مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة والثلاثون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1991 إلى آخر سبتمبر سنة 1991) - صـ 1408

(143)
جلسة 8 من يونيه سنة 1991

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة محمود عبد المنعم موافي وإسماعيل عبد الحميد إبراهيم ود. محمود صفوت عثمان وأحمد شمس الدين خفاجي - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 2846 لسنة 34 القضائية

أ - دعوى الحكم في الدعوى - أسباب بطلان الأحكام - اشتراك مفوضي الدولة في إصداره.
المادة 146 من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادرة بالقانون رقم 13 لسنة 1986 التي تختص هيئة مفوضي الدولة بتحضير الدعوى وإعدادها للمرافعة وإبداء الرأي القانوني مسبباً بتقرير غير ملزم للمحكمة تودع فيها - إثر ذلك أعضاء هذه الهيئة وهم أعضاء بمجلس الدولة يؤدون واجبهم باعتبارهم أعضاء بمجلس الدولة بتجرد القضاة وحيدتهم باعتبار أن الهيئة التي يتشاركون في تكوين أدائها إعمال رسالتها جزء من كيان مجلس الدولة وتمثل في تشكيل المحاكم المختصة فإنهم يخضعون بالحتم والضرورة للمبادئ العامة الأساسية التي تحتم استغلال القاضي وحيدته ويحرده في أداء واجبه وتحقيق رسالته في إقامة العدالة وإعلاء سيادة القانون - نتيجة ذلك - إعداد تقرير هيئة مفوضي الدولة في أية دعوى يجعل من يشارك في إصدار حكمها من أعضائها غير صالح لنظرها والفصل فيها - أساس ذلك - فقده الصلاحية لأداء رسالة القاضي في دعوى أبدى وأيد كمفوض فيها مثله في ذلك باقي أعضاء المحكمة التي تفصل في الدعوى - تطبيق.
ب - دعوى - الحكم في الدعوى - الطعن في الأحكام - ولاية المحكمة الإدارية العليا عند نظر الطعن.
إذا شاب الحكم المطعون فيه بطلان جوهري يتحدد به إلى درجة الانعدام بسبب عدم صلاحية أحد أعضاء الهيئة لنظر الدعوى - يمتنع على المحكمة الإدارية العليا التصدي للفصل في موضوع الدعوى - أساس ذلك نظر الدعوى في هذه الحالة يعتبر بمثابة نظر الموضوع لأول مرة أمام المحكمة الإدارية العليا وبتطوى على إخلال جسيم بإجراءات التقاضي الأساسية التي تتصل بالنظام العام القضائي لما ينعوي عليه من تقويب درجة من درجاته - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الخميس الموافق 21/ 7/ 1988 أودع الأستاذ/ نبيل حسن متولي المحامي نائباً عن الأستاذ/ فتحي رجب المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن قيد رقم 2846 لسنة 34 القضائية عليا في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري دائرة منازعات الأفراد والهيئات في الدعوى رقم 2508 لسنة 36 ق بجلسة 7/ 6/ 1988 والقاضي بقبول الدعوى شكلاً وبرفضها موضوعاً وإلزام المدعي بالمصروفات وطلب الطاعن للأسباب المبينة بتقرير الطعن الحكم أولاً: بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه ثانياً: قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون وتقرير ثبوت الجنسية المصرية وبإلغاء الحكم المطعون فيه وتقرير ثبوت الجنسية المصرية للطاعن وبإلغاء قرار عدم تجديد جواز سفره وإلزام المطعون ضده المصروفات.
وقد تم إعلان الطعن على الوجه المبين بالأوراق وقدم السيد المستشار/……… مفوض الدولة تقريراً بالرأي القانوني لهيئة مفوضي الدولة ارتأى للأسباب الواردة به تفصيلاً الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه ببطلان الحكم وإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري دائرة منازعات الأفراد والهيئات لنظرها من جديد في دائرة أخرى مع إبقاء الفصل في المصروفات.
