بوجه عام" "شهود". قتل عمد.
لا يشترط في الشهادة أن ترد على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها. مؤدى تساند الأدلة في المواد الجنائية؟
(8) إثبات "شهود". حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تناقض روايات الشهود في بعض تفاصيلها. لا يعيب الحكم. ما دام استخلص الحقيقة منها بما لا تناقض فيه.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. غير جائز أمام النقض.
(9) قتل عمد. قصد جنائي. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير توافر القصد الجنائي". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
قصد القتل. أمر خفي. إدراكه بالأمارات والمظاهر التي تنبئ عنه. استخلاص توافره. موضوعي.
مثال لتسبيب سائغ في استظهار نية القتل.
(10) حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل". سبق إصرار. ترصد. مسئولية جنائية. قتل عمد.
اختلاف الحكم فيما أورده في معرض تحصيله للواقعة وما أثبته في مقام تدليله على ثبوت نية القتل. لا تناقض. علة وأساس ذلك؟
(11) حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". بطلان. قتل عمد.
التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة.
(12) حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل". "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
خطأ الحكم في الإسناد. لا يعيبه. ما دام لم يتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة.
1 - من المقرر أن تقدير آراء الخبراء وما يوجه إليها من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة، ومن ثم ما ينعاه الطاعن من بطلان التقرير الطبي لصدوره في مستشفى غير التي حددتها المحكمة وأمرت بإيداع الطاعن بها لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل المستمد من تقرير الخبير، مما لا يقبل التصدي له أو معاودة الخوض فيه أمام محكمة النقض.
2 - لا يقدح في سلامة النتيجة التي انتهى إليها الحكم ألا تكون اللجنة الطبية - التي تولت فحص الطاعن، وأعدت التقرير عنه المحكمة - قد حلفت اليمين، ما دام كل عضو من أعضائها قد أدى يميناً عند مباشرته لوظيفته يغني عن تحليفه في كل قضية يحضر فيها أو تندبه المحكمة للقيام بمهمة بها.
3 - من المقرر أنه يجوز الاستعانة بأهل الخبرة وطلب رأيهم شفاهة أو كتابة بغير حلف يمين، ومن ثم فليس هناك ما يمنع من الأخذ بالتقرير الطبي المحرر بمعرفة من قاموا بإجرائه ولو لم يحلفوا يميناً باعتباره ورقة من أوراق الاستدلال في الدعوى المنظورة أمام المحكمة - كما ورد بمدونات الحكم - وعنصراً من عناصرها ما دامت مطروحة على بساط البحث وتناولها الدفاع بالمناقشة.
4 - قرار المحكمة باستمرار إيداع الطاعن مستشفى الأمراض العقلية والنفسية لاستكمال المراقبة والفحص لا يلحقه البطلان إذا تم في غيبته، طالما يمكنه التمسك لدى محكمة الموضوع بما يكون قد لحق القرار من نقص أو عيب تقدره المحكمة شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة الأخرى.
5 - لما كان الدفع ببطلان القرار لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى إثبات استحالة حصول الواقعة كما رواها الشهود، بل يتجه إلى إثارة الشبهة في الدليل الذي اطمأنت إليه المحكمة - وكان الحكم قد عول على التقرير الطبي كقرينة معززة للأدلة التي استند إليها ولم يعول عليه بصفة أساسية - فإن النعي على الحكم بالتعويل على التقرير رغم بطلانه لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في حق محكمة الموضوع في تقدير الأدلة القائمة في الدعوى، وهو ما لا يقبل إثارته لدى محكمة النقض.
6 - لما كان الدفاع عن الطاعن قد أثار في مرافعته أن القصد من طلب ضم ملف خدمته العسكرية - وقوف المحكمة على حالته العقلية والنفسية التي كانت سبباً في إنهاء خدمته العسكرية، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أدلة الثبوت في الدعوى، ولا يجوز مصادرتها في عقيدتها، فلا عليها إن هي التفتت عن هذا الطلب فلم تورده أو ترد عليه بعد أن اطمأنت إلى حالة الطاعن العقلية مما تضمنه التقرير الطبي الصادر من مستشفى المعمورة للأمراض العقلية والنفسية، ويكون النعي على الحكم في هذا الخصوص غير سديد.
