أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 22 - صـ 118

جلسة 26 من يناير سنة 1971

برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: بطرس زغلول، وأحمد حسن هيكل، وعباس حلمي عبد الجواد، ومحمد أسعد محمود.

(21)
الطعن رقم 272 لسنة 36 القضائية

( أ ) عقد. "تفسير العقد". "محكمة الموضوع". "سلطتها في تفسير العقد".
سلطة محكمة الموضوع في تفسير العقود. التزامها بعدم الخروج عن المعنى الظاهر لعبارتها.
(ب) نقض. "أسباب الطعن". "أسباب يخالطها واقع" مقاولة. التمسك بقرار رئيس الجمهورية القاضي بتحديد قيمة ما يعهد به من أعمال إلى المقاول في السنة. دفاع يخالطه واقع. عدم جواز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
(جـ) إثبات. "طرق الإثبات". "البينة". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
استقلال قاضي الموضوع بتقدير أقوال الشهود طالما لم يخرج عن مدلولها.
1 - إذا كان يبين مما أورده الحكم المطعون فيه أنه إذ فسر عبارة العقد قد التزم في تفسيره المعنى الظاهر لمدلولها، فإنه لا معقب عليه في هذا التفسير.
2 - لا يجوز التمسك لأول مرة أمام محكمة النقض بقرار رئيس الجمهورية رقم 1203 لسنة 1961 المعدل بالقرار رقم 1049 لسنة 1962 - والذي يقضي بحظر ما يعهد به من الأعمال إلى المقاول الواحد في السنة بأكثر من مائة ألف جنيه - لأن هذا الدفاع يخالطه واقع، وهو تقدير قيمة العمل المسند إلى المطعون ضده (المقاول)، ولم يقدم الطاعن ما يدل على أن عناصره الواقعية كانت مطروحة على محكمة الموضوع.
3 - تقدير أقوال الشهود مرهون بما يطمئن إليه وجدان قاضي الموضوع ولا سلطان لأحد عليه في ذلك إلا أن يخرج بتلك الأقوال إلى ما لا يؤدي إليه مدلولها. وإذ كانت محكمة الاستئناف فيما استخلصته من أقوال الشهود لم تخرج عن مدلولها، وهو استخلاص سائغ ومن شأنه أن يؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون مجادلة في تقدير المحكمة لشهادة الشهود بغية الوصول إلى نتيجة أخرى غير تلك التي أخذ بها الحكم بعد أن اطمأن إليها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق تتحصل في أن المطعون ضده أقام على الطاعن الدعوى رقم 2110 سنة 1963 تجاري كلي القاهرة وطلب فيها الحكم بإلزامه بأن يدفع له مبلغ 13076 جنيهاً، وقال بياناً لها إن شركة فيس وبرت ديجان عهدت إليه بعملية حفر وتوسيع وتعميق ترعة الكلابية مركز إسنا، وإنه على أثر ذلك اتفق مع الطاعن بعقد تاريخه 21 فبراير 1963 على أن يقوم بحفر ثلاثمائة ألف متر مربع بسعر المتر المكعب 145 مليماً وسلمه 24500 جنيه على ذمة العملية وإذ توقف الطاعن عن العمل بعد أن أتم حفر 78793 متراً فقد أقام عليه الدعوى بدفع المبلغ المطالب به وهو ما يحصل عليه زيادة عما يستحقه مقابل ما أداه من أعمال. دفع الطاعن بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة قولاً بأنه لم يتعاقد مع المطعون ضده عن نفسه وإنما تعاقد معه بصفته وكيلاً عن شركة فيس وبرت ديجان، وأبدى دفاعه في الموضوع بأنه اتفق مع هذه الشركة على رفع سعر الحفر إلى 180 مليماً للمتر المكعب وأنها دفعت له على هذا الأساس