أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 14 - صـ 355

جلسة 21 من مارس سنة 1963

برياسة السيد المستشار/ الحسيني العوضي، وبحضور السادة المستشارين: محمود القاضي، ومحمود توفيق إسماعيل، ولطفي علي، وحافظ محمد بدوي.

(56)
الطعن رقم 261 لسنة 28 القضائية

( أ ) اختصاص. "مسائل الاختصاص". قانون "سريان قانون المرافعات".
الأصل الرجوع إلى أحكام قانون المرافعات في مسائل اختصاص المحاكم. ثمة نصوص خاصة في القوانين أخرى تتعلق بالاختصاص بنظر بعض الدعاوى.
(ب) دعوى "الدعاوى الشخصية العقارية". اختصاص. "الاختصاص المحلي".
الدعاوى الشخصية العقارية تستند إلى حق شخصي ويطلب بها تقرير حق عيني على عقار أو اكتساب هذا الحق. دعوى صحة التعاقد من الدعاوى الشخصية العقارية. الاختصاص المحلى بهذه الدعاوى معقود للمحكمة التي يقع بدائرتها العقار أو موطن المدعى عليه.
لم يرد بالقانون المدني أية قاعدة بشأن الاختصاص بنظر الدعاوى الشخصية العقارية.
(ج) بيع. "التزامات البائع". "ضمان عدم التعرض". "انتقاله للورثة". "تقادم". "التقادم المكسب". "التقادم المقسط". دعوى "دعوى صحة التعاقد".
التزام البائع بضمان عدم تعرض للمشتري [(1)]. التزام مؤبد يتولد عن عقد البيع ولو لم يشهر وينتقل من البائع إلى ورثته. ليس لهم منازعة المشترى فيما كسبه من حقوق بمقتضى عقد البيع إلا إذا توافرت لديهم أو لدى مورثهم بعد تاريخ البيع شروط التقادم المكسب الطويل المدة. ليس لورثة البائع دفع دعوى المشترى بصحة التعاقد بسقوطها بالتقادم. اعتبار ذلك منازعة ممتنعة قانوناً استناداً إلى التزام مورثتهم بالضمان.
(د) محكمة الموضوع. عقد. "تكييف العقد". نقض. "إيداع المستندات المؤيدة للطعن".
استخلاص محكمة الموضوع من عبارات العقد أنه عقد بيع تام مستكمل لأركانه القانونية استخلاصاً سائغاً ينفق مع مدلولها الظاهر. عدم تقديم الطاعن ما يخالف هذا التكييف. النعي على الحكم الخطأ في التكييف لا أساس له.
1 - تحديد اختصاص المحاكم من المسائل التي يختص بها قانون المرافعات ومن ثم يجب الرجوع إلى أحكامه لتعيين الجهة المختصة وذلك فيما عدا الحالات التي وردت بشأنها نصوص في قوانين أخرى رأى الشارع أن يخص بها دعاوى معينة خروجاً على القواعد العامة التي نظمها قانون المرافعات.
2 - الدعاوى الشخصية العقارية هي الدعاوى التي تستند إلى حق شخصي ويطلب بها تقرير حق عيني على عقار أو اكتساب هذا الحق ومن ذلك الدعوى التي يرفعها المشتري بعقد غير مسجل ويطلب بها الحكم على البائع بصحة التعاقد وقد راعى الشارع - هذا الازدواج في تكوين الدعوى ومآلها حينماً جعل الاختصاص المحلي بنظر الدعاوى الشخصية العقارية - وفقاً للمادة 56 مرافعات - معقوداً للمحكمة التي يقع في دائرتها العقار أو موطن المدعى عليه. ولا ينال من هذا النظر أن تكون المادة 83 من القانون المدني قد اقتصرت في تقسيم الأموال والدعاوى المتعلقة بها على عقار ومنقول فقط إذ لم يرد فيها أو غيرها من نصوص القانون المدني أية قاعدة للاختصاص تغاير قاعدة المادة 56 من قانون المرافعات في شأن الاختصاص بالدعاوى الشخصية العقارية.