7 - من المقرر أنه لا يشترط في شهادة الشاهد أن تكون واردة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق بل يكفي أن يكون من شأن تلك الشهادة أن تؤدي إلى هذه الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه محكمة الموضوع يتلاءم به ما قاله الشاهد بالقدر الذي رواه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها، ولا يلزم أن تكون الأدلة التي يعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى، إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة، ولا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حده دون باقي الأدلة، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اقتناع المحكمة واطمئنانها.
8 - لما كان تناقض روايات بعض الشهود في بعض تفاصيلها لا يعيب الحكم أو يقدح في سلامته، ما دام قد استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه - كما هو الشأن في الدعوى الماثلة - وهو ما يكشف عن أن المحكمة أقامت قضاءها على عناصر سائغة اقتنع بها وجدانها. ومن ثم فإن منعى الطاعن في هذا الصدد لا يعدو أن يكون محاولة إعادة الجدل في تقدير أدلة الدعوى مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
9 - لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض لنية القتل وثبوتها بقوله: "وحيث إنه عن نية القتل فهي متوافرة في الأوراق ذلك أن الثابت في التحقيقات أن المتهم الأول والثاني - الطاعنان - كانا في اعتدائهما على المجني عليه ينويان إزهاق روحه فعلاً وليس مجرد الإيذاء، وآية ذلك أنهما واصلا الطعنات بعد سقوطه على الأرض بعدة طعنات أودعاها كل قوتهما فنفذت وكانت في مقتل وظل المتهم الأول يوالي الطعنات كيفما يريد ويشاء ولم يتركه ويتوقف عن الطعن إلا بعد أن أجهز عليه ذبحاً تاماً وإذ واجهته النيابة العامة بقتل المجني عليه عمداً اعترف بذلك، وقد تناول تقرير الصفة التشريحية بيان هذه الطعنات التي أحدثها المتهم بالمجني عليه، فكان في عرضه لها ووصفه لطبيعتها ما يؤكد أن المتهم كان ينوي فعلاً إزهاق روحه وآزره في ذلك شقيقه المتهم الثاني - الطاعن الثاني - فمن جماع ما تقدم تقنع المحكمة بتوافر ركن نية القتل لدى المتهمين معاً". وكان من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية. وكان ما أورده الحكم فيما سلف يكفي في استظهار نية القتل، ومن ثم ينحسر عن الحكم قالة القصور في هذا المنحى.
10 - لا تناقض بين ما أورده الحكم في معرض تحصيله للواقعة، وما أثبته في مقام تدليله على ثبوت نية القتل، ذلك أن توافر ظرفي سبق الإصرار والترصد في حق الطاعنين يرتب تضامناً في المسئولية الجنائية كل منهما مسئول عن جريمة القتل التي وقعت تنفيذاً لقصدهما المشترك باعتبارهما فاعلين أصليين طبقاً للمادة 39 عقوبات سواء كان محدث الإصابات التي أدت إلى الوفاة معلوماً ومعيناً من بينهما أو غير معلوم.
11 - التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر، ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة والذي من شأنه أن يجعل الدليل متهادماً متساقطاً لا شيء فيه باقياً يمكن أن يعتبر نتيجة سليمة يصح الاعتماد عليها.