مبلغ 5000 جنيه وأنه قام بحفر مائة وعشرين ألفاً من الأمتار المكعبة. وبتاريخ 20/ 5/ 1964 ندبت محكمة أول درجة أحد الخبراء المهندسين بوزارة الأشغال لتحقيق دفاع الطرفين ثم عادت وقضت في 23/ 12/ 1964 بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت كل من الطرفين ما ادعى به على أن يكون لكل منهما نفي ما يثبته الآخر. وبعد أن سمعت المحكمة شهود الطرفين حكمت في 12/ 5/ 1965 بإلزام الطاعن بأن يدفع للمطعون ضده مبلغ 7765 جنيهاً وضمنت أسباب حكمها القضاء برفض الدفع بعدم قبول الدعوى. استأنف الطرفان هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئنافين رقمي 435، 493 لسنة 82 ق وقررت تلك المحكمة ضم الاستئنافين ليصدر فيهما حكم واحد، ثم قضت في 22 مارس سنة 1966 بتعديل الحكم المستأنف إلى إلزام الطاعن بأن يؤدي إلى المطعون ضده مبلغ 10525 جنيهاً. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره صممت النيابة على رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين ينعى الطاعن بأولهما على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك يقول أن الحكم أقام قضاءه برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة على أن ما جاء في العقد المؤرخ 21/ 2/ 1963 من أن المطعون ضده موكل بتنفيذ مشروع تعديل وتوسيع وتعميق ترعة الكلابية الراسي على شركة فيس وبرت ديجان يفيد أن عملية الحفر قد تم التعاقد بشأنها بينه وبين المطعون ضده باعتباره مقاولاً من الباطن لا بصفته وكيلاً عن هذه الشركة استناداً إلى أن هذا هو المعنى الظاهر لمدلول عبارة العقد، وأنه هو ما قصده المتعاقدان مستهدياً في ذلك بالظروف التي تم فيها التعاقد وبإقرار الشركة، ويرى الطاعن أن هذا الذي ذهب إليه الحكم في تفسير العقد مجاف لعبارته الواضحة الصريحة في أن المطعون ضده إنما كان وكيلاً عن الشركة في تعاقده مع الطاعن فلا يجوز الانحراف عنها من طريق التفسير والتأويل، كما أن الحكم حين فسر عبارة العقد بالمعنى المتقدم قد خرج بالوكالة عن مدلولها الصحيح لأن هذه العبارة وإن أفادت إسناد العمل إلى المطعون ضده فإذ ذلك بمجرده لا يجعل منه مقاولاً من الباطن لاحتمال أن يكون إسناد العمل إليه كان بناء على عقد آخر، وعلى الرغم من أن المطعون ضده كان يعمل موظفاً بالشركة المشار إليها مما لا يمكن معه أن يكون مقاولاً ولا محترفاً التجارة، ومن أن العملية التي أسندت إلى المطعون ضده تزيد قيمتها على مائة ألف جنيه وهو النصاب المحدد بالقرار الجمهوري رقم 1203 الصادر في 20 يوليه سنة 1961 المعدل بالقرار رقم 1049 الصادر في 24 مارس سنة 1962 والذي يقضي بحظر ما يعهد به من الأعمال إلى المقاول الواحد في السنة بأكثر من هذا المبلغ، فإن الحكم المطعون فيه فسر رغم ذلك عبارة العقد بأن المطعون ضده تعاقد بصفته مقاولاً من الباطن ورتب على ذلك قضاءه برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وهو ما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة على قوله "الواضح من عقد فبراير سنة 1963 أن المهندس وديع صليب المطعون ضده إنما تعاقد عن نفسه ولنفسه ولم يذكر اسم