3 - يلتزم البائع بضمان عدم التعرض للمشتري في الانتفاع بالبيع أو منازعته فيه. وهذا الالتزام مؤيد يتولد عن عقد البيع ولو لم يكن هذا العقد مشهراً وينتقل من البائع إلى ورثته فيمتنع عليهم - مثله - منازعة المشتري فيما كسبه من حقوق بموجب عقد البيع إلا إذا توافرت لديهم أو لدى مورثهم بعد تاريخ البيع شروط وضع اليد على العين المبيعة المدة الطويلة المكسبة للملكية. وإذا كان الطاعنون (ورثة البائع) قد دفعوا دعوى ورثة المشترى بصحة ونفاذ عقد البيع الصادر لمورثهم من مورث الطاعنين - بسقوطها بالتقادم لرفعها بعد أكثر من خمس عشرة سنة من تاريخ صدور هذا العقد، فإن هذا الدفاع يعد من قبيل المنازعة الممتنعة قانوناً على الطاعنتين بمقتضى إلزام مورثهم بالضمان، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه لا يكون قد خالف القانون.
4 - متى كانت المحكمة الموضوع قد استخلصت - من عبارات العقد أنه عقد بيع تام مستكمل لأركانه القانونية وكان هذا الاستخلاص سائغاً يتفق مع مدلولها الظاهر وكان الطاعن لم يقدم لمحكمة النقض ما يدل على أن العقد الذي لم يقدم صورته بملف الطعن - يحوى عبارات أخرى غير التي أثبتها الحكم المطعون فيه تخالف ما ذهبت إليه محكمة الموضوع في تكيفها للعقد، فإن النعي عليها الخطأ في هذا التكييف يكون على غير أساس.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن وقائعه - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون عليهم أقاموا في 4 يونيه سنة 1955 الدعوى رقم 205 سنة 1955 مدني كلي دمنهور ضد الطاعنتين بطلب الحكم بصحة التعاقد الحاصل بين مورث الطاعنتين المرحوم جندي عبد السيد وبين مورثهم المرحوم مجلي عبد السيد بالعقد العرفي المؤرخ 28 مايو سنة 1930 والمتضمن بيع الأول للثاني 7ف و18 ط المبينة بالصحيفة والكائنة بزمام بركة غطاس مركز أبو حمص - وقد دفع الطاعن الأول الدعوى بعدم اختصاص محكمة دمنهور الابتدائية محلياً بنظرها تأسيساً على أن الدعوى وهى دعوى صحة تعاقد تعتبر دعوى شخصية منقولة تختص بنظرها المحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعى عليه لا المحكمة التي يقع في دائرتها العقار محل التعاقد كما دفع بسقوط الحق في رفع الدعوى بالتقادم تأسيساً على أن العقد سند الدعوى محرر في 28 مايو سنة 1930 ولم ترفع به الدعوى إلا في سنة 1955 أي بعد مضي أكثر من خمس عشرة سنة ودفع أيضاً بأن الورقة المذكورة لا تتضمن عقد بيع وإنما مجرد إيجاب من مورث الطاعنتين قد سقط لعدم مصادفته قبولاً في وقت مناسب وبتاريخ 14 من أكتوبر سنة 1956 حكمت محكمة دمنهور الابتدائية للمدعين (المطعون عليهم) بطلباتهم فاستأنف الطاعنون هذا الحكم بالاستئناف رقم 407 سنة 12 ق أمام محكمة استئناف الإسكندرية وتمسكوا في الاستئناف بأوجه دفاعهم سالفة الذكر وبتاريخ 18 مايو سنة 1958 قضت المحكمة المذكورة بتأييد الحكم المستأنف فطعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض بتقرير تاريخه 5 من أغسطس سنة 1958 وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 21 يناير سنة 1962 وفيها صممت النيابة على المذكرة التي قدمتها وطلبت فيها رفض الطعن وقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى هذه الدائرة. وبعد استيفاء الإجراءات اللاحقة على إحالة حدد لنظره جلسة 21 فبراير سنة 1963 وفيها تمسكت النيابة برأيها السابق.