12 - لا يعيب الحكم خطؤه في الإسناد ما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة. وكان الحكم المطعون فيه قد اعتنق صورة واحدة ساق الأدلة عليها دون تناقض. فإن ما يثيره الطاعن من دعوى التناقض يكون غير سديد.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما قتلا - وآخران مجهولان - المجني عليه....... عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن بيتوا النية وعقدوا العزم على قتله وأعد الأول لذلك سلاحاً أبيض "مطواة قرن غزال" وتربصوا له وسط ذوي المتهمين المعروضين على النيابات الجزئية بفترتها المسائية حيث أيقنوا وصوله وما أن ظفروا به حتى انهالوا عليه طعناً بأجزاء متفرقة من جسده قاصدين من ذلك قتله فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. المتهم الأول أيضاً: أحرز بغير ترخيص سلاحاً أبيض "مطواة قرن غزال" والتي استخدمها في قتل المجني عليه. وأحالتهما إلى محكمة جنايات....... لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 230، 231، 232 من قانون العقوبات والمواد 1/ 1، 25/ 1 مكرر، 30/ 1 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل والبند رقم 10 من الجدول رقم 1 الملحق مع أعمال المادتين 17، 32 من قانون العقوبات بمعاقبتهما بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات ومصادرة السلاح.
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض..... إلخ.


المحكمة

أولاً: عن موضوع الطعن المقدم من الطاعن الأول:
حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمتي القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد وإحراز مطواة قرن غزال بغير ترخيص فقد شابه البطلان في الإجراءات والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال وأخل بحقه في الدفاع، ذلك بأنه دفع ببطلان التقرير الطبي من مستشفى المعمورة للأمراض العقلية والنفسية لصدوره من مستشفى غير تلك التي أمرت المحكمة بإيداعه وملاحظته فيها، ومن أطباء لم يحلفوا اليمين القانونية، فأطرح الحكم هذا الدفع بما لا يسوغ إطراحه. كما أن تجديد فترة إيداعه المستشفى تم في غيبته.
وأغفلت المحكمة طلبه ضم ملف خدمته العسكرية وقوفاً على سبب إنهائها، فلم تورده ولم ترد عليه. وهو ما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد التي دان الطاعنين بها، وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات ومن اعتراف المتهم الأول - الطاعن الأول - بالتحقيقات ومن تقرير الصفة التشريحية، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لما أثاره دفاع الطاعن من اعتراضات على التقرير الطبي المودع عن حالة الطاعن وأطرحه في قوله: "وحيث إن ما أثاره الدفاع من اعتراضات على تقرير الخبرة المودع عن حالة المتهم الأول بمقولة أن إيداع المتهم كان بمكان غير المعين من قبل المحكمة إيداعه فيه وعدم حلف يمين من اللجنة التي باشرت المأمورية، فمردود ذلك أن الثابت بجلسة الأول من أبريل سنة 1997 بعد أن أُودع المتهم مستشفى الأمراض العقلية والنفسية بالمعمورة طلبت النيابة العامة استكمال إيداعه مرة أخرى بذات المستشفى فوافقت المحكمة على ذلك، ومن ثم يكون قرارها قد صادف محلاً وتم إيداع المتهم ذات المستشفى، وقدمت اللجنة تقريراً عن حالته العقلية والنفسية بالنتيجة المشار إليها في التقرير، وكان من المقرر أن محكمة الموضوع ليست ملزمة بإجابة الدفاع إلى ما يطلبه من ندب خبير آخر لتقدير حالة المتهم العقلية ما دامت قد استبانت سلامة عقله من موقفه في التحقيق ومن حالته النفسية ومن إجاباته على ما وجهت إليه من الأسئلة، ذلك أن تقدير حالة المتهم التي يترتب عليها الإعفاء من المسئولية الجنائية أمر يتعلق بوقائع الدعوى حتى يفصل فيه قاضي الموضوع، ومن المقرر أيضاً أن التقرير المقدم من اللجنة بدون حلف يمين يكون في قوة الاستدلالات المقيدة التي لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة في تقديرها. لما كان ذلك، وكانت المحكمة تطمئن - فضلاً عما استبانته من التحقيقات واعترافات