وقد عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 3/ 12/ 1990 وتداوول نظرها أمامها على النحو الثابت بمحاضر الجلسات حيث قررت بجلسة 4/ 3/ 1991 إحالته إلى المحكمة وتحدد لنظره أمامها جلسة 23/ 3/ 1991 وبعد أن استمعت المحكمة إلى ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ومرافعات الطرفين قررت حجزها للحكم بجلسة 20/ 4/ 1991 وبهذه الجلسة قررت مد أجل النطق بالحكم لجلسة 1/ 6/ 1991 لإتمام المداولة ثم قررت مد أجل النطق بالحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة والمداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق في أن الطاعن السيد/ فارس صادق الأباصيري المدعي أقام دعواه الصادر فيها الطعين ضد المطعون ضده السيد وزير الداخلية بصفته بعريضة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بتاريخ 30/ 12/ 1982 وقيدت برقم 2508 لسنة 36 ق وطلب المدعي في ختامها الحكم أولاً: بوقف تنفيذ قرار مصلحة وثائق السفر والهجرة والجنسية الصادر برفض تحديد جواز سفر المدعي ثانياً: وفي الموضوع باعتبار المدعي مصري الجنسية وبإلغاء قرار عدم تجديد جواز سفر للمدعي باعتباره مصري الجنسية مع إلزامه بالمصروفات والأتعاب وقال في بيان دعواه إنه يحمل جواز سفر مصري رقم 157101 أصدرته له مصلحة وثائق السفر والهجرة والجنسية بتاريخ 29/ 12/ 1975 وأثبتت فيه أنه صرف على أساس المادة الثانية من القانون رقم 82 لسنة 1958 بشأن الجنسية أي لي أساس أنه مولود لا بيتمتع بهذه الجنسية وبتاريخ أول يناير 1980 أعاد استخراج جواز سفر آخر رقم 3021 ولكن المصلحة حددت بمدة سنة على الجواز بألا يجدد قبل الرجوع إلى المصلحة بقسم الجنسية ثم تجددت الصلاحية مع إضافة نفس التحفظ وأضاف المدعي أنه فوجئ عند تقدمه لتجديد جواز سفره بامتناع المصلحة عن ذلك بزعم أنه من مواليد حيفا عام 1936 وأن عليه أن يثبت أنه من مواليد لأب مصري بينما سبق للمدعي عند استخراج جواز سفره رقم 157101 أن قدم شهادة ميلاده وثابت فيها أنه ولد لأبوين مصريين كما قدم بطاقته الشخصية الصادرة من سجل مدني مصر القديمة فتظلم إلى وزير الخارجية ولكن الوزارة لم ترد عليه.
واستطرد المدعي أنه من المعلوم صعوبة إثبات الجنسية الأصلية القائمة على حق الدم إذ تستلزم إثبات جنسية الفرد تعقب سلسلة الأجيال السالفة إلى ما لا نهاية وقد استقر القضاء المصري على الاعتداد بالحالة الظاهرة كقرينة قضائية تكفي في حد ذاتها لإثبات الجنسية الأصلية القائمة على حق الدم وهو ما يحمل في طياته التسليم بعدم إمكان اللجوء إلى دليل قطعي آخر ولا خلاف في الفقه حول كفاية الحالة الظاهرة كدليل لإثبات الجنسية المصرية الأصلية على حق الدم وأن الحالة الظاهرة متى توافرت لها مظاهرها الخارجية تكون حجة على تمتع الشخص بالجنسية المصرية وذلك ما لم يقدر الدليل على عكس ما تشهد به الحالة وقال المدعي إنه يحمل شهادة ميلاد تثبت أنه ولد في حيفا من أب مصري وأم مصرية وهي صادرة من حكومة الانتداب في فلسطين بتاريخ 20/ 6/ 1938 وأن والد المدعي بنى مقبرة له في مصر بتاريخ 26/ 2/ 1923 حيث دفن فيها بعد وفاته في 25/ 8/ 1974 وأن المدعي قام باستخراج شهادة ميلاد باعتباره من ساقطي القيد وأنه يحمل بطاقة شخصية مستخرجة من السجل المدني بمصر القديمة في 25/ 12/ 1975 وهي لا تعطى إلا للمصريين وأن مصلحة الجوازات وقد أصدرت للمدعي جواز سفر مصري وأعقبته بآخر وأن المدعي مقيد منذ سنوات في السجل التجاري وفي سجل المستوردين وباشر أعمال الوكالة التجارية باعتباره مصرياً وقد