وحيث إن الطعن بني على ثلاثة أسباب يتحصل ثانيها في أن الحكم المطعون فيه خالف القانون بقضائه برفض الدفع بعدم الاختصاص المحلي الذي أبداه الطاعنون أمام محكمة الموضوع بدرجتيها ذلك أن الدعوى صورة متحركة للحق وتستمد صفتها منه فالدعوى التي تحمي حقاً عينياً تعتبر دعوى عينية والتي تحمي حقاً شخصياً تكون دعوى شخصية والقانون المدني الجديد لا يعرف غير هذين النوعين من الدعاوى وبصدوره انقرضت الدعاوى الشخصية العقارية. وتكييف الدعوى يكون بحالتها وقت رفعها وليس بحسب ما تتمخض عنه من نتائج وإذا كان قانون المرافعات قد نص في المادة 56/ 2 على الدعاوى الشخصية العقارية وجعل الاختصاص بنظرها للمحكمة التي يقع في دائرتها العقار أو موطن المدعى عليه إلا أن هذا النص قد ولد ميتاً لتعارضه مع نص المادة 83 من القانون المدني الذي يعتبر المرجع في وصف الأموال بكونها عقاراً أو منقولاً وهو لم يعتبر من قبيل العقار إلا الدعوى المتعلقة بحق عيني على عقار ولما كانت دعوى صحة التعاقد تعتبر بحسب أحكام القانون المدني دعوى شخصية منقولة كالحق الذي تستند إليه فإن الاختصاص بنظرها يكون لمحكمة مواطن المدعى عليه وحدها ولما كان المطعون عليهم قد رفعوا الدعوى أمام محكمة دمنهور الابتدائية باعتبارها المحكمة التي يقع بدائرتها العقار محل التعاقد الذي رفعت الدعوى بطلب صحته فإن الحكم المطعون فيه إذ رفض الدفع بعدم اختصاص تلك المحكمة بنظر الدعوى تأسيساً على أن أحكام قانون المرافعات هي الواجبة الاتباع دون أحكام القانون المدني يكون مخالفاً للقانون.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن تحديد اختصاص المحاكم من المسائل التي يختص بها قانون المرافعات ومن ثم وجب الرجوع إلى أحكامه لتعيين المحكمة المختصة وذلك فيما عدا الحالات التي وردت بشأنها نصوص في قوانين أخرى رأى المشرع أن يخص بها دعاوى معينة خروجاً على القواعد العامة التي نظمها قانون المرافعات ولما كانت المادة 56 من هذا القانون تقضي بأن الاختصاص ينظر الدعاوى الشخصية العقارية يكون للمحكمة التي يقع في دائرتها العقار أو موطن المدعى عليه والمقصود بالدعاوى التي من هذا النوع هو - على ما ورد في المذكرة التفسيرية في تعليقها على هذه المادة - الدعاوى التي تستند إلى حق شخصي ويطلب بها تقرير حق عيني على عقار أو اكتساب هذا الحق. وقد ضربت المذكرة مثلاً لهذه الدعاوى بالدعوى التي يرفعها المشتري بعقد غير مسجل ويطالب بها الحكم على البائع بصحة التعاقد لما كان ذلك، وكانت المادة 83 من القانون المدني وإن اقتصرت في تقسيم الأموال والدعاوى المتعلقة بها على تقسيمها إلى عقار ومنقول فقط إلا أنه لم يرد فيها أو في غيرهم من نصوص ذلك القانون قاعدة للاختصاص تغاير القاعدة الواردة في المادة 56 من قانون المرافعات في شأن الدعاوى الشخصية العقارية حتى كان يصح القول بقيام التعارض بين أحكام القانونين في خصوص تحديد الاختصاص لنظر تلك الدعاوى وإغفال القانون المدني الإشارة إلى هذا النوع من الدعاوى لا يمنع من أن يفرد له قانون المرافعات قاعدة خاصة بالنسبة للاختصاص ولقد أفصح المشرع في المذكرة التفسيرية سالفة الذكر عن علة إيراد هذه القاعدة التي جعلت الاختصاص لمحكمة العقار إلى جانب محكمة موطن المدعى عليه فذكر أنه راعى في ذلك مآل الدعوى والازدواج الواقع في تكوينها ومن ثم فلا سند للقول بأن أحكام القانون المدني قد جاءت ناسخه للقاعدة الواردة في المادة 56 من قانون المرافعات وإذ كان الثابت والذي لا خلاف عليه أن الدعوى الحالية رفعت إلى المحكمة التي يقع في دائرتها العقار محل التعاقد الذي طلب الحكم بصحته فإن الدعوى تكون قد رفعت إلى محكمة مختصة بنظرها ويكون الحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى رفض الدفع بعدم اختصاص هذه المحكمة محلياً بنظر الدعوى غير مخالف للقانون.