شركة فيس وبرت ديجان إلا لتحديد العمل الذي رسا أصلاً على هذه الشركة ثم أسندته إلى المهندس وديع صليب، وما ذكر في صدر البند الأول من أن هذا العمل موكل تنفيذه إلى المهندس وديع صليب لا يفيد أنه وكيل عن الشركة وإنما يعتبر بوضوح أنه عمل أسند تنفيذه إليه ويجعله وبالتالي مقولاً من الباطن في التنفيذ" ولما كان يبين من هذا الذي أورده الحكم أنه إذ فسر عبارة العقد بأن المطعون ضده قد تعاقد مع الطاعن بصفته مقاولاً من الباطن قد التزم في تفسيره لهذه العبارة المعنى الظاهر لمدلولها، فإنه لا معقب عليه في هذا التفسير. لما كان ذلك وكان ما ينعى به الطاعن من أن المطعون ضده يعمل موظفاً في الشركة الراسي عليها مشروع توسيع وتعميق ترعة الكلابية مما لا يمكن معه أن يكون مقاولاً من الباطن، مردود بما جاء في الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال إلى أسبابه من قوله "إن الثابت من الشهادة المؤرخة 4/ 6/ 1964 الصادرة من شركة فيس وبرت ديجان وشركاهم أنها قامت في 30/ 4/ 1963 بصرف مبلغ 5000 جنيه للمدعى عليه "الطاعن" بتحويل تليفوني من بنك القاهرة على فرع بنك مصر بسوهاج بناء على طلب المدعي "المطعون ضده" المقاول من الباطن وتحت مسئوليته دون أي التزام على الشركة ودون أن يترتب على دفع ذلك المبلغ أي ارتباط بين الشركة ومقدم الأنفار مما يفيد أن المدعي هو مقاول من الباطن" وكان هذا من الحكم استدلالاً سائغاً، وإذ لا يجوز التمسك لأول مرة أمام هذه المحكمة بقرار رئيس الجمهورية رقم 1203 سنة 1961 المعدل بالقرار رقم 1049 سنة 1962 لأن هذا الدفاع يخالطه واقع وهو تقدير قيمة العمل المسند إلى المطعون ضده، ولم يقدم الطاعن ما يدل على أن عناصره الواقعية كانت مطروحة على محكمة الموضوع. لما كان ما تقدم فإن النعي على الحكم المطعون فيه بأنه فسر العقد باعتبار المطعون ضده مقاولاً من الباطن يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم أقام قضاءه على مجرد الظن والتخمين إذ اعتمد في ذلك على أقوال شاهد المطعون ضده التي تتحصل في أن عدداً من المقاولين قدروا ما قام به الطاعن من حفر بثمانين ألف متر من الأمتار المكعبة دون أن يستظهر الحكم الأساس الذي بني عليه هذا التقدير ومن قام به من المقاولين ومدى خبرتهم، مع أنه كان يجب تحديد ذلك بمعرفة خبير فني في شئون الري، وعلى الرغم من أن المطعون ضده أقر في الإنذار الذي أعلنه له في 2/ 12/ 1963 بأن الطاعن قام بحفر مائة وعشرين ألف متر مكعب، فإن محكمة الموضوع قد غفلت عن هذه الواقعة الجوهرية التي لو فطنت إليها لما قضت على أساس أقوال شاهد المطعون ضده ومبناها الظن والافتراض وهو ما يعيب الحكم بالقصور في التسبيب. ويضيف الطاعن أن الحكم المطعون فيه قد أخل بحقه في الدفاع إذ قرر أنه عجز عن إثبات مقدار ما قام به من حفر مع أن الثابت أنه تمسك أمام محكمة الموضوع بتحقيق هذه الواقعة بواسطة خبير فني متخصص في شئون الري، وأنه قام بدفع الأمانة التي قدرتها المحكمة للخبير الذي ندبته لهذا الغرض عندما امتنع المطعون ضده عن دفعها، ولكنها عدلت عن تنفيذ الحكم الصادر بذلك وهو ما ينطوي على الإخلال بحقه في الدفاع.