المتهم الأول وسلامة عقله وحالته العقلية - أن التقرير المودع من المستشفى سليم ويتفق مع ما قررته المحكمة وطلب الدفاع، ويكون النعي على التقرير والتشكيك في عقلية المتهم مبنياً على غير أساس لعدم ثبوت آفة عقلية مانعة من المسئولية. وكان من المقرر أن تقدير آراء الخبراء وما يوجه إليها من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن من بطلان التقرير الطبي لصدوره في مستشفى غير التي حددتها المحكمة وأمرت بإيداع الطاعن بها لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل المستمد من تقرير الخبير، مما لا يقبل التصدي له أو معاودة الخوض فيه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان لا يقدح في سلامة النتيجة التي انتهى إليها الحكم ألا تكون اللجنة الطبية - التي تولت فحص الطاعن، وأعدت التقرير المقدم عنه للمحكمة - قد حلفت اليمين، ما دام كل عضو من أعضائها قد أدى يميناً عند مباشرته لوظيفته يغني عن تحليفه في كل قضية يحضر فيها أو تندبه المحكمة للقيام بمهمة بها، فضلاً عما هو مقرر من أنه يجوز الاستعانة بأهل الخبرة وطلب رأيهم شفاهة أو كتابة بغير حلف يمين، ومن ثم فليس هناك ما يمنع من الأخذ بالتقرير الطبي المحرر بمعرفة من قاموا بإجرائه ولو لم يحلفوا يميناً باعتباره ورقة من أوراق الاستدلال في الدعوى المنظورة أمام المحكمة - كما ورد بمدونات الحكم - وعنصراً من عناصرها ما دامت مطروحة على بساط البحث وتناولها الدفاع بالمناقشة. ومن ثم فإن هذا النعي يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان قرار المحكمة باستمرار إيداع الطاعن مستشفى الأمراض العقلية والنفسية لاستكمال المراقبة والفحص لا يلحقه البطلان إذا تم في غيبته، طالما يمكنه التمسك لدى محكمة الموضوع بما يكون قد لحق القرار من نقص أو عيب تقدره المحكمة شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة الأخرى. كما أنه إذا كان الدفع ببطلان القرار لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى إثبات استحالة حصول الواقعة كما رواها الشهود، بل يتجه إلى إثارة الشبهة في الدليل الذي اطمأنت إليه المحكمة - وكان الحكم قد عول على التقرير الطبي كقرينة معززة للأدلة التي استند إليها ولم يعول عليه بصفة أساسية - فإن النعي على الحكم بالتعويل على التقرير رغم بطلانه لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في حق محكمة الموضوع في تقدير الأدلة القائمة في الدعوى، وهو ما لا يقبل إثارته لدى محكمة النقض. لما كان الدفاع عن الطاعن قد أثار في مرافعته أن القصد من طلب ضم ملف خدمته العسكرية - وقوف المحكمة على حالته العقلية والنفسية التي كانت سبباً في إنهاء خدمته العسكرية - وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أدلة الثبوت في الدعوى، ولا يجوز مصادرتها في عقيدتها، فلا عليها إن هي التفتت عن هذا الطلب فلم تورده أو ترد عليه بعد أن اطمأنت إلى حالة الطاعن العقلية مما تضمنه التقرير الطبي الصادر من مستشفى المعمورة للأمراض العقلية والنفسية، ويكون النعي على الحكم في هذا الخصوص غير سديد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ثانياً: عن الطعن المقدم من الطاعن الثاني:
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد قد شابه التناقض في التسبيب والفساد في الاستدلال، ذلك أن تحصيل الحكم للواقعة يناقض تصوير بعض شهود الإثبات لها ولكيفية حدوثها، ففي حين أثبت في مقام تحصيل الواقعة أن دور الطاعن انحصر في مساعدة الطاعن الأول في طرح المجني عليه أرضاً ليمكنه وآخرين من الإجهاز عليه، عاد وأثبت في مقام تدليله على قيام نية القتل أنه كان يحمل سلاحاً انهال به على المجني عليه بعد أن سقط أرضاً. كما استظهر نية القتل لديه بما لا يسوغ توافرها - وهو ما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إنه لما كان من المقرر أنه لا يشترط في شهادة الشاهد أن تكون واردة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق بل يكفي أن يكون من شأن تلك الشهادة أن تؤدي إلى هذه الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه محكمة الموضوع يتلاءم به ما قاله الشاهد بالقدر الذي رواه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها، ولا يلزم أن تكون الأدلة التي يعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى، إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة ولا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حده دون باقي الأدلة، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اقتناع المحكمة واطمئنانها، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أثبت في منطق سائغ وتدليل مقبول أن الطاعنين اتفقت كلمتهما على قتل المجني عليه وأن كلاً منهما أسهم تحقيقاً لذلك بالدور الذي أعد له في خطة تنفيذ تلك الجريمة حسبما يبين من أقوال شهود الواقعة واعتراف الطاعن الأول على النحو الذي أورده الحكم في بيانه لواقعة الدعوى ورتب عليه أن كلاً من الطاعنين قد ارتكب جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص يعد من قبيل الجدل الموضوعي في تقدير الأدلة وهو من إطلاقات محكمة الموضوع، مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض، وإذ كان تناقض روايات بعض الشهود في بعض تفاصيلها لا يعيب الحكم أو يقدح في سلامته، ما دام قد استخلص من أقوالهم الحقيقة استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه - كما هو الشأن في الدعوى الماثلة - وهو ما يكشف عن أن المحكمة أقامت قضاءها على عناصر سائغة اقتنع بها وجدانها. ومن ثم فإن منعى الطاعن في هذا الصدد لا يعدو أن يكون محاولة إعادة الجدل في تقدير أدلة الدعوى مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لنية القتل وثبوتها بقوله: "وحيث إنه عن نية القتل فهي متوافرة في الأوراق، ذلك أن الثابت في التحقيقات أن المتهم الأول والثاني - الطاعنان - كانا في اعتدائهما على المجني عليه ينويان إزهاق روحه فعلاً وليس مجرد الإيذاء، وآية ذلك أنهما واصلا الطعنات بعد سقوطه على الأرض بعدة طعنات أودعاها كل قوتهما فنفذت وكانت في مقتل وظل المتهم الأول يوالي الطعنات كيفما يريد ويشاء ولم يتركه ويتوقف عن الطعن إلا بعد أن أجهز عليه ذبحاً تاماً، وإذ واجهته النيابة العامة بقتل المجني عليه عمداً اعترف بذلك، وقد تناول تقرير الصفة التشريحية بيان هذه الطعنات التي أحدثها المتهم بالمجني عليه، فكان في عرضه لها ووصفه لطبيعتها ما يؤكد أن المتهم كان ينوي فعلاً إزهاق روحه وآزره في ذلك شقيقه المتهم الثاني - الطاعن الثاني - فمن جماع ما تقدم تقنع المحكمة بتوافر ركن نية القتل لدى المتهمين معاً". وكان من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر، وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية. وكان ما أورده الحكم فيما سلف يكفي في استظهار نية القتل، ومن ثم ينحسر عن الحكم قالة القصور في هذا المنحى. كما أنه لا تناقض بين ما أورده الحكم في معرض تحصيله للواقعة، وما أثبته في مقام تدليله على ثبوت نية القتل، ذلك أن توافر ظرفي سبق الإصرار والترصد في حق الطاعنين يرتب تضامناً في المسئولية الجنائية كل منهما مسئول عن جريمة القتل التي وقعت تنفيذاً لقصدهما المشترك باعتبارهما فاعلين أصليين طبقاً للمادة 39 عقوبات سواء كان محدث الإصابات التي أدت إلى الوفاة معلوماً ومعيناً من بينهما أو غير معلوم. وكان التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر، ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة، والذي من شأنه أن يجعل الدليل متهادماً متساقطاً لا شيء فيه باقياً يمكن أن يعتبر نتيجة سليمة يصح الاعتماد عليها. وأنه لا يعيب الحكم خطؤه في الإسناد ما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة. وكان الحكم المطعون فيه قد اعتنق صورة واحدة ساق الأدلة عليها دون تناقض. فإن ما يثيره الطاعن من دعوى التناقض يكون غير سديد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون - كسابقه - على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.