تحدد لنظر الشق المستعجل من الدعوى جلسة 20/ 4/ 1982 أمام محكمة القضاء الإداري والتي قررت 2/ 10/ 1982 إحالتها إلى هيئة مفوضي الدولة لتحضيرها وإعداد تقرير بالرأي القانوني في الدعوى بشقيها وتم تحضير الدعوى على النحو الثابت بالأوراق وقدم المدعي ثلاث حوافظ بالمستندات كما قدمت الجهة الإدارية حافظة مستندات تحوي ملف الإقامة وملف الجنسية الخاص بوالد المدعي وملف الإقامة الخاص بشقيقته وملف إقامة المدعي كما أودعت فتوى إدارة الفتوى لوزارة الداخلية ملف رقم 47/ 1/ 20/ 99 وفي 18/ 2/ 1982 التي انتهت إلى أن المدعي غير متمتع بالجنسية المصرية وخلص الحكم إلى أن الأوراق قد خلت مما يفيد تمتع والده المدعي بالجنسية المصرية باتصافه بالرعوية العثمانية وإقامته في مصر في الفترة من 5 من نوفمبر سنة 1914 حتى 10 مارس 1929 إذ لم يقدم والد المدعي ما يفيد ميلاده بمصر قبل 5 نوفمبر سنة 1914 ولم يثبت أيضاً وجوده وأن المدعي في إحدى الحالات الأخرى المنصوص عليها في القانون والتي اعتبرهم المشرع مصريين فإن المدعي لا يُعتبر مصرياً ما دامت لم تثبت لوالده الجنسية المصرية ولا يغير من هذا حصول المدعي على بطاقة شخصية صادرة من سجل مدني مصر القديمة أو على بطاقة استعدادية إذ أن هذه الوثائق لم تعد لإثبات الجنسية فضلاً عن أنه لا حجية لما أثاره المدعي من سبق صرف جواز سفر مصري له إذ إن حصول المدعي على جواز سفر مصري لا يعني وحده تمتعه بالجنسية المصرية التي حدد من يتمتع بها القانون ذاته.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل أن الحكم المطعون فيه قد شابه البطلان كما أن أنه قد خالف القانون ويتعارض مع ما استند إليه من أسباب قانونية مع المبادئ المستقرة في قضاء المحكمة الإدارية العليا في مسائل الجنسية على النحو الآتي:
أولاً: اشترك السيد المستشار....... اشترك في إصدار الحكم المطعون 1413 فيه بالرغم من أنه أعد تقرير هيئة مفوضي الدولة في القضية الصادر فيها الحكم وهو أمر مخالف للقانون ويجعل الحكم باطلاً.
ثانياً: لم يأخذ الحكم المطعون فيه بفكرة التوطن كأساس لاكتساب المدعي الجنسية المصرية وفقاً لحكم الفقرة لأولى من المادة الأولى من القانون رقم 26 لسنة 1975 والتي تنص على المتوطنين في مصر قبل 5 نوفمبر سنة 1914 من غير رعايا الدول الأجنبية المحافظين على إقامتهم فيها حتى تاريخ العمل بهذا القانون وتعتبر إقامة الأصول مكملة لإقامة الفروع وأن المستندات المقدمة من المدعي قطعت في توطن أسرته بمصر من قديم الزمان واتخاذها وطناً ثابتاً لهم فجد الطاعن كان يعمل بمصلحة السجون في أسيوط سنة 1899 ثم نقل إلى سجن طره وظل بها حتى سنة 1904 حيث استقال من الخدمة وأقام بعد ذلك بمدينة الفيوم حتى توفى ودفن بها سنة 1915 ثم كان أصل يرجع إلى والد جده الشيخ أحمد الأباصيري الذي كان - عمدة للجيزة (أبو صير) وبالنسبة لوالد الطاعن فقد ولد بالجيزة سنة 1903 وأقام بمدينة دسوق وثبت من تحريات فرع المباحث العامة بتاريخ 21/ 11/ 1954 وظل متوطناً بمصر حتى وفاته بالأميرية بالقاهرة ودفن بمقابر الليثي في المقبرة التي اشتراها من محافظ القاهرة في 26/ 12/ 1924 كما أطلقت محافظة الجيزة لقب الأسرة على شارع هام بالجيزة هو شارع الأباصيري.
3) أغفل الحكم المطعون فيه الرد على ما استند إليه المدعي من التمسك بثبوت الجنسية المصرية له تأسياً على توافر أركان الحالة الظاهرة في حالته ورغم أنه وفقاً لما قدمه من مستندات لوصفها تثبت أن شروط الحالة الظاهرة بعناصرها الثلاثة متوافرة فيه وهي الاسم والشهرة والمعاملة.