وحيث إن النعي في شقه الأول مردود، ذلك أنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه أورد في هذا الخصوص قوله "إن المهندس وديع صليب - المطعون ضده - أشهد عبد الرحمن سليمان عمر الذي شهد بأن عدداً من المقاولين قدروا ما قام عبد الرحيم محمد عبد الرحمن "الطاعن" بحفره بـ 80 ألفاً من الأمتار المكعبة وأن سعر المتر السائد حتى وقت الشهادة هو 145 مليماً وأشهد عبد الرحيم محمد عبد الرحيم "الطاعن" كلاً من أحمد أحمد ومحمود أحمد فشهد الأول بأنه كان يحصل على أجر للمتر قدره 120 مليماً ولما ثبتت صعوبة حفر الترعة الصخرية قبل المهندس وديع صليب في موقع العمل ورفع السعر إلى 250 مليماً بينما شهد ثانيهما بأنه كان يحصل على أجر قدره 175 للمتر الواحد ويعطي العامل 120 مليماً دون تعديل" ثم خلص الحكم إلى القول "إن عبد الرحيم محمد عبد الرحمن قد فشل في إثبات قدر المساحة التي تم حفرها إذ لم يتعرض شاهداه لذلك ومن ثم ترى المحكمة أن ما انتهى إليه شاهد المهندس وديع صليب يتفق وما جاء بإنذار هذا الأخير ويكون قد أثبت وحدة هذه المساحة ولا ترى المحكمة مناصاً من اعتمادها واعتبارها ممثلة للكمية التي تم حفرها فعلاً والتي يستحق عنها المقاول عبد الرحيم محمد عبد الرحمن الأجر الذي انتهت المحكمة إلى تقديره" ولما كان تقدير أقوال الشهود مرهوناً بما يطمئن إليه وجدان قاضي الموضوع ولا سلطان لأحد عليه في ذلك إلا أن يخرج بتلك الأقوال إلى ما لا يؤدي إليه مدلولها، وكانت محكمة الاستئناف فيما استخلصته من أقوال الشهود على النحو الذي حصله الحكم - كما سلف البيان لم تخرج عن مدلولها وهو استخلاص سائغ من شأنه أن يؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون مجادلة في تقدير المحكمة لشهادة الشهود بغية الوصول إلى نتيجة أخرى غير التي أخذ بها الحكم بعد أن اطمأن إليها، وليس صحيحاً ما ينعاه الطاعن من أن المطعون ضده أقر في الإنذار المعلن للطاعن في 2/ 12/ 1963 بأنه قام بحفر 120 ألف متر مكعب، ذلك أنه يبين من مطالعة هذا الإنذار المودع بملف الطعن أن المطعون ضده لم يصدر منه إقرار بالمعنى المتقدم، إذ أن العبارة التي يتمسك بها الطاعن جاءت على النحو الآتي "إن المطعون ضده قال في إنذاره الأول أن الطاعن توقف بعد حفر 78793 متراً مكعباً فرد عليه الطاعن بقوله إنه قام بحفر وإنجاز 120 ألف متر مكعب" فهي عبارة لا يتحقق بها المعنى الذي قصده الطاعن لأن القول بأن المطعون ضده قام بحفر وإنجاز 120 ألف متر مكعب منسوب إلى الطاعن نفسه لا إلى المطعون ضده. والنعي في شقه الثاني مردود ذلك أنه لما كان يبين من الحكم المطعون فيه أنه استخلص من هذا الذي أورده على النحو المتقدم في الرد على الشق الأول ومما قرره استناداً إلى الأوراق الأخرى في الدعوى من أن تنفيذ الحكم الصادر بندب خبير فني فيها أصبح مستحيلاً - بعد أن غمرت المياه موقع العمل - ألا جدوى من إجابة الطاعن إلى طلبه بندب خبير آخر في الدعوى، وأنه وجد في أدلتها الأخرى وأوراقها ومنها أقوال شاهد المطعون ضده على النحو السالف بيانه ما يكفي لتكوين عقيدة المحكمة، وكان هذا من الحكم يبرر العدول عن تنفيذ الحكم بندب خبير. لما كان ما تقدم فإن النعي على الحكم المطعون فيه بهذا السبب في جميع ما ورد به يكون على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.