وحيث إن حاصل السبب الأول أن الحكم المطعون فيه خالف القانون فيما أقام عليه قضاءه برفض الدفع بقسط الحق في رفع الدعوى بالتقادم من أنه لا يجوز للبائع أو ورثته إبداء هذا الدفع لأنه يعتبر من قبيل المنازعة الممتنعة عليهم قانوناً بمقتضى إلزام القانون مورثهم بضمان عدم التعرض للمشتري ويقول الطاعنون إن هذا الذي قرره الحكم ينطوي على خلط بين أحكام الضمان وأحكام التقادم وأنه إذا كان أي التزام أصلي يسقط بالتقادم فإن الالتزام بالضمان وهو التزام تبعي يسقط من باب أولى بهذا التقادم لأن الضمان هو التزام يسري عليه ما يسري على كافة الالتزامات من أحكام القانون ومن بينها حكم المادة 374 من القانون المدني التي كان يقابلها في القانون القديم المادة 208 و272 والتي تقضي بتقادم الالتزام بانقضاء خمس عشرة سنة.
وحيث إن هذا السبب مردود بأن ما أقام عليه الحكم المطعون فيه قضاءه برفض الدفع بسقوط الحق في رفع الدعوى بالتقادم من أن هذا الدفع يتنافى مع التزام البائع بضمان التعرض صحيح في القانون ذلك أن من أحكام البيع المقررة في المادتين 261 و300 من القانون المدني القديم والمادة 439 من القانون القائم التزام البائع بضمان عدم التعرض للمشتري في الانتفاع بالمبيع أو منازعته فيه وهذا الالتزام مؤيد يتولد من عقد البيع ولو لم يكن هذا العقد مشهراً فيمتنع على البائع أبداً التعرض للمشتري لأن من وجب عليه الضمان امتنع عليه التعرض وينتقل هذا الالتزام من البائع إلى ورثته فيمتنع عليهم مثله منازعة المشتري فيما كسبه من حقوق بموجب عقد البيع إلا إذا توافرت لديهم أو لدى مورثهم بعد تاريخ البيع شروط وضع اليد على العين المبيعة المدة الطويلة المكسبة للملكية - وفق ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ولما كان دفاع الطاعنتين بسقوط حق المطعون عليهم لعقودهم عن رفع دعواهم بصحة ونفاذ عقد البيع الصادر إلى مورثهم من مورث الطاعنتين أكثر من خمس عشرة سنة بعد تاريخ صدور هذا العقد هو من قبيل المنازعة الممتنعة قانوناً على الطاعنتين بمقتضى إلزام القانون مورثهم بالضمان السالف الذكر فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدفع الذي أبداه الطاعنون بسقوط حق المطعون عليهم في رفع الدعوى بالتقادم لا يكون مخالفاً للقانون.
وحيث إن حاصل السبب الثالث أن الحكم المطعون فيه خالف القانون ذلك أنه أخطأ في تكييف الورقة التي رفعت الدعوى بطلب صحة التعاقد المثبت فيها إذ اعتبر هذا التعاقد عقد بيع تام صحيح حالة أنه مجرد وعد بالبيع لا تجوز رفع دعوى بصحته ونفاذه.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن تكييف محكمة الموضوع للعقد المرفوعة به الدعوى بأنه عقد بيع تام مستكمل أركانه القانونية هو تكييف صحيح لما أثبته المحكمة في حكمها من عبارات هذا العقد وما استخلصته منها استخلاصاً سائغاً يتفق مع مدلولها الظاهر ولما كان الطاعن لم يقدم لمحكمة النقض ما يدل على أن العقد - الذي لم يقدم صورته بملف الطعن - يحوي عبارات أخرى غير التي أثبتها الحكم المطعون فيه تخالف ما ذهبت إليه محكمة الموضوع في تكييفها للعقد فإن النعي عليها بالخطأ في هذا التكييف يكون على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.


[(1)] راجع المواد 261 و300 من القانون المدني القديم والمادة 439 من التقنين الحالي.