ومن حيث إنه يتعين بادئ بدء أن تتعرض المحكمة لوجه الطعن الذي يستند إلى أن الحكم المطعون فيه قد صدر مشوباً - بالبطلان لما شاب تشكيل هيئة المحكمة من اشتراك مفوض الدولة الذي كتب تقريراً بالرأي القانوني مسبباً لهيئة مفوضي الدولة في الدعوى.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن السيد المستشار....... كان عضواً في هيئة محكمة القضاء الإداري التي نظرت الدعوى الماثلة وأصدرت فيه رغم أنه سبق أن أبدى فيها عندما كان مفوضاً لدى هذه المحكمة وذلك بأن أعد التقرير الأصلي بالرأي القانوني الموقع من سيادته بصفته المقرر وقد تم اعتماده وإيداعه باسم هيئة الدولة المودع بملف الدعوى في 26 من نوفمبر سنة 1986.
ومن حيث إنه وفقاً لصريح أحكام الدستور فإن السلطة القضائية مستقلة وتتولها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها وتصدر أحكامها وفق القانون من قضاة مستقلين لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ولا يجوز لأية سلطة التدخل في القضايا أو في شئون العدالة (المواد 165، 166، 169) وأن استقلال القاضي وحصانته ضمانان أساسيان لحماية الحقوق والحريات وحق الدفاع أصالة أو بالوكالة لكل إنسان وتصدر هذه الأحكام القضائية وتنفذ باسم الشعب ويكون الامتناع عن تنفيذها أو تعطيل تنفيذها من جانب الموظفين العموميين المختصين جريمة يعاقب عليها القانون (المواد 64، 65، 68، 72) ومن ثم فإنه من المبادئ العامة الأساسية في تنظيم القضاء المصري حتمية توفير الصلاحية في القاضي لنظر الدعوى بأن يكون مستقلاً ومحايداً وخالي الذهن من موضوع المنازعة لا يلزمه رأي أو يحرجه سلوك أو موقف أو صلة بالخصوم ولا يلزمه مسبقاً برأي فيما هو مطروح عليه من نزاع للفصل فيه كامل الهيبة باستقلال ضميره يرتفع على منصة القضاء لمباشرة ولايته على كل خصم وكل خصومة ولاءه واحترامه لسيادة الدستور والقانون، وغايته وهدفه أداء رسالته في إقامة العدالة بين المواطنين، وإعلاء كلمة الحق في ربوع وطنه وإرهاق كل تصرف أو عمل باطل وإنصاف المظلوم من المظالم، ومن حيث إنه تطبيقاً لهذه المبادئ الأساسية التي ورد عليها النص صراحة في الدستور تمكيناً للقضاء من أداء رسالته ومباشرة ولايته وقد نصت المادة 146 من قانون المرافعات الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1986 بأن يكون القاضي غير صالح لنظر الدعوى ممنوعاً من سماعها ولو لم يرده أحد الخصوم في أحوال معينة من بينها ما أقره في الفقرة (5) منها التي تنص على أنه قد أفتى أو ترافع عن أحد الخصوم في الدعوى أو كتب فيها ولو كان ذلك قبل اشتغاله بالقضاء أو كان قد سبق له نظرها قاضياً أو خبيراً أو محكماً أو كان قد أدى شهادة فيها، وتنص المادة (147) من هذا القانون على أن يقع باطلاً عمل القاضي أو قضاؤه في الأحوال المتقدمة الذكر ولو تم باتفاق الخصوم وإذا وقع هذا البطلان في حكم صدر من محكمة النقض جاز للخصم أن يطلب منها إلغاء الحكم وإعادة نظر الطعن أمام دائرة أخرى.
ومن حيث إنه وإن كانت هيئة مفوضي الدولة بمجلس الدولة لا تتولى إصدار أحكام في الأقضية والمنازعات التي تقضي فيها محاكم مجلس الدولة بل تقوم بتحضير الدعوى وإعدادها للمرافعة، وإبداء الرأي القانوني مسبباً بتقرير غير ملزم للمحكمة تودعه فيها، فإن أعضاء هذه الهيئة وهم أعضاء بمجلس الدولة يؤدون واجبهم في هذا الشأن باعتبارهم أعضاء بمجلس الدولة يتجرد القضاة وحيدتهم وباعتبار أن الهيئة التي يشاركون في تكوين أدائها وأعمال رسالتها جزء من كيان مجلس الدولة وتمثل في تشكيل المحاكم المختصة فإنهم يخضعون بالحتم والضرورة للمبادئ العامة الأساسية التي تحتم استقلال القاضي وحيدته وتجرده في أداء واجبه وتحقيق رسالته في إقامة العدالة وإعلاء سيادة القانون، ومن ثم فإن إعداد تقرير هيئة مفوضي الدولة في أية دعوى يجعل من يشارك في ذلك من أعضائها غير صالح لنظرها والفصل فيها بذاتها بعد ذلك كقاضي جالس في إحدى محاكم مجلس الدولة، وذلك لفقده الصلاحية لأداء رسالة القاضي في دعوى أبدى رأيه كمفوضي فيها مثله في ذلك مثل باقي أعضاء المحكمة التي تفصل في الدعوى في تشكيل المحكمة التي تتولى ذلك.
ومن حيث إنه تأسيساً على ما تقدم وإذا ثبت على الوجه الذي سلف بيانه أن أحد أعضاء المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه وهو المستشار محمود إبراهيم عطا الله قد لحق به سبب من أسباب عدم الصلاحية لنظر الدعوى يبطل تشكيل المحكمة ويبطل بالتالي كل ما صدر عنها من إجراءات أو أحكام بشأن ذات الدعوى، ومن ثم فإن الحكم الطعين يكون قد صدر باطلاً ويتعين لذلك القضاء بإلغائه.
ومن حيث إنه رغم أن الدعوى قد تكون مهيأة للفصل في موضوعها فإنه لا وجه للقول بأن المحكمة العليا تتصدى في هذه الحالة لنظرها والحكم فيها ذلك لأن قضاء هذه المحكمة جرى على أن الحكم المطعون فيه إذا شابه بطلان جوهري ينحدر به إلى درجة الانعدام بسبب عدم صلاحية أحد أعضاء الهيئة لنظر الدعوى فإنه يمتنع على المحكمة الإدارية العليا التصدي للفصل في موضوع الدعوى لأن ذلك يعتبر في حقيقة الأمر وواقع الحال وفقاً لصحيح حكم القانون بمثابة نظر الموضوع لأول مرة أمام المحكمة الإدارية العليا وينطوي ذلك بلا شك على إخلال جسيم بإجراءات التقاضي الأساسية التي تتصل بالنظام العام القاضي لما ينطو على الحالة الماثلة من تفويت درجة من درجاته التي نظمها قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 وفي ذلك إخلال جسيم بحق الدفاع يخالف صحيح أحكام الدستور والقانون هذا بالإضافة إلى أن التصدي للفصل في موضوع الدعوى من المحكمة الإدارية العليا إذا كانت الدعوى مهيأة للفصل في موضوعها وفقاً لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة يستهدف طبيعته وغاياته حسم الدعوى أو المنازعة الإدارية بسرعة لتستقر الأوضاع أو المراكز القانونية للإدارة ومن تقاضيها على أساس سليم من المشروعية وسيادة القانون وبعد أن تستنفد محكمة أول درجة ولايتها وتفصل بحكم يعتد قانوناً بوجوده وصدوره وإن صدر مخالفاً للقانون بما يوجب على المحكمة الإدارية العليا مباشرة ولايتها في محاكمة الحكم بميزان القانون والشرعية وإنزال صحيح حكمه على الدعوى دون إخلال بأسس النظام العام للتقاضي أمام محاكم مجلس الدولة ومع مراعاة عدم الإخلال بأي وجه بحق الدفاع الذي كفله الدستور للمتقاضين (المادة 69 من الدستور)، ومن حيث إنه من الأسس الحاكمة للنظام العام القضائي لمحاكم مجلس الدولة أن محكمة القضاء الإداري وإن كانت تصدر أحكام نهائية واجبة النفاذ فإنها يجوز الطعن عليها أمام هذه المحكمة إذا شابها عيب مخالفة الحكم لصحيح أحكام القانون، وحتى يتحقق التطبيق السليم للقانون فإنه يتعين لمباشرة المحكمة الإدارية العليا لحقها في التصدي للفصل في موضوع الدعوى أن يكون الحكم الطعين صادراً من محكمة القضاء الإداري من هيئة مشكلة تشكيلاً صحيحاً ولم يقم بأحد أعضائها سبب من أسباب عدم الصلاحية لنظر الدعوى الأمر الذي يتعين معه إعادة القضية للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى من دوائر محكمة القضاء الإداري.
ومن إنه إذا لم يتم الفصل في الدعوى فإنه يتعين إبقاء الفصل في المصروفات تطبيقاً للمادة 184 مرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبإلغاء الحكم المطعون فيه وأمرت بإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى وأبقت الفصل في المصروفات.